المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الفرق بين أوقاف الديار المصرية والبلاد الشامية التي تحت نظر الحكم] - فتاوى السبكي - جـ ٢

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: ‌[فصل الفرق بين أوقاف الديار المصرية والبلاد الشامية التي تحت نظر الحكم]

الْقَاضِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَدْرَسَةُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَالْوِلَايَةُ فِي الْمَدْرَسَةِ لِقَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ لَا لِقَاضِي بَلَدِ الْمَدْرَسَةِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي بَلَدِ وَقَفَ مَدْرَسَةً فِيهَا وَشَرَطَ نَظَرَهَا لِقَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَقُلْنَا: النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَآخَرُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ وَشَرَطَ نَظَرَهُ لِقَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ نَظَرُ الْوَقْفِ وَتَحْصِيلُ مُغَلِّهِ وَصَرْفُهُ وَلِقَاضِي بَلَدِ الْمَدْرَسَةِ نَظَرُهَا، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمُدَرِّسِ فِيهَا وَتَوْلِيَتُهُ فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ لِتُعَارِض النَّظَرَيْنِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ التَّوْلِيَةَ لِقَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ دُونَ قَاضِي بَلَدِ الْمَدْرَسَةِ وَأَنَّ قَاضِي بَلَدِ الْمَدْرَسَةِ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ فِيهَا مُدَرِّسًا آخَرَ بِغَيْرِ مَعْلُومٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا حَضَرَ كُلٌّ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ إلَى بَلَدِ الْآخَرِ تَصَرَّفَ بِمَا لَهُ بِالشَّرْطِ دُونَ مَا لَهُ بِالْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالدَّهْشَةِ ظَاهِرَ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ انْتَهَى. نُقِلَ مِنْ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ.

[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

(فَصْل) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله (فَائِدَةٌ) دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ الْعَزِيزِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ شَرْعًا وَعُرْفًا أَنَّ النَّاظِرَ هُوَ الْقَاضِي وَجَرَتْ الْعَادَةُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّهُ يُنَصِّبُ مِنْ جِهَتِهِ مُبَاشِرِينَ يُسَمَّوْنَ شُهُودَ الْأَوْقَافِ وَهُمْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ مَأْذُونٌ لَهُمْ مِنْ جِهَتِهِ فِي الْإِيجَارِ الْمُعْتَادِ وَالِاسْتِخْرَاجِ وَالصَّرْفِ وَالْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَغْلِبُ مِثْلُهُ وَتَصْعُبُ الْمُرَاجَعَةُ فِيهِ وَكَأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا ضَرَرَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ شُهُودًا أَوْ مُبَاشِرِينَ فَالصِّفَتَانِ مَوْجُودَتَانِ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَهَادَتِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْفِ فَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى فِعْلِهِمْ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهِمْ نَفْعًا فَشَهَادَتُهُمْ فِيهِ مَقْبُولَةٌ وَإِذَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ وَشَهِدَ الْآخَرُونَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ صَرْفٍ أَوْ نَحْوِهِ فِيمَا لَا يَجْلِبُ إلَيْهِمْ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضَرَرًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ أَيْضًا وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أُجْرَةَ مُبَاشَرَتِهِمْ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا لَا تَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَتَكُونُ فِي عَمَلٍ لَا بُدَّ مِنْهُ.

وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ

ص: 154

فَمَتَى انْتَفَى الشَّرْطَانِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ شَيْئًا وَمَتَى انْتَفَى الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ وَمَتَى انْتَفَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ سَكَتَ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ أَوْ لَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَاقِفِ تَسْمِيَةٌ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فِي زَمَنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ رَتَّبَ عَلَى مَا بَلَغَنِي الشُّهُودَ وَالْجَابِيَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ وَاسْتُؤْنِسَ لِذَلِكَ بِفَرْضِ ثَمَنِ الزَّكَاةِ لِلْعَامِلِ وَهُوَ اسْتِئْنَاسٌ حَسَنٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُبَّ وَقْفٍ يَكُونُ تَعَبُهُ كَثِيرًا وَمُتَحَصِّلُهُ قَلِيلًا فَيَسْتَحِقُّ مُبَاشَرَةً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّ وَقْفٍ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ فَالْمُحْتَاطُ لِدِينِهِ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَمَلُهُ الْمُتَعَيَّنِ فِعْلُهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ لَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافَ مَنْ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ، وَهَكَذَا أَمْوَالُ الْأَيْتَامِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا عَنْ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِنَفْسِهِ فِيهَا وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِلْعُمَّالِ عَلَيْهَا أُجْرَةً بِلَا خِلَافٍ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] مَحْمُولٌ عَلَى الْوَلِيِّ الَّذِي لَمْ يُشْرَطْ لَهُ أُجْرَةٌ كَالْقَاضِي.

وَقَدْ خَرَجْنَا عَنْ الْمَقْصُودِ فَلْنَرْجِعْ إلَيْهِ وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي شُهُودِ الْأَوْقَافِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَهِيَ عَادَةٌ جَيِّدَةٌ وَأَمَّا الشَّامُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ فِي الْوَقْفِ جَمَاعَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ اسْمٌ: أَحَدُهُمْ نَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُشَارِفٌ وَالْآخَرُ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ عَامِلٌ، وَرُبَّمَا يَكُونُ آخَرُ صَاحِبَ دِيوَانٍ وَآخَرُ مُسْتَوْفِيًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُخْتَصٌّ بِالنَّاظِرِ وَمِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَمِنْ الْمُخْتَصِّ بِالنَّاظِرِ أَنَّهُ تَطُولُ الْمُدَّةُ وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ انْتَهَى إلَيْهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَرُبَّمَا يُسْنِدُهُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ مَرَّ بِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ حَضَرَ شَخْصٌ مُبَاشِرٌ لِوَقْفٍ وَلَّاهُ إيَّاهُ حَاكِمٌ فَأَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ أَنَّهُ نَاظِرُهُ وَأَسْنَدَ إلَى غَيْرِهِ وَتَعَلَّقَ الْمُسْنَدُ

ص: 155

إلَيْهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَصَعُبَ نَزْعُهُ مِنْهُ فَانْظُرْ مَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي يَظُنُّ شَاهِدُهَا أَنَّهَا حَقٌّ وَمِنْ الْحُكْمِ الْبَاطِلِ وَمِنْ التَّعَلُّقِ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَمِنْ الْمُخْتَصِّ بِالنَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَيَكْبُرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْتَقِلُّ بِالْكَلَامِ وَتَكْبُرُ نَفْسُهُ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ أَوْ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فَيَنْسَلِخُ ذَلِكَ الْوَقْفُ مِنْ دِيوَانِ الْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَخِلَافُ حُكْمِ الشَّارِعِ أَنَّ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ.

وَمِنْ الْمُخْتَصِّ بِالنَّاظِرِ أَنَّهُ يَبْقَى مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَيُؤَخِّرُ مَا يَرَاهُ مِنْ الْمُدَدِ الطَّوِيلَةِ وَيَتَصَرَّفُ بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَقْتَضِي الْعُرْفُ وَالشَّرْعُ مُرَاجَعَةَ الْقَاضِي فِيهَا فَلَا يُرَاجِعُهُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى وَكُلُّ ذَلِكَ لِتَسْمِيَتِهِ نَاظِرًا وَإِجْرَاءُ حُكْمِ النَّاظِرِ الْمُسْتَقِلِّ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمُخْتَصِّ بِالنَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ جَعْلَ الْقَاضِي لَهُ نَاظِرًا كَشَرْطِ الْوَاقِفِ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ ذَلِكَ فَيَقُولُ الْوَاقِفُ إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِشَخْصٍ اتَّبَعَ شَرْطَهُ وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ بَقِيَ مُبْهَمًا فَإِذَا وَلَّى الْقَاضِي نَاظِرًا كَانَ تَعْيِينًا لِذَلِكَ الْمُبْهَمِ فَيَصِيرُ كَالْمَشْرُوطِ مِنْ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَهَذَا حَالٌ بَاطِلٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَلَكِنِّي ذَكَرْته لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْكُرَهُ أَحَدٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا فَحُكْمُ الشَّرْعِ أَنَّ النَّظَرَ لِلْقَاضِي فَتَوْلِيَةُ الْقَاضِي فِيهِ إنَّمَا هِيَ عَنْهُ لَا عَنْ الْوَاقِفِ وَإِنَّمَا يَقْوَى الْخَيَالُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا وَلَّى الْقَاضِي مُدَرِّسًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَصْحَابَهَا هَلْ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ كَتَعْيِينِ الْوَاقِفِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَغْيِيرُهُ أَوْ هُوَ تَوْلِيَةٌ فَيَجُوزُ تَغْيِيرُهُ؟ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ كَتَعْيِينِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ التَّغْيِيرِ مُطْلَقًا بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ لَا يَجُوزُ عَزْلُهُ إلَّا إذَا خَرَجَ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي قَصَدَهَا الْوَاقِفُ أَوْ الْأَهْلِيَّةِ وَاَلَّذِي وَلَّاهُ الْقَاضِي يَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ بَعْدُ عَزْلُهُ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَقَدْ يَرَاهُ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ فَمَقْصُودُ الشَّارِعِ أَوْلَى مِنْ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَكِنَّ الْمُدَرِّسَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ وَإِنْ وَلَّاهُ بِخِلَافِ النَّاظِرِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَعَيَّنَ.

قَالَ وَمِنْ الْمَفَاسِدِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ

ص: 156

النَّاظِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ شَخْصٌ مُنْفَرِدٌ بِوَظِيفَةٍ كَنَاظِرٍ أَوْ عَامِلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا يَأْخُذُ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي تَوْقِيعًا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَقْدِرُ الْقَاضِي يَعْزِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يَبْقَى مُتَمَسِّكًا بِذَلِكَ التَّوْقِيعِ وَيُوهِمُ أَرْبَابَ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا يَقْدِرُ الْقَاضِي عَلَى عَزْلِهِ وَلَوْ بَانَ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ مُصِيبَةٍ وَتَبْقَى تِلْكَ الْوَظِيفَةُ دَائِمًا لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِتَوَاقِيعَ وَلَا لِلْقَاضِي فِيهَا حَدِيثٌ، وَمِنْهَا أَنَّ مَعْلُومَهَا يَصِيرُ مُسْتَقِرًّا وَإِذَا ازْدَادَ مُبَاشِرٌ آخَرُ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى الْوَقْفِ بِخِلَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ لِلْعُمَّالِ يُقَسَّمُ عَلَى الْجَمِيعِ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا، وَقَدْ وَجَدْت فِي الشَّامِ مَا بَلَغَ مَعْلُومُ الْمُبَاشِرِ فِيهِ قَدْرًا يَسْتَغْرِقُ أَكْثَرَ الْوَقْفِ وَلَا يَفْضُلُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إلَّا النَّذْرُ الْيَسِيرُ وَرُبَّمَا لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

هَذَا مَعَ مَا فِي الشَّامِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ لَيْسَتْ فِي مِصْرَ ظَاهِرَةُ الْإِنْكَارِ تُعْرَفُ.

(أَحَدُهَا) أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ عَلَى الْأَوْقَافِ حَتَّى قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ فِيهِمْ نَاسًا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ وَيَأْكُلُونَ الْأَوْقَافَ.

(الثَّانِي) أَنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَ أَعْنِي الْمُتَمَسِّكَ مِنْهُمْ حَتَّى رَأَيْتُهُمْ اسْتَفْتَوْا فِي قَرْيَةٍ وُقِفَتْ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ مِنْهَا بِعِمَارَتِهَا وَفِلَاحَتِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا وَمَا بَقِيَ فَلِلْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا فَجَعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا لِزِيَادَةِ الْمُبَاشِرِينَ وَصَارَتْ مَعَالِيمُ الْمُبَاشِرِينَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَيْهِمْ وَلَا حَاجَةَ.

(الثَّالِثُ) وَهُوَ خَاصٌّ بِالضِّيَاعِ وَالْقُرَى دُونَ الْمُسَقَّفَاتِ أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِقَرْيَةٍ مَوْقُوفَةٍ يَتَّخِذُهَا كَأَنَّهَا أَقْطَاعٌ لَهُ يَتَّجِرُ فِيهَا وَيَزْرَعُ فِيهَا وَيُكَلِّفُ فَلَّاحِيهَا وَيُسَخِّرُهُمْ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا كَأَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ كَأَنَّهُ أَمِيرٌ ظَالِمٌ أُقْطِعَهَا أَوْ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى الظَّلَمَةِ فَيُضَمِّنُهُمْ إيَّاهَا فَلَا تَبْقَى تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ تَاسِعِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. نُقِلَ مِنْ خَطِّهِ.

قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَدُهُ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ: قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ رحمه الله إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْعُمَّالِ أُجْرَةً عَلَى مَالِ الْأَيْتَامِ بِلَا خِلَافٍ لَا يَدْفَعُهُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ

ص: 157

الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَيْضًا أَنَّ الْأَبَ لَوْ تَضَجَّرَ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً عَلَى عَمَلِهِ فَاَلَّذِي يُوَافِقُ كَلَامَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إلَيْهِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لَكِنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلْإِمَامِ احْتِمَالُ أَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ أُجْرَةً قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فَأَقُولُ هَذَا فِي الْوَلِيِّ الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَنَظِيرُهُمَا أَمَّا الْعُمَّالُ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ أُجْرَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَضْيِيعُ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمُتَبَرِّعِينَ بِالْأَعْمَالِ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ عِنْدَ تَبَرُّمِ الْأَبِ بِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ بَلْ زَادَ الْإِمَامُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَرَدَ عَلَى كُتَّابِ نَائِبِي بِبَعْلَبَكَّ قَضِيَّةٌ وَقَعَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُحَاكِمَاتِ فَكَتَبْت إلَيْهِ يُعْلِمُنِي بِهَا فَأَرْسَلَ إلَى الْخُصُومِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْيُونِينِيّ وَنَاسٌ يُقَالُ لَهُمْ أَوْلَادُ مَحْمُودِ بُورِي وَبِيَدِ أَوْلَادِ الْيُونِينِيّ مَكْتُوبٌ مُشْتَرَى مُوَرِّثِيهِمْ لِحَرْبِثَا مِنْ عَمَلِ بَعْلَبَكَّ مَحْكُومٌ فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْبَائِعِينَ وَحِيَازَتُهُمْ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ وَالْبَائِعُونَ هُمْ أَوْلَادُ مَحْمُودِ وَبُورِي مَكْتُوبٌ فِيهِ مَحْضَرٌ وَثُبُوتٌ فِي ظَاهِرِهِ وَاتِّصَالُ الثُّبُوتِ بِحَاكِمٍ ثُمَّ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي تَنْفِيذِ مُسْتَنِيبِهِ لَهُ ثُمَّ تَنْفِيذِ حَاكِمٍ آخَرَ.

وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْيُونِينِيّ أَنَّهُ لَا دَافِعَ إلَيْهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ يُشْرَحُ فِي كِتَابِ الْأَسْجَالِ الَّذِي سَيُكْتَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِيَدِ أَوْلَادِ الْيُونِينِيّ أَيْضًا إثْبَاتُ عَدَاوَةٍ وَشَحْنَاءَ بَيْنَ مُوَرِّثِيهِمْ وَالْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ وَمَرْسُومُ الْمَرْحُومِ تَنْكُزُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الشَّحْنَاءِ وَسَنَشْرَحُ ذَلِكَ كُلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْأَسْجَالِ فَتَأَمَّلْت الْكُتُبَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَالْحُجَجَ وَالدَّوَافِعَ فَرَأَيْت الْمَحْضَرَ الَّذِي بِيَدِ أَوْلَادِ مَحْمُودِ وَبُورِي وَهُوَ أَقْدَمُ مَا أَحْضَرَهُ الْغَرِيمَانِ مَعَ إجَازَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ فَأَمَّا الْمَحْضَرُ فَمَضْمُونُهُ شُرِحَ فِي الْأَسْجَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَأَيْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِأُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) أَنَّهُ غَايَتُهُ شَهَادَةٌ بِالْوَقْفِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا عُلِمَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ

ص: 158

لِأَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا إنَّ الْوَقْفَ الْمَذْكُورَ مِنْ زَمَانِ صَلَاحِ الدِّينِ وَكَانَ انْقِرَاضُ دَوْلَةِ صَلَاحِ الدِّينِ فِي تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَتَارِيخُ الْمَحْضَرِ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ فَشُهُودُهُ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَاقِفَ، وَأَيْضًا فَقَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِأَنَّ الْمَكَانَ وَقْفٌ مَعْنَاهُ مَوْقُوفٌ فَلَيْسَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى وَاقِفٍ وَلَا بِإِنْشَاءِ وَقْفٍ وَلَا بِإِقْرَارٍ بِهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ سَمَاعَ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَعِلْمَهُ بِمِلْكِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الِاسْتِفَاضَةَ وَهِيَ أَدْنَى الْمَرْتَبَتَيْنِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ الشَّيْءُ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى حَمَلْنَاهُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي مَسَائِلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْمَحْضَرِ " مِنْ السِّنِينَ الْمُتَقَادِمَةِ " يُشْعِرُ بِذَلِكَ.

وَأَيْضًا قَالَ الْقَفَّالُ وَإِنَّ نَارَ الْوَقْفِ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَقَالَ إنَّ الشَّاهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يُسَمِّيَ الْوَاقِفَ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا وَفِي هَذَا زِيَادَةٌ وَهِيَ الشُّرُوطُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَى أَوْلَادِ مَحْمُودِ وَبُورِي عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْمَحْضَرُ مِمَّا سَيُشْرَحُ فِي الْأَسْجَالِ وَاَلَّذِي أَثْبَتَهُ شَافِعِيٌّ كَانَ نَائِبُ الْحُكْمِ بِبَعْلَبَكَّ مُقَلِّدًا لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ وَقَدْ نَصَّ النَّوَوِيِّ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ الْمُقَلِّدِ لَا يَنْفُذُ وَلَا يُنَفَّذُ.

فَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ النَّوَوِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ بَاطِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَتَى كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ الْمُقَلِّدِ بَاطِلًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ لِشَافِعِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَكُلُّ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ فِي حَقِّهِ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ.

(الثَّانِي) الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي ظَهْرِ الْمَحْضَرِ لَمْ يَتَضَمَّنْ حُكْمًا وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ ثُبُوتًا مُجَرَّدًا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمِلْكِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِتَقْوَى بَيِّنَةُ الْمِلْكِ بِالْحُكْمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى مُعَارِضَةٌ هَلْ تُقَدَّمُ بِالْيَدِ الْمُزَالَةِ بِالْقَضَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَدَ يُقْضَى بِزَوَالِهَا وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُنْقَضُ وَاسْتَثْنَا بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ أُقِيمَتْ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِهَا فَهَلْ نَقُولُ إنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمُقَامَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ حَتَّى يَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ أَوْ يُنْقَضَ بِهَا قَطْعًا لِتَقَدُّمِ إقَامَتِهَا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ

ص: 159

كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِيمَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكٍ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِوَقْفِهِ يُرَجِّحُ الْقَاضِي بَيِّنَةَ الْمِلْكِ ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي حُكِمَ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ قَوْلًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَبْطُلُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْمَحْضَرِ.

(الثَّالِثُ) أَنَّ صِيغَةَ الْمَحْضَرِ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ وَيَشْهَدُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْطِفَ يَشْهَدُونَ عَلَى يَعْرِفُونَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى شَهِدُوا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَيْ أَدَّوْا أَنَّهُمْ، تَحَمَّلُوا وَلَوْ صَرَّحَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ هَلْ يُقْبَلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَعَلَى الْقَبُولِ هَلْ يَكْفِي الْحُكْمُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ ثَبَتَ مَضْمُونُ الْمَحْضَرِ فَمَضْمُونُ الْمَحْضَرِ شَهَادَتُهُمْ فَالثَّابِتُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُ لَا كَوْنُ الْمَكَانِ وَقْفًا، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ النَّظَرِ فِي شَهَادَتِهِمْ هَلْ تُقْبَلُ أَوْ لَا وَهَلْ يُسَوَّغُ الْحُكْمُ بِهَا فَيَأْتِي فِي الْعَمَلِ بِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَفِي الشُّرُوطِ لَا تُقْبَلُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَطْعًا. وَأَمَّا ثُبُوتُ الْوَقْفِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاكِمُ لَهُ وَقَدْ يَكُونُ الْحَاكِمُ قَصَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

(الرَّابِعُ) الْمَحْضَرُ الَّذِي ثَبَتَ الْآنَ عَلَى قَاضِي بَعْلَبَكَّ أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مِلْكًا لِأَوْلَادِ مَحْمُودِ وَبُورِي وَإِنَّمَا عَمِلُوا الْمَحْضَرَ بِوَقْفِيَّتِهَا تَحَيُّلًا لِانْتِزَاعِهَا مِنْ يَدِ السَّلْطَنَةِ إذْ كَانَتْ أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ ضَمِنَ الْمُحْضَرُ أَنَّهُ كَتَبَ بِالْإِذْنِ الشَّرِيفِ السُّلْطَانِيِّ الْأَشْرَفِيِّ فِي سَنَةِ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَبِيَدِهِمْ إجَازَةُ تَارِيخِهَا سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يَسْعَوْنَ فِي انْتِزَاعِهَا مِنْ يَدِ السَّلْطَنَةِ كَتَبُوهَا لِيَصِلُوا بِهَا إلَى ذَلِكَ وَسَعَوْا إلَى أَنْ رُسِمَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَوَاءٌ أَكَانَ كَذَلِكَ أَمْ لَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا وَلَيْسَ مُرَادُنَا رَدَّ الْمَحْضَرِ الْمَذْكُورِ بِالتَّحَيُّلِ وَإِنَّمَا بِمُعَارَضَتِهِ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ الَّتِي قَامَتْ الْآنَ عِنْدَ قَاضِي بَعْلَبَكَّ وَذُكِرَتْ زِيَادَةٌ فِي الْحَامِلِ لِبَيِّنَةِ الْوَقْفِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ.

(الْخَامِسُ) أَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يُعَيِّنُوا الْوَقْفَ وَلَا عَيَّنُوا أَوْلَادَ مَحْمُودٍ وَبُورِي وَلَا رَادُّوا فِي نَسَبِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا ابْنَا السلوين فرس فَأَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِ الْوَقْفِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ

ص: 160

الِاسْتِفَاضَةِ وَقَدْ عُرِفَ الْخِلَافُ فِيهَا وَعَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْوَاقِفِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ فِي أَوْلَادِ مَحْمُودٍ وَبُورِي عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي فَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جَدِّهِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ التَّمْيِيزُ فَلَوْ ذُكِرَ الْجَدُّ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ بِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا وَمَحْمُودٌ وَبُورِي الْأَخَوَانِ ابْنَا الْمَذْكُورِ لَا يُعْرَفُ هَلْ لَهُمَا وُجُودٌ أَمْ لَا؟

وَفِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ: بُورِي بْنِ طغتكين مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَلَدُهُ مَحْمُودٌ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ هُمَا هَذَانِ وَحَصَلَ الْغَلَطُ فِي كَوْنِهِمَا أَخَوَيْنِ وَفِي نَسَبِهِمَا أَوْ لَا؟ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ جَهَالَةً وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ وَيَلْزَمُ مِنْ جَهَالَتِهِمَا جَهَالَةُ أَوْلَادِهِمَا وَنَسْلِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الشُّهُودِ وَلَا مِنْ الْحَاكِمِ تَشْخِيصٌ وَلَا تَمْيِيزٌ.

(السَّادِسُ) أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا فِي الْإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَاتَّصَلَ بِهِمَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا عِنْدَ شَهَادَتِهِمَا وَأَدَائِهِمَا مُتَسَاهِلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ غَيْرَ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ.

وَأَمَّا الْإِجَازَةُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْضَرِ فَانْدَفَعَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْمَحْضَرِ بِالْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ، وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْمَحْضَرِ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرَ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَحْضَرَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَنَا وَأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

ثُمَّ نَظَرْت مَا بِيَدِ الْقَائِلَيْنِ إنَّهُمْ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدْت شَرَفَ الدِّينِ نَائِبَ الْحَنْبَلِيِّ قَدْ اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الْإِثْبَاتُ بِذَيْنِكَ الشَّاهِدَيْنِ وَالْحَالُ فِيهِمَا كَمَا شَرَحْتُهُ فَتَبَيَّنْ بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الِاتِّصَالَ كَلَا اتِّصَالٍ لِمَا ذَكَرْته مِنْ تَبْيِينِ كَوْنِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرَ مَقْبُولَيْنِ وَهَذَا لَا لَوْمَ عَلَيْهِ فِيهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَلَكِنْ يَتَبَيَّنُ بِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلِمَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ امْتِنَاعِ حُكْمِهِ وَإِثْبَاتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ.

نَظَرْت فِيمَا بِيَدِ الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدْت تَعْدِيَةً حَكَمَ فِيهَا شَرَفُ الدِّينِ هَذَا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَأَنَّ كِتَابَ الْوَقْفِ لَيْسَ هُنَاكَ كِتَابُ وَقْفٍ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ.

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لَكِنَّهُ عَدَمُ تَحْرِيرٍ وَإِنْ شَاحَحْنَا قُلْنَا إنَّ هَذَا كَلَامٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَلَا يُعْتَمَدُ وَأَمَّا حُكْمُهُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَصَادِرٌ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ مَصْدَرُ وَقَفَ يَقِفُ

ص: 161

وَهُوَ إنْشَاءٌ لِلْوَقْفِ وَهُوَ الْعَقْدُ الَّذِي سَمِعَهُ الشُّهُودُ مِنْ الْوَاقِفِ أَوْ يُقِرُّ بِهِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ وَثَبَتَ عِنْدَ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَحِيَازَتِهِ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوصَفُ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ وَهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ يُعْتَوَرَانِ عَلَيْهِ.

وَفِي هَذَا الْمَحْضَرِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ الْمَذْكُورِ، وَيُطْلَقُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَوْقُوفِ كَقَوْلِنَا هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ بَلْ هُوَ إمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا غَيْرُ وَقْفٍ فَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ حُكْمٍ بِالصِّحَّةِ، وَنَفَّذَ هَذِهِ الْبَعْدِيَّةَ مُسْتَنِيبُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالتَّوَاتُرِ الَّذِي حَصَلَ عِنْدِي الْعِلْمُ بِذَلِكَ وَمَرْسُومُ تَنْكُزُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ الْمُسْتَنِيبُ الْمَذْكُورُ وَلَا نُوَّابُهُ وَتَنْكُزُ كَانَ نَائِبَ سَلْطَنَةٍ عَظِيمًا يَدُهُ بَاسِطَةٌ وَكَلِمَتُهُ نَافِذَةٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الشَّحْنَاءُ بَيْنَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَهُ لِلنُّوَّابِ يَجِبُ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ بِدِمَشْقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اسْتِئْذَانُهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ وَأَمَّا مَنْعُهُ لِلْمُسْتَنِيبِ فَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يَجِبُ امْتِثَالُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَنَعَ مِنْ انْتِزَاعِ الْأَمْلَاكِ بِالْمَحَاضِرِ وَقَوَّى مَرْسُومَهُ بِذَلِكَ عَلَى سُدَّةِ الْمُؤَذِّنِينَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ لِلْقُضَاةِ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي تَارِيخِ الْمَرْسُومِ فَلَا يَكُونُ الْمَنْعُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْعَدَاوَةِ، ثُمَّ نَظَرْت فِي ذَلِكَ نَظَرًا آخَرَ يُغْنِي عَنْ التَّعَرُّضِ لِنَقْضِ حُكْمِ الْحُكَّامِ وَلِجَرْحِ الشُّهُودِ فَإِنِّي كُنْت وَصِيًّا عَلَى الْأَحْكَامِ فَوَجَدْتُ طَرَفًا مِنْهَا أَنَّ الْمَحْضَرَ الْمَذْكُورَ ظَهَرَ وَادَّعَى بِهِ الْبَائِعُونَ بَعْدَ بَيْعِهِمْ بِسِنِينَ فَهُمْ قَدْ بَاعُوا بِاخْتِيَارِهِمْ وَسَلَّمُوا الْمَكَانَ بِأَيْدِيهِمْ لِلْمُشْتَرِي وَثَبَتَ عِنْدَ الْحُكَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مُلْكُهُمْ وَحِيَازَتُهُمْ وَبَيْعُهُمْ، وَحَكَمَ الْحُكَّامُ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُمْ وَيَدُهُمْ وَمِلْكُهُمْ ثَلَاثَتُهَا ثَابِتَةٌ مَحْكُومٌ بِهَا وَيَدُ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ وُضِعَتْ بِحَقٍّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَرَضِيَ الْبَائِعُ الْمُسْلِمُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْوَقْفِيَّةِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَلَا يَحْكُمُ لَهُمْ الْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ وَلَا مُسْتَنِيبُهُ بِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا أَنَّهَا وَقْفٌ حِينَ الْبَيْعِ وَلَا قَالَ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوحِ

ص: 162

فِي الْمَحْضَرِ الَّذِي سَمَّاهُ هُوَ كِتَابُ الْوَقْفِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا النَّظَرُ فِي هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَهُمَا حُكْمُ تَمَلُّكِ الْبَائِعِينَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَحُكْمٌ بِوَقْفٍ عَلَى أَوْلَادِ مَحْمُودٍ وَبُورِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

هَلْ هُمْ هَؤُلَاءِ أَوْ لَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ كَانَ خَرَابًا مُعَطَّلًا حِينَ الْبَيْعِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةٍ إلَّا بَيْعَ غَيْرِهِ سَنَةَ حَرْبٍ وَتَعَطُّلٍ وَبِيعَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ وَعَادَ إلَيْهِمْ وَأَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِأَنَّهُ بِخَرَابِهِ وَتَعَطُّلِهِ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا ذَلِكَ رَأَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَبِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ نُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ لَهُمْ بِالْمِلْكِ وَالْحُكْمِ بِهَا مَعَ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْحُكْمِ بِهَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَرْفَعَ يَدَ الْيُونِينِيّ وَحُكْمَ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ شِرَائِهِ بِالشَّكِّ.

وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَّا تَسْوِيغًا لِلشَّهَادَةِ بِالِاحْتِمَالِ لَكِنَّا لَمْ نَعْلَمْ مُسْتَنَدَ الشُّهُودِ وَنَحْمِلُ الْأَمْرَ فِيهِمْ بِعَدَالَتِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا شَهَادَةً صَحِيحَةً جَازَ بِأَنَّهَا مُطَابِقَةٌ لِلْوَاقِعِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قُلْنَاهَا فَنُنْزِلُهُ عَلَيْهَا وَلَا نُنْزِلُهُ عَلَى التَّعَارُضِ الْمُقْتَضِي كَذِبَ أَحَدِ الْبَيِّنَتَيْنِ مَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُمَا عَلَى الصِّدْقِ وَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ لِثُبُوتِ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ وَضَبْطِهِمْ، وَمِنْ الطُّرُقِ أَيْضًا الَّتِي يَجُوزُ سُلُوكُهَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيْعِ وَالْيَدِ وَالْمِلْكِ هُوَ أَوَّلُ الْأَحْكَامِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَأَيْضًا ثُبُوتُ الْحَاكِمِ إذَا سَلِمَ عَنْ تِلْكَ الْقَوَادِحِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْوَقْفِ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ وَبَيِّنَةَ الْوَقْفِ يَتَعَارَضَانِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَذَكَرَ بَعْدَهُ.

مَسْأَلَةً عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ لَا تُخَالِفُهُ وَهِيَ رَجُلَانِ تَنَازَعَا حِصَّةً ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِلْكٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَالْآخَرُ أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَحَكَمَ الْحَاكِمُ لِمُدَّعِي الْمِلْكَ ثُمَّ نَازَعَهُ آخَرُ يَدَّعِي وَقْفَهَا فَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لَهُ وَأَقَامَ مُدَّعِي الْوَقْفِ بَيِّنَةً فَرَجَّحَ الْحَاكِمُ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، ثُمَّ نَازَعَهُ آخَرُ يَدَّعِي وَقْفَهَا وَأَقَامَ مُدَّعِي الْمِلْكِ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لَهُ وَتَقْدِيمِ جَانِبِهِ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ الَّذِي يَدَّعِيهِ قَضَى بِصِحَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ أَنَّهُ حَكَمَهُ عَلَى الْوَقْفِ قَالَ الشَّيْخُ

ص: 163

أَبُو إِسْحَاقَ يُقَدَّمُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالَفَةً لِتَعَارُضِ بَيِّنَتَيْ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ وَإِنَّمَا تَرْجِيحٌ بِالْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِهِ وَإِذَا ظَهَرَ تَعَارُضُ بَيِّنَتَيْ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ الْمُعَارِضَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا أَثَرَ لَهَا لِقُوَّةِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى بِالْحُكْمِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكُونُ قِيَامُهَا بَعْدَ الْحُكْمِ كَقِيَامِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَالْحُكْمُ بِالْمِلْكِ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْ الْيَدِ وَالْبَيْعِ وَصِحَّةِ يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي بَطَلَ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ لِمُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ الْوَقْفِ وَتَسَاقَطَا كَسَائِرِ صُوَرِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَبْقَى الْيَدُ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ وَهِيَ وَحْدَهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَيُسَوَّغُ الْبَيْعُ فَالْحُكْمُ بِهِمَا لَا مُوجِبَ لِنَقْضِهِ فَيَسْتَمِرُّ فَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَمِنْ الطُّرُقِ أَيْضًا الَّتِي يَجُوزُ سُلُوكُهَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ يُعَارِضُ الْحُكْمَ بِالْوَقْفِ وَيُعَارِضُ الْحُكْمَيْنِ لِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَنَا بَعْدَ هَذَا بَحْثَانِ أَحَدُهُمَا يُقَدَّمُ السَّابِقُ وَالسَّابِقُ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ.

وَالثَّانِي أَنْ نَجْعَلَهُمَا سَوَاءً وَيَتَسَاقَطَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِمِلْكٍ وَلَا وَقْفٍ وَتَبْقَى الْيَدُ وَالْبَيْعُ بِحَالِهِمَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِهِمَا وَالْيَدُ كَافِيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ أَزَالُوهَا بِاخْتِيَارِهِمْ وَبَاعُوهَا بِاخْتِيَارِهِمْ وَأَثْبَتُوا يَدَ الْمُشْتَرِي.

وَأَقَامُوهَا مَقَامَ أَيْدِيهِمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَتَسْتَمِرُّ يَدُ الْمُشْتَرِي الَّتِي أَقَامُوهَا مَقَامَ يَدِهِمْ.

وَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا أَخِيرًا تَكْفِي فِي الْحُكْمِ لِأَوْلَادِ الْيُونِينِيّ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَالْأُولَى مِنْ الثَّلَاثَةِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْإِبْطَالِ وَالثَّالِثَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْضٌ مُعَيَّنٌ فَفِيهَا التَّسَاقُطُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِبْطَالِ فَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثَةِ هِيَ أَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ مَعَ الْحُكَّامِ وَالشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ.

وَنَظَرْت فِي كُلٍّ مِنْ إسْجَالَيْ شَرَفِ الدِّينِ وَمُسْتَنِيبِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ تَعَرُّضًا لِذِكْرِ الْبَيْعِ وَدَفْعِهِ وَالْأَلَمِ بِهِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُعَارِضِ وَيَدْفَعْهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ فَلَوْ وَجَدْنَا الْمُعَارِضَ عِنْدَهُ لَمْ نَحْكُمْ وَلَوْ تَجَدَّدَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ لَرَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ.

ثُمَّ نَظَرْت فِي الْحُكْمِ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَى مِشَدِّ الْأَوْقَافِ لِيَصْرِفَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَمْ يَذْكُرْ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي الَّذِينَ هُمْ مُنَازَعُونَ الْآنَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ

ص: 164

أَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ أُولَئِكَ وَأَنَّ أُولَئِكَ مُسْتَحِقُّو الْوَقْفَ وَأَنَّ ذُرِّيَّتَهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لَمْ يَحْكُمْ لَهُمْ الْحَنْبَلِيُّ وَلَا مُسْتَنِيبُهُ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْحُكَّامِ بِشَيْءٍ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَالْحُكْمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى مِشَدِّ الْأَوْقَافِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ الْمُسْتَحِقِّينَ إنْ صَحَّحْنَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ إذَا ذَكَرُوا الشُّرُوطَ فِي الْوَقْفِ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَا تَثْبُتُ الشُّرُوطُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ وَيَصْرِفُهُ الْقَاضِي فِي وُجُوهِ الْبِرِّ فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ حُكْمُ هَذَا الْحَاكِمِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ بِشَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمُعَيَّنٍ أَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هَاهُنَا فَغَايَةُ حُكْمِ هَذَا الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ لِوُجُوهِ الْبِرِّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ التَّعَصُّبِ عَلَيْهِمْ عَلِمْت ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالتَّوَاتُرِ وَالْبَيِّنَةُ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ وَالتَّوَاتُرُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْحُكْمَ بِهِ كَانَ سَبَبًا آخَرَ مَعَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُجَوَّزْ كَانَ مُؤَكَّدًا وَلِأَنَّهُمْ بَيْتُ عِلْمٍ وَدِيَانَةٍ وَأَخَذُوا الْمَكَانَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ وَهُوَ خَرَابٌ دَاثِرٌ وَعَمَّرُوا فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا وَجَاءَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ: إنَّهُمْ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي اسْتَوْلَوْا عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لَهُ فَلَيْتَ شِعْرِي تِلْكَ الْأَعْيَانُ الَّتِي أَحْدَثَهَا الْيُونِينِيّ كَيْفَ تُسَلَّمُ لِهَؤُلَاءِ وَقَدْ تَسَلَّمُوهَا وَلَهَا فِي أَيْدِيهمْ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَرُدَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا فَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا زِيَادَةٌ فِي الظُّلْمِ وَلَا أَدْرِي مَنْ سَلَّمَهَا لَهُمْ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي سَلَّمَهَا لَهُمْ ابْنُ مَعْبِدٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِشَدَّ الْأَوْقَافِ ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ أَقْوَى الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى ابْنِ الْيُونِينِيّ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَسَلَّمَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَكَّنَهُمْ مِنْهَا بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا.

وَفَصْلُ الْمَقَالِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ إنَّ أَوْلَادَ الْيُونِينِيّ مَحْكُومٌ لَهُمْ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَحْكُمْ أَحَدٌ لَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْتَنَدٌ لِوَضْعِ يَدِهِمْ.

ثُمَّ نَظَرْت فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ بِرَفْعِ يَدِ الْيُونِينِيّ فَأَحْسَنُ مَحَامِلِهِ إذَا أَحْسَنَّا الظَّنَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ وَقْفًا مُطْلَقًا لَا يَخْتَصُّ وَنَزَعَهُ مِنْ يَدِ اخْتِصَاصِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ دَوَامُ النَّزْعِ فَلِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَصْرِفَهُ لَهُ هَذَا نِهَايَةُ التَّحَيُّلِ فِي تَحْسِينِ الظَّنِّ وَإِلَّا فَقَدْ قَرَّرْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْكُرَّاسَةِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

ثُمَّ نَظَرْت فِي تَنْفِيذِ الْمُسْتَنِيبِ

ص: 165

وَتَنْفِيذِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ فَرَأَيْتهمَا اقْتَصَرَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّنْفِيذِ، وَالتَّنْفِيذُ لَيْسَ حُكْمًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا هُوَ بِنًى عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ حُكْمَهُ.

ثُمَّ نَظَرْت فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ الْيُونِينِيّ لَا دَافِعَ لَهُ وَهَذَا إنْ كَانَ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِعَدَمِ الدَّافِعِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الْيُونِينِيّ كَانَ قَدْ حَصَلَ عَلَيْهِ تَعَصُّبٌ عَظِيمٌ وَظُلْمٌ كَثِيرٌ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ فِي التَّرْسِيمِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ لُزُومُ حُكْمِ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُبْدُوا دَافِعًا وَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةٌ وَلَا غَائِبَةٌ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً سُمِعَتْ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ الدَّافِعِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِعَدَمِ الدَّافِعِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ عَلَى مَنْ أَبْدَى دَافِعًا وَبَانَ لِلْحَاكِمِ بُطْلَانُهُ فَنَحْكُمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الدَّافِعِ الْمُعَيَّنِ أَوْ عَلَى مَنْ يَكُونُ طُلِبَ مِنْهُ دَافِعٌ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ عَنْ وَقْتِهِ وَأَمَّا شَخْصٌ يُرَسَّمُ عَلَيْهِ مَقْهُورٌ لَهُ دَوَافِعُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ دَافِعِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ.

ثُمَّ تَمَهَّلْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً وَأَنَا أَنْظُرُ وَأُرَاجِعُ مَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَمَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَثَبَتَ عِنْدِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالتَّوَاتُرِ مَا حَصَلَ عَلَى تَقِيِّ الدِّينِ الْيُونِينِيّ مِنْ التَّعَصُّبِ وَالظُّلْمِ وَالْقُوَّةِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ بِمَنْ تَعْجِزُ عَنْهُ قُدْرَتُهُ وَأَنَّ هَذَا الْمَكَانَ أُخِذَ مِنْهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا بَعْدَ أَنْ عَمَّرَ فِيهِ بِأَعْيَانِ أَمْوَالِهِ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِ وَعِمَارَتُهُ بِعَيْنِهَا وَاسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ عَلَى الْجَمِيعِ بَغْيًا وَعُدْوَانًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ غَيْرَ اللَّهِ، وَغَيَّرُوا الْخَوَاطِرَ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ إلَى دِمَشْقَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَلَبَاتِ الرِّجَالِ، مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَصُورَتِهِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَثَبَتَ وَاتَّضَحَ وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَمَرَنَا بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ الْمَذْكُورُونَ إلَيَّ، وَحَضَرُوا عِنْدِي وَعِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْمُقِرُّ السَّيْفِيُّ ايتمش مرات، وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ وَذَكَرْت لَهُ قَالَ لِي اُحْكُمْ فَحَكَمْت بِرَفْعِ أَوْلَادِ مَحْمُودٍ وَبُورِي وَإِثْبَاتِ

ص: 166

يَدِ أَوْلَادِ الْيُونِينِيّ وَلَمْ أَتَعَرَّضَ لِنَقْضِ حُكْمٍ بَلْ جَعَلْت حُكْمِي بِذَلِكَ مُرْسَلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ؛ لِأَنَّ حُكْمِي لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّقْضُ وَلَا عَدَمُهُ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى جَمِيعِ الطُّرُقِ الْمَفْرُوضَةِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فَلَزِمَ مِنْ بُطْلَانِهِ صِحَّةُ حُكْمِي وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ بُطْلَانُ حُكْمِي وَحَكَمْت بِذَلِكَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَجَمِيعُ الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يُحْتَاجُ شَرْحُهَا مَشْرُوحَةٌ فِي الْأَسْجَالِ وَأَمَّا الْعَدَاوَةُ وَالتَّعَصُّبُ قَامَتْ بِالْبَيِّنَاتِ قَطْعًا وَبِالتَّوَاتُرِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْحُكْمِ بِهِ أَوْ تَأْكِيدًا وَذَكَرَ أَسْبَابَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَوَّلُ مَنْ أَخْبَرَنِي بِهَا فَخْرُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ وَحَكَى لِي سَبَبَهَا فَكَشَفْته فَوَجَدْته فِي تَارِيخِ عَلَمِ الدِّينِ البرزلي وَشَمْسِ الدِّينِ الذَّهَبِيِّ أَعْنِي السَّبَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَا لِلْعَدَاوَةِ وَمَا طَلَبْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ تَنْكُزَ الْوُثُوقَ بِهِمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ بَعْلَبَكَّ وَدِمَشْقَ مِنْ أُمَرَاءَ وَأَجْنَادٍ وَرُؤَسَاءَ وَعُدُولٍ حَتَّى اسْتَوْضَحْتُ مِنْهُمْ وَسَأَلْتُهُمْ إلَى أَنْ حَصَلَ عِنْدِي الْعِلْمُ بِصُورَةِ الْحَالِ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ اجْتِهَادِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِبَوَاطِنِ الْأُمُورِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ سَيِّدِ الْبَشَرِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ انْتَهَى مَا وُجِدَ بِخَطِّهِ رحمه الله.

(مَسْأَلَةٌ مِنْ صَفَدٍ) وُقِفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى الْفَرِيضَةِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَا عَنْ أَوْلَادٍ وَانْحَصَرَ نَسْلُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي ابْنِ ابْنِهِ وَبِنْتَيْ ابْنِ بِنْتِهِ وَأَوْلَادِ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِهِ وَابْنِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِهِ وَابْنِ ابْنِ بِنْتِ بِنْتِهِ فَهَلْ يَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ فِي الْوَقْفِ أَوْ يَحْجُبُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَإِذَا اشْتَرَكُوا ثُمَّ مَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ هَلْ يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى إلَى وَلَدِهِ مَعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ أَوْ إلَى أَهْلِ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى أَوْ يَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ الَّذِينَ انْحَصَرَ ذِكْرُهُمْ فِي جَمِيعِ

ص: 167

الْوَقْفِ وَفِي ذَلِكَ النَّصِيبِ.

(الْجَوَابُ) يَسْتَحِقُّ ابْنُ ابْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ، وَبِنْتَا ابْنِ بِنْتِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِمَا، وَابْنُ بِنْتِ بِنْتِهِ نَصِيبَ أُمِّهِ وَأَمَّا أَوْلَادُ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِهِ وَابْنِ ابْنِ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِهِ فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهُمْ أَحْيَاءً لَمْ يَسْتَحِقُّوا وَإِلَّا اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْهُمْ نَصِيبَ أَصْلِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُهَا لَا فِي الشَّامِ وَلَا فِي مِصْرَ وَرُبَّمَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلتَّرْتِيبِ وَقَدْ صَنَّفْت فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا لَطِيفًا بَيَّنْت فِيهِ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ سَمَّيْته (الْمَبَاحِثَ الْمُشْرِقَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَى طَبَقَةٍ بَعْدَ طَبَقَةٍ) ثُمَّ بَيَّنْت أَنَّ مَعْنَى التَّرْتِيبِ فِيهِ أَنَّهُ مُرَتَّبٌ كُلُّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي " تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى " أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي " ثُمَّ " كَذَلِكَ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِنُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ كَمَا فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى فَيُعْمَلُ بِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَالتَّصْنِيفُ الَّذِي كَتَبْته فِي طَبَقَةٍ بَعْدَ طَبَقَةٍ مَوْجُودٌ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيَنْظُرْهُ وَهُوَ تَصْنِيفَانِ أَحَدُهُمَا نَقُولُ سَمَّيْته (الْمَبَاحِثَ وَالنُّقُولَ الْمُشْرِقَةَ) وَالْآخَرُ سَمَّيْته (الْمَبَاحِثَ الْمُشْرِقَةَ) ثُمَّ جَمَعْتُهُمَا لَمَّا وَرَدَ هَذَا السُّؤَالُ فِي وَاحِدٍ سَمَّيْته (الطَّوَالِعَ الْمُشْرِقَةَ) ذَكَرْت فِيهِ بَعْضَ مَا فِيهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَنْفَعُنَا بِذَلِكَ وَيَسْلُكُ بِنَا أَفْضَلَ الْمَسَالِكِ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: سَأَلْت عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ وَقْفٌ فَإِذَا تُوُفِّيَ عَادَ وَقْفًا عَلَى وَلَدَيْهِ أَحْمَدَ وَعَبْدِ الْقَادِرِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ يَجْرِي نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمِنْ أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ

ص: 168

ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ وَيَسْتَوِي الْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَتَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ أَوْ الْأَسْفَلُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَتُوُفِّيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى وَلَدَيْهِ أَحْمَدَ وَعَبْدِ الْقَادِرِ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ الْقَادِرِ وَتَرَكَ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَةَ وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَلَطِيفَةُ وَوَلَدَيْ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ وَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ ثُمَّ تُوُفِّيَ عُمَرُ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ لَطِيفَةُ وَتَرَكَتْ بِنْتًا تُسَمَّى فَاطِمَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَتَرَكَ بِنْتًا تُسَمَّى زَيْنَبَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ لَطِيفَةَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَإِلَى مَنْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورَةِ.

(الْجَوَابُ) بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الَّذِي ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّ نَصِيبَ عَبْدِ الْقَادِرِ جَمِيعَهُ يُقَسَّمُ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى سِتِّينَ جُزْءًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ جُزْءًا وَلِمَلَكَةَ أَحَدَ عَشَرَ وَلِزَيْنَبِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الْحُكْمُ فِي أَعْقَابِهِمْ بَلْ كُلُّ وَقْتٍ بِحَسَبِهِ وَلَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي فِي ذَلِكَ بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ رَابِعِ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَذَكَرَ السَّائِلُ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ هَذَا الْجَوَابُ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ يَنْظُرُ فِيهِ أَيَّامًا.

فَكَتَبْت بَيَانَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْقَادِرِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَلَطِيفَةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَلِيٍّ خُمُسَاهُ وَلِعُمَرَ خُمُسَاهُ وَلِلَطِيفَةَ خُمُسُهُ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُشَارِكُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ وَلَدَا مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَنَزَلَا مَنْزِلَةَ أَبِيهِمَا فَيَكُونُ لَهُمَا السُّبُعَانِ مِنْ نَصِيبِ جَدِّهِمَا وَلِعَلِيٍّ السُّبُعَانِ وَلِعُمَرَ السُّبُعَانِ وَلِلَطِيفَةَ السُّبُعُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَهُوَ مَرْجُوحٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِي مَأْخَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يُحْرَمَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ إذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ لَا تُعْتَبَرُ.

ص: 169

(الثَّانِي) إدْخَالُهُمْ فِي الْحُكْمِ وَجَعْلُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعِهِ لَا بَيْنَ الطَّبَقَتَيْنِ جَمِيعًا وَهَذَا يُحْتَمَلُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ كُنْت مَرَّةً مِلْت إلَيْهِ فِي وَقْفِ الطُّنُبَا لِلَفْظٍ اقْتَضَاهُ فِيهِ لَسْت أَعُمُّهُ فِي كُلِّ تَرْتِيبٍ.

(الثَّالِثُ) الْإِسْنَادُ إلَى قَوْلِ الْوَاقِفِ " إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ " وَهَذَا قَوِيٌّ لَوْ تَمَّ وَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ صَدَقَ عَلَى الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي الشَّامِ قَبْلَ التِّسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَطَلَبُوا فِيهَا نَقْلًا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَرْسَلُوا إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُونَ عَنْهَا وَلَا أَدْرِي مَا أَجَابُوهُمْ لَكِنِّي رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا وُقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ إلَى أَوْلَادِهِ وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ انْتَقَلَ إلَى الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ آخَرُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْقَادِرِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا مَرَاتِبَ وَلْنُبَيِّنْهَا بِالْمِثَالِ فَنَقُولُ إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَهَذِهِ خَمْسُ مَرَاتِبَ

(إحْدَاهَا) زَيْدٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلُ الْوَقْفِ فِي الْأَوَّلِ هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ.

(الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) عَمْرٌو هَلْ نَقُولُ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ أَوْ لَا يَصِيرُ مَوْقُوفًا إلَّا بَعْدَ زَيْدٍ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ وَلَسْت أَقُولُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي إنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ مُعَلَّقٌ عَلَى انْقِرَاضِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَخَيَّلُ ذَلِكَ بَعْضُ الضَّعَفَةِ وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ بِذَلِكَ حَذَرًا مِنْ تَعْلِيقِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُعَلَّقُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مُنْجَزًا فَأَقُولُ إنَّ الْوَقْفَ مُنْجَزًا لَا عَلَى كُلِّ الطَّبَقَاتِ، وَإِنْشَاءُ الْوَقْفِ عَلَى جَمِيعِهَا حَصَلَ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ عِنْدِي فِي مُتَعَلِّقِ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ الطَّبَقَةُ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا فَالطَّبَقَةُ الْأُولَى لَا تَرَدُّدَ فِي تَنْجِيزِ الْوَقْفِ فِيهَا الْآنَ وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إذَا انْقَرَضَ مِنْ قَبْلِهِ وَهَذَا يُشْبِهُ بَحْثَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمَأْمُورِ حَتَّى يَصِيرَ مَأْمُورًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَأْمُورًا مِنْ الْأَوَّلِ

ص: 170

وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُوقِفُ صَيْرُورَتَهُ مَأْمُورًا عَلَى وُجُودِهِ وَشُرُوطٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ إنْشَاءُ الْأَمْرِ مُتَقَدِّمًا.

(الْبَحْثُ الثَّانِي فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ) الْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيقِ يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ وَعِنْدَ الصِّفَةِ يُقَدَّرُ إنْشَاؤُهُ يُجْعَلُ كَالنَّازِلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّ التَّعْلِيقَ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ الْعِلَّةُ فَيُؤْثَرُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا نَقُولُ فِي الْوَقْفِ بَلْ أَوْلَى وَلَعَلَّ خِلَافَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَأْتِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ عُمْرًا لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقَالَ بِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ هُوَ الْمُسْتَقِرُّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا» فَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ مِنْ شَرْطِ صِدْقِ اسْمِ أَهْلِ الْوَقْفِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَنَقُولُ فِي عَمْرٍو إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ قَصَدَهُ الْوَاقِفُ بِخُصُوصِهِ وَسَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ وَلَنَا غَرَضٌ فِي ذَلِكَ نُقَدِّمُهُ عَلَى لَفْظِ الْأَوْلَادِ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إجْرَائِنَا هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ هُنَا إجْرَاؤُهُمَا فِي الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَوْلُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ مِنْ شَيْءٍ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَوْلَادُهُ وَمُرَادُنَا أَوْلَادُ عَمْرٍو؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ عَمْرٍو أَنَّ عَمْرًا مُعَيَّنٌ وَالْأَوْلَادُ جِهَةٌ كَالْفُقَرَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي الْجِهَةِ وَكَوْنُهَا مَوْقُوفًا عَلَيْهَا الْآنَ أَوْ لَا يَصِيرُ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضٍ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي عَمْرٍو مَعَ زَيْدٍ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ بِعَيْنِهِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لَا الْآنَ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ وَيَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا الدُّخُولُ وَالِاتِّصَافُ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِهِ الْآنَ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْمُعَيَّنِ لِقِيَامِ الْفَرْقِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَلِذَلِكَ أَجْزِمُ أَوْ أَكَادُ أَجْزِمُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ مِنْهُمْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إلَّا إذَا حَصَلَ شَرْطُ اسْتِحْقَاقٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ أَهْلِ الْوَقْفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْوَاحِدَ

ص: 171

مِنْ الْأَوْلَادِ فِي مِثَالِنَا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَا أَرَى أَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقْصِدْهُ بِعَيْنِهِ وَعَمْرٌو قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا اخْتَرْته وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى مَا قَدَّمْته وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَهْلَ أَخَصُّ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ.

إذَا عُرِفَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْقَادِرِ وَالِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَصْلًا وَلَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اسْمِهِ فَاضْبُطْ هَذَا فَإِنَّهُ الْمَحَزُّ الَّذِي ابْتَنَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفَرِّغْ ذِهْنَك لِمَا أَلْقَيْته إلَيْك وَلِمَا أُلْقِيهِ لَك.

(الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ) أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ الْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ لَكِنْ فِيهَا شَيْءٌ زَائِدٌ وَهُوَ أَنَّ عَمْرًا قَدْ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ تُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي النَّظَرِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دُخُولَ لَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ فِي الْوَقْفِ الْمُنْتَقِلِ مِنْ وَالِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حِينَئِذٍ وَلَكِنْ لَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ ظَهَرَ لَهُ فَائِدَةٌ فِيهَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ بَعْدَ عَمْرٍو إلَى أَوْلَادِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَوْلَادَهُ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ وَفَاتِهِ وَيَكُونُ أَطْلَقَ الْعَامَّ وَأَرَادَ الْخَاصَّ أَوْ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ لَا يُسَمَّى وَلَدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَا وَجْهَ عِنْدَ إرَادَتِهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ كُلَّهُمْ الْمَوْجُودِينَ وَاَلَّذِي مَاتَ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ مِنْ دُخُولِ الْمَيِّتِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ إخْرَاجَهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ إرَادَةِ الْوَاقِفِ وَإِخْرَاجَهُ فِي الثَّانِي مِنْ الشَّارِعِ وَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَنَا هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ إنَّمَا يُرَادُ مِنْهَا ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا ذَلِكَ مِمَّنْ يُقْصَدُ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهَذَا مُطْرَدٌ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَخِطَابِ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَوْلَادِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَيَصِحُّ قَصْدُهُمْ وَلَمْ يَمْنَعْ الشَّرْعُ مِنْ دُخُولِهِمْ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ فِيهِمْ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ قُلْنَا لَا مَانِعَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْمَيِّتُ وَيَسْتَحِقَّ وَلَدُهُ فَهَذَا

ص: 172

لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ.

وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْعَهْدَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومِ وَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ وَهَا هُنَا مَعْهُودٌ وَهُمْ أَوْلَادُ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ الَّذِينَ انْحَصَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمْ قَصْدًا وَشَرْعًا.

قُلْنَا الْعَهْدُ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ أَمَّا فِي الْمُضَافِ فَمَمْنُوعٌ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِعَادَتُهُ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ إضْمَارٍ يُشْعِرُ بِالْمُغَايَرَةِ وَاضْبُطْ هَذَا الْبَحْثَ فَإِنَّهُ مُجْزٍ فِي مَسْأَلَتِنَا الَّتِي أَفْتَيْنَا فِيهَا فِي دُخُولِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ.

(الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ) أَوْلَادُهُمْ بِالضَّمِيرِ فَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالِاخْتِصَاصِ فِيهِ بِأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهِمْ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَيْهِمْ وَهُوَ قَوِيٌّ هَاهُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالضَّمِيرِ الْأَوْلَادُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ كَالْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ، إلَّا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَقْوَى.

فَانْظُرْ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْخَمْسَ وَمَيِّزْ بَيْنَهَا وَإِذَا ضَبَطَتْهَا وَوَافَقْت عَلَيْهَا فَاشْكُرْ رَبَّك وَادْعُ لِمَنْ أَفَادَك بِهَا.

وَهَذَا تَمَامُ مَا أَرَدْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ وَهُوَ أَحَدُ الْأُمُورِ الَّتِي اُبْتُنِيَ عَلَيْهَا الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَاهُ يُبَيِّنُ أَنَّ عِنْدَ مَوْتِ عَبْدِ الْقَادِرِ يُقَسَّمُ نَصِيبُهُ أَخْمَاسًا عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ إدْخَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ مَعَهُمْ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا اتِّجَاهَ لَهُ إلَّا عَلَى احْتِمَالٍ بَعِيدٍ فِي الْمُعَيَّنِ، وَإِجْرَاءُ حُكْمِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ يُشْبِهُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ وَيُوقِفُهُ عَلَى شَرْطٍ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ فَتَخَصَّصَتْ عِلَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَخْصِيصُ الْعِلَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فَمَا أَفْضَى إلَيْهِ يَكُونُ مَرْجُوحًا، وَمِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَبُوهُ جَرَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ فَيَنْتَقِلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَى أَوْلَادِهِ، وَهَذَا قَدْ كُنْت فِي وَقْتٍ أَبْحَثُهُ ثُمَّ رَجَعْت عَنْهُ.

فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي قَبِلَهَا كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ وَلَكِنَّ الْوَاقِفَ قَدْ قَالَ هُنَا إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ فَقَدْ سَمَّاهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ أَهْلَ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْوَقْفُ قَبْلَ مُحَمَّدٍ وَالِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَحِقَّانِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَرْجِعُ فِي الْأَوْقَافِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ وَاقِفِهَا، سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ

ص: 173

عُرْفَ الْفُقَهَاءِ أَمْ لَا.

قُلْت: وَلَا نُسَلِّمُ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ هَذَا الْكَلَامَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا صَارَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَيَتَرَقَّبُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ آخَرَ فَيَمُوتُ قَبْلَهُ فَنَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ وَلَدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوْ الْبَطْنَ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ أَعْنِي أَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَدْ يَتَأَخَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِهَذِهِ كَقَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا فَيَمُوتُ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَإِلَى الْآنَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا إمَّا لِعَدَمِهَا أَوْ لِعَدَمِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمُضِيِّ زَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقُومُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ حَتَّى لَا يَشْتَرِطَ مُضِيَّ مُدَّةٍ أُخْرَى لِوَالِدِهِ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ، وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ بَلْ يُعْتَدُّ بِهِ لَهُ بِنَاءً عَلَى مُدَّةِ أَبِيهِ فَقَدْ ظَهَرَ إمْكَانُ حَمْلِ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَكَلَامَ الْفُقَهَاءِ وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ.

فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا الْكَاتِبُ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ.

قُلْت: لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بَلْ كُلُّ لَفْظَةٍ نَجِدُهَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إلْغَائِهَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا هَذَا حُكْمُ هَذَا الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَوُجُودِ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَيَصِيرُ نَصِيبُ عَبْدِ الْقَادِرِ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِعَلِيٍّ الثُّلُثَانِ وَلِأُخْتِهِ لَطِيفَةَ الثُّلُثُ وَيَسْتَمِرُّ حِرْمَانُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ عَلَى حَالِهِ إلَى الْآنَ، فَلَمَّا مَاتَتْ لَطِيفَةُ انْتَقَلَ نَصِيبُهَا وَهُوَ الثُّلُثُ إلَى ابْنَتِهَا فَاطِمَةَ وَإِلَى الْآنَ لَمْ يَنْتَقِلْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ شَيْءٌ لِوُجُودِ أَوْلَادِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَهُمْ يَحْجُبُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادٌ وَقَدْ قَدَّمَهُمْ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ مِنْهُمْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَهُوَ أَخُو أَوْلَادِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَخَلَّفَ بِنْتَه زَيْنَبَ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ نَصِيبُهُ كُلُّهُ وَهُوَ ثُلُثَا نَصِيبِ عَبْدِ الْقَادِرِ لَبِنْتِهِ زَيْنَبَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَتَبْقَى هِيَ وَبِنْتُ

ص: 174

عَمَّتِهَا مُسْتَوْعِبَتَيْنِ لِنَصِيبِ جَدِّهِمَا لِزَيْنَبِ ثُلُثَاهُ وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمَّتِهَا ثُلُثُهُ.

وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَصِيبَ عَبْدِ الْقَادِرِ لَبِنْتِهِ زَيْنَبَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ لِجَمِيعِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ اسْتِحْقَاقًا بَعْدَ الْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا حَجَبْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ وَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِالْأَوْلَادِ فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ زَالَ الْحَجْبُ فَيَسْتَحِقَّانِ وَيَزَالُ نَصِيبُ عَبْدِ الْقَادِرِ بَيْنَ جَمِيعِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَلَا يَحْصُلُ لِزَيْنَبِ جَمِيعُ نَصِيبِ أَبِيهَا بَلْ بَعْضُهُ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ بَعْضُهُ فَقَطْ بَلْ بَعْضُ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ مِنْهُ وَمِنْ إخْوَتِهِ وَيَنْقُصُ مَا كَانَ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ لَطِيفَةَ عَمَّا كَانَ وَهَذَا أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النُّزُولُ الْحَادِثُ بِانْقِرَاضِ لَطِيفَةِ الْأَوْلَادِ، الْمُسْتَفَادُ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بَعْدَهُمْ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ قَوْلِهِ إنَّ مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَصِيبَ عَلِيٍّ لِبِنْتِهِ زَيْنَبَ وَاسْتِمْرَارَ نَصِيبِ لَطِيفَةَ لِبِنْتِهَا فَاطِمَةَ فَخَالَفْنَاهُ بِهَذَا الْعَمَلِ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَوْ لَمْ نُخَالِفْ ذَلِكَ لَزِمَنَا مُخَالَفَةُ قَوْلِ الْوَاقِفِ إنَّ بَعْدَ الْأَوْلَادِ يَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَهَذَانِ الظَّاهِرَانِ تَعَارَضَا وَهُوَ تَعَارُضٌ قَوِيٌّ لَيْسَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُجْزٍ أَصْعَبُ مِنْهُ وَلَيْسَ التَّرْجِيحُ فِيهِ بِالْهَيِّنِ بَلْ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الْفَقِيهِ، وَخَطَرَ لِي فِيهِ طُرُقٌ:

(مِنْهَا) أَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ جَمِيعِهِمْ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُتَأَخِّرًا فَالْعَمَلُ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُقَالَ الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى.

(وَمِنْهَا) أَنَّ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ أَصْلٌ وَذِكْرَ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْوَالِدِ إلَى وَلَدِهِ فَرْعٌ وَتَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْأَصْلِ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى.

(وَمِنْهَا) أَنَّ " مَنْ " صِيغَةٌ عَامَّةٌ فِي الْأَفْرَادِ وَفِي الْمَجْمُوعِ فَقَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَالِحٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَلِمَجْمُوعِهِمْ وَإِذَا أُرِيدَ مَجْمُوعُهُمْ كَانَ انْتِقَالُ نَصِيبِ مَجْمُوعِهِمْ إلَى مَحْمُودٍ أَوَّلًا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذَا الشَّرْطِ فَكَانَ إعْمَالًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَعَ إعْمَالِ الْأَوَّلِ وَإِذَا لَمْ نَعْمَلْ بِذَلِكَ كَانَ إلْغَاءً لِلْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ أَكْثَرِ الْوُجُوهِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَإِنَّمَا قُلْت أَكْثَرُ الْوُجُوهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَأْتِيَ حَالَةٌ يَحْصُلُ لَهُمْ اسْتِحْقَاقٌ فَإِنَّا لَا نَجْزِمُ بِالْحِرْمَانِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.

(وَمِنْهَا) إذَا تَعَارَضَ الْأَمْرُ بَيْنَ إعْطَاءِ

ص: 175

الذُّرِّيَّةِ وَحِرْمَانِهِمْ تَعَارُضًا لَا تَرْجِيحَ فِيهِ فَالْإِعْطَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِينَ.

(وَمِنْهَا) أَنَّ زَيْنَبَ لَمْ تُحْرَمْ عَنْ نَصِيبِ أُمِّهَا كُلِّهِ بَلْ بَعْضِهِ وَكَذَا فَاطِمَةُ فَكَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ.

(وَمِنْهَا) أَنْ نَقُولَ اسْتِحْقَاقُ زَيْنَبَ لِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهَا إذَا شَرَّكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مُحَقَّقٌ وَكَذَا فَاطِمَةُ وَالزَّائِدُ عَلَى الْمُحَقَّقِ فِي حَقِّهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ وَمَشْكُوكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَرْجِيحٌ فِي التَّعَارُضِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لَكِنَّ قِيمَةَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ خَاصَّةٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ تَقْتَضِي زِيَادَةَ زَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ وَعَمَلًا بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِلشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ صَرْفُهُ إلَى مَلَكَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْلَى وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ، وَلِهَذَا قُلْت لَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي فِيهِ بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ وَمَيْلِهِ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْته فَيُقَسِّمُ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ وَهَلْ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ خُمُسَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِنَاثِ خُمُسُهُ نَظَرًا إلَيْهِمْ دُونَ أُصُولِهِمْ أَوْ نَنْظُرُ إلَى أُصُولِهِمْ فَنُقَسِّمُهُ بِحَسَبِهِمْ وَنَقُولُ يَنْزِلُونَ مَنْزِلَةَ أُصُولِهِمْ لَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ وَأُصُولُهُمْ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِمْ وَوَالِدَةِ زَيْنَبَ وَوَالِدَةِ فَاطِمَةَ فَيَكُونُ لِفَاطِمَةَ خُمُسُهُ وَلِزَيْنَبِ خُمُسَاهُ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ خُمُسَاهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَأَنَا إلَى الثَّانِي أَمِيلُ حَتَّى لَا يَفْصِلَ فَخُذْ فِي الْمِقْدَارِ بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَيْسَ مُنَاقِضًا لِمَا تَقَدَّمَ فَاعْتَقَدْته وَبَنَيْت كَلَامِي فِي هَذِهِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَالْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ زَيْنَبُ بِنْتُ خَالِهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ وَلَدَا عَمِّهَا وَكُلُّهُمْ فِي دَرَجَتِهَا فَوَجَبَ قِسْمَةُ نَصِيبِهَا بَيْنَهُمْ بِمُقْتَضَى قَوْلِ الْوَاقِفِ إنَّهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ نِصْفُهُ وَلِمَلَكَةَ رُبُعُهُ وَلِزَيْنَبِ رُبُعُهُ وَلَا نَقُولُ هُنَا يَنْظُرُ إلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مُسَاوِيهِمْ وَمَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِمْ فَكَانَ اعْتِبَارُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَوْلَى فَاجْتَمَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ الْخُمُسَانِ حَصَلَا لَهُمَا بِمَوْتِ عَلِيٍّ وَنِصْفُ وَرُبُعُ الْخُمُسِ الَّذِي لِفَاطِمَةَ بَيْنَهُمَا بِالْفَرِيضَةِ فَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسٍ وَثُلُثُ خُمُسٍ وَلِمَلَكَةَ ثُلُثَا خُمُسٍ وَرُبُعُ خُمُسٍ وَاجْتَمَعَ لِزَيْنَبِ الْخُمُسَانِ اللَّذَانِ حَصَلَا

ص: 176

لَهَا عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهَا وَرُبُعُ الْخُمُسِ الَّذِي لِفَاطِمَةَ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهَا بِمَوْتِهَا فَيَكُونُ لَهُمَا الْخُمُسَانِ وَرُبُعُ الْخُمُسِ فَاحْتَجْنَا إلَى عَدَدٍ لَهُ خُمُسٌ وَلِخُمُسِهِ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ وَهُوَ سِتُّونَ فَقَسَّمْنَا نَصِيبَ عَبْدِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ لِزَيْنَبِ خُمُسَاهُ وَرُبُعُ خُمُسِهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ الْخُمُسَانِ مِنْهُ وَنِصْفُ الْخُمُسِ وَرُبُعُ الْخُمُسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَهِيَ خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسٍ وَثُلُثُ خُمُسٍ وَلِمَلَكَةَ أَحَدَ عَشَرَ وَهِيَ ثُلُثَا خُمُسٍ وَرُبُعُ خُمُسٍ.

فَهَذَا مَا أَرَدْنَا أَنْ نُبَيِّنَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَاتٌ كُلٌّ مِنْهَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ فَقِيهٌ (أَحَدُهَا) مَا ذَكَرْنَاهُ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ بَلْ يَكُونُ لِزَيْنَبِ نَصِيبُ وَالِدِهَا عَلَيَّ كَامِلًا وَهُوَ ثُلُثَا نَصِيبِ جَدِّهَا وَلِفَاطِمَةَ نَصِيبُ أُمِّهَا كَامِلًا وَهُوَ ثُلُثُ نَصِيبِ جَدِّهَا.

(وَالثَّالِثُ) أَنَّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ نِصْفَهُ وَلِمَلَكَةَ رُبُعَهُ وَلِزَيْنَبِ رُبُعَهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ دُونَ أُصُولِهِمْ عِنْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ فَيَكُونُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ خُمُسَانِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِنَاثِ خُمُسٌ ثُمَّ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ فَاطِمَةَ وَهُوَ الْخُمُسُ إلَيْهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَتَكَمَّلُ لَهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ نِصْفُ خُمُسٍ يَكْمُلُ لَهُ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ الِاثْنَيْنِ رُبُعُ خُمُسٍ يَكْمُلُ لَهَا بِهِ الرُّبُعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) وَقَفَ ابْنُ مُصْعَبٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ وَفَاتِهِ وَمَنْ عَسَاهُ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ وَخَلَّفَ وَلَدًا وَوَلَدَ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَيَاةِ عِنْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ أَبِيهِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ مِنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ تَجْرِي حِصَّةٌ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ الْمُسَمَّى وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ

ص: 177

وَإِنْ سَفَلَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ عَنْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورَيْنِ.

وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَمِنْ أَوْلَادِهِمْ وَمِنْ أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ كَانَ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى مِنْ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ الْمُتَنَاوِلِينَ لِشَيْءٍ مِنْ ارْتِفَاعِهِ حَالَةَ وَفَاةِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَيُقَدَّمُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الْإِخْوَةُ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانُوا لِأَبٍ أَوْ لِأَبَوَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ مَنْ يُسَاوِيهِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَوْجُودِينَ إلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ مَنْ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ أَجْمَعِينَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَقْفِ وَتَرَكَ وَلَدًا اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ بَعْدَهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُ مِنْهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِ الْمُتَوَفَّى أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا وَحَكَمَ حَاكِمٌ يَرَى وَقْفَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ، وَمَاتَ الْوَاقِفُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ نَجْمِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَجَمَالِ الدِّينِ يُوسُفَ وَثَابِتَةَ وَعَنْ وَلَدَيْ ابْنٍ مَاتَ قَبْلَهُ وَهُمَا إبْرَاهِيمُ وَزَاهِدَةُ وَلَدَا عِيسَى ابْنِ الْوَاقِفِ فَلِنَجْمِ الدِّينِ سُبُعَا الِارْتِفَاعِ وَلِجَمَالِ الدِّينِ سُبُعَاهُ وَلِثَابِتَةَ سُبُعُهُ وَلِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى سُبُعٌ وَثُلُثُ سُبُعٍ وَلِزَاهِدَةَ ثُلُثَا سُبُعٍ ثُمَّ مَاتَتْ زَاهِدَةُ عَنْ أَخِيهَا الْمَذْكُورِ فَقَطْ فَيُكَمَّلُ لَهُ السُّبُعَانِ اللَّذَانِ كَانَا لِأَبِيهِ عِيسَى وَمَاتَ نَجْمُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ وَهُوَ سُبُعَانِ لِابْنِهِ أَحْمَدَ وَمَاتَتْ ثَابِتَةُ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهَا وَهُوَ سُبُعٌ لِبِنْتِهَا فَاطِمَةَ الَّتِي رُزِقَتْهَا مِنْ وَمَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى وَلَهُ سُبُعَانِ وَخَلَّفَ أَحْمَدَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَفَاطِمَةَ وَلِأَحْمَدَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ سُبُعُ الِارْتِفَاعِ وَلِعِيسَى مِثْلُهُ وَلِفَاطِمَةَ سُبُعَا سُبُعِ الِارْتِفَاعِ وَمَاتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى هَذِهِ وَخَلَّفَتْ يُوسُفَ وَامْرَأَةً ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ أَخِيهَا يُوسُفَ فَقَطْ فَلَهُ مَا كَانَ لِأُمِّهِ وَهُوَ سُبُعَا سُبُعِ الِارْتِفَاعِ ثُمَّ مَاتَ أَحْمَدُ بْنُ جَمَالِ الدِّينِ مُوسَى وَلَا وَلَدَ لَهُ وَنَصِيبُهُ سُبُعَانِ فَهَلْ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِسِتِّ

ص: 178

الشَّامِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ ثَابِتَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّتَانِ فِي دَرَجَتِهِ؛ لِأَنَّ سِتَّ الشَّامِ بِنْتُ عَمِّهِ وَفَاطِمَةَ الْمَذْكُورَةَ بِنْتُ عَمَّتِهِ أَوْ يُشْرِكُهُمَا أَوْلَادُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى وَهُمْ أَنْزَلُ بِدَرَجَةٍ وَابْنُ أُخْتِهِمْ يُوسُفَ وَهُوَ أَنْزَلُ بِدَرَجَتَيْنِ لِنُنْزِلَهُمْ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِمْ.

(الْجَوَابُ) قَدْ دَلَّ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ يَنْزِلُ وَلَدُهُ مَنْزِلَتَهُ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِأَنْ يَكُونَ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِهِ فَهَلْ هَذَا شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَا يَدْخُلَ أَوْلَادُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى وَابْنُ أُخْتِهِمْ مَاتَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ أَوْ لَيْسَ مُعْتَبَرًا أَوْ مُعْتَبَرٌ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا قَوْلَ الْوَاقِفِ أَوَّلًا: مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ فِيهِ زِيَادَةٌ قَوْلُهُ " وَقَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ "؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ يُغْنِي عَنْهُ فَذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ شَيْءٌ يَنْزِلْ ابْنُهُ مَنْزِلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ شَرْطَ اسْتِحْقَاقِهِ قَبْلَ أَبِيهِ اسْتِحْقَاقُ أَبِيهِ فَنُبِّهَ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ هَذَا الْوَاقِفِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجْرِي هَذَا الْوَقْفُ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ الْوَاقِفِ عَلَى أَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ وَفَاتِهِ فَالْوَالِدُ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ خَارِجٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ لَفْظًا وَلَا تَقْدِيرًا بِخِلَافِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَوْجُودِينَ فَإِنَّهُ يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ تَقْدِيرًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِأَوْلَادِهِ فَلَمَّا قَيَّدْنَا بِالْمَوْجُودِينَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّوَهُّمِ مَحَلٌّ ثُمَّ إنَّهُ أُلْحِقَ بِالْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْوَفَاةِ أَوْلَادُ مَنْ تَقَدَّمَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَهُمْ وَأَعْمَامُهُمْ سَوَاءٌ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ وَطَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَفَاوُتُهُمْ فِي النَّسَبِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالطَّبَقَةِ فِي الْوَقْفِ إلَّا الْمُسْتَوِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَابْنِ أَخِيهِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَابْنِهِ أَوْ عَلَى ابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ مَعًا فَهُمَا دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُوسَى وَثَابِتَةَ أَوْلَادَ الْوَاقِفِ وَوَلَدَيْ أَخِيهِمْ إبْرَاهِيمَ وَزَاهِدَةَ وَلَدَيْ عِيسَى ابْنَيْ الْوَاقِفِ ضَمَّتْهُمْ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ وَطَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ لِاسْتِوَائِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاقِفِ فِي تَرْتِيبِ الْوَقْفِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي أَصْلِ النَّسَبِ.

فَقَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ تَفْصِيلًا لِمَا أَجْمَلَهُ

ص: 179

وَلَا شَرْطًا فِيمَا قَدَّمَهُ وَلَكِنَّهُ إنْشَاءُ حُكْمٍ وَذِكْرُ مَوْقُوفٍ آخَرَ عَلَيْهِ يُشَارِكُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَيُصَيِّرُهُمَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا بَعْدَهُ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهَا وَضَبْطِهَا فَإِنَّهَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا بَعْدَهَا.

وَقَوْلُهُ يَجْرِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبُهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ يَجْرِي نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ فِيهِ فَائِدَتَانِ:

(إحْدَاهُمَا) الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ عَنْ أَنْ يَقُولَ: مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ.

فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ بَعْدَهُ وَفِي هَذَا الْوَقْفِ مَعَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْتَاجُ فَإِنَّهُ مُبَيِّنٌ لِنَفْسِهِ.

(الثَّانِيَةُ) قَدْ يُقَالُ إنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ كَالْوَقْفِ الْمُسْتَقِلِّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ كَالصَّفْقَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ أَشْبَهَ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ فَيَتَعَدَّدُ الْوَقْفُ بِهِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَرَى النَّظَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِنَا هُنَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَوْفِيَ الْكَلَامَ عَلَى كَلِمَاتِ كِتَابِ الْوَقْفِ نَعَمْ فِيهِ تَأْكِيدُ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ مُسَاوٍ لِوَلَدِ الْآخَرِ فَيَكُونُ وَلَدُ مُحَمَّدٍ وَوَلَدُ ثَابِتَةَ مُسَاوِيَيْنِ لِأَوْلَادِ إبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَهُوَ فَصْلُ الْمَسْأَلَةِ.

وَقَوْلُهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورَيْنِ: أَمَّا التَّرْتِيبُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَهُوَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

وَأَمَّا كَوْنُ مَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ يَقُومُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ فَقَدْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءُ وَقْفٍ، فَإِنْ سُمِّيَ شَرْطًا فَمِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ.

وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ إلَى آخِرِهِ شَرْطٌ صَرِيحٌ وَهُوَ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْوَاقِفِ لَا قَبْلَهُ.

وَقَوْلُهُ: مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ الْمُرَادُ بِالدَّرَجَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ " يُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا تَبْعِيضِيَّةً، وَقَوْلُهُ الْمُتَنَاوِلِينَ شَرْحٌ لِقَوْلِهِ أَهْلُ الْوَقْفِ لَا تَخْصِيصٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْوَقْفِ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَنَاوِلِينَ.

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ فِي الشَّامِ أَعْنِي كَوْنَ أَهْلِ الْوَقْفِ يَخْتَصُّ بِالْمُتَنَاوِلِينَ أَوْ يَعُمُّ كُلَّ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الشَّامِ فِيهَا نَقْلٌ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ وَأَرْسَلُوا إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُونَ عَنْهَا فَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ وُجِدَ فِيهَا نَقْلٌ، وَرَأَيْت أَنَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الْوَقْفِ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ الْمُتَنَاوِلُونَ، وَذَلِكَ

ص: 180

يُعَضِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ الْمُتَنَاوِلِينَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَهْلُ الْوَقْفِ لَا تَخْصِيصٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ لِتَفْسِيرِ الدَّرَجَةِ وَبِمَجْمُوعِ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ " مِنْ " لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْوَقْفِ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِتَسَاوِي بَعْضِهِمْ وَهُمْ الْمُسْتَوُونَ فِي تَلَقِّي الْوَقْفِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا وَمُوسَى وَثَابِتَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَزَاهِدَةَ مُسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ وَأَحْمَدَ بْنَ مُوسَى وَسِتَّ الشَّامِ بِنْتَ مُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ إبْرَاهِيمَ وَأَوْلَادَهُ مُسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ وَابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ أُمِّهِ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِمَنْ فَوْقَهُ فِي تَلَقِّي الْوَقْفِ فَأَهْلُ الْوَقْفِ أَعَمُّ مِنْ الْمُسَاوِي.

وَالْمُتَنَاوِلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الدَّرَجَةِ لِمَا دَلَّ كَلَامُهُ عَلَى انْتِقَالِهَا إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ مُرَادِفٌ لَهَا وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ كَقَوْلِك وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ بَسِيطَةٌ لَا يُبْدَى وُجُودُ مَوْضُوعِهَا كَقَوْلِهِ عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي لِمَنَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنَارٌ وَكَذَلِكَ لَا دَرَجَةَ وَلَا مُنَاوَلَةَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّرَجَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ حَمْلُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ غَيْرِ الْمُتَضَادَّيْنِ وَفِي تَضَادِّ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ هُنَا نَظَرٌ فَإِنْ سَلِمَ تَضَادُّهُ فَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُخَصَّصًا فَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.

وَإِلَّا فَهُوَ رَاجِحٌ فَعَمَلُهُ عَلَيَّ وَأَنَّهُ حَالَتَانِ يَعْنِي اللَّفْظَ فَيَكُونُ تَوْضِيحًا لِذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى مَنْ يُسَاوِيهِ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الدَّرَجَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْمُسَاوِي وَغَيْر الْمُسَاوِي وَاَلَّذِي يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّرَجَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُسَاوِي فَقَطْ فَعَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَةِ الْمُتَنَاوِلُونَ جَمِيعَ فَهْم مُرَتَّب وَمِنْ السَّنَةِ يَبْقَى مَنْ عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ.

وَقَوْلُهُ " فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَوْجُودِينَ إلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ " قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْوَقْفِ هُمْ الْمُتَنَاوِلُونَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْوَاقِفُ بِهَذَا الشَّرْطِ هُنَا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ الْمُسَاوِي مِنْ الْمُتَنَاوِلِينَ قَدْ يَكُونُ عَمًّا أَوْ عَمَّ عَمٍّ أَوْ ابْنَ أَخٍ أَوْ ابْنَ ابْنِ أَخٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَنَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُعَارَضَةٌ

ص: 181

لِمَا قُلْنَاهُ.

وَقَوْلُهُ " وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَنْسَالِهِمْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَقْفِ إلَى آخِرِهِ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي تَنْزِيلِ الشَّخْصِ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلُهُ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ وَيَكُونُ ذَلِكَ جَبْرًا لِوَالِدِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ أَصْلَهُ شَيْئًا فَيُجْبَرُ وَلَدُهُ بَعْدَهُ بِأَخْذِهِ فَيُكْتَفَى لَهُ بِهِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ فَإِنَّ وَلَدَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا لَاسْتَحَقَّهُ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ إلَى وَضْعِ اللَّفْظِ لُغَةً وَالْأَوَّلُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعُرْفِ وَاللُّغَةُ فِي مِثْلِ هَذَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ الْعَامِّ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ نَصِيبَ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الَّذِي مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ.

وَلَوْ كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى حَيًّا لَاسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْهُ فَيَقُومُ أَوْلَادُهُ مَقَامَهُ عَمَلًا بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ عِيسَى لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُقْتَضِيًا لِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِهِ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى لَكِنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَرَجَةِ أَحْمَدَ ابْنِ مُوسَى الْمَذْكُورِ بِحُكْمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُوسَى هُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ الْوَاقِفِ وَالثَّانِيَةُ فِيهَا أَبُوهُ مُوسَى.

وَالثَّالِثَةُ فِيهَا أَحْمَدُ الْمَذْكُورِ وَإِبْرَاهِيمُ أَيْضًا مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فَحُكْمُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِيسَى بْنَ الْوَاقِفِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ لَا دُخُولَ لَهُ فِي الْوَقْفِ أَصْلًا وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ مِنْ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مُسَاوٍ لِأَعْمَامِهِ فَيَكُونُ أَوْلَادُهُ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مُسَاوِينَ لِلْمُتَوَفَّى أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عَلَى سِتِّ الشَّامِ وَفَاطِمَةَ وَأَحْمَدَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَوْلَادِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى عَلَى مَا يَذْكُرُ فِيهِ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَقْرَبُ يَكُونُ لِسِتِّ الشَّامِ رُبُعُهُ وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ ثَابِتَةَ رُبُعُهُ وَلِأَوْلَادِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى نِصْفُهُ لِتَنَزُّلِهِمْ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ.

وَيُقَسَّمُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ إبْرَاهِيمَ سُبُعُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِ سُبُعَاهُ وَيَنْتَقِلُ نَصِيبُ فَاطِمَةَ بِنْتِ إبْرَاهِيمَ لِابْنِهَا يُوسُفَ مُضَافًا إلَى مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِي الْأَصْلِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يُقَسَّمُ نَصِيبُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بَيْنَ سِتِّ الشَّامِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ ثَابِتَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى وَمُوسَى أَوْلَادِ إبْرَاهِيمِ بْنِ عِيسَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِكُلِّ ذَكَرٍ رُبُعُهُ وَلِكُلِّ أُنْثَى

ص: 182

ثُمُنُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ يُوسُفُ مِنْهُ بَلْ يَقْتَصِرُ لَهُ عَلَى مَالِهِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ مِنْ الْأَصْلِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ كَتَبْته مِنْ وَقْتِ التَّسْبِيحِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى حِينِ الْإِسْفَارِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ الْفَرْدِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.

ثُمَّ كَتَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَى حَاشِيَةِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي هَذَا الْجَوَابِ بِسَبَبِ مَا حُكِيَ لَهُ مِنْ أَمْرِ أَحْمَدَ وَإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِابْنِ مُصْعَبٍ وَأَنَّهَا قَضِيَّةُ مَظْلَمَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) فِي صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِدِمَشْقَ وَقَفَ جَمَالُ الدِّينِ قَايْمَازُ الرُّومِيِّ وَقْفًا عَلَى بَنِي هَذَا الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ عَلِيٌّ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ وَإِسْمَاعِيلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَرْبَاعًا يَجْرِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبُهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.

وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَادِمًا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْإِخْوَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ أَنْسَالِهِمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادِمًا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى أَقْرَبِ الْمَوْجُودِينَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ؛ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِمْ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ لِهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةِ الْأَرْبَعَةِ نَسْلٌ وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَادَ ذَلِكَ جَمِيعُهُ عَلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِ الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضُوا عَادَ وَقْفًا عَلَى جِهَاتٍ مُتَّصِلَةٍ وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِحَاكِمٍ بَعْدَ حَاكِمٍ إلَى قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ مُسْلِمٍ فَادَّعَى عِنْدَهُ مُتَكَلِّمٌ عَنْ غَازِيَةَ ابْنَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ جَمَالِ الدِّينِ قَايْمَازِ عَلَى ابْنَيْ عَمِّهَا إبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ أَخَا الْمُدَّعَى لَهَا صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَلَا أَخٍ وَلَا أُخْتٍ غَيْرِ الْمُدَّعَى لَهَا وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهَا مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ عَنْ وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ وَوَالِدَتِهِ شَامِ خَاتُونَ ابْنَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ قَايْمَازِ الْمُسَمَّى وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَخُمُسُ سَهْمٍ وَأَنَّ الْمَذْكُورَيْنِ وَضَعَا أَيْدِيَهُمَا عَلَى النِّصْفِ مِمَّا كَانَ جَارِيًا عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِحُكْمِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِهِمَا ذَلِكَ فَسَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ فَاعْتَرَفَا بِوَفَاةِ

ص: 183

صَلَاحِ الدِّينِ لَكِنْ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَلَا أَخٍ وَلَا أُخْتٍ غَيْرِ غَازِيَةَ فَتَأَمَّلَ كِتَابَ الْوَقْفِ وَحَكَمَ بِانْتِقَالِ جَمِيعِ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَخُمُسٌ إلَى أُخْتِهِ غَازِيَةَ وَاخْتِصَاصِهَا بِهِ وَانْفِرَادِهَا بِهِ دُونَ الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَدُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَأَنَّ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ وَالِدِهِ فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْمُسَمَّى وَوَالِدَتِهِ شَامْ خَاتُونَ وَإِلَى غَازِيَةَ أُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَأَنَّهُ لَا أَخَ لَهُ وَلَا أُخْتَ سِوَاهَا ثُمَّ حَضَرَ مَجْلِسَ قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابِ الدِّينِ بْنِ الْمَجْدِ مُتَكَلِّمٌ عَنْ الَّتِي بِنْتِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْوَلِيِّ الْحُلِيِّ الْمُتَّصِلَةِ النَّسَبِ بِإِبْرَاهِيمَ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأُحْضِرَ مُتَكَلِّمٌ مَعَهُ عَنْ غَازِيَةَ وَادَّعَى عَلَى غَازِيَةَ أَنَّهَا اسْتَوْلَتْ عَلَى سَهْمَيْنِ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ مِنْ الْوَقْفِ مِنْ جُمْلَةِ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ شَامْ خَاتُونَ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ رِيعٍ يَكُونُ وَقْفًا مُسْتَقِلًّا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ لَا يَنْتَقِلُ نَصِيبُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إلَى غَيْرِ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الثَّلَاثَةِ الْآخَرِينَ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ ذُرِّيَّتُهُ وَتَأَمَّلَ كِتَابَ الْوَقْفِ فَرَأَى أَنَّ وَقْفَ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ يَكُونُ أَرْبَعَةَ أَوْقَافٍ لَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْ رِيعِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْأَرْبَعَةِ إلَى غَيْرِ نَسْلٍ مَا دَامَ لَهُ نَسْلٌ وَوَافَقَ رَأْيَهُ مَا أَفْتَى بِهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ وَتَقِيُّ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ وَتَقِيُّ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ مِنْ مِصْرَ.

وَفَتْوَى شَامِيَّةٌ مِنْهَا جَمَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ وَعِزُّ الدِّينِ بْنُ مُنَجَّا وَزَيْنُ الدِّينِ بْنُ الْمُرَحَّلِ وَشِهَابُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَجَمَالُ الدِّينِ (بْنُ) قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ وَشِهَابُ الدِّينِ الطَّاهِرِيُّ وَابْنَا أَبِي الْوَلِيدِ وَجَلَالُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَصَدْرُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَحُكِمَ بِرَفْعِ يَدِ غَازِيَةَ عَنْ السَّهْمَيْنِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ وَتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَى الَّتِي لِكَوْنِهَا مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ وَبَعْدَهُ بُرْهَانُ الدِّينِ الزَّرْعِيُّ وَبَعْدَهُ مُسْتَنِيبُهُ عَلَاءُ الدِّينِ وَبَعْدَهُ عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَبَعْدَهُ جَلَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ وَبَعْدَهُ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ.

وَفِي الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ ثَبَتَ أَنَّ الَّتِي خَاتُونَ بِنْتَ فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْحُلِيِّ أُمُّهَا حُلَّةُ خَاتُونَ بِنْتُ شَامْ بِنْتِ شَرَفِ

ص: 184

الدِّينِ إبْرَاهِيمَ أَحَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ أَخُو حُلَّةَ لِأَبَوَيْهَا تُوُفِّيَ بَعْدَ أُمِّهِ شَامْ خَاتُونَ وَثَبَتَ إقْرَارُ إبْرَاهِيمَ وَسَلِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الزَّرْعِيِّ الشَّافِعِيِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.

وَصُورَةُ الْفَتَاوَى الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا ابْنُ الْمَجْدِ شَرْحُ كِتَابِ الْوَقْفِ ثُمَّ قَالَ فَهَلْ يُصْرَفُ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِ أَحَدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إلَى غَيْرِ ذُرِّيَّتِهِ أَمْ لَا، وَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مُنْحَصِرًا فِي ذُرِّيَّتِهِ فَكَتَبَ ابْنُ جَمَاعَةَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ لِمَنْ يُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا يُصْرَفُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِمْ مَعَ وُجُودِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الْمَالِكِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ.

(وَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي الِاسْتِفْتَاءِ صُورَةَ الْوَاقِعَةِ الْمَحْكُومِ فِيهَا فَالْأَجْوِبَةُ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى.

وَأَمَّا إذَا وَصَلَ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ شَيْءٌ إلَى ذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ أُخْتٍ فَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهَا وَلَمْ تَتَضَمَّنْهَا أَجْوِبَتُهُمْ، وَالتَّمَسُّكُ بِإِطْلَاقِ أَجْوِبَتِهِمْ فِيهَا تَلْبِيسٌ وَلَوْ قَالُوهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ.

وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي، وَأَكْثَرُ أَجْوِبَةِ الْبَاقِينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إلَّا جَلَالَ الدِّينِ الْقَزْوِينِيَّ فِيهَا فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَرُزِقَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَمُحَمَّدٌ وَاَلَّتِي رُزِقَ إبْرَاهِيمُ شَامْ خَاتُونَ عَنْ وَلَدَيْهَا يُوسُفَ وَحُلَّةَ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَعَنْ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَاتَتْ حُلَّةُ عَنْ بِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ عَنْ أُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَبِنْتِ أُخْتِهِ فَإِلَى مَنْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ وَلَيْسَ مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ أَحَدٌ أَقْرَبُ إلَى يُوسُفَ مِنْ بِنْتِ حُلَّةَ.

فَكَتَبَ جَلَالُ الدِّينِ: يَنْتَقِلُ مِنْ نَصِيبِ يُوسُفَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ أَبِيهِ إلَى أُخْتِهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّهَا فِي دَرَجَتِهِ وَمَا انْتَقَلَ عَنْ أُمِّهِ إلَى بِنْتِ أُخْتِ حُلَّةَ. وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَفْتَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِثْلَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِثْلِهَا.

وَكُتِبَتْ فَتْوَى أُخْرَى قَرِيبٌ مِنْهَا وَلَكِنْ لَمْ يُحَرَّرْ فِيهَا التَّصْوِيرُ جَيِّدًا.

وَكَتَبَ عَلَيْهَا ابْنُ الْكَنْبَانِيِّ أَنَّهُ انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ يُوسُفُ إلَى أُخْتِهِ غَازِيَةَ دُونَ بِنْتِ أُخْتِهِ وَدُونَ بَنِي عَمِّهِ لَا يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَذَا الِانْتِقَالِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

وَوَافَقْته أَنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمَحْمُودٌ الْأَصْبَهَانِيُّ

ص: 185