الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الشِّرْكِ بَانَ لَنَا انْدِفَاعُ نِكَاحِهِمَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَا نَقُولُ: إنَّا نُقَدِّرُ وُرُودَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ نَرْفَعُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت: هَلْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَلَا فَرْقَ.
قُلْت: الَّذِي تَكَلَّمْنَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ مَنْ حَكَيْنَا كَلَامَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَكَلَّمُوا بَعْدَهُ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَوْلَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ ذِكْرِهِ الْحُرَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّا نُوَفِّقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَنَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَكَلَامَ الْغَزَالِيِّ عَلَى الْحُرِّ وَلَكِنْ مَنَعَنَا مِنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْحَقُّ فِيهَا مَعَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ، وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ بُرْهَانِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْمَوْضِعُ غَلَطٌ فِي الرَّافِعِيِّ.
وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الصَّلَاحِ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ كُنْت أَقْطَعُ بِهِ وَأَقُولُ: إنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهْمٌ وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ وَلَوْ وَقَفَ لَنَبَّهَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَحَاصِلُ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّ مَا يَسْتَقِرُّ الْحَالُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَيُبْقِيه مِنْ الزَّوْجَاتِ وَمَا يَنْدَفِعُ مِنْهُنَّ بِنَفْسِ إسْلَامِهِ فَيَسْتَقِرُّ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ، وَيَنْدَفِعُ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَكِنْ لَهُ شُرُوطٌ إنْ اعْتَبَرْنَاهَا بِحَالِ إسْلَامِهِ فَقَطْ تَرَجَّحَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمُسْتَقِرُّ وَاحِدَةً مِنْ الْإِمَاءِ، فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْ الْأَرْبَعِ تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا عَدَاهَا مُنْدَفِعٌ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَكُونُ الْعَتِيقَةُ الَّتِي لَمْ يَخْتَرْهَا مُحِبَّةً وَلَا مَقْدُورَةً عَلَيْهَا حِينَ إسْلَامِهِ ضَرُورَةً أَنَّهَا كَانَتْ الثِّقَةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهَا بِحَالِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ بِمَا بَيْنَهُمَا تَرَجَّحَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ قَضِيَّةُ مَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً وَأَمَّا مَا قَالَ: لَوْ اعْتَبِرْنَا حَالَ الْإِسْلَامِ مِنْهُ فَقَطْ تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]
(مَسْأَلَةٌ) مَا قَوْلُكُمْ أَثَابَكُمْ اللَّهُ فِيمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِأَنَّ تِلْكَ الْجَارِيَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً فِي بِلَادِهَا لَا يَحِلُّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا أَوْ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ لَا فِي الْغَنِيمَةِ فَتَكُونُ فَيْئًا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ الْأَخْذُ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ
وَالِدِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ غَاصِبِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةٌ حَاضِرَةٌ لِدَوَرَانِهَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْفَيْءُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ اعْتِمَادُ الْمُشْتَرِي عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ وَدَعْوَى الْبَائِعِ الْمِلْكَ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْمِلْكِ وَأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ لِتَوَهُّمِهِ مَا لَيْسَ سَبَبًا سَبَبًا وَمَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ كَيْفَ يُسَوِّغُ الِاعْتِمَادَ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا عَمَلٌ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ أَحَلَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا كَرِهَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا وَلَا الْكَذِبُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَاكٌّ وَإِنْ أَرَادَ مَعَ الظَّنِّ الرَّاجِحِ عَلَى الْكَذِبِ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ لَهُ حَقٌّ فِيهَا، وَالْفَيْءَ مَصْرِفُهُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مِسْكِينًا وَلَا هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا وَلَا يَتِيمًا فَقِيرًا وَلَا ابْنَ السَّبِيلِ وَلَا مُقَابِلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا خُمُسُ الْخُمُسِ الَّذِي لِلْمَصَالِحِ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَنَحْوِهِ.
فَالْجَارِيَةُ لَا شُبْهَةَ لِلْإِنْسَانِ فِي غَيْرِ خُمُسِ خُمُسِهَا فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ تَوَهَّمَ الشَّخْصُ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الَّذِي لِلْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِبَعْضِ حَقِّهِ أَوْ بِمَا يُمَكِّنُهُ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي تَسَرِّيه بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّسَرِّي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمِلْكِ الصَّحِيحِ، وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَقُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ فَذَاكَ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمِلْكِ فَيَسْتَخْدِمُ الْجَارِيَةَ مَثَلًا وَيُخْدِمُهَا غَيْرَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَسُوغُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ، أَمَّا التَّسَرِّي فَإِنَّ الشَّارِعَ حَصَرَهُ فِي الْمِلْكِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ فِي الْقَوَاعِدِ: مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ مَلَكَهُ بِانْفِرَادِهِ.
وَاَلَّذِي يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ تَقْلِيدًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ دَلِيلٍ يُسَوِّغُ لَهُ أَوْ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِتَرْكِ تَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ إلَى تَقْلِيدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْتَقِلُ مِنْ تَقْلِيدِ الْفَاضِلِ إلَى
الْمَفْضُولِ.
وَالْخُرُوجِ عَنْ تَقْلِيدِ إمَامٍ إلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلٌ فَأَيْنَ الدَّلِيلُ وَإِنْ وُجِدَ الدَّلِيلُ فَفِي اعْتِمَادِهِ إطْرَاحُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ لِمَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ مَعَ قُصُورِهِ فِي الْعِلْمِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحَرِّي الِاجْتِهَادِ، وَسَمِعْت أَنَّ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَنَّ مِنْ مَضْمُونِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَعْدَ صَرْفِ قِيمَةِ بَقِيَّةِ الْأَخْمَاسِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَهَذَا عَلَى بُعْدِهِ كَأَنَّهُ فِيمَنْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي بَعْضِ الْجَارِيَةِ.
أَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَمَا حُكْمُهُ وَهَلْ التَّسَرِّي هَذِهِ الْأَيَّامَ يَتَرَجَّحُ فِيهِ شُبْهَةُ التَّحْرِيمِ أَوْ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَأَمَّا السَّائِلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ حِلٌّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالِاجْتِهَادُ عَلَى كَوْنِ هَذَا جَرَتْ بِهِ الْعَوَائِدُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَالْفَاعِلُ لِذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَعَلَّهُ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٌ لِغَيْرِ الشَّافِعِيِّ أَوْ مُتَسَاهِلٌ.
(أَجَابَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابٍ لَهُ لَطِيفٍ فِي الْوَرَعِ يُسَمَّى بِالتَّبْصِرَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ التَّسَرِّيَ فِي هَذَا الزَّمَانِ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ كَمَا قَالَ لِعَدَمِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَتَكَلَّمْت أَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْحَلَبِيَّةِ بِمَا لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ، وَكُنْت أَسْمَعُ الشَّيْخَ قُطْبَ الدِّينِ السَّنْبَاطِيَّ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَوَرِّعِينَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً يَشْتَرِيهَا مِنْ سَيِّدِهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ خُمُسَهَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ يَقُولُ: إنَّ مِنْ سَرَقَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ يَمْلِكُ الْمَسْرُوقَ جَمِيعَهُ وَلَا يُخَمِّسُ وَالرَّافِعِيُّ رَجَّحَ أَنَّهُ يُخَمِّسُ فَلَيْسَ لِلسَّارِقِ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالْأُولَى لِلْمُتَوَرِّعِ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى شِرَاءِ خُمُسِهَا بَلْ يَشْتَرِي جَمِيعَهَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مَعَ شِرَائِهِ لَهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَأَنَا قَدْ أَذِنْت لِمِفْتَاحٍ أَنْ يَبِيعَك إيَّاهَا بِمَا يَرَاهُ وَتَرَاهُ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْقَاضِي لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَنْ اتَّفَقَ الْأَشْبَهُ فَالْأَشْبَهُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْ لَهُ صَرْفٌ صَحِيحٌ كَمَا كُنَّا فِي الْبَحْثِ فِيهِ مِنْ أَيَّامٍ فَأَحْسَبُ أَنِّي شَخْصٌ كَذَلِكَ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذَا الْفِعْلِ إلَّا احْتِمَالُ بَقَاءِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضُهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ سَهْلٌ.
وَأَمَّا التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرْته فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فِي بِلَادِهَا لَا يَحِلُّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا إنَّمَا مَحِلُّهُ إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ مِنْ الْأَصْلِ
لَا مُطْلَقًا.
وَمِنْ جُمْلَةِ الِاحْتِمَالَاتِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً وَهِيَ رَقِيقَةٌ بِأَنْ مَسَّ أُمَّهَا رِقٌّ أَوْ أُمَّ أَبِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ وَتَكُونُ هِيَ الَّتِي فِي يَدِهِ اشْتَرَاهَا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ رَقِيقَةٌ بِرِقٍّ طَرَأَ عَلَى أُصُولِهَا وَدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ وَاعْتِرَافِهَا لِمَالِكِهَا لَا يَزُولُ مَتَى أَمْكَنَ الِاحْتِمَالُ، وَلَكِنْ مَتَى فَرَضَ أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ وَأُصُولُهَا مُسْلِمُونَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ رِقٌّ وَاسْتَحَالَ مِلْكُهَا كَمَا قُلْتُمْ، وَهَذَا الْقِسْمُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ.
وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهَا غَنِيمَةً فَمُحْتَمَلٌ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ وَالْخُمُسُ الْخَامِسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْغَانِمُونَ مَجْهُولُونَ وَإِبْقَاءُ الْجَارِيَةِ لَهُمْ مَعَ احْتِيَاجِهَا إلَى النَّفَقَةِ يُفْضِي إلَى فَوَاتِهَا عَلَيْهَا فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنَهَا لَهُمْ وَنَصِيبُ أَهْلِ الْخُمُسِ كَذَلِكَ.
وَهَذَا الْحُكْمُ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ أَوْ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ أَمْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا فَجَوَازُ بَيْعِهَا لِلْقَاضِي مَعْلُومٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا فَيْئًا فَمُحْتَمَلٌ وَفِيهِ احْتِمَالَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعَ الْيَدِ لَا حَقَّ فِيهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا عُدْوَانًا غَصْبًا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَيْضًا بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا، وَالِاحْتِمَالُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ سَرَقَهَا وَهِيَ كَافِرَةٌ مِنْ كُفَّارٍ حَرْبِيِّينَ، فَعَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ هِيَ مِلْكُهُ كُلُّهَا فَيَصِحُّ شِرَاؤُهَا مِنْهُ، وَعَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ هُوَ مَالِكٌ لِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا فَإِذَا بَاعَهَا وَفَرَّقَ الصَّفْقَةَ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وَيَبْقَى الْخُمُسُ الَّذِي لِأَهْلِ الْخُمُسِ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا بَاعَهُ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَى أَهْلِ الْخُمُسِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَالظَّاهِرُ بَلْ قَطْعًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.
هَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْحَالُ فَإِنْ جَهِلَ وَاحْتَمَلَ تَعَيَّنَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَيْسَ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْقَاضِي إمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ الْمُتَوَلِّي لِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ وَالْمَجْهُولِ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ فَلَهُ الْبَيْعُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ فِي غَائِبٍ أَوْ مَجْهُولٍ يُرْجَى حُضُورُهُ أَوْ الْعِلْمُ بِهِ.
أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَسَلَّمْنَا الْيَأْسَ مِنْهُ فَلِلْقَاضِي التَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ