الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَقَدَ مَجْلِسَ بِدِمَشْقَ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.
وَعِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ بَدْرِ الدِّينِ النَّظَرَ إسْنَادٌ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهُ اقْتَضَى مُلَازَمَةَ التَّدْرِيسِ النَّظَرُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنْ لَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يَقْتَضِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَانَ صَحِيحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ اسْتَنَدَ إلَى فَتَاوَى جَمَاعَةٍ لَمْ يَقْتَضِ رَأْيِي مُوَافَقَتَهُمْ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَقِيَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْ التَّدْرِيسِ وَأَذِنَ فِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ فَوَلَّى النَّاظِرُ الْعَامُّ صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نَظَرٌ فَقَدْ أَذِنَ وَإِلَّا فَقَدْ وَلَّى النَّاظِرُ الْعَامُّ، وَأَيًّا مَا كَانَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِمَجْمُوعٍ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَكَلَّمْت بِذَلِكَ مَعَ مَنْ ذَكَّرَنِي بِأَنَّ عَلَاءَ الدِّينِ الْقُدْسِيَّ كَانَ مُدَرِّسُهَا وَنَاظِرُهَا بِتَعْيِينِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُدْسِ حَتَّى عُزِلَ فَذَكَرْت وَقُلْت: مُقْتَضَى هَذَا الْبَحْثِ أَنَّهُ الْآنَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ فَوَقَفْت عَنْ تَوَسُّعِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ يَجِبُ الْبَحْثُ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَيْسَ لَنَا غَرَضٌ مَعَ أَحَدٍ، وَنَفْسِي مُنْقَادَةٌ إلَى مَا يَئُولُ الْبَحْثُ الصَّحِيحُ إلَيْهِ وَأَقِفُ عِنْدَهُ، وَهَذِهِ فَائِدَةُ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْوَاقِفِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِئْذَانِ النَّاظِرِ وَالثَّانِي إنْهَاءُ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُدَرِّسَ عَلَيْهِ نَاظِرٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ النَّاظِرَ الْعَامَّ، وَهُوَ الْقَاضِي حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ لِلْمُدَرِّسِ، وَيُحْتَمَلُ مَعْنًى آخَرَ لَمْ نَفْهَمْهُ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَعَلَّهُ ظَنَّ الْوَاقِفُ أَنَّ عَلَى الْمُدَرِّسِ نَاظِرًا إمَّا الْوَاقِفُ، أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ نَاظِرًا فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَلْزَمُ إثْبَاتُ نَاظِرٍ غَيْرِ الْمُدَرِّسِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَالَ، فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الْمُتَقَدِّمُ الصَّرِيحُ فِي أَنَّ النَّظَرَ لِلْمُدَرِّسِ بِكَلَامٍ مُلْتَبِسٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ يُزَاحِمُ الْمُدَرِّسَ وَلَوْ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِفَهْمِ مُرَادِهِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]
{فَصْلٌ} قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ فِيهِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ وَلَكِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْوَاقِفُ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ بِأَنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لِلْوَاقِفِ فَهَذَا لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَهُ، وَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِمَّنْ لَهُ
الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ بِحُكْمِ اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحُكْمِ التَّفْرِيعِ عَلَى أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي وَقْفِهِ فِي حَالِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَعْزِلَهُ وَهَذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ شَمِلَهُمَا إطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ.
(الثَّانِيَةُ) إذَا شَرَطَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ النَّظَرَ لَهُ أَعْنِي: لَلْأَجْنَبِيِّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَهُ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا فِي قَبُولِ الْوَكِيلِ، أَوْ فِي قَبُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
قُلْت: إلْحَاقُهُ بِالْوَكِيلِ بَعِيدٌ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ الِاشْتِرَاطِ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ دُخُولَ عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ بَعِيدٌ وَهَذَا مَفْقُودٌ هُنَا، عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَسُلَيْمٌ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَعَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى أَنَّهُ كَالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ رَجَّحَ الِاشْتِرَاطَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجَوْرِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ.
(الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ فَهَلْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَلِلْقَاضِي حُسَيْنٍ احْتِمَالٌ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالضِّيَاءُ حُسَيْنٌ فِي لُبَابِ التَّهْذِيبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَا يُشْبِهُهُ بِالْعِتْقِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ إنَّ نَظَرَهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ، وَأَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ يُنَاقِضُ مَا قَالَهُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاوَرْدِيُّ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ، فَهُوَ بَعِيدٌ لَكِنَّهُ يَسْلَمُ بِهِ عَنْ التَّنَاقُضِ.
(الرَّابِعَةُ) إذَا قَبِلَ سَوَاءٌ قُلْنَا: يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ أَمْ لَا، فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ وَقَالَ: إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ.
(الْخَامِسَةُ) هَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ قَبِلَ؟ إنْ جَعَلْنَاهُ كَالْوَكِيلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَا، وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْمَوْقُوفُ إلَيْهِ حَقَّهُ بَعْدَ قَبُولِهِ لَا يَسْقُطُ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَيْسَ لِلْوَاقِفِ نَصْبُ
غَيْرِهِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبُولِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَيَكُونُ رَدًّا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْعَزْلِ امْتِنَاعَهُ مِنْ النَّظَرِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ خَالَفْنَاهُ.
(السَّادِسَةُ) إذَا خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ النَّظَرِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ مِنْ يَدِهِ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يَنْزِعُهُ لِيُسَلِّمَهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ بَعْدَهُ تَنْزِيلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ كَمَا يُمَثِّلُ بِذَلِكَ بِقَوْلٍ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ وَأَنَّهُ لَوْ عَادَتْ أَهْلِيَّةُ الْوِلَايَةِ عَادَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ.
قُلْت: أَمَّا عَوْدُ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ إذَا عَادَتْ الْأَهْلِيَّةُ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ نَفْسَهُ، وَأَمَّا انْتِقَالُ النَّظَرِ لِمَنْ بَعْدَهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فَبَعِيدٌ بَلْ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُقْتَضَى لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْقَرَابَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَبْعَدِ وَلَكِنَّا قَدَّمْنَا الْأَقْرَبَ عَلَيْهِ لَقُرْبِهِ مَا دَامَ مُتَّصِفًا بِالْأَهْلِيَّةِ، فَإِذَا زَالَتْ تَوَلَّاهَا الْأَبْعَدُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لَهَا، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ الثَّانِي لَمْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ لَهُ النَّظَرَ إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فَكَيْفَ يَتَوَلَّاهُ فِي حَيَاتِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ نَظَرُ الْأَوَّلِ نَظَرَ الثَّانِي.
(السَّابِعَةُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ كُلُّهَا فِيمَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ مَذْكُورًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ بِأَنْ يَقُولَ: وَقَفْت عَلَى أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِفُلَانٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَجَعَلْت النَّظَرَ فِيهِ لِفُلَانٍ فَلِلرَّافِعِيِّ بَحْثٌ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ: وَقَفْت هَذِهِ الْمَدْرَسَةَ وَفَوَّضْت تَدْرِيسَهَا إلَى فُلَانٍ قَالَ الْبَغَوِيّ: إنَّهُ لَا يُغَيَّرُ وَتَوَقَّفَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِي مَنْعِ الْغَيْرِ إذَا قَالَ: وَقَفَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُدَرِّسُهَا، وَمَا تُوقَفُ فِيهِ فِي الْمُدَرِّسِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي النَّاظِرِ، وَيَنْبَغِي فِيهِمَا أَنْ يُقَالَ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ امْتَنَعَ التَّغَيُّرُ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَشْرُوطِ وَإِلَّا فَكَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ إلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفَهَا تَمَّ الْوَقْفُ، وَمَنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ مَا يَفْعَلُهُ الشُّرُوطِيُّونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ يَكْتُبُونَهَا وَيَقُولُونَ فِي آخِرِهَا وَجُعِلَ النَّظَرُ لِفُلَانٍ وَيَقْرَأُ الْكِتَابَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنِّي وَقَفْته عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، فَإِنْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي
فِيهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاشْتِرَاطِ فَيَنْبَغِي لِلْكَاتِبِ أَنْ يَقُولَ: وَشَرْطُ النَّظَرِ لِفُلَانٍ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْأَشْكَالِ.
(الثَّامِنَةُ) هَذَا كُلُّهُ فِي شَرْطِ النَّظَرِ لِمُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ لِمَوْصُوفٍ مِثْلَ قَوْلِهِ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِي فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْقَبُولَ قَطْعًا، وَيَكُونَ كَوْنُهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُعَيَّنِ وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ فِيمَا إذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ مِنْ أَفَاضِلِ وَلَدِهِ، وَفِيهِمْ فَاضِلَانِ فَلَمْ يَقْبَلَا الْوِلَايَةَ اخْتَارَ الْحَاكِمُ غَيْرَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمَوْصُوفِ.
(التَّاسِعَةُ) أَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ مِنْ الْوَاقِفِ هَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ، أَوْ كَوَقْفِ جُزْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ، أَوْ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ النَّوْعَيْنِ؟ أَمَّا كَوْنُهُ تَوْكِيلًا فَبَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَتَمَكَّنَ الْوَاقِفُ مِنْ عَزْلِهِ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا التَّصَرُّفُ خَرَجَ عَنْ الْوَاقِفِ بِالْوَقْفِ فَكَيْفَ يُوَكِّلُ فِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ كَشَرْطِ جُزْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ إذَا مَنَعْنَا وَقْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ خَارِجٌ عَنْ النَّوْعَيْنِ مَكَّنَ الشَّارِعُ الْوَاقِفَ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَقَبَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ فَالرَّقَبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَشْتَرِطُهُ الْوَاقِفُ وَالتَّصَرُّفُ أَيْضًا يَكُونُ عَلَى مَا يَشْتَرِطُهُ الْوَاقِفُ، وَلَيْسَ كَالتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ إلَّا بِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوَلِّي نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ يُفِيدُ إذْنًا لَوْلَاهُ لَكَانَ مَمْنُوعًا.
(الْعَاشِرَةُ) إذَا تَبَيَّنَ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ، فَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَالْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ وَالْفَسْخُ وَالِانْفِسَاخُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ عَزَلَ الْمُودِعُ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا: الْوَدِيعَةُ عَقْدٌ ارْتَفَعَتْ، وَإِنْ قُلْنَا: مُجَرَّدُ إذْنٍ فَالْعَزْلُ لَغْوٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي تَنَاوُلِ طَعَامِهِ لِلضِّيفَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَزَلْت نَفْسِي يَلْغُو قَوْلُهُ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا قُلْنَا: يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَبْطُلَ هَذَا الشَّرْطُ، وَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْوَقْفِ شَرْطٌ بَاطِلٌ فَهَلْ يَبْطُلُ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَقْفَ تَحْرِيرٍ كَالْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بُطْلَانُ الْوَقْفِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ
فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْبُطْلَانِ.
إذَا عَرَفْت هَذَا، فَلَوْ قُلْنَا: إنَّ شَرْطَ النَّظَرِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ أَدَّى إلَى فَسَادِ الْوَقْفِ عَلَى وَجْهٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّدَّ يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهُ، أَوْ الرَّدَّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عَدَمَهُ شَرْطُهُ يُوجِبُ فَسَادَ الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ،، وَأَمَّا الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ بَعْدَ الْقَبُولِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُخَالِفُ الْفَسْخَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ وَالْعَزْلَ قَطْعٌ لَهُ كَالطَّلَاقِ؛ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّلَاقَ تَبْقَى مَعَهُ آثَارُ النِّكَاحِ وَالْعَزْلَ لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْآثَارِ فَكَانَ أَشْبَهَ بِالْفَسْخِ، إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فَلَوْ قُلْنَا: بِالِانْعِزَالِ لَأَدَّى أَيْضًا إلَى جَرَيَانِ خِلَافٍ فِي فَسَادِ الْوَقْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْعِزَالِ سَالِمًا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ رَاجِحًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يَقْتَضِي رُجْحَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ التَّامَّيْنِ الدَّائِمَيْنِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَحِينِ.
{مَسْأَلَةٌ} سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله عَنْ وَقْفِ الصَّدَقَاتِ فِي أَيْدِي الْمُبَاشِرِينَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَقَدْ رَتَّبَ الْحُكَّامُ عَلَيْهِ فُقَرَاءَ يَتَنَاوَلُونَ مِنْهُ فَبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ادَّعَى بَعْضُ أُولَئِكَ الْمُرَتَّبِينَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِي الْوَاقِفِ وَقَصَدَ أَخْذَ الْوَقْفِ كُلِّهِ وَأَحْضَرَ فَتَاوَى أَنَّ أَقَارِبَ الْوَاقِفِ أَوْلَى بِوَقْفِهِ وَطُولِبَ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ مِنْ الْأَقَارِبِ فَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَتَعَلَّقُ بِالْفَتَاوَى الَّتِي مَعَهُ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ مَا كَانَ يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْمُرَتَّبِينَ، أَوْ غَيْرِ الْمُرَتَّبِينَ، أَوْ لَا؟ {الْجَوَابُ} الْوَقْفُ عَلَى أَقْسَامٍ: مِنْهُ مَا يَسْكُتُ الْوَاقِفُ عَنْ سُبُلِهِ،، وَفِي صِحَّتِهِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَا أَخْتَارُهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْمُنْقَطِعِ.
وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ يَصْرِفُهُ الْمُتَوَلِّي إلَى مَا يَرَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ.
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ) مَا يَذْكُرُ الْوَاقِفُ سُبُلَهُ وَيَنْقَطِعُ كَالْمُنْقَطِعِ الْآخَرِ وَالْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ، وَفِي حُكْمِهِ الْمُنْقَطِعُ الْأَوَّلُ إذَا صُحِّحَ فِي مُدَّةِ انْقِطَاعِهِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَفِي الْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ
وَالْآخَرِ الصِّحَّةُ وَحَيْثُ صَحَّ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَصْرِفِهِ: فَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَقِيلَ إلَى مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا هَلْ تَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، أَوْ لَا، وَإِذَا قُلْنَا: تَخْتَصُّ فَهَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ الِاسْتِحْبَابِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا شَيْئًا فَحَيْثُ قُلْنَا: فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِالصَّرْفِ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ إلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْقِسْمَيْنِ، أَوْ إلَى مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ فِي الْقِسْمَيْنِ فَذَاكَ وَحَيْثُ قُلْنَا: هُمَا لِلْأَقَارِبِ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ فَلَا تَعَلُّقَ بِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَمَّا بِأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، أَوْ فُقَرَاءَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا دَلِيلَ لَهُ أَعْلَمُهُ إلَّا مَا ذَكَرُوهُ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ صِلَةً، وَإِنَّمَا الصِّلَةُ مَا كَانَ مِنْهُ هُوَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَأَعْطَى لِأَقَارِبِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَاصِلًا لَهُمْ، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ أَرَادَ إنَّمَا يَدُلُّ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلَمَحْت فِي الصَّرْفِ إلَى الْأَقَارِبِ مَعْنًى غَيْرَ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، وَهُوَ قَدْ أَطْلَقَ صَدَقَتَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ صِلَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى الَّذِي لَمَحْته أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهَا لِلَّهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا إمَّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ الَّذِي الْمَصْرِفُ فِيهِ الْمُنْقَطِعُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ قَدْ جَعَلَ الصَّدَقَةَ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُجَازَاةً لَهُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مُجَازَاتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يُعَيِّنَ الْوَاقِفُ سُبُلَهُ، وَيَكُونَ فِي أَقَارِبِهِ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَتِهِمْ إمَّا فِي حَالِ الْوَقْفِ وَإِمَّا بَعْدِهِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيُوجَدُ فِي أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فَقِيرٌ وَغَنِيٌّ فَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلصِّفَةِ الَّتِي قَصَدَهَا الْوَاقِفُ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لِلْوَاقِفِ، وَالْوَقْفِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ وَصِيَّتِهِ فَفِي جَوَازِ الصَّرْفِ إلَيْهِ مِنْهُ خِلَافٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ، فَهُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ،
وَإِنْ كَانَ الْفَقِيرُ الْقَرِيبُ غَيْرَ وَارِثٍ، أَوْ كَانَ وَارِثًا وَلَكِنَّ الْوَقْفَ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْمَرَضِ فَلَا يَجِبُ الصَّرْفُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا لَوْ سَكَتَ عَنْ السُّبُلِ، أَوْ ذَكَرَهَا وَانْقَطَعَتْ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي لَمَحْنَاهُ فَإِنَّهُ هُنَا عَيَّنَ الْمَصْرِفَ وَخَصَّصَهُ بِتَصَرُّفِهِ وَقَطَعَ نَظَرَ غَيْرِهِ عَنْهُ وَأَطْلَقَهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِغَرِيبٍ، وَلَا قَرِيبِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَالِاسْتِمْرَارُ مَعَ إطْلَاقِهِ، وَيَكُونُ الْقَرِيبُ وَالْغَرِيبُ فِيهِ سَوَاءً وَحِينَئِذٍ يَنْظُرُ النَّاظِرُ وَيُرَاعَى مَنْ هُوَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْوَاقِفِ فِي الصِّفَةِ الَّتِي لَاحَظَهَا، وَهُوَ الْفَقْرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ إلَى الْآنَ لَمْ يُرَتَّبْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ الْغَرِيبُ أَشَدَّ فَقْرًا مِنْ الْقَرِيبِ قُدِّمَ، وَإِنْ كَانَ الْقَرِيبُ أَشَدَّ فَقْرًا مِنْ الْغَرِيبِ قُدِّمَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ فَيُخْشَى أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيَتَمَلَّكَهُ، وَبِشَرْطِ أَنْ تَحْصُلَ رِعَايَةُ الْعَدَدِ وَالْجَمْعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى لَفْظِ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ اسْتَوَتْ حَاجَةُ الْقَرِيبِ وَحَاجَةُ الْغَرِيبِ وَأَمْكَنَ الْقِسْمَةُ قَسَمَ بَيْنَهُمَا،، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمَ الْقَرِيبَ إحْسَانًا إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ كَمَا أَحْسَنَ بِوَقْفِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْتَوِيَ عَلَيْهِ فَيَتَمَلَّكَهُ، وَهَذَا الشَّرْطُ رَأَيْت مَعْنَاهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْوَقْفِ فَقِيرٌ مُرَتَّبٌ قَدْ رَتَّبَهُ بَعْضُ الْحُكَّامِ، أَوْ بَعْضُ النُّظَّارِ فَلَا يُغَيِّرُ لِأَجَلِ قَرِيبٍ، وَلَا غَيْرِهِ مَا دَامَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ. أَمَّا إذَا رَتَّبَهُ حَاكِمٌ فَلِأَنَّ تَرْتِيبَهُ حُكْمٌ.
، وَأَمَّا إذَا رَتَّبَهُ نَاظِرٌ فَلِأَنَّ تَرْتِيبَهُ تَعْيِينٌ لَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَا قَدْ يُعْتَقَدُ أَنَّ ظَاهِرَهُ خِلَافُ مَا قُلْنَاهُ فَفِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا عِنْدَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْمَسَاكِينِ نُظِرَ إلَى مَالِهِ فَقُسِمَ ثُلُثُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قُسِمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَغْنِي بِمِائَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَغْنِي بِخَمْسِينَ أَعْطَى مَنْ غِنَاهُ بِمِائَةٍ وَمَنْ غِنَاهُ خَمْسُونَ سَهْمًا وَاحِدًا، وَلَا ذُو قَرَابَةٍ لِقَرَابَتِهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ ذُو الْقَرَابَةِ عَلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِقَرَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَهُ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ وَمَنْ جَمَعَ قَرَابَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّفَرُّدِ بِإِحْدَاهُمَا.
وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ هَذَا مُحْتَمَلٌ؛ لَأَنْ يُرِيدَ بِهِ حَيْثُ يَكُونُ التَّقْدِيمُ بِالْقَرَابَةِ صَدَقَةً وَصِلَةً ذَلِكَ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ هُوَ الْمُتَصَدِّقُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ الصِّلَةُ عَلَى الصِّلَةِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ
التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ أَوْلَى يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَزَادَ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُخَصُّونَ بِهِ، وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ زَمَنِينَ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَاحْتَاجَ وَلَدُهُ فَأَرَادُوا الدُّخُولَ فِيهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَمِعْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ هَلَكَ وَتَرَكَ وَلَدًا فَاحْتَاجَ وَلَدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالُوا نَدْخُلُ مَعَ الْمَسَاكِينِ فِي صَدَقَةِ أَبِينَا فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ وَلَدُ الْمُتَصَدِّقِ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ نَجْعَلَ طَرَفًا مِنْهَا لِلْمَسَاكِينِ لِئَلَّا يُدْرَسَ أَصْلُ التَّحْبِيسِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْلَى لَيْسَ مُرَادُهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، بَلْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ الدُّخُولُ فِي الْوَقْفِ فِي جُمْلَةِ الْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِئْثَارُ بِهِ،، وَكَذَلِكَ آخِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ لِلْمَسَاكِينِ لِئَلَّا يُدْرَسَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَخُصَّ بِهِ أَوْلَادَهُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الصَّرْفِ مِنْهُ لِأَوْلَادِهِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْهُ كَلَامُهُ، وَلَا سُؤَالُ الْأَوْلَادِ أَيْضًا الْمَذْكُورِ فِي نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.
قَالَ وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ سَمَاعُ بْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْصَى بِخُمُسِ دَارِهِ فِي ثُلُثِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَخْرَجًا قَالَ يُقْسَمُ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ قِيلَ أَفَيُعْطَى مِنْهَا وَلَدُهُ وَبَعْضُهُمْ مُحْتَاجُونَ قَالَ نُعْطِي الْمُحْتَاجِينَ مِنْهُمْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ.
قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْسِمُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَكُونُ حَبْسًا عَلَيْهِمْ.
وَفِي النَّوَادِرِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ قَلِيلَةٍ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ فِي وَصِيَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَافْتَقَرَ وَلَدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَطَلَبُوا الدُّخُولَ فِيهَا قَالَ هُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُجْعَلَ طَرَفٌ مِنْهَا لِلْمَسَاكِينِ لِئَلَّا يُدْرَسَ أَصْلُ الْحَبْسِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِالصَّرْفِ إلَى وَلَدِ الْوَاقِفِ أَوْلَى ثُمَّ إلَى قَرَابَةِ الْوَاقِفِ ثُمَّ إلَى مَوَالِي الْوَاقِفِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ، وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ يُعْطَى أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ الثَّوَابُ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْقَرَابَةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَى زَوْجِهَا
«لَك أَجْرَانِ أَجْرُ التَّصَدُّقِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» .
قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت وَقْفَ هِلَالٍ، وَفِيهِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ قُلْت لِمَ أَعْطَيْته؟ قَالَ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت أَرَأَيْت إنْ عَمِدَ الْوَاقِفُ فَأَعْطَى الْغَلَّةَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ، وَلَمْ يُعْطِ الْقَرَابَةَ قَالَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْطَاهُمْ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَلَيْسَ هُوَ حَقًّا لَهُمْ فِي الْغَلَّاتِ بِرَدِّهِ وَلَكِنَّا نَأْمُرُهُ وَنَسْتَحْسِنُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ أَمَرْتُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا فُقَرَاءَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَأَسْتَحْسِنُهُ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَسَاكِينَ أَجْزَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةٌ أَمَرْته أَنْ يَضَعَهَا فِي قَرَابَتِهِ، فَإِنْ أَعْطَى غَيْرَهُمْ لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَجْزَأَهُ.
وَفِي وَقْفِ هِلَالٍ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْجِيرَانُ وَالْمَوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَفِيهِ قَبْلَ هَذَا فِي الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ لِمَ أَعْطَيْته قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْقَرَابَةِ، وَفِيهِ يَبْدَأُ بِوَلَدِ الصُّلْبِ ثُمَّ وَلَدُ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَضُلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الْوَقْفِ فَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ مَا دَامَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْوَقْفُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالثَّانِي أَنَّ النَّاظِرَ إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ فَكَأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَاقِفِ فِي التَّعْيِينِ وَالْوَاقِفُ لَوْ عَيَّنَ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ عَيَّنَهُ فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيُقَدِّمُ أَقَارِبَ الْوَاقِفِ فَيُوجَدُ فِيهِمْ فُقَرَاءُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُصْرَفُ لِأَحَدٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بَعْدَ كِفَايَةِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَأَنَا أَمِيلُ إلَى هَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّرْفِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعُ وَهَذَا بَعِيدٌ.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْأَقَارِبِ فَهَاهُنَا يَتَعَيَّنُونَ، وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ.
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَقَارِبِ كَزَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ الْعُلَمَاءِ لَيْسُوا بِعُلَمَاءَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا دُخُولَ لَهُمْ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْبِرِّ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَبَرَّ أَقَارِبَ الْوَاقِفِ مِنْهُ مُجَازَاةً لِإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَشُكْرًا لِنِعَمِهِ، مَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ وَيَصِيرَ بِذَلِكَ مُدَّعِيًا مُشَارَكَتَهُ.
(الْقِسْمُ السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ وَقْفٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ لِلْأَقَارِبِ وَبَعْضُهُ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ يَصِيرَ الْأَقَارِبُ فُقَرَاءَ، أَوْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَالَ الْوَقْفِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى الْأَقَارِبِ
مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ وَرَأْيِي أَنَّهُ يَجُوزُ.
(الْقِسْمُ السَّابِعُ) أَنْ يُجْهَلَ الْحَالُ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ غَيْرُ مَا عَادَةُ مُبَاشِرِي الْحُكْمِ بِهِ فَهَاهُنَا لَا يُغَيَّرُ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْعَادَةِ، وَلَا نَتَجَاوَزُهَا، بَلْ نَتَّبِعُ تِلْكَ الْعَادَةَ كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلَوْ رَأَيْنَا كِتَابَ وَقْفٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَقْفٌ وَسَكَتَ عَنْ السُّبُلِ مَثَلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا نُغَيِّرُهُ إلَّا إذَا اعْتَقَدْنَا بُطْلَانَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمَ حُكْمٍ بِذَلِكَ وَالْيَدُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْيَدِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَهُ كِتَابٌ آخَرُ، أَوْ سَبَبٌ آخَرُ فَالْيَدُ دَالَّةٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَسْبَابُ كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ، وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِكَوْنِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ أَوْلَى فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فِي عُرِفَ الْفُقَهَاءِ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا التَّقْدِيمُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُطْلِقَ جَوَابَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا يَحْصُلُ مِثْلُ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا إلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى نُوَّابِ السَّلْطَنَةِ فَيَكْتُبُونَ عَلَيْهَا بِالصَّرْفِ إلَى الْأَقَارِبِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ ذَلِكَ وَيَتَسَلَّطُ الْمَكْتُوبُ لَهُمْ بِتِلْكَ الْمَرَاسِيمِ وَيَقْطَعُونَ أُولَئِكَ الْمُرَتَّبِينَ وَيَتَقَدَّمُونَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لَهُمْ لَازِمٌ عَلَى غَيْرِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُجَوِّزُهُ وُلَاةُ الْأُمُورِ مِنْ السُّلْطَانِ مَا يَرْسُمُونَ بِذَلِكَ إلَّا حَمْلًا عَلَى الْفَتَاوَى وَاعْتِقَادًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الشَّرْعُ وَلَوْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، بَلْ وَقَدْ لَا يَكُونُ جَائِزًا لَمْ يَكْتُبُوهُ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُمْ فِي حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ وَاعَطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا أَنْ يَرْسُمُوا بِمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ مَرَاسِيمَهُمْ لَا يُخَالِفُهَا أَحَدٌ.
الْمَعْنَى الثَّانِي الْأَوْلَوِيَّةُ الِاسْتِحْبَابُ وَهَذَا قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي مَحَلِّهِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فَلِلْمُفْتِي بَعْضُ الْعُذْرِ فِيهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَهُ حَتَّى لَا يَحْمِلَ وُلَاةَ الْأُمُورِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي، وَلَقَدْ رَأَيْت عَلَى بَعْضِ التَّوَاقِيعِ بِخَطِّ بَعْضِ الْمُوَقِّعِينَ يُوَقِّعُ لَهُمْ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ فَلَا أَدْرَى مِمَّا أَتَعَجَّبُ مِنْ جَهْلِهِ بِالْقُرْآنِ أَمْ جَهْلِهِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَيْضًا أَنْ لَا يَسْتَعْجِلَ بِالْإِذْنِ بِالْكِتَابَةِ فِي مَحْضَرٍ فِي ذَلِكَ، أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْضَرَ إذَا كُتِبَ يَتَسَارَعُ الشُّهُودُ غَيْرُ الْمُحَرَّرِينَ إلَى الْكِتَابَةِ فِيهِ وَيَبْقَى
غَيْرُ ثَابِتٍ، وَهُوَ فِي يَدِ مَنْ لَا اعْتِمَادَ بِهِ يَشْتَكِي بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ حَامِلًا إلَى وُقُوعِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ، وَقَدْ رَأَيْت بِيَدِ هَذَا الشَّاكِي مَحْضَرًا عَلَيْهِ خَطُّ قَاضٍ بِالْإِذْنِ فِي كِتَابَتِهِ، وَفِيهِ رَسْمُ شَهَادَاتٍ وَطَلَبَ إثْبَاتَهُ وَأَقَامَ سِنِينَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ ثُمَّ تَسَلَّطَ مَرَّاتٍ بِالْأَيْدِي الْقَوِيَّةِ وَاسْتَوْلَى عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ وَتَسَلَّمَهُ بِيَدِهِ وَأَفْسَدَهُ فَهَذَا لَوْ ثَبَتَ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ كَانَ حُكْمُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَكَيْفَ، وَلَمْ يَثْبُتْ وَغَيْرُهُ أَحَقُّ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ الْمُرَتَّبُونَ وَغَيْرُ الْمُرَتَّبِينَ.
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ مُحَاكَمَةُ وَقْفِ الْجَبْغَا الْعَادِلِي عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ عَلِيٍّ وَخَدِيجَةَ وَتَتَرَ، وَمَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَعَلَى زَوْجَاتِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ يَجْرِي نَصِيبُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَاتِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَخَالِيَةً بَعْدَ وَفَاتِهِ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْهُنَّ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ سَقَطَ نَصِيبُهَا وَعَادَ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَعَلَى مَنْ كَانَ قَدْ مَاتَ مِنْهُمْ يَكُونُ لِوَلَدِ الْمُتَوَفَّى مِنْهُمْ مَا كَانَ لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا تُوُفِّيَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ ثُمَّ يَجْرِي مَا هُوَ جَارٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ، وَالْحَادِثُ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، أَوْ نَسْلٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ فَأَقْرَبُ الْمَوْجُودِينَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ مَنْ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ نَسْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا وَتَرَكَ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ اسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُ، وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَتَرَكَ أَخًا، أَوْ إخْوَةً وَأَوْلَادَ أَخٍ، أَوْ إخْوَةً قَامَ أَوْلَادُ الْمُتَوَفَّى مَقَامَ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ، وَمَاتَتْ تَتَرُ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَانْتَقَلَ نَصِيبُهَا إلَى إخْوَتِهَا عَلِيٍّ وَخَدِيجَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُسْتَفْتِي إلَى وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ اسْمُهُ خَلِيلٌ ثُمَّ خَلِيلٌ هَذَا تُوُفِّيَ، وَلَا عَقِبَ لَهُ، وَلَا نَسْلَ هَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى أُخْتِهِ خَدِيجَةَ خَاصَّةً، أَوْ إلَيْهَا وَإِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ أَخِيهَا عَلِيٍّ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا قَوْلَ الْوَاقِفِ
مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لِأُخْتِهِ خَدِيجَةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرُهَا، وَلَيْسَ فِيمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا فِي قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَتَرَكَ أَخًا، أَوْ إخْوَةً وَأَوْلَادَ أَخٍ، أَوْ إخْوَةً قَامَ أَوْلَادُ الْمُتَوَفَّى مَقَامَ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُعَارِضُهُ فَإِنَّ عَلِيًّا لَوْ كَانَ حَيًّا عِنْدَ مَوْتِ خَلِيلٍ لَشَارَكَ الْأُخْتَ فِي نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَكِنَّ هَذَا يَدْفَعُهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ تَرَكَ أَخًا، أَوْ إخْوَةً وَأَوْلَادَ أَخٍ، أَوْ إخْوَةٍ وَالْأَخُ ذَكَرٌ وَالْإِخْوَةُ جَمْعٌ وَأَوْلَادُ الْأَخِ، أَوْ الْإِخْوَةِ جَمْعٌ، وَلَمْ يُوجَدُ فِي مَسْأَلَتِنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ أُخْتًا وَابْنَ أَخٍ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا قَدْ قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى إخْوَتِهِ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْإِنَاثِ الْخُلَّصِ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَيْهِنَّ، وَكَذَا الْأُخْتُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إذَا اجْتَمَعُوا وَأَكْثَرُ الْمَذَاهِبِ سَاكِتَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ مِنْ الذُّكُورَةِ إلَى التَّأْنِيثِ وَمِنْ الْجَمْعِ إلَى الْإِفْرَادِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَهَذَا الْوَاقِفُ قَدْ شَرَطَ فِي الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَخًا، أَوْ إخْوَةً وَأَوْلَادَ أَخٍ، أَوْ إخْوَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا الْمَيِّتُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَتَسْتَحِقُّهُ أُخْتُهُ لِذَلِكَ، وَلَا يُشَارِكُهَا فِيهِ ابْنُ أَخِيهَا فَهَذَا أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ يَدْفَعَانِ مُعَارَضَةَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِتِلْكَ الْجُمْلَةِ.
(الشَّيْءُ الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ فِي جَزَاءِ هَذَا الشَّرْطِ قَامَ أَوْلَادُ الْمُتَوَفَّى مَقَامَ أَبِيهِ لَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ، وَلَا بِالْجَمْعِ لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يَنْتَظِمُ هَذَا الْجَزَاءُ وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ أَوْلَادُ الْمُتَوَفَّى، وَلَا أَوْلَادَ لِهَذَا الْمُتَوَفَّى. وَكَقَوْلِهِ مَقَامَ أَبِيهِ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: أَبِيهِمْ وَلِعَدَمِ ذِكْرِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقِيَامَ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ يُعْرَضُ عَنْهَا لِعَدَمِ انْتِظَامِهَا، أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْأُخْتِ فَنَأْخُذُ بِالْمُحَقَّقِ وَنَتْرُكُ الْمُحْتَمَلَ وَأَيْضًا فَالْأُخْتُ مُسْتَحِقَّةٌ
قَطْعًا لِلنِّصْفِ وَتُشَارِكُ ابْنَ الْأَخِ فِي الِاحْتِمَالِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ ابْنِ الْأَخِ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ لِلْأَقْرَبِ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقُومُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ أَرَادَ أَنْ يُلْحَقَ بِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ مَنْ هُوَ أَنْزَلُ مِنْهُ فَذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ، ثُمَّ إنِّي سَأَلْت عَنْ الزَّوْجَاتِ فَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ كَانَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَاعًا ثُمَّ مَاتَتْ تَتَرُ وَخَلَفَتْ أَخَوَيْهَا عَلِيًّا وَخَدِيجَةَ وَالزَّوْجَةَ ثُمَّ مَاتَ عَلِيٌّ وَحَدَثَ خَلِيلٌ وَخَلَّفَ عَلِيٌّ مُحَمَّدًا ابْنَهُ وَالزَّوْجَةُ بَاقِيَةٌ وَمَوْتُ خَلِيلٍ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ.
فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: تِلْكَ الشُّرُوطُ كُلُّهَا فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِرَاضِ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْأَقْرَبِ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهِمْ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ إلَيْهِمْ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ " ثُمَّ " الْمُقْتَضِيَةِ تَأَخُّرَهُمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الزَّوْجَاتِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ نَصِيبُ آبَائِهِمْ فَمَا دَامَتْ الزَّوْجَاتُ بَاقِيَاتٍ فَالْحُكْمُ فِيهِنَّ، وَفِي الْأَوْلَادِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْفُقَرَاءِ كَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ كَالْأَوْلَادِ هُنَا وَالزَّوْجَاتِ، فَلَمَّا مَاتَتْ تَتَرُ وَبِيَدِهَا الرُّبُعُ رَجَعَ نَصِيبُهَا إلَى إخْوَتِهَا وَإِلَى الزَّوْجَةِ فَيَصِيرُ مُثَلَّثًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرَبَّعًا، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى الزَّوْجَةِ وَخَدِيجَةِ فَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى ابْنِ عَلِيٍّ شَيْءٌ حَتَّى تَنْقَرِضَ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ يَرْجِعُ إلَيْهِ نَصِيبُ أَبِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ هَلْ هُوَ الرُّبُعُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، أَوْ الثُّلُثُ بِاعْتِبَارِ مَا صَارَ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كُتِبَ فِي رَابِعِ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
وَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ عِنْدَ مَوْتِهَا ثُمَّ نَظَرْت فِي الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِ الزَّوْجَةِ وَالْحَالُ كَمَا هُوَ الْآنَ نَزَّلَ خَدِيجَةَ بِنْتَ الْوَاقِفِ وَابْنَ أَخِيهَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ابْنَ الْوَاقِفِ وَبِيَدِ خَدِيجَةَ نِصْفُ الْوَقْفِ فَهَلْ نَقُولُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ الَّذِي لِلزَّوْجَةِ إلَى خَدِيجَةَ
وَمُحَمَّدٍ الْمَذْكُورَيْنِ نِصْفَيْنِ فَتَأْخُذُ خَدِيجَةُ مِنْهُ نِصْفَهُ، وَهُوَ الرُّبُعُ مُضَافًا إلَى النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهَا وَيَأْخُذُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْهُ النِّصْفَ، وَهُوَ الرُّبُعُ، أَوْ نَقُولُ يُقَدَّرُ كَأَنَّ عَلِيًّا مَوْجُودٌ، فَيَكُونُ جَمِيعُ الْوَقْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدِيجَةَ، وَهَذَا ابْنُ عَلِيٍّ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَأْخُذُ مَا يَأْخُذُ أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيَصِيرُ الْوَقْفُ كُلُّهُ نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَابْنِ أَخِيهَا كَمَا يَكُونُ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَأَخِيهَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي وَقَطَعْت بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَضَرَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَبْغَا الْمَذْكُورُ وَأُسْتَاذُ دَارِهِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ الْمُكَرِّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَأَخْبَرَانِي أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمَذْكُورَةَ تُوُفِّيَتْ أَمْسِ تَارِيخُهُ وَالْحَالُ عَلَى مَا شُرِحَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، خَدِيجَةُ بَاقِيَةٌ، وَهُوَ بَاقٍ، وَفِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَيَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي تَرَجَّحَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَلَدُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ: مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ: إنَّهُ مُتَّجَهٌ، صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرَفِ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْوَصِيِّ لَهُ فَقَالَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِخْوَةِ الْأَخَوَاتُ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَذَاهِبِ سَاكِتَةٌ عَنْهُ إذَا اجْتَمَعُوا وَذَاكَ كَمَا ذَكَرَ غَرِيبٌ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ مَسْطُورٌ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْإِمَامُ رحمه الله فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ وَكَانُوا ذُكُورًا، وَإِنَاثًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ الْإِخْوَةُ دُونَ الْأَخَوَاتِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْجَمِيعُ انْتَهَى كَلَامُ النِّهَايَةِ.
{مَسْأَلَةٌ} قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله قَوْلُ الْوَرَّاقِينَ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَخَلَفَ وَلَدًا اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَهُ.
عِبَارَةٌ جَرَتْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَكِتَابَتِهِمْ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا كَانَ أَبُوهُ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ
الْوَقْفِ، فَإِذَا تُوُفِّيَ الْجَدُّ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ وَخَلَفَ وَلَدًا وَوَلَدَ وَلَدٍ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَالْوَلَدُ الَّذِي مَاتَ فِي حَيَاتِهِ لَوْ قُدِّرَ الْآنَ مَوْجُودًا يَسْتَحِقُّ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ فَكَيْفَ يَجْعَلُ الْوُصُولَ شَرْطًا، أَوْ بَعْضَ شَرْطٍ وَضَرُورَةُ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ جَعْلُهُ بَعْضَ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ وَصْفًا لِلْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بَعْدُ لَوْ غَايَةٌ.
فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الشَّرْطِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا شَيْئًا ثَانِيًا بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُسْتَحِقًّا وَهَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ انْتِهَاءَ الْوَقْفِ إلَى حَالَةٍ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فِيهَا لَاسْتَحَقَّ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مَصِيرًا إلَيْهِ، وَهُوَ صِفَةٌ لِلْوَقْفِ وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً وَسَبَبًا وَشَرْطًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ وَيُجْعَلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعْلُولًا عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " يَصِيرُ " فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِ أَنَّهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ صَيْرُورَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ، فَإِذَا فَرَضْنَا وَفَاةَ شَخْصٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ وَالِدُ هَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّ بَاقِيًا لَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ وَحَكَمْنَا بِاسْتِحْقَاقِ هَذَا الْوَلَدِ اسْتِحْقَاقَ مَا لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا الْآنَ لَاسْتَحَقَّهُ كَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ " يَصِيرُ " فِي حَقِّهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ، لَكِنَّا قَدْ اسْتَعْمَلْنَاهُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَجَازًا فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجَازِ الْمُنْفَرِدِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّانِي وَحْدَهُ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَإِطْرَاحُ الْمَجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ يَلْزَمُ عَدَمُ أَخْذِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ فَيَتَرَجَّحُ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَيِّتِ الثَّانِي شَيْئًا إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
وَالْمُوجِبُ لِلنَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ بَنَاتِهِ انْتَقَلَ نَصِيبُهَا لِلْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتَهَا، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَلَهُ وَلَدٌ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ كَانَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ قَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَهُ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ وَوَلَدَ وَلَدٍ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ فَأَخَذَ الْوَلَدَانِ نَصِيبَهُمَا وَهُمَا ابْنٌ
وَبِنْتٌ وَأَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا لَأَخَذَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ فَهَلْ يَخْتَصُّ أَخُوهَا الْبَاقِي بِنَصِيبِهِمَا، أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُ أَخِيهِ؟
تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ وَنَظَرْنَا فِيهِ النَّظَرَ الْمَذْكُورَ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْإِخْوَةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ كَالْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ عِنْدَنَا اخْتِصَاصُ الْأَخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمِلًا، وَهُوَ مُشَارَكَةُ ابْنُ الْأَخِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي وَقْفِ عَلِيٍّ عِزِّ الدِّينِ ثُمَّ مَاتَتْ خَدِيجَةُ فِي حَيَاةِ أَخِيهَا عِمَادِ الدِّينِ هَلْ يُشَارِكُهُ نَجْمُ الدِّينِ، أَوْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْمُرَجَّحَاتِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ " يَسْتَحِقُّ " مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ عَمِلْنَا بِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ " قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا " يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَصْلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَقَوْلُهُ " اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ " فِعْلٌ مُطْلَقٌ، وَقَوْلُهُ " مَا كَانَ وَالِدُهُ يَسْتَحِقُّهُ " عَامٌّ؛ لِأَنَّ مَا: لِلْعُمُومِ وَهَذَا الْعُمُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ نَصِيبِ وَالِدِهِ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ النَّصِيبِ وَإِلَى نَصِيبِ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ كَنَصِيبِ خَدِيجَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَالنَّصِيبُ الْأَوَّلُ لَوْ بَقِيَ مُؤَيِّدُ الدِّينِ حَيًّا إلَى وَفَاةِ وَالِدِهِ اسْتَحَقَّهُ قَطْعًا فَلَا جُرْمَ يَسْتَحِقُّهُ وَلَدُ نَجْمِ الدِّينِ، وَالنَّصِيبُ الثَّانِي هُوَ نَصِيبُ خَدِيجَةَ قَدْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مُؤَيِّدُ الدِّينِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مَوْتُ خَدِيجَةَ عَنْ مَوْتِهِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَا جُعِلَ لَهُ إلَّا اسْتِحْقَاقُ نَصِيبٍ مَوْصُوفٍ بِاسْتِحْقَاقِ وَالِدِهِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى مَصِيرِ شَيْءٍ إلَيْهِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ الثَّانِي.
وَهَذَا التَّخْصِيصُ صِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ " مَا " عَامَّةً وَيُحْتَمَلُ؛ لَأَنْ يُقَالَ بِخِلَافِهِ فَلْيُتَفَهَّمْ هَذَا الْبَحْثُ، وَمِنْ الْمَبَاحِثِ أَيْضًا أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ " مَنْ مَاتَتْ مِنْ الْبَنَاتِ كَانَ نَصِيبُهَا لِإِخْوَتِهَا " وَقَوْلِهِ كَانَ نَصِيبُهَا لِإِخْوَتِهَا الْبَاقِينَ فَالْعِبَارَةُ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ بَعْدَهَا وَالْمَيِّتُ قَبْلَهَا مِنْ الْإِخْوَةِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَبِمَوْتِهِ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَيْهِ مَعَ اتِّصَافِهِ
فِي نَفْسِهِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَالْمَانِعُ تَعَذُّرُ مَصِيرِ الْوَقْفِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ لَا صِفَةٌ فِيهِ، وَلَعَلَّ هَذَا سَبَبُ عِبَارَةِ الْوَرَّاقِينَ.
وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ بَعْدَهَا هُمْ الْإِخْوَةُ الْبَاقُونَ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْإِخْوَةِ الْبَاقِينَ، فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْوَقْفِ وَيَبِينُ لَك الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّنَاوُلَ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْعًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَا مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْبَقَاءِ لَيْسَتْ فِيهِ وَتَقْدِيرُ وُجُودِهِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اتِّصَافِهِ بِالْفِعْلِ لَا بِالتَّقْدِيرِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَوْ كَانَ مَوْجُودًا بَعْدَهَا لَاسْتَحَقَّ وَالِاتِّصَافُ هُنَا مُنَاقِضٌ لِلْوَاقِعِ، وَلَمْ يَقُلْ الْوَاقِفُ إنَّ نَصِيبَهَا يَكُونُ لِإِخْوَتِهَا الْبَاقِينَ وَالْمُقَدَّرُ بَقَاؤُهُمْ، وَلَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ، وَمِنْ الْمَبَاحِثِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتِمَّ التَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ، وَلَا التَّرْجِيحُ الَّذِي قَبْلَهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا تَعَارَضَ الْأَمْرَانِ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ خَرَجْنَا عَنْهُ فِي حَقِّ عِمَادِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ نَجْمِ الدِّينِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَمِنْ الْمَبَاحِثِ فِي هَذَا الْوَقْفِ، وَفِيمَا يُشْبِهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ " مَنْ مَاتَ مِنْ الْبَنَاتِ كَانَ نَصِيبُهَا لِإِخْوَتِهَا الْبَاقِينَ " مَعَ أَنَّهَا حِينَ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ إنْ جَعَلَ لَفْظَ الْأُخُوَّةِ لِلْجِنْسِ يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُهُ وَإِلَّا فَيُشْكِلُ انْفِرَادُهُ بِالْجَمِيعِ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَلَوْ قُدِّرَ مَعَهُ أُخْتَانِ صَحَّ لَفْظُ الْجَمْعِ وَكَانَ لَهُ النِّصْفُ فَلْيَنْزِلْ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْجَمِيعِ فَمِنْ أَيْنَ وَاسْتِحْقَاقُ الِابْنِ الْوَاحِدِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ لَيْسَ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بَلْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ وَالنَّاسَ يَجْعَلُونَ قَوْلَهُ فِي الْأَوْقَافِ: الْأَوْلَادُ وَالْإِخْوَةُ وَنَحْوَهَا كَالْجِهَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي انْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ الْوَقْفِ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَالْقَرِينَةُ تُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَوْلَادٌ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ أَوْلَادِي وَكَانُوا جَمْعًا فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ فَفِي انْفِرَادِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ نَظَرٌ