الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَوْجَتِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَطْنَا التَّفْصِيلَ فَفَصَّلَا وَكَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
وَظَاهِرُهُ الْإِبْقَاءُ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ. وَقَدْ يُقَال: إنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ كُلَّهَا لَا دَلِيلَ فِيهَا وَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَحَلِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَكَلَامُنَا فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقْصَدُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِيهِ رَفْعُ الْخِلَافِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ الْحُكْمُ بِحَقْنِ الدَّمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي السَّبَبِ وَنَحْوِهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَمْ يُقْتَلُ كُفْرًا أَوْ حَدًّا فَإِنَّ الَّذِي نَقْتُلُهُ حَدًّا نَقُولُ بِإِسْلَامِهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّا نُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ يَشْمَلُ الْمَحَلَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَفَعَلُوا وَلَمْ يُفَصِّلُوا لَكِنْ أَطْلَقُوا فَشَمِلَ إطْلَاقُهُمْ الْقِسْمَيْنِ مَعَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بِمَا مَعْنَاهَا صَرِيحٌ فِي الْقِسْمَيْنِ.
وَنُجِيبُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَاكِمَ بِالْإِسْلَامِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْ الْحَاكِمَ الَّذِي يَرَى بِإِسْلَامِهِ وَقَتْلِهِ حَدًّا أَنْ يَحْكُمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ وَإِنْ حَكَمَ مَعَ إسْلَامِهِ بِحَقْنِ دَمِهِ كَفَى وَمَنَعَ كُلَّ حَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِقَتْلِهِ حَدًّا كَانَ أَوْ كُفْرًا وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ بِحَقْنِ دَمِهِ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى نَوْعِ الْكُفْرِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ أَوْ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ عَاصِمَةٌ لِلدَّمِ بِكُلِّ حَالٍ مَاحِيَةٌ لِكُلِّ كُفْرٍ قَبْلَهَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فِي مَحْوِ كُلِّ كُفْرٍ قَبْلَهُ وَكُلِّ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْقَتْلَ غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالزِّنَا فَإِنْ قِيلَ: الَّذِي لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ كُفْرٌ أَصْلًا هَلْ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ؟ قُلْت نَعَمْ لَوْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ وَاسْتَوْلَى ظَالِمٌ عَلَى مَالِهِ وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَلَا يَرِثُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ وَوَرَّثْنَاهُ، وَقُلْنَا لِلظَّالِمِ أَنْتَ فَاجِرٌ فِي جَحْدِك إسْلَامَ هَذَا بَلْ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَكَانَ صَغِيرًا وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ وَانْتَزَعْنَا مَالَ قَرِيبٍ لَهُ لِإِسْلَامِهِ - وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ - انْتَهَى.
[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]
(كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ حَدِّ السَّرِقَةِ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ - 1 مِنْ غَيْرِ مَغْنَمٍ - 2 وَلَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ - 3 بِيَدِهِ - 4 لَا بِآلَةٍ - 5 وَحْدَهُ - 6 مُنْفَرِدًا - 7 وَهُوَ عَاقِلٌ - 8 بَالِغٌ - 9 مُسْلِمٌ - 10 حُرٌّ - 11 فِي غَيْرِ الْحَرَمِ - 12 بِمَكَّةَ - 13
وَفِي غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ - 14 وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِيءُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ - 15 فَسَرَقَ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ - 16 وَمِنْ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ لَهُ - 17 وَمِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ امْرَأَةً - 18 وَهُوَ غَيْرُ سَكْرَانَ - 19 وَلَا مُضْطَرٍّ بِجُوعٍ - 20 وَلَا مُكْرَهٍ - 21 فَسَرَقَ مَالًا مُتَمَلَّكًا - 22 يَحِلُّ بَيْعُهُ لِلْمُسْلِمِينَ - 23 وَسَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ غَاصِبٍ لَهُ - 24 وَبَلَغَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ - 25 مِنْ الْوَرِقِ الْمَحْضِ - 26 بِوَزْنِ مَكَّةَ - 27 وَلَمْ يَكُنْ لَحْمًا - 28 وَلَا حَيَوَانًا مَذْبُوحًا - 29 وَلَا شَيْئًا يُؤْكَلُ - 30 أَوْ يُشْرَبُ - 31 وَلَا طَيْرًا - 32 وَلَا صَيْدًا - 33 وَلَا كَلْبًا - 34 وَلَا سِنَّوْرًا - 35 وَلَا زِبْلًا - 36 وَلَا عَذِرَةً - 37 وَلَا تُرَابًا - 38 وَلَا مَغْرَةً - 39 وَلَا زِرْنِيخًا - 40 وَلَا حَصًى - 41 وَلَا حِجَارَةً - 42 وَلَا زُجَاجًا - 43 وَلَا فَخَّارًا - 44 وَلَا حَطَبًا - 45 وَلَا قَصَبًا - 46 وَلَا خَشَبًا - 47 وَلَا فَاكِهَةً - 48 وَلَا حِمَارًا - 49 وَلَا حَيَوَانًا سَارِحًا - 50 وَلَا مُصْحَفًا - 51 وَلَا زَرْعًا مِنْ بَدَائِهِ - 52 وَلَا ثَمَرًا مِنْ حَائِطٍ - 53 وَلَا شَجَرًا - 54 وَلَا حُرًّا - 55 وَلَا عَبْدًا - 56 يَتَكَلَّمُ وَيَعْقِلُ - 57 وَلَا أَحْدَثَ فِيهِ جِنَايَةً - 58 قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَهُ مِنْ مَكَان لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ - 59 مِنْ حِرْزِهِ - 60 بِيَدِهِ - 61 فَشَهِدَ عَلَيْهِ - 62 بِكُلِّ ذَلِكَ - 63 شَاهِدَانِ - 64 رَجُلَانِ - 65 كَمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ - 66 وَلَمْ يَخْتَلِفَا - 67 وَلَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا - 68 وَلَا ادَّعَى هُوَ مِلْكَ مَا سَرَقَ - 69 وَكَانَ سَالِمَ الْيَدَ الْيُسْرَى - 70 وَسَالِمَ الرِّجْلِ - 71 لَا يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ - 72 وَلَا يَهَبُهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَا سَرَقَ - 73 وَلَا مَلَكَهُ بَعْدَمَا سَرَقَهُ - 74 وَلَا رَدَّهُ السَّارِقُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ - 75 وَلَا ادَّعَاهُ السَّارِقُ - 76 وَلَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا سَرَقَ - 77 وَحَضَرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ - 78 وَادَّعَى الْمَالَ الْمَسْرُوقَ - 79 وَطَلَبَ قَطْعَهُ - 80 قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ السَّارِقُ - 81 وَحَضَرَ الشُّهُودُ عَلَى السَّرِقَةِ - 82 وَلَمْ يَمْضِ لِلسَّرِقَةِ شَهْرٌ - 83. قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْبِقَ الشَّهَادَةَ بِهِ إقْرَارٌ وَيَأْتِيَ بَعْدَهَا رُجُوعٌ فَلَوْ تَقَدَّمَ السَّارِقُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الْقَطْعُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ فَقُبِلَ رُجُوعُهُ.
نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ فِي الزِّنَا مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ
بِالْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِذَلِكَ الزِّنَا لَا مُثَبِّتَةٌ لِلْحَدِّ وَالْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ هَكَذَا قَالَهُ فِي الزِّنَا وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ مِثْلُهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ قَالَ: فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَرَجَعَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ فَقَالَ: صَدَقَ الشُّهُودُ وَثَبَتَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا حُكْمَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمْلَقَ تَكْذِيبَ الشُّهُودِ وَالطَّعْنَ بِحَيْثُ تَرَكَ ثَبْتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا غَلَطٌ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ أَنْكَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَذَا إذَا صَدَّقَهُمْ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: سَقَطَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَهُوَ كَحَدِّ الزِّنَا وَبِهِ فَارَقَ الْقَوَدَ. وَالثَّانِي لَا يُقْتَلُ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ مَحْضٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالسِّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. فَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِقْرَارِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ فَرَّعْنَا اشْتِرَاطَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ وَإِنْ كَانَ فِي قَدْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ دَلِيلُ رُجُوعِهِ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْطَعْ فَكَذَا إذَا هَرَبَ وَلَكِنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِهِ دُونَ الضَّمَانِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ السَّرَخْسِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِالْهَرَبِ يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ وَلَا يُتْبَعُ كَالزَّانِي وَهَذَا الْحُكْمُ خَطَرَ لِي تَفَقُّهًا وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ إلَى الْآنَ، وَإِنَّمَا رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ هَذَا، وَهُوَ قِيَاسُ الزِّنَا، وَكَوْنُ حَدِّ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَحَدِّ الزِّنَا وَيَقْتَضِي أَنَّ بَعْدَ هَذَا شَرْطًا آخَرَ رَابِعًا وَثَمَانِينَ وَإِذَا ضَمَمْنَاهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ نَقْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ فَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ هَرَبَ لَا يُطْلَبُ، وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ أَقَرَّ، ثُمَّ رَجَعَ أَوْ هَرَبَ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ فَيُعَدَّانِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فَيَكُونُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَلَا هَرَبَ
وَلَكِنْ قَالَ: لَا أُرِيدُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى رَأْيٍ ثَبَتَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي الرَّأْيِ: أَحَدُهُمَا يَسْقُطُ كَقَتْلِ الرِّدَّةِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ.
كَحَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيق يَتُوبُ بَعْدَ الظَّفَرِ فَصَارَ مِنْ سَنَةِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ. وَلَوْ قَالَ مَا أَقْرَرْت لَا يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَلَعَلَّ تَعْلِيلَهُ أَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كَذَبْت فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ قَوْلِ نَفْسِهِ فَقِيلَ: وَلَوْ تَجَرَّدَ إقْرَارُ السَّارِقِ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا رُجُوعَ وَلَا هَرَبَ وَلَا تَوْبَةَ، وَلَكِنْ اجْتَمَعَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ كُلِّهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَكَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ طُرُقِ الثُّبُوتِ إلَّا الشَّهَادَةَ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ فَعَجَبٌ؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ فَالسَّرِقَةُ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ هَذَا حَدُّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَبِفَرْضِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ؟ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى مُعَايَنَةِ السَّرِقَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّبُوتِ بِالْبَيِّنَةِ وَالثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَدَّمْنَاهُ فِي الشُّرُوطِ فِي ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ فِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ يَجِبُ التَّوَصُّلُ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ وَنَحْنُ كَثِيرًا مِنْ الظَّلَمَةِ نَرَاهُ فِي يَدِهِ الْمُكُوسُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ، وَكَذَا يَكُونُ سَاكِنًا فِي دَارٍ غَصْبًا أَوْ وَقْفًا مُشَاعًا فَيَفُوتُ بِذَلِكَ الْحِرْزُ، وَفِي الْمَسَائِلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنْ السُّرَّاقِ جِيَاعًا بِحَيْثُ يَجِبُ كِفَايَتُهُمْ عَلَى النَّاسِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَحَدُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مَعَ ذَلِكَ لِمَا لِلسَّارِقِ مِنْ حَقِّ التَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ مَا يَسْتَحِقُّهُ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقَطْعَ أَوْ يَأْمُرُ بِهِ إمَامًا مُسْتَجْمِعَ الشَّرْطِ أَوْ نَائِبًا عَنْهُ مُسْتَجْمِعَ شَرْطِ النِّيَابَةِ أَوْ قَاضِيًا مُسْتَجْمِعَ شُرُوطُ الْقَضَاءِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ