الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدٍ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ وَيَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ الْحُدُودِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمُقْتَضَى مَكْتُوبِهِ وَقَدْ طَلَبَ مِنِّي ذَلِكَ فَلَمْ أَفْعَلْهُ؛ لِأَنِّي أَعْلَمُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَعْلَمُ مِلْكَ زَيْدٍ لِلْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا عِلْمًا يُسَوِّغُ لَهُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ وَذَلِكَ الْبَلَدُ مُشْتَهِرٌ وَتَحْقِيقُ حُدُودِهِ قَدْ لَا يُحِيطُ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهَا فَيَشْتَمِلُهَا مِمَّنْ يَعْرِفُهَا هَكَذَا رَأَيْنَا الْعَادَةَ كَمَا يَشْهَدُ عَلَى زَيْدٍ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَيَتَحَقَّقُهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ نَسَبُهُ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فِيهِ، فَالتَّمَسُّكُ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ كَالتَّمَسُّكِ فِي إثْبَاتِ الشَّرَفِ وَنَحْوِهِ هُنَاكَ بِذَاكَ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ بِحَقٍّ لَا تُنْزَعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ وَلَا يَعْتَمِدُ فِي رَفْعِ يَدِهِ عَلَى كِتَابٍ قَدِيمٍ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا نَدْرِي مُسْتَنَدَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ. انْتَهَى.
[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]
(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)(مَسْأَلَةٌ) رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي أَنْسَابٍ وَبَسَاتِينَ وَهُمَا مُسْتَأْجِرَانِ لِلْأَرْضِ الْحَامِلَةِ لِذَلِكَ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْأَنْسَابِ وَالْبِئْرِ هَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ؟
(أَجَابَ) لَا إجْبَارَ فِي الْبِئْرِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ صَغِيرَةً كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ كَبِيرَةً وَلَا فِي الْأَنْسَابِ إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهَا أَوْ نَوْعُهَا أَوْ قِيمَتُهَا بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ التَّعْدِيلُ، وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَأَمْكَنَ التَّعْدِيلُ فَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) مِنْ النَّحْرَارِيَّةِ قِسْمَةُ رَدٍّ ظَهَرَ فِيهَا عَيْنٌ كَرِهَ وَكَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَمْ أَكْتُبْ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا رَدَّ لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا جَرَتْ بِلَفْظِ الْقِسْمَةِ تُرَدُّ لِاقْتِضَاءِ لَفْظِ الْقِسْمَةِ التَّعَادُلَ، وَهَذَا عِنْدِي قَوِيٌّ وَهُوَ مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ أَجْسُرْ عَلَى الْفَتْوَى بِهِ حَتَّى أَتَرَوَّى فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(فَتْوَى) مِنْ قَاضِي حَمَاةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 49 فِي قِسْمَةِ أَرْضٍ نِصْفُهَا مِلْكٌ وَنِصْفُهَا وَقْفٌ وَأَحَدُ طَرَفَيْهَا يَلِي النَّهْرَ دُونَ الْآخَرِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْزَاءِ.
(الْجَوَابُ) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَلَا يُجَابُ صَاحِبُ الْمِلْكِ إلَى مَا سَأَلَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ لَا إجْبَارًا وَلَا بِاخْتِيَارِهِمْ، وَقِسْمَةُ مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ جَوَازَ قِسْمَةِ الْمِلْكِ مِنْ الْوَقْفِ
وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ، وَمُسْتَنَدُهُمَا
الْمَصْلَحَةُ
، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا عَمَلُ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ وَلَدُهُ سَيِّدُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ تَاجُ الدِّينِ سَلَّمَهُ اللَّهُ: أَمْلَى عَلَيَّ وَالِدِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه سُئِلَ وَالِدِي عَنْ قِسْمَةِ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ رِضَا الْعَامِلِ أَمْ لَا؟ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ؟
(الْجَوَابُ) تَصِحُّ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْعَامِلِ وَيَبْقَى حَقُّهُ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يَحْذَرُ مِنْ الرِّبَا بِأَنْ تَجْرِيَ الْقِسْمَةُ بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ وَيَقَعُ فِي كُلٍّ مِنْ النَّصِيبَيْنِ فَيَصِيرُ بَيْعُ رُطَبٍ وَنَخْلٍ بِمِثْلِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.
هَذَا الْجَوَابُ الْجُمَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ فَالْكَلَامُ فِي فَصْلَيْنِ بَيْعُ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا ثُمَّ قِسْمَتُهَا.
أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: بَيْعُ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ تُشْبِهُ بَيْعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا، نَعَمْ فِي فَتَاوَى صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ بَاعَهَا قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي ثِمَارِهَا فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ الثَّمَرَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَشْجَارِ وَنَصِيبُ الْمَالِكِ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ مَعَ الْأُصُولِ وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ، وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا لَمْ يَصِحَّ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَعَذُّرُهُ فِي الشَّائِعِ. انْتَهَى.
وَاسْتَحْسَنَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَيْعِ الثَّوْبِ عِنْدَ الْقَصَّارِ الْأَجْرُ عَلَى قِصَارَتِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَكُلُّ عَيْنٍ ثَبَتَ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ حَقُّ حَبْسِهَا لِيَسْتَوْفِيَ مَا وَجَبَ لَهُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ أَجْرًا.
قَالَ: وَبَعْضُ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ: يَتَّجِهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَامِلَ قَدْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ الَّذِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ وَغَفَلَ عَنْ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْمَأْخَذِ.
وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: كِلَا الْكَلَامَيْنِ مُعْتَرِضٌ، أَمَّا كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَلِأَنَّهُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ بِأَنَّ لِلْعَامِلِ جُزْءًا فِي الثَّمَرَةِ
فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا، وَمُرَادُهُ بِخُرُوجِ الثَّمَرَةِ وُجُودُهَا لَا تَأْبِيرُهَا فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ نَخْلَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَاهَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَاسْتَثْنَى مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرَتِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَإِنْ كَانَ أَظْهَرَ مِنْ أَنْ يُعْزَى إلَى نَقْلٍ فَنَزَّلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ اسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ لِمَا مِنْ الثَّمَرَةِ مَنْزِلَةَ اسْتِثْنَائِهِ لَفْظًا، وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لَفْظًا لَبَطَلَ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّأْبِيرَ لَمْ يَضُرَّ.
وَلَمْ يَتِمَّ اسْتِدْلَالُهُ لِمَا بَيِّنَاهُ لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ اسْتِثْنَاءٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُعْطَى حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فِي الْمَنَافِعِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا مُسْتَأْجَرَةً صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ التَّصْحِيحَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَصَّ عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ يُفَرِّقُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ فَيُلْحِقُ الِاسْتِثْنَاءَ الشَّرْعِيَّ بِاللَّفْظِيِّ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ. قُلْت: قَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ الْمُوصَى بِنِتَاجِهَا صَحَّ الْبَيْعُ إذَا وَقَعَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَمْلِ.
وَنَصَّ هُوَ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَنْفَعَةِ الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ وَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ مِنْ الثُّلُثِ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ كَامِلَةً عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ أَوْ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِالْمَنْفَعَةِ وَدُونَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ شُرَيْحٍ رحمه الله، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَبَّدِ وَالْمُؤَقَّتِ فَذَكَرُوا عَنْ الْحُصَرِيِّ تَفْصِيلًا اسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا بِعَامٍ مَجْهُولٍ يُفَوِّضُ لِلْوَارِثِ تَعْيِينَهُ أَوْ يُوصِي بِثِمَارِ بُسْتَانِهِ مَثَلًا لِعَامٍ فَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ الْعَامَ اسْتَحَقَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ الْعَبْدَ إنْ جَعَلَ لَهُ خِدْمَتَهُ عَامًا حَتَّى إنْ مَرِضَ هَذَا الْعَامَ خَدَمَ عَامًا آخَرَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ رَقَبَتِهِ فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ خِدْمَةَ عَامٍ مَعْلُومٍ أَوْ ثَمَرَةَ الْبُسْتَانَ عَامًا مَعْلُومًا بِحَيْثُ إنْ أَخْلَفَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا فَفِي جَوَازِ بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْبُسْتَانِ قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَنْقَضِ زَمَانُ الْوَصِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الرَّقَبَةِ مِنْ الثُّلُثِ
لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَاصِلَةٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالرَّقَبَةِ، وَالْحَيْلُولَةُ لَا تَجُوزُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الشَّيْءُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَإِنْ جَوَّزَ بَيْعَ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْبُسْتَانِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ النُّقْصَانِ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ.
فَفِي هَذَا النَّقْلِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ بَيْعَ الشَّجَرَةِ الْمُوصَى بِثَمَرَتِهَا سَنَةً مُخَرَّجٌ عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ عَيْنًا مُسْتَثْنَاةً شَرْعًا مَعَ أَنَّهَا إذَا اُسْتُثْنِيَتْ لَفْظًا لَا يَصِحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ كُلَّ مَنْفَعَةِ الشَّجَرِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُوصِي بِنِتَاجِهِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الشَّرْعِيَّ فِي ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اللَّفْظِيَّ فِي ذَلِكَ قَادِحٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً لَا ثَمَرَةَ عَلَيْهَا وَاسْتَثْنَى مَا يُحْدِثُ مِنْ ثَمَرَتِهَا بَاطِلٌ وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا يَحْدُثُ مِنْ حَمْلِهَا فَقَدْ ظَهَرَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالثِّمَارِ وَالْحَمْلِ الْمَعْدُومِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَمَسْأَلَةُ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَسْتَمِرُّ لَكُمْ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فِي الْأَعْيَانِ وَقَدْ سَوُّوا بَيْنَهُمَا فِي الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلَةً بِحُرٍّ بَطَلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَيْضًا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا الْمَوْجُودِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ فَكَالْحَامِلِ بِحُرٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَقَدْ سَوُّوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ وَالشَّرْعِيِّ صَرِيحًا.
قُلْت: إنَّمَا سَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فِي الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ أَوْ مُنَزِّلٍ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مَجْهُولٍ قَدْرًا وَصِفَةً لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ فِي الْبَيْعِ فَأَشْبَهَ اسْتِثْنَاءَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَحْدَهُ، وَكَذَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الشَّاةِ إلَّا يَدَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَبَعْدَ الذَّكَاةِ يَصِحُّ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَعْلُومًا كَالْأَرْضِ لَا مَكَانَ التَّسْلِيمِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَأْخَذَ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهِ وَالْحَامِلُ بِحُرٍّ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا بِدُونِهِ وَلَيْسَ لِتَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ غَايَةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَطُولُ وَتَقْصُرُ مَعَ مَا فِي جَهَالَةِ الْحَمْلِ الْمُسْتَثْنَى وَعَدَمِ الْعِلْمِ
بِقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَجَرَّ ذَلِكَ غَرَرًا عَظِيمًا فَلَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ اسْتَثْنَى لَفْظًا أَوْ شَرْعًا وَالثَّمَرَةُ بَعِيدَةٌ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَيَصِحُّ إفْرَادُهَا وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُ الشَّجَرَةِ بِدُونِهَا فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لَفْظًا أَوْ شَرْعًا وَالثَّمَرَةُ الْمَعْدُومَةُ إذَا اسْتَثْنَاهَا لَفْظًا خَالَفَ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ مِنْ حُدُوثِهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُشْتَرَى وَلَا يَأْتِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ نُقَدِّرُ كَأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي وَعَادَتْ إلَيْهِ بِإِجَارَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْرِيرُ ذَلِكَ هُنَا، وَإِذَا اسْتَثْنَاهَا شَرْعًا فَقَدْ أَحَلَّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّهُ وَمَلَّكَهُ جَمِيعَ مَا كَانَ يَمْلِكُ، وَالْمَنَافِعُ مَعْلُومَةٌ وَيَصِحُّ إفْرَادُهَا لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَفِي الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ أَبْطَلْنَا؛ لِأَنَّهُ كَشَرْطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَشَرْطُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَفِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَلَكَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ مَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَرَفَعَ يَدَهُ الْكَائِنَةَ عَلَى الْعَيْنِ وَأَحَلَّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّهُ وَصَارَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ صَحَّ، وَالْحَمْلُ الْمَعْدُومُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ مَا يُقْدَحُ اسْتِثْنَاؤُهُ اللَّفْظِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ.
فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ لَا يَضُرُّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَلَوْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِيهَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا شَرْعًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: ثُبُوتُ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا وَالْمَزْرُوعَةُ لَا يَدٌ حَائِلَةٌ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِثْنَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَإِحْلَالِهِ مَحَلَّهُ وَيَصِحُّ تَسْلِيمُهَا مَزْرُوعَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ إذَا اسْتَثْنَى غِرَاسَهَا وَلَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، وَيَدْخُلُ الْغَرْسُ الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ عَنْ الشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ
وَغَيْرُهُمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَرْسٌ فِي مِلْكِهِ وَالْمَزْرُوعَةُ بِزَرْعٍ يُسْتَخْلَفُ كَالْمَغْرُوسَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَتَسْتَحِقُّ إبْقَاءَ الزَّرْعِ.
وَفِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِإِبْقَاءِ الزَّرْعِ الَّذِي لَا يُسْتَخْلَفُ وَجْهَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالدَّارُ الْمَشْحُونَةُ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ يَصِحُّ بَيْعُهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِالتَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَلَيْسَ فِي الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ إلَّا اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةٍ وَلَا يَدٌ حَائِلَةٌ وَلَا تَأَخُّرُ اشْتِغَالٍ بِأَسْبَابِ التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالْيَدُ الْحَائِلَةُ؛ فَجَرَى الْقَوْلَانِ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فَإِنَّ يَدَ الْعَامِلِ لَيْسَتْ حَائِلَةً فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ يُشَارِكُ الْمَالِكُ فِي الْيَدِ أَوْ يَعْمَلُ فِي يَدِهِ، وَالْمَغْرُوسَةُ وَالْمَزْرُوعَةُ لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْمَزْرُوعَةَ فِيهَا خِلَافٌ وَاتَّفَقُوا فِي الْمَغْرُوسَةِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْيَدِ الْحَائِلَةِ بِدُونِ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ فَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ رحمه الله فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَضَمَّنَ أُمُورًا:
(أَحَدُهَا) مَا حَكَاهُ عَمَّنْ نَسَبَهُ إلَى الْغَفْلَةِ بِسَبَبِ تَخْرِيجِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ صِحَّةُ التَّخْرِيجِ وَيَزْدَادُ ظُهُورًا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَالثَّانِي) قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَامِلَ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ لِلْبَائِعِ، هَكَذَا نَقَلْته مِنْ كِتَابِهِ بِخَطِّهِ.
وَالثَّمَرَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِيهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ، وَتَشْبِيهِهَا بِالْإِجَارَةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَبْلِهَا وَبَعْدِهَا إلَّا انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ بِخَطِّهِ لَكُنْت أَقُولُ: إنَّ النَّاسِخَ غَلِطَ فِي قَوْلِهِ: لِلْبَائِعِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا " لِلْمُشْتَرِي " وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُوَافِقًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ وَبَعْدَهَا وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يُخْرِجُهَا عَنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنَافِيَةٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَلَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ وَنَقَلَ الْحُكْمَ مُجَرَّدًا سَلِمَ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إذْ هَذَا كَلَامٌ لَا يَلْتَئِمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ سَوَاءً قَالَ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ حَالِهِ وَحَالِهِ، وَالْإِلْحَاقُ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ثُمَّ هُوَ لَا يُلَائِمُ الْمَأْخَذَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ حَقِّ الْعَامِلِ الْأَجْر اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ حَقَّ الْحَبْسِ.
(الْأَمْرُ
الثَّالِثُ) الْكَلَامُ عَلَى الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ حَقِّ الْحَبْسِ وَقِيَاسِهِ عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى قِصَارَتِهِ. ذُكِرَ هَذَا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قِصَارَتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَخَوَاتٍ لَهَا فَقَالُوا: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِصَبْغِ ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَصَبَغَهُ فَإِنْ وَفَّرَ الْأُجْرَةَ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِرْجَاعِهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنٌ فَيَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِرْجَاعِهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ إذَا كَانَ قَدْ وَفَّرَ الْأُجْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْعَيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ وَفَّرَ الثَّمَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ غَرَضِنَا، قَالُوا: وَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ صَبْغِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ لِعَمَلِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ وَالثَّوْبُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ عَلَى قِصَارَتِهِ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْقَصْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَبَعْدَهُ إنْ وَفَّرَ الْأُجْرَةَ جَازَ وَإِلَّا فَإِنْ قُلْنَا: الْقِصَارَةُ عَيْنٌ كَالصَّبْغِ، وَإِنْ قُلْنَا: أَثَرٌ فَلَهُ الْبَيْعُ، وَهَكَذَا صَوْغُ الذَّهَبِ وَرِيَاضَةُ الدَّابَّةِ وَنَسْجُ الْغَزْلِ.
إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ مِنْ وُجُوهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَلْ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إلَى غَايَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْعَمَلِ وَزَمَانُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ بَيْعَ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْإِقْرَارِ وَالْحَمْلِ، وَقَدْ حَمَكْنَا بِالْبُطْلَانِ فِيهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَدَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ مَعَ اشْتِرَاكِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَبْسِ وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَدَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ.
وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا، وَبِهِ تَتَّضِحُ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا تَقْدِيرَ الْعَمَلِ بِمُدَّةٍ كَانَ كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ سَوَاءً وَيَأْتِي فِيهَا الْقَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ فِيمَا نَعْتَقِدُهُ، مِثَالُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِإِرْضَاعِ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ حَوْلَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
(الثَّانِي) لَوْ صَحَّ هَذَا الْمَأْخَذُ لَاقْتَضَى الْمَنْعَ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ بْنَ الرِّفْعَةِ حِينَ تَصْنِيفِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ ذَكَرَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ.
(الثَّالِثُ) الْكَلَامُ عَلَى قُوَّةِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ فِي نَفْسِهَا فَنَقُولُ: إنَّ الْعَيْنَ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ فِيهَا لَوْ بَدَأَ
الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَإِمَّا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلْأَجِيرِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ هَذَا عَنْهُ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافَهُ قَالَ الْإِمَامُ رحمه الله: لَكِنْ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إذَا سَلَّمَ الْأَجِيرُ نَفْسَهُ وَمَضَى مُدَّةُ إمْكَانِ الْعَمَلِ إنْ قُلْنَا بِاسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ بِتَسْلِيمِ الْأَجِيرِ نَفْسَهُ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَسْتَقِرُّ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ بِحَالٍ.
قُلْت: وَالصَّحِيحُ اسْتِقْرَارُهَا بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ الْمُسْتَوْفَى وَلَمْ يَأْتِ بِبَدَلِهِ إلَى أَنْ مَضَى إمْكَانُ الْعَمَلِ لَا تَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى إذَا مَا لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَقَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا: لَا تَسْتَقِرُّ فَلِلْأَجِيرِ الْفَسْخُ، فِيهِ نَظَرٌ يَقْتَضِي أَنَّا نُمَكِّنُ الْمَالِكَ مِنْ الِامْتِنَاعِ مَعَ قَوْلِنَا بِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ كَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ إذَا أَحْضَرَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ فَامْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ مِنْ قَبُولِهِ فَيَلْزَمُ بِالْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ كَذَلِكَ هَاهُنَا الْعَمَلُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَجِيرِ وَقَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُبْرِئَ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعَيْنَ لِيَعْمَلَ فِيهَا وَإِمَّا بَدَلَهَا إنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْإِبْدَالَ.
فَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَظْهَرُ جَوَازُ الْبَيْعِ إذْ لَا غَرَضَ لِلْأَجِيرِ فِي عَيْنِهَا.
وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يُبَرَّأَ أَوْ يُبَدِّلَ، كَمَا نَقُولُ: إنَّ الْوَاجِبَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الْقَبُولُ إلَّا أَنْ يُبَرِّئَ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ أَمَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فَالْكَلَامُ فِي شَيْئَيْنِ اسْتِرْجَاعُهُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: الْأُجْرَةُ تَسْتَقِرُّ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فَلِلْمَالِكِ الْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِ وَيَجِبُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ إذْ لَا غَرْضَ لِلْأَجِيرِ فِيهِ فَإِنَّ أُجْرَتَهُ تَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَسْتَقِرُّ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا لَمْ يَأْتِ الْمَالِكُ بِبَدَلِهِ إنْ جَوَّزْنَا الْإِبْدَالَ أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الِاسْتِرْجَاعُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْحُكْمِ بِالِاسْتِقْرَارِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الْعَمَلُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْآخَرِ غَرَضٌ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْ وَكَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَلَكِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ بِحُكْمِ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ أَوْ سَلَّمَ، وَفَرْعُنَا عَلَى عَدَمِ
الِاسْتِقْرَارِ.
فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ أَوْ يَجُوزُ وَلَكِنْ بِالتَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا تَأَكَّدَ حَقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ ثَبَتَ لَهُ التَّوَثُّقُ بِهَا حَتَّى يَأْخُذَ بَدَلَهَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَأْتِ بِالْبَدَلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأُجْرَةٍ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ وَقَالَ: لَا أُرِيدُ أَنْ يُقَصِّرَهُ فَلَمْ يَرُدَّهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَإِنْ قَصَّرَهُ وَرَدَّهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأُجْرَةَ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةَ، أَمَّا الصَّحِيحَةُ فَالْقِيَاسُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيهَا وَإِلَّا يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ هُنَا وَفِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا حَكَمْتُمْ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَشْجَارِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا فَالْعَمَلُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْعَامِلِ لَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ لِلْبَائِعِ بِخُرُوجِ الْأَشْجَارِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا نَقْلِهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ، وَلَوْ نَقَلَهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إبْدَالُ الْأَشْجَارِ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ غَرَضًا فِي عَيْنِهَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قِصَارَتِهِ وَنَحْوِهِ.
قُلْت: أَمَّا إبْدَالُ الْأَشْجَارِ فَلَا يُمْكِنُ وَالْعَمَلُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْعَامِلِ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِانْتِقَالِ الْأَشْجَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهَا وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ انْتِقَالِ ذَلِكَ بَيْعًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَلْزَمْنَا الْبَائِعَ بِتَنْقِيَتِهَا وَسَقْيِهَا فَبَاعَهَا صَاحِبُهَا لِأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ السَّقْيِ كَمَا كَانَ لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى حَقَّ الْبِنَاءِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَبَنَى ثُمَّ بَاعَ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ بِحَقِّهِ مِنْ الْإِبْقَاءِ وَكَذَلِكَ أَنَّ الْمَالِكَ لَوْ بَنَى فِي مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعَ الْبِنَاءَ يَلْزَمُ تَبْقِيَتُهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنَّهُ حِينَ وَضْعَهُ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرِي بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ تَبْقِيَتُهُ لَكِنْ هَلْ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ إجَارَةُ الْبَائِعِ يَجِبُ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ أَوْ لَا؟ ، لَا نَقْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ وَضَعَ بِأُجْرَةٍ فَيَنْتَقِلُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا الْعِوَضُ بَدَّلَهُ الْبَائِعُ وَالْعِوَضُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَهُوَ الْجُزْءُ مِنْ الثِّمَارِ لَمْ يُبَدِّلْهُ الْبَائِعُ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمَبِيعَةِ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنَّا لَا نَخُصُّهُ بِذَلِكَ بَلْ نَطْرُدُهُ فِيمَا يُبَدِّلُ الْبَائِعُ الْعِوَضَ فِيهِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى الْإِرْضَاعِ سَنَةً ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ الرَّضِيعَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ عَلَى إرْضَاعِهِ وَنَحْوَهُ كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى
الْعَامِلِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِهِ تَحْصُلُ الثَّمَرَةُ الْمَشْرُوطَةُ لَهُ، وَلَا إشْكَالَ فِي بَقَاءِ حَقِّهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُخَرَّجٌ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى عِدَّةِ مَسَائِلَ تَرْجِعُ إلَى مَأْخَذَيْنِ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، مِنْهَا مَا يَصِحُّ قَطْعًا كَبَيْعِ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُوصَى بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْ حَمْلِهَا وَثَمَرَتِهَا وَالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَالشَّجَرَةِ الْمُسْتَثْنَى ثَمَرَتُهَا الْمَوْجُودَةِ وَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ إلَّا أَكَارِعَهَا.
وَمِنْهَا مَا يَبْطُلُ قَطْعًا كَبَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْإِقْرَارِ وَالْحَمْلِ وَالشَّجَرَةِ الْمُسْتَثْنَى مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَالْجَارِيَةِ إلَّا مَا يَحْدُثُ مِنْ حَمْلِهَا.
وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَزْرُوعَةِ وَدَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَيْهَا كَانَ الْخِلَافُ فِيهَا مُتَقَارِبًا.
وَمِنْهَا مَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْحَامِلِ إلَّا حَمْلَهَا وَالْحَامِلُ بِحُرٍّ وَتُحْمَلُ لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَالثَّوْبُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى قِصَارَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِلْبَحْثِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاللَّبَنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْحَمْلِ وَقِيلَ: أَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
وَالْبَيْضُ كَالْحَمْلِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا فِيهِ بِالْخِلَافِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْبُطْلَانِ فِيهِ وَفِي السِّمْسِمِ إلَّا كُسْبَهُ وَالْقُطْنِ إلَّا حَبَّهُ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ) إذَا أَمْكَنَتْ فِي الْأَشْجَارِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا وَذَلِكَ إمَّا قَبْلَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا إنْ كَانَ قَبْلَهُ.
فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إقْرَارٌ صَحَّتْ وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ صَحَّتْ قِسْمَتُهُ، وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَهُ فَقَدْ يُقَالُ: بِمَنْعِ قِسْمَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ فَرَّعَ بَيْعَ النَّصِيبِ الْخَارِجِ بِالْقِسْمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى كَوْنِهَا بَيْعًا أَوْ إقْرَارًا فَمَنَعَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ الْقِسْمَةَ تَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ، الْقَبْضِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَمْتَنِعُ كَالشُّفْعَةِ.
وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْبَغَوِيَّ وَالرُّويَانِيَّ قَالُوا فِيمَا إذَا هَرَبَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَلَا مَالَ لَهُ: إنَّ الْحَاكِمَ يَبِيعُ الْمَبِيعَ وَيُوَفِّي مِنْهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لَكِنَّ مَقْصُودَنَا مِنْهُ صِحَّةُ بَيْعِ الْحَاكِمِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ