الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَدَائِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ.
لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ الْآنَ مِلْكُهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَمْسِ لَا يَبْنِي عَلَى شَيْءٍ آخَرَ وَلَمْ أَعْلَمْ لَهُ مُزِيلًا.
قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِمِلْكٍ لِزَيْدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِسَبَبِهِ وَمُسْتَنِدِهِ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِنَاءً عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ الَّتِي حَصَلَتْ عِنْدِي لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ: إنَّهُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: إنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِلْكُ زَيْدٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ يُمْكِنُ تَنْزِيلُهَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الشَّرْطِ فِي الطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ السُّؤَالِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ ذَلِكَ قَبْلَ السُّؤَالِ يُوَرِّثُ رِيبَةً.
فَلَوْ سُئِلَ عَنْ مُسْتَنَدِهِ فَقَالَ: الِاسْتِفَاضَةُ، لَمْ يُقْدَحْ جَزْمًا وَهُوَ يُؤَكِّدُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِارْتِيَابِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]
(مَسْأَلَةٌ) فِي عَقْدِ نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ هَلْ لِلشَّاهِدِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُقَلِّدَ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ وَيَشْهَدُوا إذَا شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَمَا يَكُونُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ؟ .
(الْجَوَابُ) لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَرَيَانِ النِّكَاحِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ، سَوَاءٌ أَقَلَّدَ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ أَمْ لَمْ يُقَلِّدْهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالزَّوْجِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَلِّدَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَيَعْتَقِدَهُ بِطَرِيقٍ تَقْتَضِي لِمِثْلِهِ اعْتِقَادَ حَقِّيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ وَيَتَعَاطَى مَا يُعِينُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَلِّدَ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ تَقْلِيدِ الشَّهَادَةِ بِجَرَيَانِ الْعَقْدِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُهُ وَطُلِبَ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَا يَمْتَنِعُ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]
(مَسْأَلَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْعَدَاوَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي رِسَالَةٍ مُطَوَّلَةٍ كَتَبَهَا إلَى بَعْضِ النَّاسِ مَا نَصُّهُ: وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَتَى أَنِّي لَا أَقْصِدُ أَذَى مَخْلُوقٍ وَلَا أَجِدُ فِي قَلْبِي بُغْضًا لِأَحَدٍ إلَّا إذَا تَوَقَّعْت مِنْ أَحَدٍ أَنَّهُ يُؤْذِينِي فَأَقْصِدُ أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُهُ عَنِّي وَيَكْفِينِي إيَّاهُ بِمَا شَاءَ، وَإِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْ
قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْعَدُوَّ هُوَ الَّذِي يَفْرَحُ بِمُسَاءَةِ عَدُوِّهِ وَيُسَاءُ بِمَسَرَّتِهِ.
وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: كَيْفَ يَتَّفِقُ هَذَا وَإِنَّ الشَّخْصَ تَسُوءُهُ مَسَرَّةُ غَيْرِهِ وَيَسُرُّهُ مُسَاءَتُهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَإِنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ وَأَتَعَجَّبُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَقَعُ لِأَحَدٍ؟ ،
نَعَمْ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ خَيْرٌ وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ شَرٌّ إلَّا بِهَا فَيَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى خَيْرِهِ أَوْ دَفْعِ ضُرَّهُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ هَذَا فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ قَدْ وَرَدَ بِهَا الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] وَقَالَ تَعَالَى {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] وَقَالَ تَعَالَى {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» فَيَجِبُ عَلَيْنَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النُّفُوسَ الطَّاهِرَةَ السَّلِيمَةَ لَا تَبْغُضُ أَحَدًا وَلَا تُعَادِيه إلَّا بِسَبَبٍ إمَّا وَاصِلٌ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَنْ تُحِبُّهُ أَوْ يُحِبُّهَا أَوْ تَوَقَّعُ وُصُولَ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا نَفْرَةٌ مِنْهُ وَيَنْبُو طَبْعُهَا عَنْهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عَدَاوَتُنَا لِلْكُفَّارِ بِسَبَبِ تَعَرُّضِهِمْ إلَى مَنْ هُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَعَدَاوَتُنَا لِإِبْلِيسِ كَذَلِكَ وَلِقَصْدِهِ أَذَانًا، وَعَدَاوَتُنَا لِلْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ لِتَوَقُّعِ الْأَذَى مِنْهُمَا.
وَالْعَدَاوَةُ هِيَ النَّفْرَةُ الطَّبِيعِيَّةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْفَرَحُ بِالْمَسَاءَةِ وَلَا بِالْمَسَرَّةِ وَلَا الْمَسَاءَةُ بِالْمَسَرَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ.
وَنَحْنُ نُحِبُّ لِلْكُفَّارِ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيَهْتَدُوا وَنَبْغُضُهُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَنَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَتْلِهِمْ وَجِهَادِهِمْ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ النُّفُوسَ الطَّاهِرَةَ لَا تَبْغُضُ أَحَدًا إلَّا بِسَبَبٍ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بُغْضِهَا إيَّاهُ إلَّا مُجَرَّدَ النَّفْرَةِ وَالِاحْتِرَاسِ عَنْ أَذَاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] أَمَّا قَصْدُ أَذَاهُ أَوْ الْفَرَحُ بِذَلِكَ فَلَا.
نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ نُفُوسٌ خَبِيثَةٌ جُبِلَتْ عَلَى الشَّرِّ كَالْحَيَّةِ وَإِبْلِيسٍ مِنْ طَبْعِهَا الْأَذَى، فَيَحْصُلُ لَهَا هَذِهِ الْحَالَةُ كَمَا يَحْصُلُ مِنْهَا ذَلِكَ الْفِعْلُ لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إلَيْهَا أَذًى فَلَعَلَّ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنِّي وَاَللَّهِ لَا أَجِدُ ذَلِكَ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ وَالنَّاسُ عِنْدِي أَقْسَامٌ: (أَحَدُهَا) رَجُلٌ لَهُ عَلَيَّ إحْسَانٌ وَإِنْ قَلَّ فَلَا أَنْسَاهُ لَهُ أَبَدًا، وَجَرَّبْت نَفْسِي فِي هَذَا مَرَّاتٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ لَهُ إحْسَانٌ ثُمَّ صَدَرَتْ مِنْهُ إسَاءَةٌ فَأَرَدْت أَنْ أَنْسَخَ مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ الْإِحْسَانِ فَأَحْسَنْت إلَيْهِ نَظِيرَ