الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَالُ الْبَيْعِ فِي تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَشْهَدُ ظَاهِرُ حَالِهِ بِتَصْدِيقِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يَتَجَدَّدُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرٌ آخَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: هَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْكَلَامِ عَلَيْهَا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْقُولَةٌ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَانْتُزِعَتْ مِنْ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَحْضَرَ الدَّاخِلُ الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ نَزْعِهَا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِانْتِزَاعِهَا يَرَى تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَلَا يَسْمَعُهَا بَعْدَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَمَ لِلْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ لِعَدَمِ إتْيَانِ الدَّاخِلِ بِبَيِّنَةٍ وَقَدْ أَتَى بِهَا الْآنَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ تُسْمَعُ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ وَتُرَدُّ إلَى الدَّاخِلِ، وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَا تُسْمَعُ.
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ سُمِعَتْ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ وَإِنْ قَامَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَمْ تُسْمَعْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَأَكَّدَ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَوْ جَهِلْنَا هَلْ حَكَمَ الْحَاكِمُ مُسْتَنِدًا إلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَوْ إلَى عَدَمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ لَمْ يُنْقَضْ فِي الْأَصَحِّ.
التَّوْجِيهُ: أَمَّا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ فَمَأْخَذُهُ أَنَّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ إذَا عَارَضَتْهَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِهَا لِرُجْحَانِهَا بِالْيَدِ لِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَسَاقُطِهِمَا؟ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي تَحْلِيفِهِ إنْ قُلْنَا الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ قُلْنَا بِالْيَدِ حَلَفَ.
إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَإِذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ قَبْلَ الْحُكْمِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَوَجَبَ الْحُكْمُ لَهُ لِأَنَّ جَانِبَهُ أَقْوَى وَالْحُكْمُ بِالْأَقْوَى وَاجِبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْأَضْعَفِ كَمَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَإِذَا اتَّفَقَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لِلْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ ثُمَّ قَامَتْ كَانَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ وَجَدَ النَّصَّ بِخِلَافِهِ فَيَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالِاجْتِهَادِ مَانِعًا مِنْ الِاعْتِدَادِ بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مَعْذُورًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَجَبَ نَقْضُهُ كَذَلِكَ هُنَا الْبَيِّنَةُ لِلدَّاخِلِ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْحُكْمِ لِلْخَارِجِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْحَاكِمُ وَلَوْ عَلِمَ بِهَا لَحَكَمَ لِلدَّاخِلِ وَلَمْ يَحْكُمْ لِلْخَارِجِ فَإِذَا ظَهَرَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ كَانَتْ هِيَ وَالْيَدُ مَانِعَتَيْنِ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِالْحُكْمِ لِلْخَارِجِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ
بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فَفِي كَلَامِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّ تَرْجِيحَ الْبَيِّنَةِ الْمُنْضَمَّةِ إلَى الْيَدِ لَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ كَالنَّصِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْحُكْمُ، وَالثَّانِيَ: أَنَّ حُكْمَ الْخَارِجِ وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَا يُنْقَضُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِ الْحُكْمِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ أَوْ لَا، وَاحْتِمَالًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا مُسْتَنَدُهَا ظَنٌّ فَلَوْ نَقَضْنَا حُكْمَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْأُخْرَى لَنَقَضْنَا الظَّنَّ بِالظَّنِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُفِيدُ الظَّنَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْبَيِّنَةِ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِهِ مِنْ الشَّرْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا نَحْكُمُ بِالنَّقْضِ بَلْ نَتْرُكُهَا فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ، وَقَبْلَهُ لَا نُسَلِّمُ بَلْ نَتْرُكُهَا فِي يَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِحُكْمِهِ فَهَذَا يَكُونُ مَأْخَذُهُ التَّوَقُّفَ مَعَ الشَّكِّ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَحْكُمُ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ فَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ وَالْحُكْمُ مُتَأَكِّدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤَكِّدٍ.
هَذَا مَا وَصَلَ إلَيْهِ فِكْرِي فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: إنَّهَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَتَرَدَّدَ جَوَابُهُ فِيهَا وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَمْ بَعْدَهُ.
وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَخْتَارُ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَتَعْلِيلُهُ مَا قَدَّمْته وَمَحَلُّهُ إذَا تَحَقَّقَ مِنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ لِعَدَمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَإِنْ حَكَمَ؛ لِأَنَّهُ يَرَى تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ نَقْضِ الْحُكْمِ عَلَى تَبَيُّنِ الْخَطَأِ وَالْخَطَأُ إمَّا فِي اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ يَتَبَيَّنُ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ بِخِلَافِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ، وَإِمَّا فِي السَّبَبِ حَيْثُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ كَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَفِي الْقِسْمَيْنِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَنْفُذْ فِي الْبَاطِنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي إذَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى شَهَادَةِ زُورٍ فِي الْعُقُودِ أَوْ الْفُسُوخِ وَأَمَّا الْحُكْمُ الصَّادِرُ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا فَنَافِذٌ قَطْعًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالصَّادِرُ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ وَلَكِنَّهُ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَتَقَدَّمُ فِيهِ خِلَافٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى رَدِّهِ فَنَافِذٌ
ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَيْضًا وَقِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَمِثَالُ ذَلِكَ شُفْعَةُ الْجِوَارِ إذَا حَكَمَ بِهَا الْحَنَفِيُّ فَالْأَصَحُّ حِلُّهَا عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَرَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُقِرِّ بِكُلِّ الدَّيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ وَهُوَ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِ وَالْوَارِثُ الْمُقِرُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي إلَّا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَاكَ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى تُنَاسِبُ مَسْأَلَتَنَا الَّتِي نَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا وَهِيَ رَجُلٌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا وَأَخَذَ الدَّارَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالزَّوَائِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الدَّارِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ مِلْكِي مِنْ شَهْرٍ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَتُسَلَّمُ إلَى الثَّانِي مَعَ الزَّوَائِدِ. انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْمُؤَرِّخَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُطْلِقَةِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُعْتَضَدَةَ بِالْيَدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُجَرَّدَةِ وَهُوَ قَدْ اخْتَارَ عَدَمَ النَّقْضِ بِهَا فَلَعَلَّ هَذَا مِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ كَانَ يَرَى النَّقْضَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَرَدَّدَ جَوَابُهُ فِيهِ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا أَنَّ الْخَارِجَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الَّذِي أُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْعَيْنِ إمَّا فِي صُورَةِ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ الزَّوَائِدِ وَإِمَّا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ.
هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ لِلدَّاخِلِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَانْتِزَاعِ الْعَيْنِ مِنْ يَدِهِ لِلْخَارِجِ.
أَمَّا إذَا جَاءَ خَارِجٌ آخَرُ وَادَّعَاهَا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شُرَيْحٍ فَرْعًا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى خَالِدٍ عَبْدًا فِي يَدِ خَالِدٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ قَالُوا: إنْ قُلْنَا: بَيِّنَةُ قَدِيمِ الْمِلْكِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ حَدِيثِهِ فَقَدْ تَعَارَضَتَا فَلَا يَحْتَاجُ زَيْدٌ إلَى إعَادَةِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ كَانَ مُسْتَنَدًا إلَى حِينِ التَّنَازُعِ وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا سَوَاءٌ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا) لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةٍ وَيَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الشَّهَادَةِ حِينَ التَّنَازُعِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِمَا مَضَى وَجَرَى هَذَا مَجْرَى الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ وَوَقَفَ الْحَاكِمُ عَنْ الْكَشْفِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ فَإِنْ بَانَ عَدَالَتُهُمْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَاضِيَةِ
وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ.
وَ (الثَّانِي) لَا يَتَعَارَضَانِ حَتَّى يُعِيدُوا الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ تَنَازَعَا وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَارُضُ مُقَابَلَةً حِينَ التَّنَازُعِ وَلَمْ يَتَقَابَلَا فَاحْتِيجَ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ لِيَتَقَابَلَا.
كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ.
وَفِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ وَهَلْ صُورَةُ هَذَا النِّزَاعِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ الْمِلْكَ الْآنَ أَوْ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بِهِ وَأَسْنَدَتْهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُمْ فَيَكُونُ الْمَأْخَذُ إمَّا عَلَى قَوْلِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ يُعَلِّلُهُ بِأَنَّهُمَا تَعَارَضَتَا فِي الْمِلْكِ الْآنَ وَانْفَرَدَتْ السَّابِقَةُ بِالْمِلْكِ الْقَدِيمِ فَيَسْتَصْحِبُهُ الْآنَ فَتَكُونُ كَأَنَّهَا أُقِيمَتْ الْآنَ فَتَتَعَارَضُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ انْفِرَادُهَا بِالْمِلْكِ الْقَدِيمِ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنَّمَا الْمَقْبُولُ شَهَادَتُهُمَا الْآنَ فَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا: لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا. وَالثَّانِي: يَجْعَلُهَا كَأَنَّهَا شَهِدَتْ الْآنَ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ ثُمَّ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ نَظَرًا فِي تَعْدِيلِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ فِي مُدَّةِ الْكَشْفِ عَنْ التَّعْدِيلِ الْمُدَّعِي يَطْلُبُ وَهِيَ مُقِيمَةٌ عَلَى شَهَادَتِهَا فَكَأَنَّهُ عِنْدَ التَّعْدِيلِ مُقِيمٌ لَهَا نَعَمْ لَوْ تَأَخَّرَتْ مُدَّةً وَاحْتُمِلَ تَغَيُّرُ الْحَالِ مِنْ تَجَدُّدِ سَبَبٍ يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَعَادَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَقُولُوا بِهِ، وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: إذَا قُلْنَا: بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ أَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ الْمُطْلِقَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِيهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِي الْمَاضِي صَرِيحًا وَالْآنَ اسْتِصْحَابًا وَالثَّانِيَةُ بِالْعَكْسِ فَتَسَاوَيَا وَتَعَارَضَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا أَثَرَ لَهَا أَصْلًا.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا شَهِدَتْ الْآنَ وَاسْتَنَدَتْ إلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ.
فَإِنْ قُلْنَا: بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ أَوْلَى فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِالتَّعَارُضِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِرُجْحَانِ الثَّانِيَةِ لِتَصْرِيحِهَا بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَدَّمَةٌ إلَّا أَنْ تُعِيدَ الْأُولَى الشَّهَادَةَ.
ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحُكْمِ إذَا قُلْنَا بِالتَّعَارُضِ هَلْ يَرُدُّ الْعَبْدَ إلَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ لَا أَنَّ ذَلِكَ هَلْ هُوَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَوْ لَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ فِي يَدِ خَالِدٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الشَّكُّ بِالتَّعَارُضِ تَوَقَّفْنَا عَنْ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ قُلْنَا: يُرَدُّ إلَى خَالِدٍ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِالشَّكِّ وَالتَّعَارُضِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّاخِلِ إذَا
أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُسْتَنِدٌ إلَى الْبَيِّنَةِ مَعَ الْيَدِ، وَلَئِنْ قِيلَ: إنَّهُ ظَهَرَ لَنَا بِالتَّعَارُضِ صُدُورُ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ التَّعَارُضُ قَبْلَ الْحُكْمِ مُنِعَ مِنْ الْحُكْمِ.
قُلْنَا: وَهَكَذَا بَيَانُ حُدُوثِ دَلِيلٍ لِلْحَاكِمِ يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ فِي الْحُكْمِ فِيمَا هُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِهِ الْحُكْمُ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ التَّعَارُضَ الْمُجَرَّدَ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْحُكْمِ وَأَنَّ الْوَجْهَ بَقَاؤُهَا فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ الْآنَ وَأَنَّ التَّعَارُضَ الْمَحْضَ الَّذِي لَا تَرْجِيحَ مَعَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا أَثَرَ لَهُ.
وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْفَرْعُ أَمْرًا لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مِلْكٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ اسْتَصْحَبْنَا حُكْمَهُ إلَى الْآنَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَمْسِ فَأَنَّهَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ عَلَى قَوْلٍ إذَا قَصَدَ بِهَا الْمِلْكَ الْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهِ بَلْ تَقْتَضِي رُتْبَةً فِيهِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حِينَ شَهِدَتْ كَانَتْ مَقْبُولَةً قَطْعًا فَلْيُسْتَصْحَبْ حُكْمُهَا فَإِنْ عَارَضَتْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى فَيَأْتِي مَا قَالُوهُ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّهَا هَلْ يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ عَارَضَتْهَا يَدٌ فَهَلْ نُزِيلُهَا بِمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ نُبْقِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ بِأَقَلِّ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَمْسِ، قَالُوا: الْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنْ اُقْتُضِيَ بَقَاؤُهُ فَالْيَدُ تَقْتَضِي الِانْتِقَالَ وَقَالُوا عَلَى هَذَا إنَّهُ إذَا قَالَتْ: لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا سُمِعَتْ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَشْهَدَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ مَا عَرَفَهُ مِنْ قَبْلُ كَشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ يُجَوِّزُوا لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ يَقْتَضِي أَنَّا إذَا أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِيمَا مَضَى لَا تُعَارِضُهُ الْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ الْآنَ بَلْ نُزِيلُهَا إلَى أَنْ يَثْبُتَ انْتِقَالٌ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ.
أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ مَثَلًا إذَا شَهِدَتْ أَنَّهُ أَقَرَّ أَمْسِ اُسْتُدِيمَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمُؤَاخَذَةُ وَلَوْ أَسْنَدَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّهَادَةَ إلَى التَّحْقِيقِ بِأَنْ قَالَتْ هُوَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ بِالْأَمْسِ قُبِلَتْ وَالشَّهَادَةُ بِالْيَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَضْعَفَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إذَا زَالَتْ ضَعُفَتْ دَلَالَتُهَا، وَإِذَا قُلْنَا: الشَّهَادَةُ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ لَا تُسْمَعُ فَلَوْ زَادَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ سُمِعَتْ وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي وَيُجْعَلُ صَاحِبَ يَدٍ، وَحَيْثُ قَالَ
الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: غَصَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَمْ يُسْقِطُوا الظَّاهِرَ الَّذِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَدِ فَأُضِيفَ إلَيْهَا الْيَمِينُ.
وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَمَعَ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ فَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ بِالْأَمْسِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ كَافِيَةٌ.
قُلْت: وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا بَيِّنَةً أُخْرَى وَإِلَّا فَهِيَ شَهَادَةٌ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قَطْعًا وَيَتَوَقَّفَ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّكْمِلَةِ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ، وَأَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَارًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَانْتَزَعَهَا وَجَاءَ آخَرُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ يَسِيرَةٍ يَدَّعِيهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ وَكَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ يُقْضَى بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي وَكَانَ كَمَا لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ.
وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ يَوْمَ كَذَا وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ وَلَكِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهَا يَوْمَئِذٍ سُمِعَتْ هَاتَانِ الْبَيِّنَتَانِ وَصَارَتَا كَبَيِّنَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَيِّنَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْأُمِّ لَوْ ادَّعَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَرْضًا فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَهَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَّهَا أَرْضُ الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَقَبَضَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِالْقَبْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَفِي هَذَا الْقَبْضِ دَلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ هَذَا يَعْنِي إذَا شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ أَوْ الْمِلْكِ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ أَمْسِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ مِلْكَ الْبَائِعِ كَانَ كَيَدِ الْمُشْتَرِي الْآنَ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ سَنَةٍ وَيُخَالِفُ إذَا قَالَتْ كَانَ مَالِكًا لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ مِلْكِهِ فِيهَا إلَى الْآنَ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ
الْقَفَّالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَضْعُفُ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَفَّالُ.
وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ هُنَا يَحْتَمِلُ فِي الْأَمْلَاكِ الَّتِي تَحْتَمِلُ النَّقْلَ أَمَّا الْوَقْفُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ، فَإِذَا شَهِدَتْ بِوَقْفٍ وَأَنَّ الْوَاقِفَ مَالِكٌ حِينَ الْوَقْفِ اُنْتُزِعَتْ مِنْ يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَأَخَذَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ فِيهِ خِلَافُ نَعَمْ هَذَا إذَا كَانَتْ بَيِّنَةً مُحَرِّرَةً وَقَدْ تَقَعُ مُرَتِّبَةً.
وَقَدْ اتَّفَقَ لَنَا ذَلِكَ فِي الْمُحَاكَمَاتِ أَرْضٌ بِيَدِ شَخْصٍ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِوَقْفِهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَبَيِّنَةٌ أُخْرَى فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِمِلْكِ الْوَاقِفِ حِينَ الْوَقْفِ فَحَصَلَ التَّوَقُّفُ فِيهَا لِهَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَلِعَدَمِ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى الشُّهُودِ كُلَّ الرُّكُونِ.
وَفِيمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: قَدْ عَرَفْت هَذِهِ الدَّارَ مِلْكَ فُلَانٍ وَمَاتَ وَانْتَقَلَتْ إلَى فُلَانٍ وَارِثِهِ فَأَقِمْ بَيِّنَةً عَلَى تَمَلُّكِهِ مِنْهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَتَنْدَفِعُ بَيِّنَتُهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلْيَكُنْ هَذَا جَوَابًا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ.
قُلْت بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ هَذَا، مَا أَرَدْنَا أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا اسْتِصْحَابُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ فِي الْمَاضِي إلَى الْحَالِ وَتَعَلَّقَ بِهَا غَيْرُهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ لَنَا مَسَائِلَ أُخْرَى عَكْسَهُ يُسْتَصْحَبُ فِيهَا الْمِلْكُ الثَّابِتُ الْآنَ إلَى الْمَاضِي فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُجَّةٍ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا أُخِذَ مِنْ الْمُتَّهَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُشْكِلٌ إذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ إلَى إسْنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ أَطْلَقَتْهُ وَالْبَيِّنَةُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا قَبْلَهَا فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ إطْلَاقِ الْبَيِّنَةِ الْمِلْكَ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا انْتِقَالًا جَدِيدًا.
وَمَعَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ قَالُوا: لَا يُقْضَى لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَعَجِيبٌ أَنْ نَزَلَ النِّتَاجُ فِي يَدِهِ وَقَدْ حَصَلَ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إنَّهُ أَكْثَرَ الْبَحْثَ عَنْهُ وَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجَوَابِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْكَى إلَّا أَنِّي سَأَلْت عَنْهُ فَقِيهًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: إنَّمَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ كَأَنَّهُ ضَمِنَ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ وَأُخِذَ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِحُكْمِ الضَّمَانِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْبَيْعُ.
قُلْت: وَفِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهٌ وَأَنَا أَمِيلُ إلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ