الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ لَفْظِهِ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا كَذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلَّا فِي اشْتِرَاطِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هَاهُنَا بَلْ تُرَاعَى الْمَصْلَحَةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ إذَا أَنَا مِتُّ فَالدَّارُ الَّتِي أَنَا سَاكِنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا بِأَكْثَرَ وَلَوْ زِيدَ فِي أُجْرَتِهَا عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا فَلَا يَقْبَلْ عَلَيْهِ زِيَادَةً وَيُصْرَفُ مِنْ كِرَائِهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ عِمَارَتِهَا وَالْبَاقِي يُؤْخَذُ كُلُّ اثْنَيْنِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَيُشْتَرَى بِهَا خُبْزٌ وَيُتَصَدَّقُ عَنِّي وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ يَحْصُلُ فِي مُشْتَرَاهُ ضَرَرٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَيُتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيُبْنَى مِنْهَا تُرْبَةٌ وَيُعْمَلُ فِي قِبْلَتِهَا إيوَانُ قَبْوٍ وَيُحْفَرُ فِي التُّرْبَةِ جُبُّ نَبْعٍ وَصِهْرِيجُ جَمْعٍ وَيُعْمَلُ لَهَا بَابٌ، وَمَهْمَا فَضَلَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُشْتَرَى بِهَا مِلْكٌ وَيُؤْخَذُ مَا يُتَحَصَّلُ مِنْ أُجْرَتِهِ فَيُعْطَى لِسَاكِنِ التُّرْبَةِ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ أُخْرَى لِعِمَارَةِ التُّرْبَةِ وَدِرْهَمٍ لِأَجْلِ زَيْتٍ يُوقَدُ قِنْدِيلٌ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فَقَطْ وَمَهْمَا فَضَلَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِلْكِ يُعْطَى لِفَرْدٍ مُقْرِئٍ يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ وَلَيْلَةِ اثْنَيْنِ، وَذَكَرَ سُوَرًا عَدَّدَهَا ثُمَّ قَالَ: وَيُهْدِيهَا لِي وَلِلْمَوْتَى الَّذِينَ فِي التُّرْبَةِ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ ذَكَرَ وَصَايَا أُخَرَ ثُمَّ قَالَ: وَيُشْتَرَى لِابْنَةِ وَلَدَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِتِّ الْوُزَرَاءِ مِلْكٌ بِأَلْفٍ وَتَكُونُ مَنَافِعُهُ لَهَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا لِوَلَدِهَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِ وَلَدِهَا إلَى وَلَدِ وَلَدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ عَادَ إلَى نَسْلِي وَإِلَى عَقِبِي وَمِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى التُّرْبَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَجَمِيعُ شَيْءٍ مُنَزَّلٍ فِي حُجَجِي صَحِيحٌ وَقَبَضْته.
هَذَا لَفْظُهُ وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الدَّارِ هَلْ تَبْقَى مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ وَتُصْرَفُ أُجْرَتُهَا فِي الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا كَمَا أَوْصَى بِمَنَافِعِهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا تُزَادُ أُجْرَتُهَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمٍ وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ فِي أُجْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ تُكْرَى مِنْهُ أَمْ يَلْغُو وَتُؤَجَّرُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُوصِي، وَمَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِبِنَاءِ التُّرْبَةِ وَالْقَبْوِ فِيهَا وَحَفْرِ الْجُبِّ وَالصِّهْرِيجِ هَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ بِحَسَبِ تَنْفِيذِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ مُسَبَّلَةٍ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْبِنَاءِ أَصْلًا فَإِنْ جَوَّزْتُمْ الْبِنَاءَ فِي حَالَةٍ أَوْ لَمْ تُجَوِّزُوهُ فَمَا حُكْمُ هَذَا الْمِلْكِ الَّذِي أَوْصَى بِشِرَائِهِ وَمَا انْصَرَفَ
مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوَقْفِيَّتِهِ هَلْ يُشْتَرَى وَيُوقَفُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ تُجَوِّزُوا الْبِنَاءَ وَجَوَّزْتُمْ شِرَاءَ الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يُشْتَرَى بِالْمَبْلَغِ جَمِيعِهِ مِلْكٌ وَيُوقَفُ وَتَكُونُ مَنَافِعُهَا لِلْجِهَاتِ الْمُعَيَّنَةِ غَيْرِ الْعِمَارَةِ أَمْ يُشْتَرَى بِمِقْدَارِ مَا يَفْضُلُ أَنْ لَوْ حَصَلَتْ عِمَارَةُ التُّرْبَةِ وَتَوَابِعُهَا وَيَكُونُ مَا يُقَابِلُ الْعِمَارَةَ لِلْوَرَثَةِ وَمَنَافِعُهَا لِلْجِهَاتِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ دَارِهِ أَبَدًا أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ الْمِلْكِ الَّذِي يُشْتَرَى لِبِنْتِ ابْنِهِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يُشْتَرَى وَيُجْعَلُ وَقْفًا عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ الْوَقْفِيَّةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فِيهِ وَمَا حُكْمُ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا نَزَلَ فِي حُجَجِهِ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِمِقْدَارِهِ أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ وَاضِحًا مُوَجَّهًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
(أَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا الدَّارُ الَّتِي أَوْصَى بِأَنْ تُكْرَى كُلَّ شَهْرٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ لَا بِأَكْثَرَ فَالْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فِيهَا صَحِيحَةٌ وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِسَاكِنِهَا مَنْ كَانَ بِمَا زَادَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا عَلَى السِّتَّةَ عَشْرَ وَبِالسِّتَّةِ عَشَرَ لِلْعِمَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَحِصَّةِ الْعِمَارَةِ رَاجِعَةٌ لِلسَّاكِنِ وَالصَّدَقَةُ وَالدَّارُ كُلُّهَا كَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا.
وَقَوْلُهُ لَا تُزَادُ أُجْرَتُهَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ لَازِمٌ الْعَمَلُ بِهِ مَا دَامَ يُوجَدُ مَنْ يَسْكُنُهَا بِذَلِكَ وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ حِينَئِذٍ فَإِنْ بَذَلَ السَّاكِنُ زِيَادَةً وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْكُنُهَا غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ فَيُقْبَلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهِ وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمُ بَاقِي الْأُجْرَةِ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْعِمَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلِإِطْلَاقِهِ قَوْلَهُ وَيُصْرَفُ مِنْ كِرَائِهَا، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ التُّرْبَةِ وَالْقَبْوِ وَحَفْرِ الْجُبِّ وَالصِّهْرِيجِ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ يُمْكِنُ فِيهَا فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ مَنْ يُقِيمُ هُنَاكَ مِنْ قَيِّمٍ وَمُقْرِئٍ وَزَائِرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَاَلَّذِي يُمْنَعُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ وَتَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ الْقُبُورِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُسَبَّلَةً لِلدَّفْنِ خَاصَّةً امْتَنَعَ فِيهَا وَإِذَا امْتَنَعَ الْبِنَاءُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ بُنِيَ فِي غَيْرِهَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَا إذَا فُهِمَ لَفْظُهُ تَحْصِيلُ تُرْبَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ بِالْبِنَاءِ وَأَمْكَنَ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ صُرِفَ إلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اشْتَرَى بِالثَّمَانِيَةِ آلَافِ بِجُمْلَتِهَا مِلْكًا لِمَا قُلْنَا: إنَّ مَنْفَعَةَ الْبِنَاءِ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَصْرُوفِ لَهُمْ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فَيُصْرَفُ مِنْهُ لِلْمُقْرِئِ الَّذِي وَصَفَهُ وَلِصَدَقَةِ وَلِزَيْتٍ يُوقَدُ بِهِ حَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَاَلَّذِي يُشْتَرَى لَا يُوقَفُ بَلْ تَبْقَى رَقَبَتُهُ لِلْوَرَثَةِ وَهُوَ مُوصًى