الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ كَرَجُلَيْنِ تَبَايَعَا وَقْتَ النِّدَاءِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يُحَرِّمُ الْبَيْعَ وَالْآخَرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بِحَيْثُ يَحِلُّ لَهُ الْبَيْعُ مَعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ أَوْ لَا.
وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي مَسْأَلَةِ الشِّطْرَنْجِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَنَفِيِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مُحَرَّمٌ عِنْدَهُمَا وَلِعْبُ الشِّطْرَنْجِ لَيْسَ مُحَرَّمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ عَلَى الْحَنَفِيِّ لَعِبُهُ مَعَ ظَنِّ التَّحْرِيمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُزْأَيْنِ لَيْسَ بِحَرَامٍ أَمَّا الظَّنُّ فَهُوَ نَتِيجَةُ اجْتِهَادِهِ يُثَابُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا اللَّعِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
فَإِنْ قُلْت بِظَنِّ الْحَنَفِيِّ صَارَ حَرَامًا عَلَيْهِ. قُلْت: الَّذِي صَارَ حَرَامًا عَلَيْهِ لَعِبُهُ مَعَ ظَنِّهِ لَا لَعِبِهِ مُطْلَقًا فَالْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ وَهِيَ النِّسْبَةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَ اللَّعِبِ الْمَظْنُونِ وَالظَّنِّ وَالشَّافِعِيُّ اللَّاعِبُ لَمْ يُعِنْ عَلَى أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ اللَّعِبُ، وَهُوَ بِلِسَانِ الْحَالِ يَرُدُّ عَلَى الْحَنَفِيِّ فِي ظَنِّهِ وَيَقُولُ لَهُ: لَا تَظُنَّ فَلَمْ يُعِنْ عَلَى مُحَرَّمٍ.
وَهَذَا الْبَحْثُ يُشْبِهُ فِي أُصُولِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِمَا لَوْ وَقَعَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ لَزِمَ انْقِلَابُ الْعِلْمِ جَهْلًا، وَمَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّهُ لَوْ وَقَعَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مَعَ بَقَاءِ الْعِلْمِ وَهَذَا مُنَاقِضٌ بَلْ مَنْ وَقَعَ خِلَافُهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا فَإِنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ مَعْلُومٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]
(مَسْأَلَةٌ) مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا فِنَاءُ الْأَجْسَامِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهِ ثُمَّ يُعِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا تَفْنَى بَلْ تَتَفَرَّقُ ثُمَّ يَجْمَعُهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامِ وَأَطْلَقَ الْمُتَكَلِّمُونَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ ثَالِثٍ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى إلَّا عَجَبُ الذَّنَبِ» وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ عَظْمٌ كَالْخَرْدَلَةِ فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ عِنْدَ الْعَجُزِ وَهُوَ الْعَسِيبُ مِنْ الدَّوَابِّ مِنْهُ يُرَكَّبُ ابْنُ آدَمَ وَمِنْهُ خُلِقَ.
قَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَثْبَتَ قَوْلًا ثَالِثًا، وَرَدَّ الْمُزَنِيّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] .
وَتَأَوَّلَ الْمُزَنِيّ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْلَى بِالتُّرَابِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا عَجَبُ الذَّنَبِ أَبْلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا تُرَابٍ، وَأَمَّا الْأَرْوَاحُ فَالسُّؤَالُ عَنْهَا
إمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ وَإِمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَشَرِّعِينَ.
أَمَّا الْحُكَمَاءُ فَلَهُمْ فِيهَا مَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: أَشْهُرُهَا عِنْدَهُمْ مَذْهَبُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ أَنَّهَا يَجِبُ بَقَاؤُهَا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا الْبَدَنَ، الثَّانِي مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ أَنَّهَا يَجِبُ فِنَاؤُهَا، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَتْ مُفَارِقَتُهَا لِلْبَدَنِ قَبْلَ تَصَوُّرِ الْمَعْقُولَاتِ وَتَجْرِيدِ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكَمَّلَتْ بِمَا حَصَلَ لَهَا مِنْ التَّصَوُّرَاتِ الْكُلِّيَّةِ وَالتَّصْدِيقَاتِ الْعَقْلِيَّةِ فِي حَالَةِ اتِّصَالِهَا بِالْبَدَنِ فَإِنَّهَا تَبْقَى وَإِنْ فَارَقَتْ الْبَدَنَ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا مَذَاهِبُ فَاسِدَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوَاعِدَ فَاسِدَةٍ، وَأَدِلَّتُهُمْ وَمَا يَرُدُّ عَلَيْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَالْحَقُّ أَنَّ بَقَاءَهَا مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحِيلٍ سَوَاءٌ تَكَمَّلَتْ أَمْ لَمْ تَتَكَمَّلْ وَأَعْنِي بِالْإِمْكَانِ الْإِمْكَانَ الْعَقْلِيَّ.
وَأَمَّا الْمُشَرِّعُونَ فَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ كَمَا قُلْنَاهُ وَقَدْ دَلَّتْ الشَّرَائِعُ عَلَى وُقُوعِهِ وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الشَّرَائِعِ خِلَافًا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ قَالَ فِي الْعَالِمِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ الْعَقْلِيَّةُ إذَا انْضَمَّتْ إلَى أَقْوَالِ جُمْهُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ أَفَادَتْ الْجَزْمَ بِبَقَاءِ النَّفْسِ.
فَقَوْلُهُ: جُمْهُورُ الْأَنْبِيَاءِ يُوهِمُ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا الْإِيهَامُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ وَلَا أَظُنُّهُ أَرَادَهُ وَفِي أَوَّلِ كَلَامِهِ أَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى بَقَائِهَا.
فَهَذَا مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَاسْتَقَرَّ الشَّرَائِعُ وَالْكُتُبُ الْمَنْزِلَةُ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَكَاثِرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا وَيُقْطَعُ بِالْمُرَادِ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النُّفُوسِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا عَالِمٌ وَلَا عَامِّيُّ بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَوْا إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِحَيَاةِ جَمِيعِ الْمَوْتَى.
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 154]- الْآيَةَ إنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالْآيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْكُفَّارِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْبَعْثِ وَأَنَّ بِالْمَوْتِ يَفْنَى الْإِنْسَانُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ مِنْ إحْسَاسٍ وَنَحْوِهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّ حَيَاةَ الْمَوْتَى مُخْتَلِفَةٌ فَحَيَاةُ الشَّهِيدِ أَعْظَمُ وَحَيَاةُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَيْسَ بِشَهِيدٍ دُونَهُ وَحَيَاةُ الْكَافِرِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ دُونَهُ، وَالْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ فِي الْحَيَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلَى جَسَدُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَبْلَى، وَالْأَرْوَاحُ كُلُّهَا بَاقِيَةٌ.
هَذَا دِينُ الْإِسْلَامِ