الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّتِي يَرَاهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَيْسَ هُوَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَطْلُبُهُ لِيَحْصُلَ لَهُ بِهِ رَوْحٌ وَرَاحَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]
مَا تَقُولُونَ فِي وَضْعِ الْإِنْسَانِ قَدَمَهُ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ وَقَدْ ارْتَسَمَتْ فِي النَّسْجِ فِي الْبِسَاطِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَانْتَظَمَتْ مِنْهَا كَلِمَاتٌ مَفْهُومَةُ الْمَعْنَى مِثْلُ بَرَكَةٍ وَسَعَادَةٍ وَالْعِزِّ الدَّائِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَلْ يَجُوزُ وَطْءُ الْإِنْسَانِ مَوَاضِعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ الْبِسَاطِ.
(أَجَابَ رحمه الله) أَنَا أَمِيلُ إلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ دَلِيلٌ مُعْتَمَدٌ وَلَكِنْ أَدِلَّةٌ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَا شَكَّ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَنَا أَسْتَصْعِبُ لَفْظَ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] فَلَا أَسْتَجِيزُ إطْلَاقَ لَفْظِ التَّحْرِيمِ إلَّا بِوُرُودِ نَهْيٍ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ عَلَى نَصٍّ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ قَالَ: كُلُّ حَرْفٍ قَدْ يُجْعَلُ دَلِيلًا عَلَى اسْمٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَذَلِكَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُجْعَلُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ قَدْ يُجْعَلُ دَلِيلًا عَلَى غَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي {كهيعص} [مريم: 1] وَدَلَالَتِهَا عَلَى كَافٍ وَهَادٍ إلَى آخِرِهَا فَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أُشِيرَ بِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى تِلْكَ الْمَعَانِي أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَذَلِكَ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي عِلْمِ الْحُرُوفِ قَدْ تَوَسَّعُوا وَذَكَرُوا أَلْوَانًا وَدَلَالَاتٍ وَأَوْفَاقًا حَرَتْ بَعْضُهَا وَأُنْكِرَ بَعْضُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ لَهَا طَبَائِعَ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ آثَارًا وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يَكُونُ مَعْصِيَةً مِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَبَعْضُهُ مِمَّا جَرَّبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ صَحِيحًا مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَلَكِنَّ الَّذِي أَقُولُهُ إنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ مَخْلُوقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وَهِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنْ الْأَصْوَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْرَاضُ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ لِلرَّبِّ سبحانه وتعالى فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ مَعَهَا فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَاَلَّذِي خَلَقَهُ لَنَا الْمَقْصُودُ بِهِ الِاعْتِبَارُ وَنَحْوُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالْأَدِلَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهِ فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ
تَعَالَى يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْغَرَضِ الَّذِي خُلِقَ لِأَجْلِهِ وَيُعَامِلَهُ بِتِلْكَ الْمُعَامَلَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ مِنْ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ وَسَائِرِ مَا دَلَّ خَلْقَهُ وَالشَّرِيعَةَ عَلَيْهِ وَيَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ فَمَعْنَى وَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجِيءَ إذْنٌ مِنْ الشَّارِعِ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «سَاءَ رَجُلٌ سَوَّقَ بَقَرَةً فَرَكِبَهَا فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا» فَالْبَقَرَةُ لَمَّا خُلِقَتْ لِلْحَرْثِ وَنَحْوِهِ عَاتَبَتْ رَاكِبَهَا وَأَنْطَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَإِذَا قِيلَ بِجَوَازِ رُكُوبِ الْبَقَرِ فَإِمَّا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَإِمَّا لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَغْرَاضِ الَّتِي خُلِقَتْ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْحِرَاثَةُ أَغْلَبَ أَغْرَاضِهَا فَالْحُرُوفُ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيَنْتَظِمَ مِنْهَا كَلَامُهُ سبحانه وتعالى وَكَلَامُ رَسُولِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَمَلَائِكَتِهِ عليهم السلام وَالْأَذْكَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ انْتِظَامَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ مِنْهَا يَقْتَضِي إكْرَامَهَا وَتَعْظِيمَهَا وَمَهَابَتَهَا.
وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ الْوَرَقَةَ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ كَاغِدَةً يُجْعَلُ فِيهَا قِصَّةٌ وَنَحْوُهَا، فَالتَّحْرِيمُ هُنَا لَا شَكَّ فِيهِ لِأَجْلِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَيْثُ لَا يَكُونُ اسْمُ اللَّهِ وَلَكِنْ حُرُوفٌ يُمْكِنُ أَنْ يُرَكَّبَ مِنْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُسَاوَاةُ الْأَصْلِ بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ.
فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يَنْتَظِمُ مِنْهَا كَلِمَاتُ الْكُفْرِ وَالْقَبَائِحِ.
قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ لَهَا إنَّمَا خُلِقَتْ لِلْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ خُلِقَتْ لِغَرَضٍ وَمُكِّنَ الْإِنْسَانُ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ الْغَرَضِ وَفِي ضِدِّهِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ كَانَ قَدْ وَضَعَ الشَّيْءَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَدَلَ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَقَدْ جَارَ وَقَسَطَ، وَالْجَوْرُ وَالْقَسْطُ ظُلْمٌ وَحَرَامٌ بِخِلَافِ الْعَدْلِ وَالْإِقْسَاطِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يَمَسُّ الْوَرَقَ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ وَإِنْ كَانَ الْوَرَقُ مُحْتَمَلًا؛ لَأَنْ يُكْتَبَ فِيهِ هَذَا وَهَذَا لَكِنَّ الَّذِي خُلِقَ لِأَجْلِهِ هُوَ أَنْ يُكْتَبَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَالْعِلْمُ النَّافِعُ فَيُعَظَّمُ لِذَلِكَ، فَلَوْ جَاءَ إنْسَانٌ يَدُوسُ وَرَقَةً عَمْدًا وَهِيَ بَيَاضٌ وَقَدْ بَلَغَهُ مَا يَجِبُ مِنْ تَعْظِيمِهَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْحُرُوفُ لَا يَجُوزُ دَوْسُهَا لِمَنْ بَلَغَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ، وَاحْتَرَزْنَا بِذَلِكَ عَنْ الْجَاهِلِ فَقَدْ يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ