المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: ‌[باب عقد الذمة]

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَخِي أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» . وَفِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ الْمُسْتَدْرَكِ «إنَّمَا وَخْزٌ مِنْ الشَّيْطَانِ» وَالْوَخْزُ طَعْنٌ لَيْسَ بِنَافِذٍ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ مُشَارَكَتُهُ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ مِنْ كَافِرِ لِمُسْلِمٍ بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُ الشَّيْطَانُ وَالشَّيْطَانُ إنَّمَا يُعَادِي الْمُسْلِمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى طَعْنِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لِعُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ فِي حُكْمِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُوَ شَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ وَيَحْصُلُ لَهُمْ تِلْكَ الْحَالَةُ الشَّرِيفَةُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مِنْ مُسْلِمٍ فِي تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ وَإِنَّمَا وَرُتْبَةُ الْقَتْلِ فِي الْجِهَادِ، نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا «يَغْفِرُ اللَّهُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي اسْمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ شَهِيدٌ فَدَخَلَ الْخَمْسَةُ فِي الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ الْمُعْتَقِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ تُشْعِرُ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الِاحْتِمَالَ نَفْيًا لِلْقَطْعِ وَإِذَا كُنَّا لَا نَقْطَعُ فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فَفِي هَذَا أَوْلَى. وَفِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فِي الطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَاهُ فِي جَوَابِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْعُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ وَلَا مِنْ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ.

وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ «الطَّاعُونَ وَخْزٌ» ؛ وَوَقَعَ لِلسَّلَفِ خِلَافٌ فَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ أَنَّهُ وَخْزٌ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ: إنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ. وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَطْعُونِ الرِّضَا أَوْ الصَّبْرُ

[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ)(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: الْكَافِرُ الَّذِي تُضَعَّفُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ وَنِصْفًا فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ هَلْ يُضَعَّفُ الْوَقْصُ أَوْ لَا

ص: 354

ثَالِثُهَا إنْ كَانَ يُفْضِي إلَى التَّنْقِيصِ لَمْ يُضَعَّفْ وَإِلَّا فَيُضَعَّفُ وَهُوَ لِلْقَفَّالِ. وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَذَكَرَ لَهُ بَيَانًا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ عَلَى مَا قَالَ إمَّا لِخَلَلِ النُّسْخَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فِي نُسَخٍ فَوَجَدْتُهُ مُحَرَّرًا وَهَا أَنَا أَذْكُرُهُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ، فَأَقُولُ تَجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّا لَا نُضَعَّفُ الْمَالَ؛ لِأَنَّا لَوْ ضَعَّفْنَا هَذَا الْمَالَ كَانَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَوَاجِبُهَا جَذَعَةٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا يُضَعَّفُ فَكَأَنَّا نُلَاحِظُ بَقَاءَ الْمَالِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَنَأْخُذُ الْمَالَ مِنْهُ مَرَّةً، ثُمَّ مَرَّةً. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: وَاجِبُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَوَاجِبُ خَمْسٍ وَنِصْفٍ عَلَى الْإِيجَابِ فِي الْوَقْصِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ وَنِصْفٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهِيَ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعُشْرُ خُمُسٍ مِنْهَا وَنُضَعِّفُ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَأَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ هِيَ خُمُسَا بِنْتِ مَخَاضٍ وَخُمُسُ خُمُسٍ مِنْهَا وَنَحْنُ نَفِرَّ مِنْ التَّشْقِيصِ فَنَقُولُ: بِنْتُ الْمَخَاضِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا فَإِذَا أَضَفْنَا إلَيْهَا أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْهَا كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَوَاجِبُهَا بِنْتُ لَبُونٍ فَتَنْقَلِبُ الْأَجْزَاءُ السِّتَّةُ وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي كَانَتْ أَجْزَاءَ بِنْتِ مَخَاضٍ تَصِيرُ أَجْزَاءَ بِنْتِ لَبُونٍ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ مَنْسُوبَةً مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَارَتْ مَنْسُوبَةً مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَالْعِرَابُ لَا تَخْتَلِفُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ إذَا قُسِّمَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا خُمُسَ خُمُسِهَا وَنِسْبَتُهُ مِنْ سِتَّةِ وَثَلَاثِينَ رُبُعِ تُسْعِهَا فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ يُقَابِلُ جُزْءًا مِنْ بِنْت اللَّبُونِ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَأَجْزَاءُ بِنْتِ اللَّبُونِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَإِنْ شِئْت قُلْت: كُلُّ خُمُسِ خُمُسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهُوَ مُعَادِلٌ لِرُبُعِ تُسْعِ بِنْتِ اللَّبُونِ فَإِذَا خَرَّجْنَا بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَأَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ تَالِيهِ مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ قُوِّمَ التَّشْقِيصُ فَعُدِلَ عَنْهُ إلَى مَا يُسَاوِيهِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَعَدَلَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ مَعَ أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ أُخْرَى مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ بِبِنْتِ لَبُونٍ كَامِلَةٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(سُئِلَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله سُؤَالًا ابْتِدَاؤُهُ ثَنَاءٌ طَوِيلٌ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ

ص: 355

ثُمَّ يَقُولُ السَّائِلُ بَعْدَهُ وَالْقَصْدُ النَّظَرُ فِي مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ كَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ رحمه الله لَمْ يَتَحَصَّلْ عِنْدَهُ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَلَفْظُ الرَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي أَنَّ الْوَقْصَ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ يَكُونُ عَفْوًا.

وَحَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْوَقْصِ إنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ مَعَ التَّضْعِيفِ فَلَا يُؤْخَذُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي أُخِذَ فَإِنَّ الَّذِي يُوجِبُ مَنْعَ الْأَخْذِ مِنْ وَقْصِ مَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُ لَأَوْجَبْنَا شِقْصًا وَاعْتِبَارُهُ عُسْرٌ فِي الْحَيَوَانِ، فَيَصِيرُ إلَى أَنْ يَكْمُلَ الْوَاجِبُ الزَّائِدُ فَعَلَى هَذَا إذَا مَلَكَ سَبْعًا وَنِصْفًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ إذْ لَا تَشْقِيصَ عَلَى صَاحِبِ التَّضْعِيفِ.

هَذَا كُلُّهُ لَفْظُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيمَا إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَنِصْفًا مِنْ الْإِبِلِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي مَا حَكَاهُ لِخَلَلِ النُّسْخَةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَتَرَكْته. انْتَهَى مَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ هَذَا لَفْظُهُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْوَقْصِ إنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ مَعَ التَّضْعِيفِ فَلَا يُوجِبُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي أَخَذْنَا مِنْ الْوَقْصِ فَإِنَّ الَّذِي أَوْجَبَ مَنْعَ الْأَخْذِ مِنْ وَقْصِ الْمُسْلِمِ أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُ لَأَوْجَبْنَا شِقْصًا وَاعْتِبَارُهُ عُسْرٌ فِي الْحَيَوَانِ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ يَكْمُلَ الْوَاجِبُ الزَّائِدُ، فَعَلَى هَذَا إذَا مَلَكَ سَبْعًا وَنِصْفًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ إذْ لَا تَشْقِيصَ عَلَى حِسَابِ التَّضْعِيفِ، وَإِذَا مَلَكَ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ وَنِصْفًا فَعَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَفِي خَمْسِ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرَةِ تَبِيعُ وَمُسِنَّةٌ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ حِسَابُ التَّضْعِيفِ مَعَ الْأَخْذِ مِنْ الْوَقْصِ بِاجْتِنَابِ التَّشْقِيصِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَنِصْفًا مِنْ الْإِبِلِ فَيُقَدَّرُ تَضْعِيفُ مَا يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ، وَالزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ خُمُسٌ وَنِصْفٌ فَإِذَا ضَعَّفْنَا هَذَا الزَّائِدَ تَقْدِيرًا بَلَغَ الْمَالُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَوَاجِبُهَا بِنْتُ لَبُونٍ فَنُوجِبُ بِنْتَ مَخَاضٍ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَنُوجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ بِتَقْدِيرِ بُلُوغِ الْمَالِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَيُضَعَّف وَاجِبُ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَأَجْزَاءٌ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ

ص: 356

وَيَتَضَعَّفُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى التَّشْقِيصِ وَيُفَرَّعُ عَلَى الْإِيجَابِ فِي الْوَقْصِ فَلَا تَجِدُ طَرِيقًا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ.

وَفِيمَا ذَكَرَهُ أَمْرٌ مَحْذُورٌ وَهُوَ تَضْعِيفُ الْمَالِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ إيجَابَ حِقَّةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بِالْأَصْلِ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَلْ يُوجِبُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَتَمَيَّزُ عَنْ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صُورَةِ التَّشْقِيصِ مَعَ أَنَّا نُرِيدَ تَعْطِيلَ الْوَقْصِ فَهَذَا مُنْتَهَى الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ.

(أَجَابَ) رحمه الله فَقَالَ: أَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْقَفَّالِ فَظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ هَذَا الْفَصْلِ مَا يُرَدُّ إلَّا قَوْلُهُ فِي الْأَخِيرِ فِي إلْزَامِ حِقَّةٍ وَذَلِكَ مَرْدُودٌ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ تَضْعِيفِ الْمَالِ.

وَمَبْنَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُضَعَّفَ هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْمَالُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَضْعِيفَ الْمَالِ يُخَالِفُ الْمَحْسُوسَ وَهُوَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ لَوْ قِيلَ بِهِ، وَالْأُمُورُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَأْخُوذَ صَدَقَةً عَنْ الْمَالِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ تَضْعِيفٌ، وَإِنَّمَا نَجْعَلُهُ جِزْيَةً مُسَمَّاةً بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُسَاوِيَةً لِوَاجِبِ الزَّكَاةِ وَضَعْفِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى وَاجِبِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَهُوَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَنُضَعِّفُهَا فَنُوجِبُ فِيهَا بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْمَالَ خَمْسُونَ حَتَّى تَجِبَ حِقَّةٌ.

إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَنِصْفًا فَوَاجِبُهُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَقَدْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ مَحْسُوبٌ عَلَى الْكَافِرِ فَنُوجِبُ لِأَجْلِهِ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَنِصْفًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ نِسْبَتُهَا مِنْهَا خُمُسٌ وَعُشْرُ خُمُسٍ، ثُمَّ يُضَعَّفُ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَأَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ نِسْبَتُهَا مِنْهَا خُمُسَانِ وَخُمُسُ خُمُسٍ.

ثُمَّ لِأَجْلِ الْفِرَارِ مِنْ التَّشْقِيصِ نَقُولُ: إنَّ الْأَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ تُسَاوِي أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ. وَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ بَعِيرٍ مِنْ الزَّكَاةِ مُسَاوٍ لِخُمُسِ خُمُسِ بِنْتِ الْمَخَاضِ بِمَعْنَى أَنَّهَا زَكَّتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَكُونُ خُمُسُ خُمُسِهَا مُزَكِّيًا لِوَاحِدٍ مِنْهَا بِشَرْطِ عَدَمِ التَّشْقِيصِ وَكُلُّ بَعِيرٍ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ أَيْضًا مُسَاوٍ لِرُبْعِ تُسْعِ بِنْتِ اللَّبُونِ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ بَعِيرٍ مُسَاوٍ لَخُمُسِ

ص: 357

خُمُسِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَلِرُبُعِ تُسْعِ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْمُسَاوِي لِلْمُسَاوِي مُسَاوٍ.

فَخُمُسُ خُمُسِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مُسَاوٍ لِرُبُعِ تُسْعِ بِنْت اللَّبُونِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ مَعَنَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَأَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ فَلَوْ أَخَذْنَا بِنْتَيْ مَخَاضٍ مَعَ الشِّقْصِ وَقَعْنَا فِي مَحْذُورِ التَّشْقِيصِ فَنَأْخُذُ بِنْتَ مَخَاضٍ كَامِلَةً مَعَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ أُخْرَى يَجْتَمِعُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاء بَنَاتِ الْمَخَاضِ، وَكُلُّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ مُسَاوِيَةٌ لِبِنْتِ اللَّبُونِ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَنَأْخُذُ بِنْتَ اللَّبُونِ عَنْ إحْدَى بِنْتَيْ الْمَخَاضِ وَالْأَجْزَاءَ الْأَحَدَ عَشْرَ الَّتِي مَعَهَا لِلسَّلَامَةِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَيَكُونُ قَدْ وَفَّى بِالْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ وَهَذَا أَمْرٌ حِسَابِيٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يُضَعَّفْ إلَّا الْوَاجِبُ وَلَا ضَعَّفْنَا الْمَالَ وَلَا الْوَقْصَ وَلَا قَدَّرْنَا أَنَّ مَعَهُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ لِإِيجَابِ بِنْتِ اللَّبُونِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِيهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْرِيبَ إلَى الْأَذْهَانِ.

وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ أَبْلَغُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْكَشْفِ وَالْبَيَانِ عَنْ سِرِّ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ لَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَنِصْفًا أَوْجَبْنَا بِنْتَ مَخَاضٍ وَحِقَّةً عَلَى قِيَاسِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْقَفَّالِ وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا وَإِنَّمَا قُلْتُهُ تَفَقُّهًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ الْمَأْخُوذَةَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَيَبْقَى مَعَنَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُخْرَى وَعِدَّةُ أَجْزَاءٍ وَنِصْفٌ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ نِصْفُهَا يَصِيرُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ نَضُمُّهَا إلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ الْكَامِلَةِ، وَأَجْزَاؤُهَا خَمْسُ وَعِشْرُونَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِحَقَّةٍ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَنَأْخُذُهَا مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَقَطْ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُوجِبُ التَّشْقِيصَ، وَالتَّفْرِيعَ عَلَى الْوَجْه الْمَنْسُوبِ إلَى الْقَفَّالِ الَّذِي لَا يُضَعَّفُ إلَّا حَيْثُ لَا يُشَقَّصُ، وَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَاجِبُهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ.

وَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ ذَلِكَ فَاسْتَعْمِلْهُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْوَقْصِ قُدِّرَ النِّصْفُ مِمَّا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ الْمُتَوَالِيَيْنِ فَالْمَأْخُوذُ وَاجِبُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ وَوَاجِبُ النِّصَابِ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ بِنْتِ اللَّبُونِ

ص: 358

فِي ثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بِنْتِ مَخَاضٍ وَحِقَّةٍ.

وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَاجِبُهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِنْتَا مَخَاضٍ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَجْزَاءِ الزَّائِدَةِ لَوْ أَخَذْنَاهَا لَوَقَعْنَا فِي التَّشْقِيصِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ.

وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: لِمَ لَا نَأْخُذُ عَنْ الْخَمْسِ الزَّائِدَةِ شَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لَيْسَ بِعَفْوٍ، وَالتَّشْقِيصُ مَحْذُورٌ وَكَأَنَّهُ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ مُنْفَرِدَةً لَزِمَهُ شَاتَانِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَتُضَمُّ الشَّاتَانِ إلَى بِنْتَيْ الْمَخَاضِ؟ . وَطَرِيقُ الْخَلَاصِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا جَعَلَ الْغَنَمَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْإِبِلِ يُبْسَطُ عَلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ كَانَ وَقْصًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَتِسْعِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَاجِبُهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْخَمْسَةَ تَجِبُ فِيهَا الْغَنَمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا غَيْرَهُ لِأَجْلِ التَّشْقِيصِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْإِمَام.

وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ رحمه الله فَقَوْلُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ مَا حَكَاهُ إمَّا لِخَلَلٍ فِي النُّسْخَةِ الْحَاضِرَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. غَيْرَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَعْلَى كَعْبًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ صَدَرَ كَلَامُهُ بِالْخِلَافِ فِي إنَّهُ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النِّصَابِ قِسْطُهُ مِنْ وَاجِبِ تَمَامِ النِّصَابِ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَيُرْوَى عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ. وَالنَّقْلُ الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالْأَخْذِ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَعَّفَ الْوَاجِبُ لَا الْمَالُ، وَالْأَخْذُ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِتَقْدِيرِ تَضْعِيفِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِهِ مُضَادٌّ لِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْبَابُ.

فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَيَشْمَلُهُ شَيْءٌ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ: وَهُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ إنَّمَا هُوَ جِزْيَةٌ وَالْأَمْرُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا تَحْصُلُ الْمُشَارَطَةُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالذِّمِّيِّ فَإِذَا اشْتَرَطَ تَقْدِيرَ تَضْعِيفِ الْمَالِ لَمْ يَمْتَنِعْ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعِلْمِ بَيْنَ الْمُتَشَارِطَيْنِ بِذَلِكَ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ، فَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ حِينَئِذٍ فِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ قَدْ تَطَرَّقَ جَهَالَةٌ مُقْتَضِيَةٌ فَسَادَ الْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ تَعْرِيفُ الْوَاجِبِ لِيَقَعَ الْعِلْمُ بِهِ

ص: 359

قَبْلَ الْعَقْدِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ يَعْنِي الْأَخْذَ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ أَخَذْنَا مِنْ مِائَةِ شَاةٍ وَنِصْفِ شَاةٍ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَمِنْ سَبْعٍ وَنِصْفٍ مِنْ الْإِبِلِ كَذَلِكَ وَفِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا وَمُسِنَّةً. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ النِّصَابُ مَوْجُودٌ فِيهَا وَزِيَادَةٌ فَلَيْسَ تَفْرِيعُهُ عَلَى الْأَخْذِ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ بِمُتَّضِحٍ وَلِذَلِكَ إنَّ الْإِمَامَ رحمه الله ذَكَرَ الصُّورَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى مَا دُونَ النِّصَابِ، ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَجْرَى الْخِلَافَ فِي الْأَوْقَاصِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْقَاصِ هُوَ الْخِلَافُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الرُّويَانِيِّ فِيمَا إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَنِصْفًا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَذَعَةً تَفْرِيعًا عَلَى الْأَخْذِ مِمَّا دُونَ النِّصَابِ وَهَذَا أَبْعَدُ بِكَثِيرٍ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْت إنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الرُّويَانِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا أَصْلُ الْبَابِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» وَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ أَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافُ؟ .

(أَجَابَ) رحمه الله هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ فِي الْمُوَطَّأِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الَّذِي يَمُوتُ صَغِيرًا قَالَ: اللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَلْفَاظٌ مِنْهَا «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ، ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَمِنْهَا «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَمِنْهَا «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ» وَمِنْهَا «لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ» وَمِنْهَا «مَنْ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» وَمِنْهَا «كُلُّ إنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ

ص: 360

وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا مِنْهُمْ» هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي مُسْلِمٍ.

وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الطَّبْعُ السَّلِيمُ الْمُهَيَّأُ لِقَبُولِ الدِّينِ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْقَابِلِ عَلَى الْمَقْبُولِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْخِلْقَةُ يُقَالُ فَطَرَهُ أَيْ خَلَقَهُ وَخِلْقَةُ الْآدَمِيِّ فَرْدٌ مِنْ ذَلِكَ وَتَهَيَّأَ لِقَبُولِ الدِّينِ وَصْفٌ لَهَا فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ وَذَلِكَ الْمَقْبُولُ وَهُوَ الدِّينُ أَمْرٌ رَابِعٌ فَاسْمُ الْفِطْرَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُسْلِمًا بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ الدِّينَ وَهُوَ الْإِسْلَامُ حَقٌّ مُجَاذِبٌ لِلْعَقْلِ غَيْرُ نَاءٍ عَنْهُ.

وَكُلُّ مَوْلُودٍ خُلِقَ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَجِبِلَّتِهِ وَطَبْعِهِ وَمَا رَكَّزَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْعَقْلِ لَوْ تُرِكَ لَاسْتَمَرَّ عَلَى لُزُومِ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَارِقْهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ لِآفَةٍ مِنْ آفَاتِ الْبَشَرِ وَالتَّقْلِيدِ كَمَا يَعْدِلُ وَلَدُ الْيَهُودِيِّ وَوَلَدُ النَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ بِتَعْلِيمِ آبَائِهِمْ وَتَلْقِينِهِمْ الْكُفْرَ لِأَوْلَادِهِمْ فَيَتَّبِعُوهُمْ وَيَعْدِلُونَ بِهِمْ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي فَطَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُولَدُ إلَّا وَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ أَوْ عَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ تَقَارُبٌ فِي شَيْءٍ وَتَفَاوُتٌ فِي شَيْءٍ وَالْأَوَّلُ خَيْرٌ مِنْهُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مَا قَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَقَالُوا الْفِطْرَةُ الْبُدَاءَةُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] وَنُسِبَ هَذَا الْمَذْهَبُ إلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ وُلِدَ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ تَصِيرُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ إلَيْهِ وَذَكَرُوا حَدِيثًا «إنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا» وَهَذَا الْحَدِيثُ انْفَرَدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَتَكَلَّمُ فِيهِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَالثَّانِي خَيْرٌ مِنْهُ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ الْفِطْرَةَ الْإِسْلَامُ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَامَّةِ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا خُلِقَ الطِّفْلُ سَلِيمًا مِنْ الْكُفْرِ

ص: 361

مُؤْمِنًا مُسْلِمًا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فَالطِّفْلُ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَلَهُ مِيثَاقٌ ثَانٍ وَهُوَ قَبُولُ الْفَرَائِضِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَأَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فَمَتَى مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ إنَّهُ يُولَدُ مُعْتَقِدَ الْإِسْلَامِ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ حَقِيقَةً ثُمَّ نَامَ أَوْ مَاتَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا يَجْرِي حُكْمُ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْبَالِغَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيُّ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ أَبَوَيْهِ كَثِيرٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ.

نَعَمْ قَالَ أَحْمَدُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حَمْلٌ ثُمَّ وُلِدَ يَكُونُ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ ابْنَ كَافِرَيْنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ بِمُدَّةٍ وَبَعْدَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ بَعْدَ الْجِهَادِ وَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ.

وَأَمَّا الْمُخْتَارُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ أَيْضًا فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ يُرْجَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15]{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهَا «وَالشَّيْخُ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إبْرَاهِيمُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ» وَبِهَذَا احْتَجَّ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لَكِنْ فِي أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ.

وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ كِفَايَةٌ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .

(الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ كَمَا تَبِعَ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ آبَاءَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَنَسَبَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَفِي هَذِهِ النِّسْبَةِ

ص: 362

نَظَرٌ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَخِي فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِيهِ «إنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلُغْ الْحِنْثَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتُمْ الْوَائِدَةَ وَالْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهَا» . وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنْ رُوِيَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ وَالنَّسْخُ ضَعِيفٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ عِلَّةٌ تَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَةَ بَلَغَتْ سِنَّ التَّكْلِيفِ وَكَفَرَتْ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ السَّائِلِ لَمْ تَبْلُغْ الْحِنْثَ لِجَهْلِهِ وَيَكُونُ التَّكْلِيفُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ، وَالسَّائِلُ يَجْهَلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا حَتَّى نُبَيِّنَهَا لَهُ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَيْنَ هُمْ؟ فَقَالَ فِي النَّارِ» . وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ عَقِيلٍ صَاحِبُ بَهِيَّةٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَحَادِيثٌ أُخَرُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَلَكِنْ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.

(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) التَّوَقُّفُ فَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ الْكِبَرُ آمَنَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ الْكِبَرُ كَفَرَ أَدْخَلَهُ النَّارَ وَنَسَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْأَكْثَرِ وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَهُوَ دَلِيلٌ لِلتَّوَقُّفِ.

(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُمْ وَسَائِرُ الْأَطْفَالِ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ

«تُؤَجَّجُ لَهُمْ النَّارُ فَيُقَالُ: رِدُوهَا وَادْخُلُوهَا فَيَرِدُهَا أَوْ يَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْم اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: إيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ رُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ النَّاس مَنْ يُوقِفُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَى مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ وَمِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْعَاقِبَةِ حَدِيثَ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ فِي ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسَانِيدُهَا صَالِحَةٌ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَصْلٌ

ص: 363

عَظِيمٌ، وَالْقَطْعُ فِيهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَعِيفٌ فِي الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهَا وَهُوَ أَقْوَى مِنْهَا

وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِثَابِتٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ امْتِحَانٍ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِيهَا تَكُونُ ضَرُورَةً وَلَا مِحْنَةَ مَعَ الضَّرُورَةِ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ تَبَعٌ لِلْمَعْرِفَةِ فَإِذَا وَقَعَ الِامْتِحَانُ بِالْمَعْرِفَةِ وَقَعَ بِمَا وَرَاءَهَا وَاذَا سَقَطَ الِامْتِحَانُ بِهَا لَمْ تَثْبُتْ فِيمَا وَرَاءَهَا؛ وَلِأَنَّ دَلَائِلَ الشَّرْعِ اسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الشِّرْكِ وَامْتِنَاعُ الصِّغَارِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ الْمُؤَجَّجَةِ لَيْسَ بِشِرْكٍ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنَّا لَا نَقْطَعُ بِهِ فَلَيْسَ يَظْهَرُ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ وَلَا سَمْعِيٌّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ.

هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الَّتِي أَعْرِفُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ فِي الْأَعْرَافِ فَلَا أَعْرِفُهُ وَلَا أَعْرِفُ حَدِيثًا وَرَدَ بِهِ وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَا عَلِمْت. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَقْوَالًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: 46] قَالَ مُجَاهِدٌ صَالِحُونَ عُلَمَاءُ فُقَهَاءُ.

وَقَالَ أَيْضًا هُمْ رِجَالٌ اسْتَوَتْ سَيِّئَاتُهُمْ وَحَسَنَاتُهُمْ. وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعِبَادِ إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنْ النَّارِ وَلَمْ تُدْخِلْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الْجَنَّةَ فَأَنْتُمْ عُتَقَائِي فَارْعَوْا مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ» .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ فَيَغْتَسِلُونَ مِنْ نَهْرِ الْحَيَاةِ اغْتِسَالَةً فَتَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَزْدَادُونَ بَيَاضًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفِهِ فَهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَهْلُ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَكَانَ جِمَاعُ أَمْرِهِمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

(خَاتِمَةٌ) إنَّمَا تَكَلَّمْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَوَابًا وَهِيَ مِمَّا لَا أُحِبُّ الْكَلَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَاتِيًا أَوْ مُتَقَارِبًا - كَلِمَةً تُشْبِهُ هَاتَيْنِ - حَتَّى يَتَكَلَّمُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ.

قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَذَكَرَتْهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ فَيَسْكُتُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْجَهْلِ قُلْت فَيُؤْمَرُ بِالْكَلَامِ فَسَكَتَ.

وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ كُنْت عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إذْ جَاءَ رَجُلٌ

ص: 364

فَقَالَ مَاذَا بَيْنَ قَتَادَةَ وَحَفْصِ بْنِ عُمَرَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاسِمُ إذَا اللَّهُ انْتَهَى عِنْدَ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ، قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارٌ فَانْطَفَأَتْ، هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَجُوزُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ فَمَا حِيلَةُ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ فِي صِحَّةِ إيمَانِهِ، وَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُحَرَّرُ فِي ذَلِكَ؟ . أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.

(أَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يَقُلْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَلَا قَالَهُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالسَّائِلُ مَعْذُورٌ فِي غَلَطِهِ فَإِنَّ لَفْظَ التَّقْلِيدِ مُشْتَرَكٌ وَالْعُلَمَاءُ قَدْ أَطْلَقُوا كَلِمَاتٍ رُبَّمَا تَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْهَا ذَلِكَ، وَأَنَا أُثْبِتُهَا لَكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ لَفْظَ التَّقْلِيدِ يُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَرُبَّمَا قَبِلَ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَرُبَّمَا قِيلَ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِخَبَرٍ مِنْ أَيْنَ يَقُولُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلتَّقْلِيدِ أَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ لَا الْمُوجِبُ وَرُبَّمَا قِيلَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لَا الْمُوجِبُ.

إنْ عَرَفْت مَعْنَى التَّقْلِيدِ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ ظَنًّا وَقَدْ يَكُونُ وَهْمًا كَمَا يُرَى فِي تَقْلِيدِ إمَامٍ فِي فَرْعٍ مِنْ الْفُرُوعِ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي خِلَافِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَكْفِي فِي أُصُولِ الدِّينِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ هَذَا. وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لَا الْمُوجِبُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ إلَّا أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ انْفَرَدَ بِذَلِكَ عَنْ طَائِفَتِهِ وَسَائِرِ طَوَائِفِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَخَالَفَ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ وَأَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَجِدْ لَهُ مُوَافِقًا إلَّا أَبَا هَاشِمٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَحْمِلَ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ.

وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا إيمَانُ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ مُصَمَّمٍ فَكَلَامُهُ صَحِيحٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَنْ شَذَّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

ص: 365

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ. أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ اعْتِقَادٍ جَازِمٍ مُصَمَّمٍ بِحَيْثُ لَا يَتَشَكَّكُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّ شَرْطَ الْإِيمَانِ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَشَكَّكُ إذَا أُشْكِلَ وَلَا يَضْطَرِبُ إذَا حُرِّكَ لِقَوْلِهِ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] قَالَ إبْرَاهِيمُ فَشَهِدَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ. انْتَهَى قَوْلُ الْوَاحِدِيِّ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْإِعْلَامُ لَا الْأَمْرُ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي ذَلِكَ، فَنَقُولُ: اعْلَمْ كَذَا أَيْ اعْلَمْهُ مِنْ جِهَتِي وَمَعْنَاهُ أُعْلِمُكَ كَذَا، وَالْآيَةُ الْأُولَى دَلَالَتُهَا ظَاهِرَةٌ وَالْعِلْمُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجَازِمِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّ وَلَا عَلَى الشَّكِّ وَلَا عَلَى الْوَهْمِ فَكَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ بِشَيْءٍ مِنْ الظَّنِّ وَالشَّكِّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْجَزْمِ لَكِنَّ الْجَزْمَ تَارَةً يَكُونُ عَنْ دَلِيلٍ أَوْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ وَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ.

أَمَّا عَنْ دَلِيلٍ فَبِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا عَنْ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فَهُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِنَايَةِ وَنَازَعَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالضَّرُورَةِ.

وَتَارَةً يَكُونُ الْجَزْمُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا دَلِيلٍ خَاصٍّ كَإِيمَانِ الْعَوَامّ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فَهُوَ إيمَانٌ صَحِيحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَيُسَمَّى عِلْمًا فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُسَمِّيهِ عِلْمًا.

إذَا عَرَفْت هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فَنَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ وَنَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ طَبَقَتَانِ: أَعْلَاهُمَا أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ وَأَدْنَاهُمَا أَهْلُ الْعَقِيدَةِ وَهُمْ الْعَوَامُّ الْمُعْتَقِدُونَ.

وَإِنْ شِئْت قُلْت: النَّاسُ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ الْعُلْيَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْوُسْطَى أَهْلُ الْعَقِيدَةِ مَعَ التَّصْمِيمِ وَالدُّنْيَا مَنْ لَمْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ تَصْمِيمٌ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ كَمَا يُقَلِّدُ فِي الْفُرُوعِ.

وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَكْفِي إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ النَّقْلِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الْعَنْبَرِيِّ حَيْثُ قَالَ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَقَالَ: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الْإِيمَانِ إلَّا بِعَقْدٍ مُصَمَّمٍ فَلْنُسْقِطْ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مِنْ طَوَائِفِ الْمُؤْمِنِينَ وَنَعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ طَبَقَتَانِ لَا غَيْرُ إحْدَاهُمَا الْعَارِفُونَ

ص: 366

وَهَؤُلَاءِ دَرَجَاتٌ أَعْلَاهَا دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ الصِّدِّيقِينَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى دَرَجَاتِهِمْ وَلَا يَعْلَمُ تَفَاوُتَهَا وَمَقَادِيرَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِاسْتِدْلَالٍ وَلَا بُدَّ مِنْ مُصَاحَبَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ.

وَأَهْلُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَرَاتِبَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَدْنَاهَا مَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ وَحَدَثِ الْعَالَمِ وَنَحْوِهِ، وَأَدِلَّةُ هَذَا الصِّنْفِ كَثِيرَةٌ أَيْضًا لَا يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْسَنُ مِنْهَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ إثْبَاتِ الْمُعْجِزَةِ أَوَّلًا وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَالشُّكُوكُ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهَا أَقَلُّ وَانْدِفَاعُهَا أَسْهَلُ، وَكِلْتَا هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ أَهْلُ كَلَامٍ وَنَظَرٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّقْدِيرِ وَدَفْعِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْصِيلِ وَأَهْلُ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِدَلَائِلِ الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَوْضَاعِ الْجَدَلِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَلَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ بَلْ بِحَسْبِ مَا يَتَرَتَّبُ فِي ذِهْنِهِ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَدَلَالَتُهَا عَلَى صَانِعِهَا، وَيَعْرِفُ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً وَيَقْدِرُ عَلَى تَقْدِيرِهَا بِحَسْبِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَدَلِيِّينَ بَلْ طَرِيقَةُ هَذَا أَنْفَعُ وَأَسْلَمُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِالْإِجْمَالِ دُونَ التَّفْصِيلِ فَيُرْشِدُهُ إلَى الْجَزْمِ وَالتَّصْمِيمِ وَلَكِنْ لِجَهْلِهِ بِالتَّفْصِيلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّقْدِيرِ وَدَفْعِ الشُّبَهِ وَهَذَا حَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَرِّرُ فِي عُقُولِهِمْ بِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُكَلَّفُوا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ عِنْدَهُمْ يُسَمَّى اعْتِقَادًا وَيُسَمَّى عِلْمًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَمَّاهُ بَعْضُ النَّاسِ تَقْلِيدًا فَلَا مُشَاحَّةَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْيَوْمِ عَلَى تَقْرِيرِ الْعَوَامّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ أَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْعَوَامّ لِاعْتِقَادِهِ الدَّلِيلَ الْإِجْمَالِيَّ بَلْ هَذَا حَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُمَارِسُوا الْعُلُومَ وَلِهَذَا نَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَامَاتِ وَالْخَوَارِقِ مَا لَا يُرْتَابُ فِيهِ وَلَوْ سَأَلَتْهُ عَنْ تَقْرِيرِ دَلِيلٍ لَمْ يَعْرِفْهُ فَهَؤُلَاءِ

ص: 367

الْأَصْنَافُ كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَهُمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا.

الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِينَ لَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ أَلْبَتَّةَ لَا إجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا بَلْ عِنْدَهُمْ عَقِيدَةٌ جَازِمَةٌ قَدْ صَمَّمُوا عَلَيْهَا وَأَخَذُوهَا عَنْ آبَائِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا نَشَئُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ أَصْلًا وَهَذَا فِي تَصْوِيرِهِ عُسْرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ لَا بُدَّ أَنْ يَنْظُرَ وَيَصِلَ إلَيْهِ مِنْ الدَّلَائِلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الِالْتِحَاقُ إلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَإِنْ فُرِضَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إلَّا تَصْمِيمٌ تَقْلِيدِيٌّ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَأَبُو هَاشِمٍ يَقُولُ بِكُفْرِهِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِإِيمَانِهِ، وَلَكِنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِ النَّظَرِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ بَلْ هُوَ مُطِيعٌ مُؤْمِنٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ إلَّا الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ وَقَدْ حَصَلَ.

وَأَمَّا الْقِيَامُ بِتَقْرِيرِ الْأَدِلَّةِ وَدَفْعِ الشُّبَهِ فَذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ الْقِيَامُ بِتَقْرِيرِ الْأَدِلَّةِ وَدَفْعِ الشُّبَهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَكُونُ بِأَحَدِ طَرِيقِينَ إمَّا طَرِيقَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْجَدَلِيِّينَ وَإِمَّا طَرِيقَةُ السَّلَفِ وَهِيَ الْأَنْفَعُ وَالْأَسْلَمُ.

وَالِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ عَنْ دَلِيلٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِهِ اكْتَفَوْا بِالدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْعِصْيَانِ وَأَبْعَدَ أَبُو هَاشِمٍ فَقَالَ: إنَّهُ كَافِرٌ وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْ أَبِي هَاشِمٍ إجْرَاءُ ذَلِكَ فِي تَرْكِ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ الْحَنِيفَةُ السَّهْلَةُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا عَاصٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. انْتَهَى. .

(مَسْأَلَةٌ) مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ عَوَامُّ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ جَمَعَ مَالًا مِنْ نَهَاوِشَ أَنْفَدَهُ اللَّهُ فِي نَهَابِرَ» فَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ هُوَ وَارِدٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الصِّحَاحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّإِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكُتُبِ الصِّحَاحِ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فَهَلْ يَأْثَمُ مَنْ يُورِدُهُ مِنْ الْعَوَامّ أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَى مَنْ يُورِدُهُ عَلَيْهِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَدَبًا مُوجِعًا لِكَوْنِهِ كَذَبَ وَقَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ

ص: 368