المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: ‌[فصل سب النبي]

يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطُوفُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَيَخْلُو بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَيَسْتَشِيرُهُ فِيمَنْ يَكُونُ خَلِيفَةً حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى عُثْمَانَ فَحِينَئِذٍ تَابَعَهُ.

فَمَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَنْ شَتَمَ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ شَتْمٌ لِعُثْمَانَ وَبَاطِنُهُ تَخْطِئَةٌ لِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَخْطِئَتُهُمْ جَمِيعِهِمْ كُفْرٌ فَيَكُونُ زَنْدَقَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَتْمَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كُفْرٌ، هَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحْمَدَ أَصْلًا وَلَا نَقْلًا، وَأَيْضًا نَقُولُ: إنَّ أَحْمَدَ بِهَذَا يُقْدِمُ عَلَى قَتْلِ سَابِّ عُثْمَانَ فَاَلَّذِي خَرَجَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ رِوَايَةً فِي سَابِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ أَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ مَا قُصِدَ بِهِ أَذَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ أَذَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ كَمِسْطَحٍ وَحَمْنَةَ.

[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

أَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] بَلْ لَوْ لَمْ تَسْتَهْزِئُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِيمَنْ حَفِظَ شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كُفْرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكِتَابَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَرْكِهِ مَتَى وُجِدَ دُونَ مَحْوِهِ.

(فَصْلٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِمَنْ سُبَّ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(فَصْلٌ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ كَمَا قَرَأْته عَلَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّنْهَاجِيِّ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْكَرَمِ بْنِ الْبِنَاءِ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْكَرُوخِيُّ أَنَا أَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَزْدِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْغُورَجِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْيَوِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله قَالَ: بَابٌ فِيمَنْ يَسُبُّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: حَدَّثَنَا

ص: 573

مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْت ذَكْوَانَ أَنَا صَالِحٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَبِالْإِسْنَادِ إلَى التِّرْمِذِيِّ أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.

وَبِهِ إلَى التِّرْمِذِيِّ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا عُبَيْدَةُ بْنُ أَبِي رَائِطَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْت: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَعَبِيدَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ بْنُ أَبِي رَائِطَةَ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَرُوَاةُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَيَحْسُنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.

وَقَوْلُهُ فِيهِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ " أَصْحَابِي " الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ خِطَابٌ لِمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ.

وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» مَعَ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ تَأْوِيلٍ بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ وَلِيَكُونَ الْمُخَاطَبُونَ غَيْرَ الْأَصْحَابِ الْمُوصَى بِهِمْ كِبَارَ الْأَصْحَابِ وَإِنْ شَمِلَ اسْمُ الصُّحْبَةِ لِلْجَمِيعِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي» يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَاسْمُ الصُّحْبَةِ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا وَكِبَارُهُمْ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ فَأَمْرُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّأَدُّبُ مَعَهُمْ، وَسَمِعْت شَيْخَنَا الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ عَطَاءٍ يَذْكُرُ فِي مَجْلِسِهِ فِي الْوَعْظِ تَأْوِيلًا آخَرَ يَقُولُ: إنَّ

ص: 574

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَهُ تَجَلِّيَاتٌ يُرَى فِيهَا مِنْ بَعْدِهِ فَيَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ التَّجَلِّيَاتِ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَهُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ صُوفِيَّةٌ وَهُوَ كَانَ مُتَكَلِّمَ الصُّوفِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّاذِلِيَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ فَالْحَدِيثُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَيَدْخُلُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي حُكْمِهِمْ فَإِنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لِمَجْمُوعِهِمْ لِأَجْلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ وَاسْتِغْرَاقِ الْعُمُومِ.

وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْبَحْثِ سَبُّ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ سَبَّ الْجَمِيعِ لَا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَهَكَذَا إذَا سَبَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ هُوَ صَحَابِيٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ فَفِيهِ تَعَرُّضٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ السَّابِّ.

وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيَّ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ فَإِنَّ بُغْضَ الصَّحَابَةِ بِجُمْلَتِهِمْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ، وَأَمَّا إذَا سَبَّ صَحَابِيًّا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا بَلْ لِأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ مَثَلًا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَنَحْنُ نَتَحَقَّقُ فَضِيلَتَهُ كَالرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَسُبُّونَ الشَّيْخَيْنِ وَإِنَّهُمَا أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَإِنَّهُمَا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ رَوَيْنَا فِي كِتَابِهِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَيْهِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ» فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كُفْرِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ وَجْهَيْنِ وَوَجْهُ التَّرَدُّدِ مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّ سَبَّ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ قَدْ يَكُونُ لِأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ، وَقَدْ يُبْغِضُ الشَّخْصُ الشَّخْصَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَكْفِيرًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَبْغَضَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَجْلِ صُحْبَتِهِ فَهُوَ كُفْرٌ بَلْ مَنْ دُونَهُمَا فِي الصُّحْبَةِ إذَا أَبْغَضَهُ لِصُحْبَتِهِ كَانَ كَافِرًا قَطْعًا.

بَقِيَ لَنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بُغْضُ الرَّافِضِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما لَيْسَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ مُشَارَكَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَإِلَّا كَانَ فِيهِمَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ

ص: 575

الرَّفْضِ وَتَقْدِيمِهِ عَلِيًّا وَاعْتِقَادِهِ بِجَهْلِهِ أَنَّهُمَا ظَلَمَاهُ وَهُمَا مُبَرَّآنِ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ يَعْتَقِدُ بِجَهْلِهِ أَنْ يَنْتَصِرَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه لِقَرَابَتِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَمْ يَقْتَضِ كُلَّ فَرْدٍ وَالْمَعْنَى الْمُعَلَّلُ بِهِ لَمْ يَقْتَضِ كُلَّ فَرْدٍ.

فَهَذَا وَجْهُ التَّرَدُّدِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى «مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا فَاجْلِدُوهُ» إنْ صَحَّ فَهُوَ نَصٌّ فِي الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْجَلْدُ لَا شَكَّ فِيهِ كَبِيرًا كَانَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ كَانَ سَبُّهُ لِعَيْنِهِ وَأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ لَا يَعُودُ عَلَى الدِّينِ بِنَقْصٍ، وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ فَإِنَّهُ يُبْغِضُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما لِمَا اسْتَقَرَّ فِي ذِهْنِهِ بِجَهْلِهِ وَمَا نَشَأَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ عَنْ اعْتِقَادِهِ ظُلْمَهُمَا لِعَلِيٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا عَلِيٌّ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَاعْتِقَادُ الرَّافِضِيِّ ذَلِكَ يَعُودُ عَلَى الدِّينِ بِنَقْصٍ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ هُمَا أَصْلٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا مَأْخَذُ التَّكْفِيرِ بِبُغْضِ الرَّافِضَةِ لَهُمَا وَسَبِّهِمْ لَهُمَا وَقَدْ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى الْبَدِيعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ قَسَّمَ الرَّافِضَةَ إلَى كُفَّارٍ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ طَوَائِفِهِمْ وَفِيمَنْ أَنْكَرَ إمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُكَفَّرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْكَارُ الْإِمَامَةِ دُونَ السَّبِّ.

وَرَأَيْت فِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الرَّافِضَةِ ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافَتِهِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى: وَالرَّافِضِيُّ الْغَالِي الَّذِي يُنْكِرُ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.

وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ رحمه الله وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى وَبِدْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ إنْ كَانَ هَوًى يُكَفَّرُ بِهِ لَا تَجُوزُ وَإِلَّا تَجُوزُ وَتُكْرَهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لِابْنِ بَلَدْجِيٍّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَسَبُّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبُغْضُهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَكِنْ يُضَلَّلُ فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمْ يُكَفِّرْ شَاتِمَهُ حَتَّى لَمْ يَقْتُلْهُ.

وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْخِيَارِيُّ فِي عُمَرَ رضي الله عنه: مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ كَانَ يَغْصِبُ الْحَقَّ أَهْلَهُ وَيَسْتَوْلِي عَلَى مَا كَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ بِهِ ظُلْمًا مِنْهُ وَعُتُوًّا وَيُزَوِّجُ ابْنَتَهُ قَهْرًا أَبَى أَوْ شَاءَ فَقَدْ أَصَرَّ بِالْقَتْلِ إذْ لَا دَاءَ أَعْظَمُ مِنْ الْعِنَادِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْبَدِيعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ أَنْكَرَ إمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَهُوَ كَافِرٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُبْتَدِعٌ، وَالصَّحِيحُ

ص: 576

أَنَّهُ كَافِرٌ.

وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ: وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا فُسِّقَ، وَأَمَّا مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْحُسَيْنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى إمَامَتِهِمْ.

وَالثَّانِي: يُفَسَّقُ وَلَا يُكَفَّرُ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يُقْطَعُ بِتَخْلِيدِهِمْ فِي النَّارِ وَهَلْ يُقْطَعُ بِدُخُولِهِمْ النَّارَ؟ وَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَارَبِ، وَفَسَادُ الْمُحَارَبِ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورِ الدِّينِ مِنْ سُبُلِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَفَسَادُ أَهْلِ الْبِدَعِ مُعْظَمُهُ عَلَى الدِّينِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِمَا يُلْقُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعَدَاوَةِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَشْعَرِيِّ فِي التَّكْفِيرِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ قَالَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْكُفْرَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْبَارِئِ تَعَالَى، قَالَ: وَسَمَتْهُ الرَّافِضَةُ بِالشِّرْكِ وَإِطْلَاقِهِ اللَّعْنَةَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ، وَقَدْ يُجِيبُ الْآخَرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الْكُفْرِ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ وَإِشْرَاكٍ دُونَ إشْرَاكٍ.

وَقَوْلُهُ فِي الْخَوَارِجِ: اُقْتُلُوهُمْ عَادَ يَقْتَضِي الْكُفْرَ، وَالْآخَرُ يَقُولُ: إنَّهُ حَدٌّ لَا كُفْرٌ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَغْيِهِمْ عَلَيْهِمْ وَذِكْرٌ عَامٌّ وَسَبَبُهُ الْقَتْلُ وَحُكْمُهُ لَا لِلْمَقْتُولِ قَالَ جَهْمٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ شَبِيبٍ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ الْجَهْلُ بِهِ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ: كُلُّ مُتَأَوِّلٍ كَانَ تَأْوِيلُهُ تَشْبِيهًا لِلَّهِ بِخَلْقِهِ وَتَجْوِيرًا لَهُ فِي فِعْلِهِ وَتَكْذِيبًا بِخَبَرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا قَدِيمًا لَا يُقَالُ لَهُ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ إنْ كَانَ مِمَّا عَرَفَ الْأَصْلَ وَبَنَى عَلَيْهِ وَكَانَ فِيمَا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَهُوَ فَاسِقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَصْلَ فَهُوَ مُخْطِئٌ غَيْرُ كَافِرٍ، وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوْ خَطَّأَ حَدِيثًا مُجْمَعًا عَلَى نَقْلِهِ مَقْطُوعًا بِهِ مُجْمَعًا عَلَى ظَاهِرِهِ كَتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ، وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ قَائِلٍ

ص: 577

قَالَ قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ وَتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِ الْكَامِلِيَّةِ مِنْ الرَّافِضَةِ بِتَكْفِيرِ جَمْعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا الشَّرِيعَةَ بِانْقِطَاعِ نَقْلِهَا، وَإِلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَشَارَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُقْتَلُ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى إنْكَارِ قَاعِدَةٍ مِنْ الدِّينِ كَإِنْكَارِ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ مُؤْتَةَ أَوْ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَتْلِ عُثْمَانَ وَخِلَافَةِ عَلِيٍّ مِمَّا عُلِمَ بِالنَّقْلِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ فِي إنْكَارِهِ جَحْدُ شَرِيعَتِهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْفِيرِهِ بِجَحْدِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُبَاهَتَةِ كَإِنْكَارِ هِشَامٍ وَعَبَّادٍ وَقْعَةَ الْجَمَلِ وَمُحَارَبَةَ عَلِيٍّ مَنْ خَالَفَهُ فَإِنَّ ضَعْفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تُهْمَةِ النَّاقِلِينَ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعَ فَتَكْفِيرُهُ لِسَرَيَانِهِ إلَى إبْطَالِ الشَّرِيعَةِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ وَلَا يُكَفَّرُ بِقَوْلٍ وَلَا رَأْيٍ إلَّا إذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ وَيَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَيُكَفَّرُ لَيْسَ لِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ لَكِنْ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْكُفْرِ فَالْكُفْرُ بِاَللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَالْمَشْيِ إلَى الْكَنَائِسِ بِالزُّنَّارِ مَعَ أَهْلِهَا أَوْ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَوْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ، وَمَنْ ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ أَوْ الرِّسَالَةَ أَوْ النُّبُوَّةَ أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَهُ أَوْ رَبَّهُ فَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِهِ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ عَظِيمِ النَّكَالِ وَلَا يُرِقُّهُ عَنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ لِيَكُونَ زَجْرًا لِمِثْلِهِ، وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ فَمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ فِي غَمْرَتِهِ وَذَهَابِ تَمَيُّزِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَمَا فَعَلَهُ فِي حَالِ مَيْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَقْلُهُ وَسَقَطَ تَكْلِيفُهُ أُدِّبَ عَلَى ذَلِكَ لِيَنْزَجِرَ عَنْهُ كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى قَبَائِحِ الْأَفْعَالِ حَتَّى يَنْكَفَّ عَنْهُ كَمَا تُؤَدَّبُ الْبَهِيمَةُ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ حَتَّى تُرَاضَّ.

عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِيُعَظِّمَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَكَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَلَّمَا يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ إلَّا فِيمَا يَتَّصِلُ بِطَاعَتِهِ وَيَقُولُ: جُزِيت خَيْرًا، وَقَلَّمَا يَقُولُ: جَزَاك اللَّهُ إعْظَامًا لِاسْمِ اللَّهِ أَنْ يُمْتَهَنَ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ يَعِيبُ عَلَى أَهْلِ الْكَلَامِ كَثْرَةَ خَوْضِهِمْ فِيهِ تَعَالَى وَفِي صِفَاتِهِ إجْلَالًا لِاسْمِهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ يَتَمَنْدَلُونَ بِاَللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. وَيُنَزَّلُ الْكَلَامُ فِي هَذَا

ص: 578

الْبَابِ تَنْزِيلَهُ فِي بَابِ سِبَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي مَا جُعِلَ سَبًّا هُنَاكَ فَهُوَ سَبٌّ هُنَا أَيْضًا.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي سَبِّ الصَّحَابَةِ: قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ.

قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ وَإِنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ أُدِّبَ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ مُعَاوِيَةَ أَوْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنْ قَالَ: كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ أَوْ كُفْرٍ قُتِلَ وَإِنْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ مُشَاتَمَةِ النَّاسِ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا.

قُلْت: قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ أُدِّبَ قَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ خَاصًّا بِهِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْقَتْلِ إذَا نَسَبَهُمْ إلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ حَسَنٌ أَنَا أُوَافِقُهُ عَلَيْهِ إذَا نَسَبَهُمْ إلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِالْجَنَّةِ وَإِنْ نَسَبَهُمْ إلَى الظُّلْمِ دُونَ الْكُفْرِ كَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الرَّافِضَةِ فَهَذَا مَحَلُّ التَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ جِهَةِ نُصْرَتِهِمْ الدِّينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا زَعْمُ الرَّافِضَةِ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ لَا تَنْقِيصَ فِيهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّوَافِضَ يُنْكِرُونَ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ وَيَفْتَرُونَ عَلَى مَنْ عَلِمْنَا بِالضَّرُورَةِ بَرَاءَتَهُمْ مِمَّا افْتَرَوْا عَلَيْهِمْ بِهِ وَلَكِنَّ السِّرَّ فِي تَكْفِيرِ مُنْكِرِ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ تَضَمُّنُهُ لِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالرَّوَافِضُ هُنَا لَا يَقُولُونَ وَلَا هُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ هُمْ: هُوَ الَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَنَحْنُ نُكَذِّبُهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَعْلَمُ مُبَاهَتَتَهُمْ وَلَكِنَّ التَّكْفِيرَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَمْ نَتَحَقَّقْ إلَى الْآنَ مِنْ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي قَتْلَهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ غَلَا مِنْ الشِّيعَةِ إلَى بُغْضِ عُثْمَانَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا وَمَنْ زَادَ إلَى بُغْضِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَالْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ أَشَدُّ وَيُكَرَّرُ ضَرْبُهُ، وَيُطَالُ سَجْنُهُ حَتَّى يَمُوتَ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ إلَّا فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ كَذَّبَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرَهُمَا يُوجَعُ ضَرْبًا.

وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى

ص: 579

ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذَا نُكِّلَ النَّكَالَ الشَّدِيدَ.

قُلْت: قَتْلُ مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ إلَّا الْغُلَاةَ مِنْ الرَّوَافِضِ فَلَوْ كَفَّرَ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَلِيًّا لَمْ يُصَرِّحْ سَحْنُونٌ فِيهِ بِكَلَامٍ، فَكَلَامُ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمُ أَصْرَحُ فِيهِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ: أَمَّا الْقَتْلُ فَأَجْبُنُ عَنْهُ وَلَكِنْ أَضْرِبُهُ ضَرْبًا نَكَالًا.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْحَنْبَلِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي سَبِّ الصَّحَابَةِ إنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ كُفِّرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِلًّا فُسِّقَ وَلَمْ يُكَفَّرْ، قَالَ: وَقَدْ قَطَعَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ بِقَتْلِ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ وَكُفْرِ الرَّافِضَةِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ وَسُئِلَ عَنْ مَنْ شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: كَافِرٌ، قِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ: لَا.

وَمِمَّنْ كَفَّرَ الرَّافِضَةَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ هَانِئٍ وَقَالَا: لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْكُوفَةِ: لَيْسَ لِلرَّافِضِيِّ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ إلَّا لِمُسْلِمٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: شَتْمُ عُثْمَانَ زَنْدَقَةٌ وَأَجْمَعَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَى مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى الصَّحَابِيُّ.

(فَصْلٌ) أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ رحمه الله قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ سَمَاعًا قَالَ: أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَدَّادُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ ثنا أَبُو عَبْدَةَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُؤَمَّلِ ح قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يُمْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»

وَبِالْإِسْنَادِ إلَى أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ الْحَسَنُ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ الْعَقَدِيَّ حَدَّثَهُمَا

ص: 580

قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل: قَالَ: «مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي.»

وَبِهِ إلَى أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ ثنا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنهما قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيك؟ فَقَالَ: يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ وَإِنَّ مَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْمُحَارَبَةِ»

هَذَا أَيْضًا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَكَذَا عُمَرُ وَكَذَا عُثْمَانُ وَكَذَا عَلِيٌّ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ فَمَنْ آذَى وَاحِدًا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْمُحَارَبَةِ، فَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحَارَبِ لَمْ يَبْعُدْ وَلَا يَلْزَمُ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِيمَنْ تَحَقَّقَتْ وِلَايَتُهُ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ وَيَدْخُلُ الْمُؤْذِي لِهَؤُلَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]- الْآيَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ فِي الْآيَةِ مَعْهُودُونَ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْمُحَارَبِينَ الَّذِينَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ حَتَّى اُسْتُحِقَّ بِهِ مُحَارَبَةُ اللَّهِ وَمُبَارَزَتُهُ سُبْحَانَهُ بِالْحَرْبِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَطَعَ لِسَانَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إذْ شَتَمَ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: دَعُونِي أَقْطَعْ لِسَانَهُ حَتَّى لَا يُشْتَمُ بَعْدُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ قَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ: إنَّهُ ابْنُ زَانِيَةٍ وَأُمُّهُ مُسْلِمَةٌ حُدَّ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ حَدَّيْنِ حَدًّا لَهُ وَحَدًّا لِأُمِّهِ وَلَا أَجْعَلُهُ كَقَاذِفِ الْجَمَاعَةِ فِي كَلِمَةِ الْفَصْلِ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاجْلِدُوهُ» وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ أَحَدِهِمْ وَهِيَ كَافِرَةٌ حُدَّ حَدَّ الْفِرْيَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبٌّ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ مَنْ وُلِدَ مِنْ وَلَدِ هَذَا الصَّحَابِيِّ حَيًّا قَامَ بِمَا يَجِبُ لَهُ وَإِلَّا فَمَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَبُولُ قِيَامِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَحُقُوقِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحُرْمَةِ هَؤُلَاءِ نَبِيَّهُمْ

ص: 581

- صلى الله عليه وسلم وَلَوْ سَمِعَهُ الْإِمَامُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ وَلِيَّ الْقِيَامِ بِهِ.

وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُقْتَلُ. وَالْآخَرُ: كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ يُجْلَدُ حَدَّ الْمُفْتَرِي. قَالَ: وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ.

وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ سَبَّ آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَيُشَهَّرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَفْتَى أَبُو مُطَرِّفٍ فِيمَنْ أَنْكَرَ تَحْلِيفَ امْرَأَةٍ بِاللَّيْلِ وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ مَا حَلَفَتْ إلَّا بِالنَّهَارِ بِالْأَدَبِ الشَّدِيدِ لِذِكْرِ هَذَا لِابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مِثْلِ هَذَا.

وَقَالَ ابْنُ عِمْرَانَ فِيمَنْ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَهُ إنْ كَانَ فِي مِثْلِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا فَيُضْرَبُ ضَرْبًا يَبْلُغُ بِهِ حَدَّ الْمَوْتِ وَذَكَرُوهَا رِوَايَةً

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْبُونٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ إجَازَةً. أَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ حَيْوَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فَاقْتُلُوهُ وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ»

وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ كُنْت يَوْمًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ، وَحَكَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَتَيْت أَبَا بَكْرٍ وَقَدْ أَغْلَظَ لِرَجُلٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقُلْت: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: اجْلِسْ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَكْفَرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ عَلَيْهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِالْمَعَاصِي كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَخِيهِ: كَافِرٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ الْإِسْلَامِ إذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ:

(أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ وَهَذَا يُكَفَّرُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى بَاءَ

ص: 582

بِهَا أَيْ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَكَذَا حَارَ عَلَيْهِ أَيْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ فَبَاءَ وَحَارَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) رَجَعَتْ إلَيْهِ نَقِيصَتُهُ لِأَخِيهِ وَمَعْصِيَتُهُ كَبِيرَةٌ.

(الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الْوَجْهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ.

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ كَمَا قَالُوا: يُرِيدُ الْكُفْرَ وَيُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ عَاقِبَةُ شُؤْمِهَا الْمَصِيرَ إلَى الْكُفْرِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ «فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ وَجَبَ الْكُفْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا» .

(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ فَلَيْسَ الرَّاجِعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ بَلْ التَّكْفِيرَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ إمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْت: كَوْنُ الْخَوَارِجِ لَا يُكَفَّرُونَ لَسْت مُوَافِقًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَحَّ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ: مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَهُمْ الْخَوَارِجُ، وَهُمْ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ ادَّعَى الْإِسْلَامَ وَلَا يُتْرَكُ مَا عِنْدَنَا إلَى اعْتِقَادِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هَذَا نَصٌّ فِي الْقَتْلِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ سَبِّ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَجِئْ قَطُّ مَا يَقْتَضِي قَتْلَ قَائِلِهِ وَلَا كُفْرَهُ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى «مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا فَاجْلِدُوهُ» إنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي كُفْرًا وَلَا قَتْلًا.

وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ فَقُلْت: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 583

تَأْذَنُ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِي غَيْظَهُ، فَقَامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إلَيَّ فَقَالَ: مَا الَّذِي قُلْت آنِفًا؟ قُلْت: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ قَالَ: أَكُنْت فَاعِلًا لَوْ أَمَرْتُك؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إغْضَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُوجِبُ الْقَتْلَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ أَذَاهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَذَاهُ مَقْصُودًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْأَذَى خَفِيفًا أَمْ غَيْرَ خَفِيفٍ فَلَا شَيْءَ مِنْ قَصْدِ أَذَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَمَلٌ بَلْ كُلُّهُ كُفْرٌ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ «مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي» فَابْتَدَرَ لَهُ خَالِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ كُفْرٌ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فَاقْتُلُوهُ» إنْ ثَبَتَ فَهُوَ عُمْدَةٌ فِي أَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَمَا يَقُولُهُ الْمَالِكِيَّةُ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا نَعْلَمُهُ إلَّا بِإِسْنَادٍ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ وَجَعْلُ مَنَاطِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَلَا اسْتِتَابَةٍ، وَإِنْ تَابَ حَدًّا هَذَا إنَّمَا صَحَّ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَذَلِكَ الْوَقْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَالْأَخْذِ بِعُمُومِهِ صَعْبٌ.

وَثَمَّ مَسَائِلُ وَأَلْفَاظٌ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا سَبٌّ وَقَدْ تَوَسَّعَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِيهَا وَأَوْجَبُوا الْقَتْلَ بِهَا وَلَمْ يَقْبَلُوا فِيهَا التَّوْبَةَ وَنَحْنُ لَا نَشْتَهِي أَنْ نَخُوضَ فِي الْكَلَامِ فِيهَا فَإِنَّ الْجَانِبَيْنِ خَطَرَانِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: سُؤَالٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَلَا فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ يَتَفَاوَتُ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُشْبِهُهُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّ اللَّعْنَ قَطْعُ الرَّحْمَةِ وَالْمَوْتُ قَطْعُ التَّصَرُّفِ وَقِيلَ: لَعْنَتُهُ تَقْتَضِي قَصْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَطْعَ مَنَافِعِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَنْهُ، وَقِيلَ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي التَّحْرِيمِ، وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ اللَّعْنَةَ تَعْرِيضٌ بِالدُّعَاءِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِي سَاعَةِ إجَابَةٍ إلَى الْعَبْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ.

وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُلَخِّصَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَقُولَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَجُلٍ لَعَنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ قَالَ: إنَّهُ

ص: 584

مُسْتَحِلٌّ لِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ كَذَبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْعِهِ مِيرَاثَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها فَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَتُبْ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَمَ قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَقُلُوبُ الْخَلَائِقِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى قَتْلِهِ فَادَّعَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَالْجَوَابُ كَذَبَ مَنْ قَالَ: إنَّ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بَلْ قَتْلُهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ مُصِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ لِأُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَمَى رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» وَنَحْنُ نَتَحَقَّقُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَيَرْجِعُ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ مَا قَالَهُ بِمُقْتَضَى نَصِّ الْحَدِيثِ فَيُحْكَمُ بِكُفْرِهِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ بِقَتْلِهِ كَمَا يُحْكَمُ عَلَى مَنْ سَجَدَ لِلصَّنَمِ أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ فِي الْقَاذُورَاتِ بِالْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ بِقَلْبِهِ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ كَفَّرُوا أَعْلَامَ الْأُمَّةِ فَهَذَا نَصُّ مَالِكٍ يُوَافِقُ اسْتِنْبَاطِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَكْفِيرَ هَذَا الْقَائِلِ، وَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُ هَذَا خَبَرَ وَاحِدٍ لِأَنَّا نَعْمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحُكْمِ بِالتَّكْفِيرِ وَإِنَّمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْكُفْرِ نَفْسِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى جَحْدِ أَمْرٍ قَطْعِيٍّ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عَدَمُ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ قُلْت: رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْمَنْقُولِ مِنْ عَدَمِ التَّكْفِيرِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ سَبَبٌ مُكَفِّرٌ كَمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا مُجَرَّدُ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ وَنَحْوِهِ أَمَّا مَعَ التَّكْفِيرِ لِمَنْ تَحَقَّقَ إيمَانُهُ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَمِنْهُمْ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْمُكَفِّرِينَ كَيْفَ لَا نُكَفِّرُ الشِّيعَةَ وَالْخَوَارِجَ مِنْ تَكْفِيرِهِمْ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ وَتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَطْعِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.

وَأَجَابَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ الْكُفْرُ يَعْلَمُ بِتَزْكِيَةِ مَنْ كَفَّرَهُ قَطْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى مَمَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا الْجَوَابُ يَمْنَعُ مَا قُلْتُمْ.

قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمُكَفِّرَ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ تَكْذِيبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا قُلْنَاهُ

ص: 585

مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَاطِنِهِ تَكْذِيبٌ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ عَلَى السَّاجِدِ لِلصَّنَمِ وَالْمُلْقِي لِلْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَاطِنِهِ تَكْذِيبٌ.

فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: إنَّهُ كَافِرٌ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ. قُلْت: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ مَقْطُوعًا بِإِيمَانِهِ كَالْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ فَنَعَمْ، وَكَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الشَّهَادَةُ لَهُمْ وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ إلَّا صَاحِبَ الْحِمْلِ الْأَحْمَرِ وَكَذَا أَهْلُ بَدْرٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ مَقْطُوعًا بِإِيمَانِهِ بَلْ هُوَ مِنْ عَرَضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا نَقُولُ فِيهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ إيمَانُهُ ثَابِتًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ الْبَاطِنِ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ «فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَلَكِنْ مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافَتِهِ وَإِمَامَتِهِ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَبَعْدِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمْ فَهَذَا عِنْدِي أَيْضًا مُلْتَحِقٌ بِمَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ فَيُكَفَّرُ مَنْ كَفَّرَهُ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّا نُكَفِّرُ مَنْ يُكَفِّرُ مَنْ نَحْنُ نَقْطَعُ بِإِيمَانِهِ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا طَرِيقٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَلَا مِنْ الْفُقَهَاءِ.

قُلْت: الشَّرِيعَةُ كَالْبَحْرِ كُلُّ وَقْتٍ يُعْطِي جَوَاهِرَ، وَإِذَا صَحَّ دَلِيلٌ لَمْ يَضُرَّهُ خَفَاؤُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مُدَّةً طَوِيلَةً، عَلَى أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ رحمه الله مَا يَشْهَدُ لَهُ.

فَإِنْ قُلْت: الْكُفْرُ هُوَ جَحْدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَذَا رَجُلٌ مُوَحِّدٌ مُؤْمِنٌ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ صَحَابَتِهِ فَكَيْفَ يُكَفَّرُ؟ قُلْت: التَّكْفِيرُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ سَبَبُهُ جَحْدُ الرُّبُوبِيَّةِ أَوْ الْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحْدًا وَهَذَا مِنْهُ فَهَذَا دَلِيلٌ لَمْ يَرِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحْسَنُ مِنْهُ لِسَلَامَتِهِ عَنْ اعْتِرَاضٍ صَحِيحٍ قَادِحٍ فِيهِ، وَيَنْضَافُ إلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ» رَوَيْنَاهُ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَمُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ بِظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]

ص: 586

عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْتِزَامُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الرِّبَا وَلَا أَقَرَّ بِهِ كُفِّرَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَلِيٌّ فَإِيذَاؤُهُ مُبَارَزَةٌ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مُؤْمِنٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.

(الدَّلِيلُ الثَّانِي) اسْتِحْلَالُهُ لِذَلِكَ بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهِ وَمَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَعْنَتَهُ الصِّدِّيقَ وَسَبَّهُ مُحَرَّمٌ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَاللَّعْنُ أَشَدُّ السَّبِّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ» فَسَبُّ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِسْقٌ.

فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ اسْتِحْلَالُ الْحَرَامِ كُفْرًا إذَا كَانَ تَحْرِيمُهُ مَعْلُومًا بِالدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

قُلْت: وَتَحْرِيمُ سَبِّ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حُسْنِ إسْلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ الدَّالَّةِ عَلَى إيمَانِهِ وَأَنَّهُ دَامَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ الرَّافِضِيُّ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَتَحْرِيمُ لَعْنِهِ وَسَبِّهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكُونُ مُسْتَحِلُّهُ كَافِرًا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يُكَفَّرَ مُسْتَحِلُّ مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ فَأَخَذَهُ أَنَّهُ إنَّمَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِالضَّرُورَةِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ حَاصِلًا عِنْدَ الْجَاحِدِ فَجَحْدُهُ تَكْذِيبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلِذَلِكَ كُفِّرَ الْجَاحِدُ وَالرَّافِضِيُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِالتَّحْرِيمِ جَاهِلًا عِنْدَهُ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَكْذِيبُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُفْصَلُ مِنْ هَذَا إلَّا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ تَوَاتُرَ ذَلِكَ عِنْدَ عُمُومِ الْخَلْقِ يَكْفِي فَلَا يُعْذَرُ الرَّافِضِيُّ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي غَطَّتْ عَلَى قَلْبِهِ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَجَدَلٍ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَمِيلُ إلَى بُطْلَانِ هَذَا الْعُذْرِ.

(الدَّلِيلُ الثَّالِثُ) أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ الْإِجْمَاعِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ هَذَا الرَّافِضِيِّ وَمُجَاهَرَتَهُ وَلَعْنَهُ وَاسْتِحْلَالَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَإِصْرَارَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِينَ أَقَامُوا الدِّينَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا عُلِمَ لَهُمْ مِنْ الْمَنَاقِبِ وَالْمَآثِرِ كَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَالطَّعْنُ فِي الدِّينِ كُفْرٌ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ ظَهَرَتْ لَنَا فِي قَتْلِهِ.

(الْأَمْرُ الرَّابِعُ) النُّقُولُ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه -

ص: 587

وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَدِيعِيَّةِ وَفِي الْأَصْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ إمَامِهِمْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالرَّوَافِضِ لِأَنَّهُ كُوفِيٌّ وَالْكُوفَةُ مَنْبَعُ الرَّفْضِ وَالرَّوَافِضُ طَوَائِفُ مِنْهُمْ مَنْ يَجِبُ تَكْفِيرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ تَكْفِيرُهُ فَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَكْفِيرِ مَنْ يُنْكِرُ إمَامَةَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَتَكْفِيرُ لَاعِنِهِ أَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَنِدَ مُنْكِرَ إمَامَةِ الصِّدِّيقِ مُخَالَفَتُهُ لِلْإِجْمَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَاحِدَ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَافِرٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَإِمَامَةُ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ بَايَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَأَخُّرُ بَيْعَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ بَيْعَتُهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ وَلِهَذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ عَطَاءَهُ وَيَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ فَالْبَيْعَةُ شَيْءٌ وَالْإِجْمَاعُ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ وَلَا مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ.

فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُغْلَطُ فِيهِ، وَهَذَا قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ جَاحِدَ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ إنَّمَا يُكَفَّرُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَأَمَّا الْمُجْمَعُ الَّذِي لَيْسَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُكَفَّرُ بِإِنْكَارِهِ مِثْلُ كَوْنِ بِنْتِ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ الْبِنْتِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُكَفَّرُ مُنْكِرُهُ.

وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ وَبَيْعَةَ الصَّحَابَةِ لَهُ ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ الْمُنْتَهِي إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ فَصَارَتْ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الرَّوَافِضِ فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَلَا فِي أَيَّامِ عُمَرَ وَلَا أَيَّامِ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا حَدَثُوا بَعْدُ وَحَدَثَتْ مَقَالَتُهُمْ بَعْدَ حُدُوثِهِمْ.

(الشَّيْءُ الثَّانِي) أَنَّ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَإِنْ عُلِمَتْ بِالضَّرُورَةِ فَالْخِلَافَةُ مِنْ الْوَقَائِعِ الْحَادِثَةِ وَلَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَاَلَّذِي يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدِّينِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ جَحَدَهُ تَكْذِيبُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مَحَلٌّ يَجِبُ التَّمَهُّلُ فِيهِ وَالنَّظَرُ يَعُمُّ وُجُوبَ جَمِيعِ الطَّاعَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهُمْ فِي كُفْرِ سَابِّ الشَّيْخَيْنِ وَجْهَيْنِ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ جَزَمَ فِي

ص: 588

كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِفِسْقِ سَابِّ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَحَكَوْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لِعَدَمِ الْكُفْرِ.

قُلْت: لَا وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الشَّهَادَاتِ فِي السَّبِّ الْمُجَرَّدِ دُونَ التَّكْفِيرِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بِالْفِسْقِ بَيْنَ سَابِّ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَأَعْلَامِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم زِيَادَةٌ أُخْرَى وَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي الِافْتِدَاءِ فِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ سَابِّ الْحُسَيْنِ وَهِيَ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكُفْرِ أَوْ الْفِسْقِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبُّ مُطْلَقِ الصَّحَابِيِّ مُوجِبًا لِلْفِسْقِ وَسَبُّ هَذَا الصَّحَابِيِّ مُخْتَلِفًا فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْفِسْقِ أَوْ الْكُفْرِ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ تَكْفِيرُ أَبِي بَكْرٍ وَنُظِرَ أَنَّهُ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذِهِ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا أَصْحَابُنَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَلَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَسْأَلَتُنَا وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكُفْرِ قَطْعًا عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ قَدْ حَكَيْنَا كَلَامَ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَالْحَنَابِلَةُ فَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَدْ طَعَنَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَلَقَدْ صَدَقَ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا جَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى فِي السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ وَهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَسْقَطَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ حُقُوقَهُمْ وَبَقِيَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيُبَايِعَ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ إمَّا عُثْمَانُ وَإِمَّا عَلِيًّا، وَنَصَبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَرْهَا لِنَفْسِهِ وَبَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَا يَنَامُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَسْتَشِيرُهُمْ فِيمَنْ يَتَقَدَّمُ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ وَيَجْتَمِعُ بِهِمْ جَمَاعَاتٍ وَفُرَادَى رِجَالًا وَنِسَاءً وَيَأْخُذُ مَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ اجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُمْ كُلِّهِمْ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهم فَبَايَعَهُ وَكَانَتْ بَيْعَةُ عُثْمَانَ عَنْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ طَعَنَ فِيهَا فَقَدْ طَعَنَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: شَتْمُ عُثْمَانَ زَنْدَقَةٌ.

وَقَدْ تَأَمَّلْت هَذَا الْكَلَامَ فَوَجَدْته مِثْلَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ هِيَ إخْفَاءُ الْكُفْرِ وَإِظْهَارُ مَا لَيْسَ كُفْرًا وَالطَّعْنُ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُفْرٌ وَشَتْمُ عُثْمَانَ وَحْدَهُ

ص: 589

بِظَاهِرِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ.

فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلًا لَهُ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ كُفْرٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَخْرِيجٍ صَحِيحٍ وَلَا فَهْمٍ لِكَلَامٍ آخَرَ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ فِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَجْبُنُ عَنْ قَتْلِهِ وَلَكِنْ يُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَعُثْمَانَ أَوْلَى، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي عَنْهُ فِي عُثْمَانَ لَا تُعَارِضُ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلِذَلِكَ قَالَ: زَنْدَقَةٌ وَمَا قَالَ: كُفْرٌ، وَاَلَّذِي يُخَرِّجُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ أَنْ يَتَأَنَّى فِي فَهْمِ كَلَامِهِمْ وَكَأَنِّي بِك تَقُولُ: أَصْحَابُ أَحْمَدَ أَخْبَرُ بِمُرَادِهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَهَّمَ عِلْمَهُ مَنْ يَشَاءُ وَقَدْ يُؤْتَى قَصِيرُ الْعِلْمِ فَهْمًا فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُعْطَاهُ كَثِيرُ الْعِلْمِ فَاَللَّهُ يَقْسِمُ فَضْلَهُ فِي عِبَادِهِ كَمَا يَشَاءُ.

فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ سَبَّ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كُفْرٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِهِ الْجَلْدَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ خِلَافَ ذَلِكَ إلَّا مَا قَدَّمْته فِي الْخَوَارِجِ فَتَخَرَّجَ عَنْهُ أَنَّهُ كُفْرٌ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ عَلَى حَالَيْنِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ لَمْ يُكَفَّرْ وَإِنْ كَفَّرَ كُفِّرَ.

فَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ زَادَ إلَى التَّكْفِيرِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ وَزِنْدِيقٌ عِنْدَ أَحْمَدَ بِتَعَرُّضِهِ إلَى عُثْمَانَ الْمُتَضَمَّنِ لِتَخْطِئَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَكُفْرُهُ هَذَا رِدَّةٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَهَذَا اُسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ فَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَوْ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ السَّابَّ لَا يُكَفَّرُ لَمْ نَتَحَقَّقْ مِنْهُ أَنَّهُ يَطْرُدُهُ فِيمَنْ يُكَفِّرُ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْفِسْقِ فِي مُجَرَّدِ السَّبِّ دُونَ التَّكْفِيرِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ إنَّمَا جَبُنَ عَنْ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا السَّبُّ. وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْ هَذَا الْمَلْعُونِ أَعْظَمُ مِنْ السَّبِّ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَنْقُولِ قَوْلُ الطَّحَاوِيَّ فِي عَقِيدَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ " وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ " وَهَذَا الْمَنْقُولُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجْمُوعِ الصَّحَابَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا أَبْغَضَهُ لَا لِأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ صُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْغِضُهُ لِصُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبُغْضُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا أَبْغَضَ صَحَابِيًّا لَا لِأَمْرٍ مِنْ

ص: 590

الْأُمُورِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا وَحْدَهُ كُفْرٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَأَمَّا إذَا أَبْغَضَهُ لِشَحْنَاءَ بَيْنَهُمَا دُنْيَوِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَظْهَرُ تَكْفِيرُهُ.

وَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ وَمَنْ أَشْبَهَهُ بُغْضُهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الصُّحْبَةِ لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ عَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَغَيْرَهُمَا وَلَكِنَّهُ بِهَوَى أَنْفُسِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ بِجَهْلِهِمْ ظُلْمَهُمْ لِأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى السَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ وَلَا جَحْدٍ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يُكَفَّرُونَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ لِلطَّعْنِ فِي الدِّينِ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] دَلِيلٌ لِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ، وَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ هَذَا الطَّعْنُ لَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَتُبْ.

(الْأَمْرُ الْخَامِسُ) الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّافِضِيِّ أَنَّ هَذَا الْمُقَامَ الَّذِي قَامَ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْذِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِيذَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ آذَاهُ «مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَنَا أَكْفِيكَهُ فَبَعَثَهُ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ لِلْخَلِيفَةِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَةُ: هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا رَجُلٌ مَعْرُوفٌ؛ فَأَعْطَاهُ الْخَلِيفَةُ أَلْفَ دِينَارٍ.

لَكِنَّ الْأَذَى عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُ فَاعِلُهُ قَاصِدًا لِأَذَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَهَذَا كَأَذَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.

وَالْآخَرُ: أَنْ لَا يَكُونَ فَاعِلُهُ قَاصِدًا لِأَذَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ كَلَامِ مُسَطَّحٍ وَحَمْنَةَ فِي الْإِفْكِ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي قَتْلًا، وَكَلَامُ هَذَا الرَّافِضِيِّ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِانْتِصَارِهِ بِزَعْمِهِ لِآلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ فِي الْمَقَامِ الَّذِي قَامَ بِهِ فُحْشٌ وَهَضْمٌ لِمَنْصِبِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَقَامَ بِهِمْ الدِّينَ رضي الله عنهم.

وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْأَذَى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي نَاسٍ صَالِحِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ الْأَذَى كُفْرًا وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَفِعْلُهَا مُؤْذٍ

ص: 591

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ فَالتَّفْصِيلُ فِي الْأَذَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ وَبِهِ يَقِفُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْلَمَ.

وَأَمَّا الْوَقِيعَةُ فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَمُوجِبَةٌ لِلْقَتْلِ لِأَمْرَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ بِبَرَاءَتِهَا فَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ وَالْوَقِيعَةُ فِيهَا تَكْذِيبٌ لَهُ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهَا فِرَاشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْوَقِيعَةُ فِيهَا تَنْقِيصٌ لَهُ وَتَنْقِيصُهُ كُفْرٌ.

وَيَنْبَنِي عَلَى الْمَأْخَذَيْنِ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ صلى الله عليه وسلم إنْ عَلَّلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُقْتَلْ مَنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالثَّانِي قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِرَاشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَذَفَةَ عَائِشَةَ لِأَنَّ قَذْفَهُمْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا لِلْقُرْآنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَبَتَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فَلَمْ يَنْعَطِفْ حُكْمُهُ عَلَى مَا قَبْلَهَا.

(الْأَمْرُ السَّادِسُ) وَرَدَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَنِي وَمَنْ آذَاهُمْ آذَانِي» فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ الصُّحْبَةُ فَصَحِيحُ حُكْمِهِ ثَابِتٌ مَعْمُولٌ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا هُوَ مِنْ حَيْثُ هُمْ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِمْ لِصُحْبَتِهِمْ لِهَذَا النَّبِيِّ الْعَظِيمِ صلى الله عليه وسلم وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَشْمَلُ الصِّدِّيقَ وَغَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ دَرَجَاتٌ وَيَتَفَاوَتُ حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ وَالْجَرِيمَةُ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ مَنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَلَا يُقْتَصَرُ فِي سَبِّ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَدْرِ أَدْنَى الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ لَا أَدْنَى فِيهِمْ، بَلْ مَعْنَاهُ أَقْرَبُ إلَيْنَا وَكَانَ وَاجِبُهُ الْجَلْدَ فَكَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه مَرَاتِبُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ تَزِيدُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى رُتْبَةِ الصِّدِّيقِ فَكَمْ يَكُونُ وَاجِبُهَا وَكَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ لِمُجَرَّدِ حَقِّ الصُّحْبَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ فَإِذَا انْضَافَ إلَى الصُّحْبَةِ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْتَضِي الِاحْتِرَامَ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَحِمَايَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمَا حَصَلَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْفُتُوحِ وَخِلَافَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقْتَضِي مَزِيدَ حَقٍّ لِأَجْلِهِ زِيَادَةُ عُقُوبَةٍ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِتَجَدُّدِ حُكْمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ أَحْكَامًا وَأَنَاطَهَا بِأَسْبَابٍ فَنَحْنُ نَتْبَعُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ

ص: 592

وَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مِنْهَا حُكْمُهُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ حَقُّ السَّبْقِ إلَى الْإِسْلَامِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْقِيَامِ فِي اللَّهِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِنْفَاقِ وَالنُّصْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ خَصْلَةٍ جَمِيلَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خِلَافَتِهِ إيَّاهُ وَمَا حَصَلَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْخَيْرِ يَزْدَادُ حَقُّهُ وَحُرْمَتُهُ وَاسْتِحْقَاقُ كُلِّ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ النَّكَالِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَتِهِ مِنْ الدِّينِ بِهَذَا الْمَحَلِّ أَنْ يَكُونَ سَابُّهُ طَاعِنًا فِي الدِّينِ فَيَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ وَلَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ بِسَبَبِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليهما السلام خَمْسَةً وَخَمْسِينَ أَلْفًا، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ ذَلِكَ دِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ.

وَيُقَالُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنِّي قَتَلْت بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا وَلَأَقْتُلَنَّ بِالْحُسَيْنِ ابْنِ ابْنَتِك سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا» فَإِذَا قَتَلْنَا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ عِشْرِينَ نَفْسًا لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، وَلَا تَعْتَقِدُ بِجَهْلِك أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ جَهْلٌ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْعَرَبِ الْجُهَّالِ وَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَتْلِهِمْ بِالشَّرِيفِ جَمَاعَةً وَذَلِكَ خَطَأٌ حَيْثُ كَانَ أَخْذًا بِغَيْرِ جُرْمٍ إلَّا الْجُرْمَ الْأَوَّلَ وَهَذَا إنَّمَا يَأْخُذُهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ يُقْتَلُ بِذَنْبِهِ وَلَكِنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى الِاجْتِرَاءُ الْعَظِيمُ الْأَوَّلُ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَهَكَذَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يُظْهِرُ اللَّهُ تَعَالَى حُرْمَتَهُ وَحَقَّهُ بِاجْتِرَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الرَّوَافِضِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ الَّذِينَ خَسِرُوا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَكَانَتْ تَشْتَالُ أُنُوفُهُمْ لَوْ صُفِحَ عَنْهُ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَلَا يُوجَدُ فِي قَتْلِهِ سَبَبٌ أَعْظَمُ مِنْ التَّجَرِّي لِهَذَا الْمَقَامِ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -.

(الْأَمْرُ السَّابِعُ) أَنَّ لَعْنَةَ الصِّدِّيقِ وَإِضْرَابَهُ مَعْصِيَةٌ قَطْعًا تَجِبُ التَّوْبَةُ عَنْهَا قَطْعًا فَيُطْلَبُ مِنْ اللَّاعِنِ التَّوْبَةُ وَيُعَاقَبُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهَا وَإِنْ انْتَهَى إلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا مَأْخَذُ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لِأَمْرٍ لَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ غَيْرُهُ، فَإِذَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُجَوِّزًا لِلْقَتْلِ فَالِامْتِنَاعُ مِنْ هَذِهِ التَّوْبَةِ الْمَعْلُومُ وُجُودُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ كَالصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَتَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ.

فَهَذَا مَا أَرَدْنَا كِتَابَتَهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا زِيَادَةً فِي تَقْرِيرِ الْمَقْصُودِ وَالْعُمْدَةُ

ص: 593