الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَعْلَمُ -. أَلْحَقْت ذَلِكَ فِي دَرْسِ الْأَتَابِكِيَّةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ قِعْدَةٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ.
وَهَذَا التَّنْبِيهُ الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ إلَّا أَنَّهُ عَرَضَ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي بْنِ عَلِيِّ بْنِ تَمَّامٍ السُّبْكِيُّ - غَفَرَ اللَّه لَهُ وَلِوَالِدِيهِ - انْتَهَى. قَالَ وَلَدُهُ مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَأَمْلَى بَعْدَهُ عَلَيَّ فِيهِ مُصَنَّفًا آخَرَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا هُوَ عِنْدِي وَكَانَ صَنَّفَ قَبْلَهُمَا فِي مِصْرَ مُصَنَّفَيْنِ نَصَرَ فِيهِمَا قَوْلَ ابْنِ الْحَدَّادِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى هَذَا فَلْيُتَنَبَّهْ، ثُمَّ أَمْلَى عَلَيَّ مَا هُوَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ أَبْسَطُ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّهِ مَا هُوَ نَصُّهُ نُقِلَ مِنْ خَطِّهِ. .
[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]
(فَصْلٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: هَذِهِ مُؤَاخَذَاتٌ عَلَى التَّصْنِيفِ الصَّغِيرِ الَّذِي عَمِلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَسَمَّاهُ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ لَا أُطَوِّلُ فِيهَا؛ لِأَنِّي قَدْ تَكَلَّمْت عَلَى كَلَامِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أُنَبِّهُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِي هَذَا التَّصْنِيفِ بِحَسْب الِاخْتِصَارِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ: قَوْلُهُ إنَّ صِيغَةَ قَوْلِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهَا صِيغَةُ قَسَمٍ، قُلْت كَيْفَ يَدَّعِي اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَرَدَتْ فِي كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا سَمِعْتُ مِنْ عَرَبِيٍّ لَا فِي نَظْمٍ وَلَا فِي نَثْرٍ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْضًا يَمِينٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهَا تُسَمَّى يَمِينًا. قُلْت قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كَلَامِنَا وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَلْزَمُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَوْلُهُ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ عَلَيْهَا جَانِبَ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوقِعْ بِهِ بَلْ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ لَا أَعْرِفُ أَحَدًا صَرَّحَ بِهِ مِنْ سَلَفٍ وَلَا خَلَفٍ. وَأَمَّا اقْتِضَاءُ كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي الْإِجْمَاعِ لِنَقْلِهِ فَقَدْ تَكَلَّمْت عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ الْمُسَمَّى بِالتَّحْقِيقِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي سَتُكْتَبُ بَعْدَ هَذَا. وَقَوْلُهُ إنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا عُرِفَ عَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي قَصَدَ صَاحِبُهُ الْحَلِفَ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، إمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي كَوْنِهِ يُسَمَّى حَلِفًا أَوْ فِي تَسَاوِي أَحْكَامِهِمَا، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ
فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَمَمْنُوعٌ. وَسَنَدُ الْمَنْعِ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ التَّعْلِيقَ صَرِيحٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا نَجِدُ وَاحِدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُسَوِّي بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقُولُ إمَّا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهِمَا أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِمَا بَلْ أَكْثَرُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُقُوعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ وَالْحُكْمُ بِالْوُقُوعِ فِيهِمَا الَّذِي مِنْ لَازِمِهِ التَّسْوِيَةُ فِيهِ لَيْسَ حُكْمًا بِالتَّسْوِيَةِ بِالتَّفْسِيرِ الْمُتَقَدَّمِ حَتَّى يَسْتَنْتِجَ مِنْهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِيهِمَا الَّذِي هُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، وَمَنْ أَرَادَ إشْبَاعَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالتَّحْقِيقِ مَعَ اخْتِصَارِهِ.
قَوْلُهُ: إنَّ أَنْوَاعَ الْأَيْمَانِ ثَلَاثَةٌ 1 - بِاَللَّهِ 2 - لِلَّهِ 3 - أَنْ يَعْقِدَهَا بِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ لِغَيْرِ اللَّهِ. قُلْت الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ بِاَللَّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ.
الثَّانِي بِاَللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَسْرِقَنَّ الثَّالِثُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَأَتَصَدَّقَنَّ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إنْ فَعَلْت كَذَا لَأَتَصَدَّقَنَّ أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ، وَالرَّابِعُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَأَسْرِقَنَّ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَسَمِ إنْ فَعَلْت كَذَا لَأَسْرِقَنَّ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ مُنْعَقِدَانِ تَجِبُ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَالثَّالِثُ فِيهِ مِثَالَانِ:
أَحَدُهُمَا الْقَسَمُ الصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَالثَّانِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْحَجُّ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ، كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَسَمُ الصَّرِيحُ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ فَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى.
وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنِدُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ الْتِزَامٌ مُجَرَّدٌ فَارَقَ قَوْلَهُ، وَالْكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهُهُ فَإِنَّ فِيهَا تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ أَبْطَلَ أَثَرَهَا، وَأَمَّا الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْتِزَامٌ مُجَرَّدٌ، وَالشَّخْصُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إلْزَامِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَالضَّمَانِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَعَوْصُ وَأَقْرَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُتَرَتِّبِ، فَمِنْ قَائِلٍ: وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ الْتَزَمَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لِذَلِكَ لَمْ يَقْصِدْ الْتِزَامَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إنَّمَا قَصَدَ ذَلِكَ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ مِمَّا حَلَفَ
عَلَيْهِ أَوْ يَحُثَّهَا، وَالنَّذْرُ الَّذِي حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ هُنَا الْوَفَاءُ وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُشْبِهٌ لِلْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَنَعَ نَفْسَهُ بِالْتِزَامِ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِهَا: إنَّهُ حَلَفَ حَقِيقَةً عَلَى الْحَجِّ مَثَلًا فَيَرُدُّهُ أَنَّ السَّلَفَ وَالْخَلَفَ يُطْلِقُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْحَجِّ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقَةِ وَحَلَفَ بِالصَّدَقَةِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عَتَاقَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ لَكَانُوا يَقُولُونَ حَلَفَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَتَصَدَّقَ أَوْ يُعْتِقَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ إلَّا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ، فَالْفِعْلُ الْمَقْصُودُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَجُّ مَثَلًا هُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ إذَا فَعَلَ الْفِعْلَ حَانِثًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ حَانِثًا إلَّا بِتَرْكِ الْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ نَادِرٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ؛ لِأَنَّ عَلَى وَجْهِ الْحَلِفِ لَيْسَ قَصْدُهُ الطَّاعَةَ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَشْيَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمَشْيِ لَهُ جِهَتَانِ:
إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَذَلِكَ هُوَ الطَّاعَةُ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَمَا هَاهُنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَهُ لِيَكُونَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» فَلَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَوْجَبَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الطَّاعَةَ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَوَجَبَ وَهَا هُنَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ الطَّاعَةَ.
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ تَرَتَّبَ الْمَنْذُورُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ عَيْنًا بَلْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالْكَفَّارَةِ. وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي التَّحْقِيقِ.
قَوْلُهُ إنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّوَاغِيتِ أَوْ بِأَبِيهِ أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهَا يَمِينٌ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي إيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
وَأَمَّا حُكْمُنَا نَحْنُ بِانْعِقَادِهَا؛ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَعْظِيمُ
غَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْحَلِفِ بِالطَّوَاغِيتِ وَأَبِيهِ وَالْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمَعْقُودَةِ لِلَّهِ فِيمَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ التَّقَرُّبَ لَا الْحَلِفَ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ نَذْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَكَأَنَّ النُّسْخَةَ سَقِيمَةٌ فَلْيَنْظُرْ فِي أُخْرَى.
وَإِدْرَاجُهُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ لِلَّهِ يَقْتَضِي: أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ لِلَّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَعْقُودٌ لِلَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَا شَيْئًا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْحِنْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا أَنْ يُنْشِئَ طَلَاقًا بَلْ مَقْصُودُهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا عَقَدَهُ لِلَّهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ وَمَا عَقَدَهُ لِلَّهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالُوا فِي الْأَوَّلِ: كَفَّارَةٌ وَفِي الثَّانِي مَا حَلَفَ، هَذَا وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُولُوهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَيْسَ مَأْخَذُهُمْ كَوْنَ هَذَا تَحْرِيمًا وَإِيجَابًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخَذُهُمْ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ مِنْ كُلِّ تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي أَوْ أَمَتِي حَرَامٌ وَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَيَحْرُمُ إذَا وَجَدَ الشَّرْطَ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
بَلْ مَأْخَذُهُمْ أَنَّ هَذَا وُقُوعٌ وَذَاكَ الْتِزَامٌ، وَالْأَوَّلُ مُفَوَّضٌ إلَى الْعَبْدِ يُصِيبُ بِسَبَبِهِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَمَتَى وَجَدَ سَبَبَهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
(وَالثَّانِي) لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَإِذَا وَجَبَ سَبَبُهُ وَتَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ الدَّالِ عَلَى تَكْفِيرِ الْأَيْمَانِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لِهَذِهِ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهَا نِزَاعًا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ إنَّمَا صَارَتْ يَدْخُلُ فِيهَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ زَادَهَا فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَصَارَ يُحَلِّفُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَاشْتَهَرَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا نَوَاهَا الْحَالِفُ دَخَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَا تَدْخُلُ وَلَوْلَا ذَلِكَ دَخَلَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِيهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَالْإِيهَامُ بِكَوْنِهَا مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُفِيدُ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَيْمَانُ
الْمُسْلِمِينَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا أَوْ مَا يَتَعَارَفُ الْمُسْلِمُونَ الْحَلِفَ بِهِ وَجَرَتْ عَادَتْهُمْ بِهِ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاق لَمْ يُشْرَعْ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا بَلْ هِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَتَعَارَفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالْحَلِفِ بِهِ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُسْلِمِينَ حِينَ الْأَوَّلِ وَلَا فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَلِفِ بِهَا وَهُوَ قَدْ سَلَّمَ، فَكَيْفَ يَقُولُ إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِعُرْفٍ طَارِئٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوٍ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً؟ ،، ثُمَّ إنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ فِي مَعْرِضِ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْأَيْمَانِ لَا فِي مَعْرِضِ تَبْيِينِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَيْمَانِ غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهِيَ أَعَمُّ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» وَالْخِطَابُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ لِعُمُومِ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَكِنْ تَبَيَّنَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ: أَنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا لَا يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ فَعَلِمْنَا خُرُوجُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ بِالْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ حَتَّى نُهُوا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَاللَّيْلِ)(وَالضُّحَى)(وَالشَّمْسِ) وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ» . قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ فَرْضَ الْكَفَّارَةِ لِئَلَّا تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُوجِبَةً أَوْ مُحَرَّمَةً لَا مَخْرَجَ مِنْهَا فَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَانَتْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ مَوْجُودَةً.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَفْسَدَةَ عَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ ارْتِكَابُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. وَقَدْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فَشُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ هُنَا: وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ كُلِّ مَفْسَدَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ. وَالْمَفْسَدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْيَمِينِ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ وَحْدَهَا هِيَ الْمُلَاحَظَةُ بَلْ الْمَجْمُوعُ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
فَإِنْ قُلْتَ فَفِي نَذْرِ الْحَاجِّ لِمَ حَلَّتْ الْكَفَّارَةُ؟ . قُلْت؛ لِأَنَّهُ فِيهِ إيجَابٌ وَيَحْصُلُ بِتَرْكِهِ الْمَعْصِيَةُ فَلَوْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ شَرْعِ الْكَفَّارَةِ لِحُصُولِ الْعِصْيَانِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ فَهُوَ بِالْيَمِينِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ مَانِعًا لَهُمْ، إلَى آخِرِهِ. قُلْت الَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْحَلِفُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِمَّا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُجْعَلُ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْيَمِينِ جَاعِلًا اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ. هَذَا مِمَّا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْهُ.
وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمُعْتَمَدِ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِهِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قُلْته أَوَّلًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَقَوْلُهُ فِي الْإِيلَاءِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ فِي لَفْظِ الْآيَةِ بَلْ فِي حُكْمِهَا بِالْقِيَاسِ وَلَوْ سَلَّمْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226]- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيهِ مَقْصُودُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مُولٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفِيءَ هَذِهِ الْفَيْئَةَ الْخَاصَّةَ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ إذَا تَحَقَّقَتْ أَنَّهَا مَتَى وُطِئَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ إنْ كَانَتْ رَاغِبَةً فِي الْوَطْءِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَاغِبَةٍ فِي الْوَطْءِ وَتَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الصُّحْبَةِ فَلَا تَطْلُبُهُ، وَالْفَيْئَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ التَّعَرُّضِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بَلْ التَّعْجِيلُ إلَيْهَا قُلْنَا: التَّأْجِيلُ لَيْسَ لِأَجْلِهَا بَلْ لِأَجْلِهِ فَيُمْهَلُ هَذِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ دَفْعًا لِضَرَرِهَا. وَأَمَّا أَنَّ التَّأْجِيلَ شُرِعَ لِنَفْعِ الْمَرْأَةِ فَلَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَتْوَى الصَّحَابَةِ فِيمَنْ قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ قَدْ حَصَلَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ هُنَا. وَالْإِمَام أَحْمَدُ لَمْ يُثْبِتْهُ وَتَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ مَحْضَةً قَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءِ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرْت - أَنَا - قَرِيبًا مِنْهُ فِي التَّحْقِيقِ قَبْلَ أَنْ أَقِفَ عَلَى كَلَامِهِ فِيهِ وَلَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِهِ بَعْضُ الْمُبَايَنَةِ وَهُوَ أَنَّنِي - أَنَا - أَجْعَلُهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي نَذْرِ الْحَاجِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِفِ عَلَى الْحَجِّ مَثَلًا وَصَيْرُورَتُهُ كَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ بَلْ الشَّرْعُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَتَهُ