الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَحْكَامِ اشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي الْإِثْمِ بِهَا الْعِلْمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فَكَذَلِكَ أَقُولُ: إنَّمَا يَأْثَمُ بِدَوْسِ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَنْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُمْنَعْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ نَفْيِ الْإِثْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حَتَّى يَعْلَمَ. وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ 752. انْتَهَى.
[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] مَعْنَاهُ وَرِثَ الْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَرِثَ الْمَالَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ الرُّوَاةَ وَحَمَلَةَ الْأَخْبَارِ وَجَمِيعِ التَّوَارِيخِ الْقَدِيمَةِ وَجَمِيعِ طَوَائِفِ بَنِي إسْرَائِيلَ يَنْقُلُونَ بِلَا خِلَافٍ نَقْلًا يُوجِبُ الْعِلْمَ أَنَّ دَاوُد عليه السلام كَانَ لَهُ بَنُونَ ذُكُورٌ جَمَاعَةٌ غَيْرُ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ وَرِثَهُ غَيْرُ سُلَيْمَانَ فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَكُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ وَلِيَ مَكَانَ أَبِيهِ عليهما السلام وَعُمْرَهُ اثْنَا عَشَرَ عَامًا وَلِدَاوُد عليه السلام أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ابْنًا ذُكُورًا كِبَارًا وَصِغَارًا.
قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5]{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ زَكَرِيَّا عليه السلام فَوَهَبَهُ اللَّهُ يَحْيَى وَوَرِثَ مِنْهُ النُّبُوَّةَ وَالْعِلْمَ كَمَا وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ نَفْسِهَا قَوْلُهُ {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] وَلِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ عَصَبَاتٌ عَظِيمَاتٌ وَلَا يَرِثُ يَحْيَى مِنْهُمْ مَالًا فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا رَغِبَ فِي وَلَدٍ يَرِثُ عَنْهُ وَعَنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ فَقَطْ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ زَكَرِيَّا عليه السلام يَرْغَبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي وَلَدٍ يَحْجُبُ عَصَبَتَهُ عَنْ مِيرَاثِهِ، وَهُوَ عليه السلام وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام قَدْ نَزَّهَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الرَّغْبَةِ فِي الْمَالِ وَالدُّنْيَا فَهَذَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أَمْثَالِهِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا طَلَبَ الْوَلَدَ حِينَ رَأَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ الَّتِي كَانَتْ فِي كَفَالَتِهِ مِنْ الْخَوَارِقِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37]{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38] وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى دَعَا حِينَئِذٍ أَيْضًا فَقَالَ {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5]{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 6]
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَهَبَهُ وَلَدًا حَصُورًا لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ وِرَاثَةَ الْمَالِ كَانَ إعْطَاؤُهُ وَلَدًا يَكُونُ لَهُ عَقِبًا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِمِيرَاثِهِ الْمَالِيِّ لَوْ كَانَ يُورَثُ عَنْهُ الْمَالُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] مَعْنَاهُ خَوْفُهُمْ عَلَى إرْثِ مَالِهِ لِكَوْنِهِ لَا وَلَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ مَوْلًى وَلَهُ عَصَبَاتٌ وَهُمْ أَسْبَاطُ بَنِي إسْرَائِيلَ فَمِنْ أَيْنَ يُتَوَهَّمُ وِرَاثَةُ الْمَالِ لِلْمَوَالِي فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي وِرَاثَةِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا أَيْضًا فِي وِرَاثَةِ الْخِلَافَةِ كَمَا ادَّعَتْهُ الدَّوْدَوِيَّةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إلَّا فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ تَقَرُّبًا لِبَنِي الْعَبَّاسِ عَلَى أَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ لَمْ يَرْتَضُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَلَا ادَّعَاهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْعَبَّاسُ رضي الله عنه كَانَ حَيًّا عِنْدَمَا مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ وِرَاثَةِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِمَّا يُورَثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ لَهُ مِنْهُ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ كَلَامٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَوَهَّمَتْهُ نَفْسُهُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
فَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ حَصَرَتْهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخِي عَلِيٍّ رضي الله عنهما ثُمَّ قَصَرُوهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ بَعْضُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَّا لِبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً وَيَرَاهَا فِي جَمِيعِ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ لَمْ يُعْقِبْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ غَيْرَهُمْ، وَهُمْ الْعَبَّاسُ وَالْحَارِثُ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو لَهَبٍ، وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ طَبَرِيَّةَ الْأُرْدُنِّ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إلَّا فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَلَهُ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفٌ مَجْمُوعٌ وَلَعَلَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَقَرُّبًا إلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ رَأَى كِتَابًا مُؤَلَّفًا لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَحْتَجُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَطْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَقَالَاتٌ بَاطِلَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي قُرَيْشٍ وَلَا تَخْتَصُّ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَلَا تَجُوزُ فِي حَلِيفٍ لَهُمْ وَلَا مَوْلًى وَلَا فِيمَنْ أَبُوهُ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَأُمُّهُ قُرَشِيَّةٌ، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَجُمْهُورِ
الْمُرْجِئَةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَذَهَبَتْ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مَنْ قَامَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قُرَشِيًّا كَانَ أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا أَوْ ابْنَ زِنْجِيَّةٍ بَغِيَّةٍ.
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو الْغَطَفَانِيُّ إذَا اجْتَمَعَ قُرَشِيٌّ وَحَبَشِيٌّ وَكِلَاهُمَا قَائِمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ تَقْدِيمُ الْحَبَشِيِّ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخَلْعِهِ إذَا حَادَ عَنْ الطَّرِيقَةِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَذَاهِبُ بَاطِلَةٌ إلَّا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فِي قُرَيْشٍ كُلِّهَا كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِاخْتِصَاصِهَا بِوَلَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَطَائِفَةٌ قَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اتَّفَقُوا عَلَى ظُلْمِ عَلِيٍّ وَكِتْمَانِ ذَلِكَ النَّصِّ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الرَّوَافِضُ.
وَطَائِفَةٌ قَالُوا: لَمْ يَنُصَّ عَلَى عَلِيٍّ لَكِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الزَّيْدِيَّةُ نُسِبُوا إلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم، ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّيْدِيَّةُ فَفِرْقَةٌ قَالُوا: إنَّ الصَّحَابَةَ ظَلَمُوهُ فَكَفَرُوا وَفِرْقَةٌ قَالُوا: لَمْ يَظْلِمُوهُ لَكِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَأَنَّهُمَا إمَامَا هُدًى، وَوَقَفَ بَعْضُهُمْ فِي عُثْمَانَ رضي الله عنه وَتَوَلَّاهُ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ: إنَّهُ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ عَمِيدُ الرَّافِضَةِ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمِيزَانِ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنُ حَيٍّ أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ أَنَّ الْإِمَامَةَ كَانَتْ فِي جَمِيعِ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَفِهْرُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ قُرَيْشِيٌّ وَكُلُّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: هُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَهِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ أَدْرَكَ الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ وَشَاهَدَهُ وَكَانَ جَارَهُ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسِ بِهِ، وَأَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ رحمه الله يَحْتَجُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ بِمُعَاوِيَةَ وَبِابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم هَذَا مَشْهُورٌ عَنْهُ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ عَنْهُ.
وَجَمِيعُ الزَّيْدِيَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي جَمِيعِ بَنِي عَلِيٍّ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ يَدْعُو إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ حَمْلُ السَّيْفِ مَعَهُ.
وَقَالَتْ الرَّوَافِضُ بِانْتِقَالِهَا مِنْ عَلِيٍّ إلَى الْحَسَنِ ثُمَّ الْحُسَيْنِ ثُمَّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ثُمَّ الْبَاقِرِ ثُمَّ الصَّادِقِ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمِيعِ مُتَكَلِّمِيهِمْ كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ وَدَاوُد الْحَوَارِيِّ وَدَاوُد الرَّقِّيِّ وَعَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ
وَعَلِيِّ بْنِ سَمٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفِ بِشَيْطَانِ الطَّاقِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَكَّالِ تِلْمِيذِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَبَعْدَ الصَّادِقِ طَائِفَةُ إسْمَاعِيلَ وَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَقِيلَ: جَعْفَرُ بْنُ حَيٍّ.
وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ مَاتَ الْحَسَنُ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ.
وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَخْفَاهُ، وَقِيلَ: وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ جَارِيَةٍ اسْمُهَا صُقَيْلٌ وَقِيلَ: اسْمُهَا نَرْجِسُ وَقِيلَ: سَوْسَنٌ وَكَانَ مَوْتُ الْحَسَنِ هَذَا سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ أَنْ تَعَصَّبَ لِكُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَوْمٌ، وَأَخَذَ مِيرَاثَهُ أَخُوهُ جَعْفَرٌ وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إسْمَاعِيلُ، قَالُوا بَعْدَهُ إلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَانِ وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْإِسْمَاعِيلِيَّة، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَطَائِفَةٌ وَقَالُوا: إنَّهَا بَعْدَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ وَكَثِيرٌ غَيْرُهُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيٌّ بِجَبَلِ رَضْوَى، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ أَصْلُهُمْ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَكُلُّ هَذِهِ تَخَالِيطُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» يَعْنِي فِي الْقَرَابَةِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي تِلْكَ السُّفْرَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَاَلَّذِي خَلَفَ مُوسَى عليه السلام فَتَاهُ يُوشَعُ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلَفَهُ صَاحِبُهُ فِي الْغَارِ كَمَا صَاحَبَ مُوسَى فَتَاهُ فِي طَلَبِ الْخَضِرِ عليه السلام فَسَفَرُ مُوسَى فِي طَلَبِ الْخَضِرِ كَسَفَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ آخَرَ جَمَاعَةً وَقَدْ تَأَخَّرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَمَا أَكْرَهَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَايَعَهُ طَائِعًا مُخْتَارًا ثُمَّ بَايَعَ عُمَرُ رضي الله عنه طَائِعًا مُخْتَارًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ مِنْ فَاطِمَةَ ثُمَّ قَبِلَ إدْخَالَهُ فِي الشُّورَى فَلَوْ اعْتَقَدَ فِي غَيْرِهِ ضَلَالًا أَوْ كُفْرًا مَا فَعَلَ ذَلِكَ.
وَهَذَا أَمْرٌ أَدَّى أَبَا كَامِلٍ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الرَّوَافِضِ إلَى تَكْفِيرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ أَعَانَ الْكُفَّارَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَأَيَّدَهُمْ عَلَى كِتْمَانِ الدِّيَانَةِ وَعَلَى سَتْرِ مَا لَا يَتِمُّ الدِّينُ إلَّا بِهِ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ مَعَ قُبْحِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ جَاهِلُونَ بِحَالِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ ذِكْرِ النَّصِّ عَلَيْهِ خَوْفَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْأَسَدُ شَجَاعَةً.
قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ