الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَكِنَّا أَطَلْنَا فِيهِ لِئَلَّا يَقُولَ جَاهِلٌ: إنَّهُ إذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَعَلَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّا نَقُولُ: إنَّهُ يَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَسَائِرُ مَا يَحْتَجْنَ إلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ النَّفَقَةِ وَلَهُنَّ أَنْ يَدَّخِرْنَ كِفَايَتَهُنَّ سَنَةً وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ مُؤْنَةُ نِسَائِي فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ ثَابِتَانِ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَمَرَّةً ذَكَرَ الْمُؤْنَةَ لِيُعَرِّفَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُنَّ ذَلِكَ وَمَرَّةٌ ذَكَرَ النَّفَقَةَ لِيُنَبِّهَهُنَّ عَلَى الزَّهَادَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَوْسَعَ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ أَنْ يَفْهَمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَدَّخِرَهُ وَيَكْنِزَهُ بَلْ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ فَيَكُونُ زَاهِدًا وَإِنْ كَانَتْ الدُّنْيَا فِي يَدِهِ وَفَقِيرٌ أَوْ كَانَ غَنِيًّا وَصَابِرًا شَاكِرًا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ إنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ النَّفَقَةِ فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُمْنَعْنَ التَّزَوُّجَ بَعْدَهُ فَجُعِلَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَهُ بَاقِيَةً عَلَيْهِنَّ إلَى حِينِ مَوْتِهِنَّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ اسْمَ النَّفَقَةِ دُونَ اسْمِ الْمُؤْنَةِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ اسْتِحْقَاقَهُنَّ لِلسُّكْنَى كَاسْتِحْقَاقِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ فِي حَقِّهِنَّ بِمَثَابَةِ زَمَانِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ لِحُرْمَةِ تَزَوُّجِهِنَّ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَفِي حَقِّهِنَّ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَعْظِيمُهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ.
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْفَيُّومِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَمَّى لَهَا مَهْرًا حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَالِ فَأَبَتْ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَّا أَنْ تَقْبِضَ الْحَالَ كُلَّهُ وَهُوَ مَضْرُورٌ إلَى النِّكَاحِ وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَوَجَدَ امْرَأَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى فِي عِصْمَتِهِ؟ .
(الْجَوَابُ) إذَا ظَهَرَ لِلْوَلِيِّ حَاجَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَدَاءِ الْحَالِ وَلَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِدُونِهِ وَكَانَ فِرَاقُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّعُ الْمُطَاوَعَةَ وَلَا الْقُدْرَةَ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَنْ تَنْدَفِعُ بِهَا حَاجَتُهُ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا هَلْ يُزَوَّجُ السَّفِيهُ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ بِالْحَاجَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا
إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَاجَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَقَدْ بَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَخَافُ الْعَنَتَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَوَازُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ أَحْوَطُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ هُنَا أَيْضًا وَعَلَى الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْمَنْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مَحْذُورَ رَقِّ الْوَلَدِ أَشَدُّ فِي نَظَرَ الشَّرْعِ.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّ الْأَحْوَطَ الْمَنْعُ لَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْحَظْرِ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ فَغَلَّبَ الْحَظْرَ وَإِلَّا فَلَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ مِنْ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ: إنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَمْ يَعْتَمِدْ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ هَذَا بَلْ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْحُرُّ أَمَةً إلَّا بِشُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَقِيلَ: أَوْ لَا تَصْلُحُ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّوَوِيَّ يَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ إفَادَاتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَحْوَطُ لَا يَقْتَضِي تَصْحِيحًا، وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ بَلْ يَقْتَضِي مَفْهُومَ النَّصِّ مَنْعَهُ وَلَيْسَ فِي السَّفِيهِ نَصٌّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصَرِّحَ السُّلْطَانُ فِي تَقْلِيدِ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَنَشَأَ لَنَا عَنْ ذَلِكَ بَحْثَانِ:
(أَحَدُهُمَا) إذَا كَانَ السُّلْطَانُ شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَزْوِيجَ الصِّغَارِ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ حَنَفِيًّا؟ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ لَهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى فَكَيْفَ يَنُصُّ عَلَيْهِ أَوْ يُجَوِّزُ لَهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَإِلَّا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ.
وَوَجْهُ احْتِمَالِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ أَنْ يُزَوِّجَ عَلَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِخَطَئِهِ وَهَلْ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِحَنَفِيٍّ فِي تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ تَحْتَ نَظَرِهِ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ فِي الْأُمُورِ كَالسُّلْطَانِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي السُّلْطَانِ الشَّافِعِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ فَلَا يَنُصُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اسْتِنَابَتِهِ حَنَفِيًّا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
وَهَذَانِ لَمْ أَرَ أَحَدًا خَرَّجَهُمَا غَيْرِي، وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي ذَلِكَ تَصْنِيفُ كَمَالِ الدِّينِ التَّفْلِيسِيِّ فِي أَنَّ عَقْدَ الْحَنَفِيِّ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لِهَذَيْنِ الْبَحْثَيْنِ مَعَ أَنَّ