الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ ثَامِنِ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْعَادِلِيَّةِ الْكُبْرَى بِدِمَشْقَ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]
(مَسْأَلَةٌ) مِثْلُ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لَا» ، هَلْ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ لَا هَذِهِ الصِّيغَةُ أَتَتْ فِي مَوَاضِعَ كَهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي «أَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: نَعَمْ أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ، قَالَ: لَا» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَهَذَا اسْتِفْهَامُ الْأَصْلِ فِيهِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَنْ الْخَبَرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيَقَعُ هَذَا أَوْ لَا؟
وَجَوَابُهُ فِي الْأَصْلِ خَبَرٌ أَيْضًا بِقَوْلٍ يَقَعُ أَوْ لَا كَقَوْلِك: أَيَقُومُ زَيْدٌ؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ أَوْ لَا ثُمَّ قَدْ تَأْتِي قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ الْحُكْمِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا الْوُجُوبُ أَوْ الْجَوَازُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَقَدْ يَكُونُ اسْتِرْشَادًا أَيْضًا فَيَكُونُ الْجَوَابُ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَارِدًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ السُّؤَالِ وَالظَّاهِرُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ الْجَوَازِ وَكَذَلِكَ أَنَّ الِانْحِنَاءَ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ «نَعَمْ» فِي السَّلَامِ وَالْمُصَافَحَةِ فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ خَاصَّةً وَاسْتِحْبَابُهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَلَا نُقَدِّرُهُ أَمْرًا بَلْ خَبَرًا، وَكَذَا فِي حَدِيثِ سَعْدٍ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَنْ الْجَوَازِ وَكَذَلِكَ فِي الثُّلُثِ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَإِنَّ «نَعَمْ» مُقَدَّرَةٌ فِيهِ وَلَا نَقْدِرُهُ أَمْرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا كَقَوْلِهِ: إنَّهُ كَثِيرٌ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إلَى تَقْدِيرِهِ أَمْرًا ثُمَّ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ. فَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ يُبْنَى عَلَيْهَا مَبَاحِثُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَافْهَمْهَا. انْتَهَى.
[بَابُ الْوَدِيعَةِ]
قَالَ رضي الله عنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَرَى الْكَلَامُ فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ إذَا مَاتَ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ وَهَلْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً أَوْ لَا؟ وَأَنَا أُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الِاخْتِصَارِ وَأُوَضِّحُ الْغَرَضَ فِي فَصْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) إذَا مَاتَ الْمُودَعُ فَلَمْ نَجِدْ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ وَلَا عَلِمْنَا مِنْ حَالِهَا شَيْئًا هَلْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ لَمْ تَتْلَفْ وَفِي
ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ سِتَّةُ مَذَاهِبَ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهَا وَالدَّيْنَ سَوَاءٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ السَّلَفِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ.
(وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا.
(وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا ضُمِنَتْ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَمَلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ.
(وَالسَّادِسُ) إنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ ضُمِنَتْ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ تَصَرَّفَ وَاسْتَعْمَلَ عِنْدِي بِمَعْنَى عَلَيَّ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَمَلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نُسِبَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ بِحِكَايَتِهِ إيَّاهُمَا وَهُوَ مَعَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ رَجَّحُوا الضَّمَانَ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرُوا لَهُ مَأْخَذَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَدَاءَ الْوَدِيعَةِ وَاجِبٌ وَالْمَسْقَطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَا نَتْرُكُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ وَمُنِعَ هَذَا بِأَنَّ الْأَدَاءَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِهَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ وَضَعَ وَدِيعَةً فِي مَكَان وَجَهِلْنَاهُ فَيَضْمَنُهَا.
وَاَلَّذِي قَالَ: إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا ضَمِنَهَا مَأْخَذُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْوَدِيعَةُ وَأَنَّهَا اخْتَلَطَتْ بِجِنْسِهَا مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا هَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ وَأَنَا أَخْتَارُ التَّقَدُّمَ وَأَقُولُ بِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا اسْتِعْمَالًا لِجَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودَعِ أَمِينًا لَا تُنْسَبُ إلَيْهِ خِيَانَةٌ وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ بَاقِيَةٌ وَنَعْنِي بِجِنْسِ الْوَدِيعَةِ مَا كَانَ عَلَى صِفَتِهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ هِيَ أَوْ بَعْضُهَا. وَمَنْ قَالَ إنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ ضَمِنَ قَدْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ، أَنَّهَا عِنْدَهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَإِقْرَارُهُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا فِي الذِّمَّةِ فَلِذَلِكَ اخْتَرْت الْقَوْلَ الْمُتَقَدِّمَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مُطْلَقًا لَا يَخْفَى وَجْهُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَاهُ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ ثَلَاثَةً خَاصَّةً: الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالْمَاوَرْدِيُّ حَكَى أَرْبَعَةً فَأَدْخَلَ الرَّابِعَ مَعَهَا.
وَلَمْ يَذْكُرْ
أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَهُمَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالْعُكْلِيِّ فَلَيْسَا مَعْدُودَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ هَكَذَا مِنْ تَعْوِيضٍ لَأَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ مَاتَ فَجْأَةً وَقُتِلَ بَغْتَةً أَوْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَسَبَبُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ جَارٍ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُ الضَّمَانُ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ.
وَحَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ هُنَا فَهُوَ ضَمَانُ الْفِقْدَانِ لَا ضَمَانَ الْعُدْوَانِ فَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ سَبَبٌ عُدْوَانِيٌّ يَقْتَضِي الضَّمَانَ.
فَحَيْثُ قُلْنَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ: يَضْمَنُ أَوْ لَا يَضْمَنُ فَلَيْسَ مُرَادُنَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ سَبَبُ الضَّمَانَيْنِ وَقَدْ يَرْتَفِعَانِ وَقَدْ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَظَاهِرِ النَّصِّ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى وَوَصَفَ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ تُوجَدْ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ تَبِعَهُ فِي التَّصْوِيرِ وَزَادَ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّصَّ وَذَكَرَ وَجْهَ أَبِي إِسْحَاقَ عَلَى زَعْمِهِ الْمُفَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهَا أَوْ لَا.
وَوَجْهُ المروذي فَإِنْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ الضَّمَانِ بِسَبَبِ فَقْدِهَا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ فِي حِكَايَةِ عَدَمِ الضَّمَانِ مُوَافِقٌ لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ فِي تَصْحِيحِهِ مُخَالِفٌ لِلْجُمْهُورِ وَإِنْ أَرَادَ الضَّمَانَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى وَوَصَفَ فَكَيْفَ تَأْتِي الثَّلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَصِيَّةِ وَتَرَكَهَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْمِينَ سَبَبُ تَرْكِ الْإِيصَاءِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْفَقْدِ فَكَأَنَّهُمْ جَمَعُوا الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالصَّوَابُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ جِنْسَ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَصِفْهَا فَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ: يَضْمَنُ خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ.
فَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ يُثَبِّتُ هَذَا الْخِلَافَ إذَا وَصَفَهَا أَيْضًا وَلَمْ تُوجَدْ وَيَقُولُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ،
وَإِنْ كَانَ لَا يُثْبِتُهُ إذَا وَصَفَهَا بَلْ يَجْزِمُ بِعَدَمِ التَّضْمِينِ فَلَا وَجْهَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَاصِلَةً عِنْدَهُ حِينَ الْإِيصَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمِ ضَمَانِهَا إذَا جَهِلْنَا هَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْإِيصَاءِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَى إطْلَاقُ النَّصِّ التَّضْمِينَ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَالَ: عِنْدِي ثَوْبٌ لِفُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ ثَوْبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فَإِنْ كَانَ التَّضْمِينُ لِأَجْلِ التَّقْصِيرِ بِتَرْكِ الْوَصْفِ فَالتَّقْصِيرُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَحْصُلَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ بِسَبَبِهِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ ثَوْبٌ آخَرُ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَصَارَ اشْتِرَاطُ الْوَصْفِ لَنَفْيِ الضَّمَانِ لَا مَعْنَى لَهُ.
ثُمَّ لَيْتَ شَعْرِي أَيُّ وَصَفٍّ يُشْتَرَطُ وَمَا ضَابِطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَجِبُ ذِكْرُهَا، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ زَالَ التَّقْصِيرُ وَمُجَرَّدُ الْجِنْسِ حَيْثُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْهُ غَيْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي التَّرِكَةِ يَكُونُ كَمَا لَوْ وَصَفَ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدًا إمَّا الضَّمَانُ وَإِمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ.
وَلْتَعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي مَأْخَذِ التَّضْمِينِ عِنْدَ الْفَقْدِ جَعْلَهُ جَهْلَ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ ضَمَانُ عُدْوَانٍ فَنُقِيمُ عُذْرًا لِلرَّافِعِيِّ وَمَنْ سَبَقَهُ فِي جَعْلِ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدَةً وَلَكِنَّهُ قَدْ يُشَكِّلُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ جَازِمُونَ فِيمَا إذَا مَاتَ فَجْأَةً بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ، وَمَتَى جَعَلْنَا الْمَأْخَذَ التَّجْهِيلَ بِسَبَبِ وَضْعِهَا فِي مَكَان لَا يُعْلَمُ اقْتَضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ مَاتَ فَجْأَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ وَعَلِمْنَا بِهَا حُكِمَ بِضَمَانِهَا لِتَرْكِهِ الْإِيصَاءَ وَإِنَّمَا نَقُولُ: لَا يَضْمَنُ إذَا كُنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِهَا وَمَاتَ فَجْأَةً وَتَلِفَتْ بَعْدَهُ أَوْ مِلْنَا بِأَنَّ مَأْخَذَ التَّضْمِينِ جَعَلَهَا مَوْجُودَةً إذَا كَانَ جِنْسُهَا مَوْجُودَةً وَحَكَمْنَا بِأَنَّ هُوَ الْوَدِيعَةُ فَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمَنْ قَالَ: يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ يُضْطَرُّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ سَبَبَهُ التَّجْهِيلَ الْمُبَيِّنَ لِلضَّمَانِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَيَتَّحِدُ مَعَ مَسْأَلَةِ تَرْكِ الْوَصِيَّةِ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي) إذَا مَاتَ وَتَحَقَّقْنَا تَلَفَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً وَتَلِفَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا لَا ضَمَانَ عُدْوَانٍ وَإِنْ سَبَّبَ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ
لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا تَسَبُّبَ فَقْدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْقَدْ بَلْ وُجِدَتْ ثُمَّ تَحَقَّقَ تَلَفُهَا فَهِيَ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا.
وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ فَقَدْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَرَاوِزَةُ وَالرَّافِعِيُّ: إنَّ تَرْكَ الْإِيصَاءِ تَقْصِيرٌ مُضَمَّنٌ.
وَمَحِلُّ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَرَضُ مَخُوفًا أَوْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ وَكَذَا إلَى الْحَاكِمِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَالْأَكْثَرُونَ جَعَلُوا حُكْمَهُ حُكْمَ السَّفَرِ فَأَوْجَبُوا الرَّدَّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَحَيْثُ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ فَيُوصِي قَالَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ صَارَ ضَامِنًا وَهَذَا الضَّمَانُ يَسْتَنِدُ إلَى قَبْلِ الْمَوْتِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ يَعْنِي إذَا تَلِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَسْتَنِدُ ضَمَانُهَا إلَى قَبْلِ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَتَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ حَامِلٌ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قِسْمَتِهَا فِي التَّرِكَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَتَبَيَّنُ الضَّمَانَ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ.
وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي مُدَّةِ الْمَرَضِ أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَمَانِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّدِّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَبِالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ عَلَى رَأْيِ الْبَغَوِيِّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَيْضًا مُوَسِّعٌ غَايَتَهُ الْمَوْتَ فَيُشْبِهُ الْحَجَّ، وَفِي الْحَجِّ إذَا تَرَكَهُ مَنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ وَهُوَ قَادِرٌ خِلَافٌ هَلْ يَقْضِي مِنْ أَوَّلِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ أَوَّلِهِ فَهُوَ يُوَافِقُ الْقَوْلَ هُنَا بِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ بِزَمَانٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَوْ الرَّدُّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ حَيْثُ حَكَمْنَا هُنَا بِالضَّمَانِ فَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ وَتَضْمِينُهُ يُتْلِفُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِالْمَوْتِ وَتَلِفَتْ فِي حُكْمِ يَدِهِ بِغَيْرِ وَدِيعَةٍ فَيَضْمَنُ وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا خِلَافٌ.
وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ وَهَذَا مُنْتَفٍ هَاهُنَا.
نَعَمْ هَذَا شَرْطُهُ أَنْ نَكُونَ تَحَقَّقْنَا وُجُودَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَوْ لَمْ نَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ قَبْلَ الْمَرَضِ فَتَجِيءُ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ إذَا مَاتَ وَلَمْ نَجِدْهَا فِي التَّرِكَةِ فَتَأْتِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ
فِي ذَلِكَ صُورَتَيْنِ:
(إحْدَاهُمَا) إذَا ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ التَّلَفَ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى تَقْصِيرٍ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ وَرَتَّبَهُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ: إنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الضَّمَانِ يَعْنِي إذَا ادَّعَوْا ذَلِكَ وَأَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَقَامُوا بَيِّنَةً بِتَلَفِهَا قَبْلَ الْمَرَضِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا.
(الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجْزِمْ الْوَرَثَةُ بِدَعْوَى التَّلَفِ وَلَكِنْ قَالُوا: لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّقْصِيرِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الضَّمَانَ وَالرَّافِعِيُّ نُقِلَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَمَا نُقِلَ، وَكَانَ الرَّافِعِيُّ طَالَعَ أَوَّلَ كَلَامِ النِّهَايَةِ دُونَ آخِرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ الضَّمَانُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ إنْ تَحَقَّقْنَا تَرْكَ الْإِيصَاءِ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي نِسْبَتِهِ إلَى التَّقْصِيرِ فَلَا نُسْقِطُهُ فِي الشَّكِّ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ وَافَقَ ظَاهِرَ النَّصِّ.
وَقَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا ادَّعَوْا التَّلَفَ أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الضَّمَانِ لَعَلَّ مُسْتَنَدَهُمْ أَنْ نُقِيمَهُمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَنَقْبَلُ قَوْلَهُمْ فِيهِ بِيَمِينِهِمْ إذَا نَسَبُوهُ إلَى حَيَاةِ الْمُودَعِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمَنِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِدَعْوَى لَوْ قَالُوا: رَدَّهُ عَلَيْك مُوَرِّثُنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ ذَكَرَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، قَالَ الْبَغَوِيّ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا بِدُخُولِهَا فِي أَيْدِيهِمْ.
قُلْت: وَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنَهُمْ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيمَا إذَا مَاتَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجْأَةً وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَرَثَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُ شَيْءٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَفِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُولَى إذَا أَنْكَرُوا أَصْلَ الْإِيدَاعِ، وَقَدْ تُلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُوصِ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمَرَضِ ثُمَّ لَمْ نَجِدْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِلَا خِلَافٍ بِسَبَبِ التَّقْصِيرِ وَضَامِنٍ أَيْضًا بِسَبَبِ الْفَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْمَرَضِ فَلَيْسَ ضَامِنًا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَفِي ضَمَانِهِ بِالثَّانِي مَا سَبَقَ، أَمَّا إذَا أَوْصَى فَإِنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ عَدْلٍ ضَمِنَ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَإِنْ وَصَّى إلَى عَدْلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوَصِّ