الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ الْوَلَاءَ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لَهُ فَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ قَالَ: وَلَاءُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَإِنْ أُعْتِقَ. انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي جَرِّ الْوَلَاءِ وَأَحْكَامِهِ صُوَرًا وَفُرُوعًا لَا تَنْحَصِرُ وَفِيهَا دَقَائِقُ لَا ضَرُورَةَ إلَى ذِكْرُهَا هُنَا وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ بِهِ وَلَا يُوَرَّثُ وَكَوْنُهُ لَا يُوصَفُ بِالِانْتِقَالِ وَكَوْنُهُ يَنْتَشِرُ فِي جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمُعْتِقِ فِي أَحْكَامِهِ وَثُبُوتِهَا لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَقْرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ:
(إحْدَاهَا) فِي كَوْنِهِ لَا يُوَرَّثُ وَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَى الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا، وَشَذَّ شُرَيْحٌ فَقَالَ: الْوَلَاءُ كَالْمَالِ يُورَثُ عَنْ الْمُعْتِقِ فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّبَيْرِ يَعْنِي ابْنَ الْعَوَّامِ، وَرَوَى حَنْبَلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ وَغَلَّطَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَإِلْحَاقِهِ بِالنَّسَبِ.
(الثَّانِيَةُ) يُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُنْقَلُ أَصْلًا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ صَحَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ مُكَاتِبًا مَوَالِيهَا وَأَنَّ عُرْوَةَ ابْتَاعَ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ لِوَرَثَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَذِنْت لِمَوْلَايَ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَفَيَجُوزُ قَالَ: نَعَمْ.
وَهَذِهِ مَذَاهِبُ شَاذَّةٌ وَمَرْدُودَةٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْمُسْتَعْمَلِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي أُصُولِ الْفَرَائِضِ تَصْنِيفَ أَبِي الْقَاسِمِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلَوِيَّةَ الشَّافِعِيِّ قَالَ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَهِبَتُهُ وَهُوَ كَالنَّسَبِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفْتِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُجِيزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ كِتَابَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ عِتْقٍ لَمْ يَجُزْ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ سَائِبَةٍ أَوْ مُكَاتَبٍ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَنْ شَاءَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ أَنَّهُ لِلْكِبَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا مَاتَ وَلَهُ ابْنَانِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَمَالُهُ لِابْنِ الْمَوْلَى دُونَ ابْنِ ابْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْوَلَاءُ يُورَثُ لَانْتَقَلَ إلَى الْحَفِيدِ مَا كَانَ لِأَبِيهِ، وَكَذَا نَقَلُوا عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَالرَّدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالرَّدِّ كَوْنُهُ يُورَثُ.
وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ وَالْآخَرِ عَنْ ابْنَيْنِ وَالْآخَرُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَمَالُهُ لِلْخَمْسَةِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْإِدْلَاءِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْوَلَاءُ يُورَثُ لَكَانَ لِابْنِ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ وَلِابْنَيْ الثَّانِي الثُّلُثُ وَلِبَنِي الثَّالِثِ وَلَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى أَخًا لِأَبٍ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ فِي قَوْلِ شُرَيْحٍ لِابْنِ الْأَخِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَلَوِيَّةَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالِانْتِقَالِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ قَالَ: وَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَمَاتَ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى عَصَبَاتِهِ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.
وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ قَالَ: إنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الشَّيْخِ انْتِقَالُ أَحْكَامِهِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْوَلَاءِ ثَلَاثَةٌ: الْإِرْثُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْعَقْلُ. وَفِي ثُبُوتِهَا لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ} هَذَا الْكَلَامُ الْمَوْعُودُ بِهِ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ: إنَّهُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ وَجَمِيعِ عَصَبَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ فَقَطْ وَبَعْدَهُ ثَبَتَ لِعَصَبَاتِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ بَلْ عَلَى جِهَةِ أَنَّ ثُبُوتَهُ لَهُمْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ الْمُعْتِقِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ فَقْدُ الْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْمُعْتِقِ مَعَ الْعَصَبَةِ أَوْ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْعَصَبَةِ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَظَاهِرُ إلْحَاقِ الْوَلَاءِ بِالنَّسَبِ أَنَّهُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ يَثْبُتُ لِلْجَمِيعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ عَتِيقًا لِلسَّيِّدِ ثَبَتَ نَسَبُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَصَبَتِهِ حِسًّا فَإِنَّا نَقُولُ: عَتِيقُ ابْنِ عَمِّ فُلَانٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثُبُوتُ هَذِهِ النِّسْبَةِ شَرْعًا فَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيهَا وَتَوْقِيفُهَا عَلَى مَوْتِ الْمُعْتِقِ بَعِيدٌ وَإِنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِهِ.
وَمَرْتَبَةٌ ثَالِثَةٌ وَرَاءَ هَذِهِ وَهِيَ أَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ وَالْعَقْلِ وَالْمِيرَاثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِتَوْقِيفِهَا مَعَ تَخْيِيرِ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنَّ الْأَقْرَبَ خِلَافُهُ وَإِنَّ النِّسْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا مَعْنَى لَهَا إلَّا اقْتِضَاءَ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ.
نَعَمْ قَدْ تَتَوَقَّفُ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ عَلَى شَرْطٍ أَوْ انْتِفَاءِ مَانِعٍ كَمَا فِي النَّسَبِ، وَمِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَلْنَنْقُلْهُ عَلَى وَجْهِهِ وَنُبَيِّنُ الْحَقَّ فِيهِ، فَنَقُولُ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الْوَلَاءِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا: لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ حَيٌّ وَهُوَ كَافِرٌ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ لِابْنِهِ الْمُسْلِمِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُعْتَقَ قَتَلَ الْمُعْتِقَ وَلِلْمُعْتَقِ ابْنٌ مُسْلِمٌ لَا يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَا يُوَرَّثُ ابْنُهُ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ وَلَدَهُ وَلِلْقَاتِلِ وَلَدٌ فَإِنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ وَلَكِنْ يَرِثُهُ ابْنُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي بَابِ النَّسَبِ الْأُخُوَّةُ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْأَخِ وَالْمَقْتُولِ فَلِهَذَا يَرِثُهُ وَفِي الْوَلَاءِ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوَلَاءَ بِمَوْتٍ، فَلَوْلَا أَنَّ الْأَبَ حَيًّا لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ.
وَهَكَذَا لَوْ اُسْتُرِقَّ الْمُعْتَقُ بِأَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ مَاتَ مُعْتِقُهُ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ لِابْنِهِ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي التَّزْوِيجِ: لَوْ أَنَّ كَافِرًا أَعْتَقَ أَمَةً مُسْلِمَةً وَلِلْمُعْتِقِ أَبٌ أَوْ ابْنٌ مُسْلِمٌ أَوْ أَخٌ فَإِنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَى أَبِ الْمُعْتِقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْزَمْ مُسَلَّمَهُ.
وَقَالُوا: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ مُسْلِمَةً أَمَةً وَلِلْمُعْتِقَةِ أَبٌ فَإِنْ أَبَاهَا تَزَوَّجَ الْمُعْتَقَةَ هَكَذَا نَصُّ الشَّافِعِيُّ فَنَقَلَ الْوِلَايَةَ إلَى أَبِيهَا بِسَبَبِ عُصُوبَةِ الْوَلَاءِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ أَمَةً
فَمَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنًا صَغِيرًا وَلِلِابْنِ الصَّغِيرِ جَدٌّ قَالَ: لَيْسَ لِلْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ الْمُعْتَقَةَ فَقِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَبِ الْمُعْتِقَةِ أَنْ يُزَوِّجَ مُعْتَقَهَا.
قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتِقَةِ وَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهَا بِالْوَلَاءِ فَجُعِلَتْ كَالْمَعْدُومَةِ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى أَبِيهَا وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَقَعَ الْإِيَاسُ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلِابْنِ الصَّغِيرِ بِالْوَلَاءِ عِنْدَ الْبُلُوغِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: إذَا خَلَّفَ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ ابْنَ مُعْتِقِهِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا وَالْمُعْتِقُ حَيٌّ لَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَفِي الْإِشْرَافِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ: وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ بِيعَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَوَلَاؤُهُ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَمَوْلَاهُ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَرِثْهُ وَمِيرَاثُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَوْلَاهُ عَصَبَةٌ مُسْلِمُونَ فَإِنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنْ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ وَيَكُونُ الْمَوْلَى مَا دَامَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فِي مَعْنَى مَنْ قَدْ مَاتَ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ.
هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ يَرِثُهُ. انْتَهَى.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَلَعِيُّ فِي فَرَائِضِهِ. وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَرِثَهُ مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ عَصَبَاتِ الْمَوْلَى وَلَا يَرِثُهُ الْمَوْلَى لِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِذِمِّيٍّ فَطُولِبَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَأَعْتَقَهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ فَإِنْ مَاتَ وَرِثَهُ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ عَصَبَاتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَكَمَا أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ.
وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَخَلَّفَ أَبًا ذِمِّيًّا وَأَخَاهُ مُسْلِمًا وَرِثَهُ الْأَخُ دُونَ الْأَبِ وَلَا يَكُونُ سُقُوطُ مِيرَاثِ الْأَبِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَهُمَا وَكَوْنُهُ أَبًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَكُونُ سُقُوطُ الْمِيرَاثِ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَلَوِيَّةَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ: إذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا ذِمِّيًّا وَمَاتَ الْعَبْدُ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَيَرِثُهُ أَقْرَبُ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ مِمَّنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ أَوْ مَوْلَى مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَلَا يَرِثُهُ الْمَوْلَى لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ
السَّيِّدَ يَأْخُذُ مَالَهُ كَمَا يَأْخُذُ مَالَ عَبْدِهِ الذِّمِّيِّ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ.
وَقَالَ: إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا وَمَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسِيبٌ فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَرِثَهُ أَقْرَبُ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَوْلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى.
وَكِتَابُ الْمُسْتَعْمَلِ هَذَا سَمِعَهُ عَلَى مُؤَلِّفِهِ الْمَذْكُورِ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَتِيقِيُّ سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَلْعِيُّ وَابْنُ عَلَوِيَّةَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَإِنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يُحْجَبُ، وَيَنْشَأُ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْمِيرَاثَ لِوَلَدِ الْمُعْتِقِ فِي حَيَاتِهِ الْمُوَافِقُ لِدَيْنِ الْعَتِيقِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُخَالِفًا فِي الدِّينِ لَا لِبَيْتِ الْمَالِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ: إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْعَبْدِ وَرِثَهُ دُونَ سَيِّدَهُ.
وَقَالَ دَاوُد: لَا يَرِثُ عَصَبَتُهُ مَعَ حَيَاتِهِ لَنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْأَقْرَبَ مِنْ الْعَصَبَةِ مُخَالِفًا لِدِينِ الْمَيِّتِ وَالْأَبْعَدُ عَلَى دِينِهِ وَرِثَ دُونَ الْقَرِيبِ. انْتَهَى.
فَانْظُرْ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَّا عَنْ دَاوُد وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَلْعِيُّ، وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي الدَّوْرِ مِنْ الْوَصَايَا فِي آخِرِ فَصْلٍ مِنْهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ مَرِيضٌ عَبْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ السَّيِّدُ مِنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بَلْ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَقْرَبُ مِنْ سَيِّدِهِ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ عَصَبَاتِ السَّيِّدِ. انْتَهَى.
وَكَذَا فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيِّ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَمِيرَاثُهُ لِمَنْ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ عَصَبَاتِ مُعْتِقِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَثَبَتَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا أَنَّ الْمَالَ لِعَصَبَةِ السَّيِّدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَلَوِيَّةَ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَلْعِيُّ.
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُمَا وَجْهَانِ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ هَلْ يَثْبُتُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لِعَصَبَتِهِ أَوْ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ إلَّا بَعْدَهُ وَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا.
وَمِنْ الدَّلِيلِ لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم -
«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَقَوْلُ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُعْتَقَ قَتَلَ الْمُعْتِقَ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَالَهَا الرَّافِعِيُّ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهَا مُصَرَّحًا بِهِ بَيْنَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ كَمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ مُصَرَّحٌ بِهِ بَيْنَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَمَأْخَذُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ، فَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ يَجْرِي فِي الْقَاتِلِ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَجْرِي فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ الْفَرْقِ نَاطِقٌ بِمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ لَهُ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لِعَصَبَتِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ.
وَقَوْلُهُ: وَهَكَذَا لَوْ اُسْتُرِقَّ إلَى آخِرِهِ، الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى الْأَصَحِّ لِابْنِهِ لَا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقَوْلُهُ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي التَّزْوِيجِ، إلَى آخِرِهِ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَصَحِّ التَّزْوِيجُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ لَا إلَى الْحَاكِمِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ فَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ النَّسَبِ وَعَلَيْهَا وَلَاءٌ إنْ كَانَ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ فَلِعَصَبَاتِهِ ثُمَّ لِمُعْتَقِهِ ثُمَّ لَعَصَبَاتِ مُعْتَقِهِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْمَوَانِعِ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَةَ قَرِيبُهَا الْكَافِرُ بَلْ يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ أَوْ السُّلْطَانِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ مَا يَعْضِدُ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ جَازِمًا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ الْقَاضِي فِي كَرَّةٍ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِي الْوَلَاءِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَرِثُ الْأَبْعَدَ مِثْلُ أَنَّ الْعَتِيقَ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُعْتِقُ كَافِرًا وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فَمَاتَ الْعَتِيقُ لَا يَرِثُهُ الِابْنُ الْمُسْلِمُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَ الْمُعْتِقُ عَتِيقَهُ وَلَهُ ابْنٌ لَا يَرِثُهُ ابْنُهُ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ أَمَةً مُسْلِمَةً وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ لَا يَلِي الِابْنُ تَزْوِيجَهَا بَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُحْجَبُ كَالنَّسَبِ. انْتَهَى.
فَاسْتِشْكَالُ الْبَغَوِيِّ مُسَاعِدٌ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَقَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي فِي كَرَّةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي قَوْلٌ آخَرُ فِي كَرَّةٍ أُخْرَى وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا اتَّفَقَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ دَوَامِ نَظَرٍ بِحَيْثُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَوْهِينٌ لَهُ وَقَوْلُهُ الْمُلْزَمُ لِلْقَاضِي بِتَزْوِيجِ أَبِي الْمُعْتِقَةِ الْعَتِيقَةَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَقَلَ الْوِلَايَةَ إلَى
أَبِيهَا فَسَبَبُ عُصُوبَةِ الْوَلَاءِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَنَقْلَهَا إلَى أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ فِي الْوَلَاءِ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ قَالَ: الْكَلَامُ فِي الْوِلَايَةِ لَا فِي الْوَلَاءِ فَالْوَلَاءُ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْوِلَايَةُ لِتَعَذُّرِهَا مِنْهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ.
قُلْنَا: إنْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ الَّتِي بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَكَيْفَ تَثْبُتُ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةٌ أُخْرَى وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي تَزْوِيجِهِ مَمْلُوكَتِهَا فَلَا إلْزَامَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: إنَّهُ نَقَلَهَا بِسَبَبِ عُصُوبَةِ الْوَلَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لِلْمُعْتِقَةِ أَبٌ وَابْنٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْعَتِيقَةَ أَبُو الْمُعْتِقَةِ، وَالثَّانِي يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، وَالثَّالِثُ يُزَوِّجُهَا ابْنُهَا.
وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُشْتَرَطُ إذْنُ السَّيِّدَةِ الْمُعْتِقَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ وَهُوَ قَوِيٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّالِثَ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ عِنْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ أَرَادَ حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ مَوْتِهَا لَا فِي حَيَاتِهَا.
وَهَذَا مِنْ الْإِمَامِ يَحُومُ عَلَى مَا نَحَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لِعَصَبَتِهِ أَمَّا مَنْ يَقُولُ: يَثْبُتُ الْوَلَاءُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لِعَصَبَتِهِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ عَلَيْهِ أَنَّ الِابْنَ يُزَوِّجُ.
وَلَوْلَا أَمْرٌ وَاحِدٌ كُنْت أَخْتَارُ أَنَّ الِابْنَ يُزَوِّجُ وَذَلِكَ الْأَمْرُ هُوَ أَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ لِلْمُعْتِقَةِ يُقَدَّمُ فِيهِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَإِنْ شَارَكُوهَا فِيهِ فَهَلْ الْأُنُوثَةُ كَالْفِسْقِ سَالِبَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ أَشَرْنَا إلَى قَاعِدَتِهِمَا بَيْنَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْأَصَحُّ أَنَّ الِابْنَ يُزَوِّجُ أَوْ لَيْسَتْ سَالِبَةً لِاسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ وَلَكِنْ مَانِعَةٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا تَمْنَعُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً عَقْدَ نَفْسِهَا فَيُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ إذْنُهَا وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فَلِذَلِكَ لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى عَصَبَتِهَا بَلْ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا كَمَا يُزَوِّجُ مَمْلُوكَتَهَا.
وَهَذَا الْأَقْرَبُ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِإِذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَلَاءِ لَهُ بَلْ لِكَوْنِهِ وَلِيُّ الْمُعْتِقَةِ كَحَالَةِ لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا وَلَا وَلَاءَ لَهُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِهَا فَبَعِيدٌ وَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِقْلَالِهِ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْوِلَايَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ وَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ وَلَا وَجْهَ عِنْدِي غَيْرُ مَا ذَكَرْته أَنَّهُ
يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا وَإِذْنِ مُعْتِقَتِهَا، وَيَقْرُبُ مِنْهُ كَوْنُ الْحَاكِمِ يُزَوِّجُ وَهُوَ قَرِيبٌ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ كَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَامْتَنَعَ مِنْهُ.
وَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاشْتِرَاطِ إذْنِهَا كَمَا قِيلَ بِهِ لِوَلِيِّهَا وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَتُجْعَلُ كَالْغَائِبَةِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَّ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُلْزِمُ الْقَاضِي عَلَى خُصُوصِ بَحْثِهِ بَلْ إنْ لَزِمَتْ تَلْزَمُنَا أَوْ تَلْزَمُهُ وَجَوَابُهَا لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ أَمَةً فَمَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنًا صَغِيرًا وَلِلِابْنِ الصَّغِيرِ جَدٌّ قَالَ لِلْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُعْتَقَةَ هَكَذَا رَأَيْته فِي التَّعْلِيقَةِ وَقَوْلُهُ: قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُزِيلَ الْمُلْزِمَ لِلْقَاضِي أَوْ الْقَاضِي نَفْسَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ مُدْرَجًا فِي كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ هَذَا الْكَلَامُ وَأَنَّهُ فَهِمَ عَوْدَ الضَّمِيرِ فِي قَالَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مُنَازَعٌ فِيهِ، وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَدَّ يُزَوِّجُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْقَلْعِيِّ فِي الْمِيرَاثِ.
فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا نَصًّا عَنْ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ قَوْلٌ يَعْضِدُ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ فِي كَوْنِ الْوَلَاءِ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا مُتَرَتِّبًا وَلَا يَنْتَشِرُ فَلِيَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَنْقُولٌ وَجْهًا أَوْ قَوْلًا أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ الْجَدَّ وَمَأْخَذُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلصَّغِيرِ خَاصَّةً.
(وَالثَّانِي) وَلَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَلَكِنَّهُ قِيَاسُ الْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ فِي غَيْرِهَا أَنَّ الْجَدَّ يُزَوِّجُ وَلَكِنْ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرَ مَنْقُولَةٍ فَقَالَ: إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ أَمَةً وَمَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا صَغِيرًا وَأَخًا لِأَبٍ وَأَرَادَتْ الْجَارِيَةُ النِّكَاحَ وَلَا مُنَاسِبَ لَهَا فَلَا أَعْلَمُ فِيهَا نَصًّا.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِي الْمَذْهَبَ أَنَّ وِلَايَةَ نِكَاحِهَا لِأَخِي الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْوَلَاءِ فَرْعٌ عَلَى وِلَايَةِ النَّسَبِ وَوِلَايَةُ ابْنَةِ الْمَيِّتِ لِأَخِيهِ مَا دَامَ الِابْنُ صَغِيرًا فَكَذَلِكَ وِلَايَةُ الْمُعْتَقَةِ.
وَقَوْلُهُ: مَا الْفَرْقُ إلَى آخِرِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا فَهِمْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْقِ إلَى آخِرِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَلَمْ أَرَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي مِنْ التَّعْلِيقَةِ لِلْقَفَّالِ ذِكْرًا وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ لَاغٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ: جُعِلَتْ كَالْمَعْدُومَةِ إنْ أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ خَاصَّةً، وَرَدَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ بِدُونِ الْوَلَاءِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ قَوْلَهُ أَوَّلًا بِسَبَبِ الْوَلَاءِ.
فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ كَتَزْوِيجِ الْأَبِ مَمْلُوكَةَ ابْنِهِ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَاهُ وَيُسْتَغْنَى
بِهِ عَنْ الْفَرْقِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تُجْعَلُ كَالْمَعْدُومَةِ مُطْلَقًا لَزِمَهُ أَنْ تُنْقَلَ الْوِلَايَةُ إلَى الِابْنِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا أَبٌ وَلَا ابْنَ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ لَقَالَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ لَكِنَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي النَّقْلِ كَمَا مَرَّ. هَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ اخْتِيَارَهُ كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِلصَّحِيحِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْأَصْحَابَ فِي بَابِ الْعَاقِلَةِ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي بَابِ عَقْلِ الْمَوْلَى وَلَا يَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتِقُونَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ وَلَهُ قَرَابَةٌ تَحْمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضٍ حَمَلَ الْمُوَالِي الْمُعْتِقُونَ الْبَاقِيَ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ بَعْضٍ وَلَهُمْ عَوَاقِلُ عَقَلَهُ عَوَاقِلُهُمْ فَإِنْ عَجَزُوا وَلَا عَوَاقِلَ لَهُمْ عَقَلَ مَا بَقِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَوْلَى الْمُعْتِقَ يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْمُنَاسِبِينَ فَيُقَسَّمُ أَوَّلًا عَلَى الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ثُمَّ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِيهِمْ فَإِذَا فَضَلَ فَضْلَةٌ قُسِّمَتْ عَلَى الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ قُسِّمَ عَلَى مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ حَسَبَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَرَأَيْته فِي الْعُمَدِ لِلْفُورَانِيِّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعْتِقُ حَيًّا أَوْ عَجَزَ فَعَصَبَتُهُ.
وَفِي التَّتِمَّةِ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَرَاوِزَةِ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ عَصَبَةَ الْمَوْلَى يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا أَدُلُّ دَلِيلٍ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَرِثُونَ وَيَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إذَا قَامَ بِالْمُعْتِقِ مَانِعٌ كَمَا يَعْقِلُونَ مَا فَضَلَ عَنْهُ.
نَعَمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا الضَّرْبَ عَلَى عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِ الْمُعْتِقِ قَالَ: وَهَذَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْعَصَبَاتِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَلَاءِ وَلَا حَقَّ فِي الْوَلَاءِ فَيَقَعُونَ مِنْ الْمُعْتِقِ فِي حَيَاتِهِ مَوْقِعَ الْأَجَانِبِ فَإِذَا مَاتَ وَرِثُوا بِالْوَلَاءِ وَصَارَ لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَإِذْ ذَاكَ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَّجِهُ إلَّا هَذَا.
وَالْأُصُولُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْأَمْلَاكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الِاخْتِصَاصُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ.
نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقًا وَضَرَبْنَا عَلَى عَصَبَاتِهِ فَهَلْ يُتَخَصَّصُ الضَّرْبُ بِالْأَقْرَبِينَ أَوْ يَتَعَدَّاهُمْ إلَى الْأَبَاعِدِ لَصُنِعْنَا فِي عَصَبَاتِ النَّسَبِ فِيهِ تَرَدُّدٌ ظَاهِرٌ يَجُوزُ
أَنْ يُقَالَ: يَسْتَوْعِبُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِتَخْصِيصِ الْأَقْرَبِينَ وَالْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ. انْتَهَى.
وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ وَهِيَ نَزْعَةٌ مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِ وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ خِلَافُهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ وَبَعْدَهُ يَضْرِبُ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِمَامِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ لِعَصَبَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ إلَى أَقْرَبِهِمْ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَلَا يُضْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَأْتِيَ فِي التَّزْوِيجِ وَالْمِيرَاثِ وَلَا يَخْفَى تَرْتِيبُهَا.
وَالرَّافِعِيُّ وَافَقَ الْإِمَامَ فِي الْعَاقِلَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِنْهَا وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَالتَّزْوِيجِ أَنْ يَطْرُدَهُ فِي الْعَاقِلَةِ وَيَكُونَ عِنْدَهُ هُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الْمَجْزُومُ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا أَنْ يُطْرِدَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَالتَّزْوِيجِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
وَتَلَخَّصَ لَنَا طَرْدُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَوَاضِعِ فِي بَعْضِهَا نَقْلًا وَفِي بَعْضِهَا تَخْرِيجًا وَيَكْفِي نَصُّ الْمُخْتَصَرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي الْعَاقِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَانَ قَوْلًا بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وَإِلَّا كَانَ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا الْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعَاقِلَةِ.
{فَائِدَةٌ} عَرَفْت أَنَّ الْوَلَاءَ يَدُورُ عَلَى مَحْضِ الْعُصُوبَةِ وَكُلُّ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ نُسَمِّيهِ عَصَبَةً وَكَأَنَّا فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ خَالَفْنَا بَابَ الْفَرَائِضِ قَلِيلًا فَإِنَّ فِي الْفَرَائِضِ قُلْنَا: الْعَصَبَةُ كُلُّ ذَكَرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهُ مِنْ الْأَقَارِبِ.
وَفِي الْعَاقِلَةِ أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ الْعَصَبَةَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُعْتِقَ، أَلَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُعْتِقَ مِنْ أَعْلَى وَإِنَّمَا ذَكَر الْخِلَافَ فِي الْمُعْتِقَ مِنْ أَسْفَلِ وَأَيْضًا سَمَّى الْمَرْأَةَ الْمُعْتِقَةَ هُنَا عَصَبَةً وَفِي الْفَرَائِضِ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُنْفَرِدَةً بِالْعُصُوبَةِ بِحَالٍ أَعْنِي لِجِهَةِ الْقَرَابَةِ.
وَمِنْ قَوَاعِدِ التَّعْصِيبِ أَنَّ قُرْبَ الْجِهَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقُرْبِ إلَى الْمَيِّتِ فَيُقَدَّمُ ابْنُ ابْنِ الْأَخِ عَلَى ابْن الْعَمِّ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومَةِ، وَإِذَا قَدَّمَنَا جِهَةَ الْأُبُوَّةِ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْأُخُوَّةِ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْجُدُودَةِ جِهَةً مُسْتَقِلَّةً عَنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ، إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: أَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ وَأَخَاهُ لَا يُعَصِّبَانِ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَأُخْتَهُ، الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ لِلْمُعْتَقِ جَدٌّ وَأَخٌ فَالْأَصَحُّ اسْتِوَاؤُهُمَا كَالنَّسَبِ، وَالثَّانِي الْأَخُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ أَقْوَى وَهُوَ يُدْلِي
بِهَا.
وَإِنَّمَا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِي النَّسَبِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْأَخَ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّ، الثَّالِثَةُ أَنَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْأَخِ فِي النَّسَبِ.
وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا اسْتِوَاؤُهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَخَ أَوْلَى، الرَّابِعَةُ فِي النَّسَبِ أَبُو الْجَدِّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَهُنَا قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا اسْتِوَاؤُهُمَا وَالثَّانِي الْعَمُّ أَوْلَى وَلَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّ جَدَّ الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ عَمِّهِ كَمَا فِي النَّسَبِ وَفِي الْجَدِّ مَعَ عَمِّ الْأَبِ قَوْلَانِ، الْخَامِسَةُ فِي النَّسَبِ الْجَدُّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا أَخَذَ الثُّلُثَ وَفِي الْوَلَاءِ يَقْتَسِمَانِ أَبَدًا، السَّادِسَةُ الْأُخُوَّةُ لَا يُعَادُونَ فِي الْوَلَاءِ بَلْ إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ جَدٌّ وَأَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَالْأَخُ لِلْأَبِ كَالْمَعْدُومِ وَالْمَالُ بَيْنَ الشَّقِيقِ وَالْجَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى الثَّانِي كَانَ لِلشَّقِيقِ وَكَذَا إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ أَبُ جَدٍّ وَعَمَّانِ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالثَّانِي لِأَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَ أَبِ الْجَدِّ وَالْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ نِصْفَانِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي كُلِّهِ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، السَّابِعَةُ إذَا كَانَ فِي النَّسَبِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَإِذَا كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَالَ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ فِي الْوَلَاءِ الْفَرْضَ فَرَجَحَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ. هَذَا هُوَ أَصَحُّ الطَّرِيقَيْنِ.
ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ السَّبْعَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْوَلَاءِ لَا تَنْفَرِدُ بِالْعُصُوبَةِ إذَا كَانَتْ مُعْتِقَةً وَفِي النَّسَبِ لَا تَنْفَرِدُ بِالْعُصُوبَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَصَبَةً بِغَيْرِهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِلْأَصْحَابِ عِبَارَةً حَائِطَةً بِمَنْ يَرِثُ لِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعْتِقَ وَهِيَ أَنَّهُ يَرِثُ الْعَتِيقَ بِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ ذَكَرٌ يَكُونُ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقِ لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ بِصِفَةِ الْعَتِيقِ، وَخَرَّجُوا عَلَيْهَا مَسَائِلَ: مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ إلَّا إذَا أَعْتَقْنَ وَمِنْهَا أَنَّ ابْنَ الْمَوْلَى يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ ابْنِ الْمَوْلَى، وَمِنْهَا لَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَمَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ أَسْلَمَ الِابْنُ الْكَافِرُ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ مُسْلِمًا فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ.
قُلْت: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ: وَقَوْلُنَا بِصِفَتِهِ احْتِرَازٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَهُ ابْنَانِ مُسْلِمٌ