الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحْسَانِهِ السَّابِقِ لِيَتَعَارَضَا وَتَبْقَى إسَاءَتُهُ ثُمَّ افْتَقَدْت نَفْسِي فَلَمْ أَجِدْ مَحَبَّتَهُ خَرَجَتْ مِنْ قَلْبِي وَعَالَجْت نَفْسِي عَلَى أَنْ أَمْحُوَ أَثَرَ إحْسَانِهِ الْمُتَقَدِّمِ إلَيَّ فَلَمْ أَقْدِرْ وَاسْتَمَرَّتْ مَوَدَّتُهُ فِي قَلْبِي وَلَمَّا مَاتَ رَثَيْته. وَهَذَا حَالِي مَعَ كُلِّ أَحَدٍ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي غَيْرَ ذَلِكَ.
(الثَّانِي) رَجُلٌ لَهُ عَلَيَّ إحْسَانٌ لَكِنْ لَهُ صُحْبَةٌ وَمَوَدَّةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصُّحْبَةَ مِنْ الْإِنْسَانِ وَاَللَّهُ يَسْأَلُ عَنْهَا وَقَدْ اتَّفَقَ لِي.
(الثَّالِثُ) رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ إحْسَانٌ وَلَا صُحْبَةٌ لَكِنْ لَهُ فَضْلٌ أَوْ نَفْعٌ لِلنَّاسِ فَأَنَا أَرْعَى لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ اتَّفَقَ لِي ذَلِكَ فِي شَخْصٍ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَبَلَغَنِي عَنْهُ فِي حَقِّي كُلَّ قَبِيحٍ وَقَصَدَ أَذَايَ مَرَّاتٍ وَشَهِدَ بِالزُّورِ فِي حَقِّي مَرَّاتٍ وَمَا غَيَّرَنِي ذَلِكَ عَلَيْهِ أَعْنِي أَذَاهُ لَا وَاَللَّهِ، وَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَ مَوْتِهِ تَأَلَّمْت لَهُ وَلِفَقْدِهِ وَنَظَمْت قَصِيدَةً فِي ذَلِكَ هَذَا فِيمَنْ يَقْصِدُ أَذَايَ فَكَيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لِي مِنْهُ أَذًى مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.
(الرَّابِعُ) رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا يَعْرِفُنِي فَكَيْف أُعَادِيه بَلْ إذَا بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ فِي ضَرَرٍ أَتَأَلَّمُ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُ خَيْرٌ أُسَرَّ بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ أَرَى الْخَيْرَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ يُغْنِيه عَنِّي فَكَأَنَّنِي غُنِيت بِهِ وَيَكُونُ غِنَاهُ غِنًى لِي أَلَيْسَ لَوْ احْتَاجَ وَجَبَ عَلَيَّ إسْعَافُهُ.
وَزِيَادَةٌ أُخْرَى أَذْكُرُهَا وَهِيَ أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ لَا يَقْصِدُ الْأَذَى وَلَكِنْ تَلُوحُ لَهُ مَصْلَحَةٌ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِضَرَرِ غَيْرِهِ فَيَفْعَلُهُ تَوَصُّلًا لِمَصْلَحَتِهِ، وَهَذَا يَقَعُ لِلنَّاسِ كَثِيرًا وَلَكِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ يَتَّفِقْ لِي وَلَا أَجِدُ قَلْبِي يُوَافِقُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]
(مَسْأَلَةٌ) أَنْتَجَهَا الْبَحْثُ فِي دَرْسِ الْغَزَالِيَّةِ سُنَّةٌ جَرَتْ مِنْ عِنْدِ قَاضِي بُلْبَيْسَ وَكَتَبْت عَلَيْهَا فِي غُرَّةِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ صَوَّرْتهَا فِي رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ إنَّهُ وَفَّى مِنْهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَادَّعَى الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ لِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَلْ يُسَوَّغُ لِلشُّهُودِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ أَوْ يَقْدَحُ لِكَوْنِهِمْ شَهِدُوا بِمَا لَا يَدَّعِي الْمُدَّعِي أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ؟ وَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَهَلْ يُكْتَبُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إقْرَارُ الْمُقِرِّ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ أَمْ بِبَاقِي الدَّيْنِ؟ وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ وَعَشَرَةٌ أَمْ لَا أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ.
الْجَوَابُ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَى فُقَهَاءِ الزَّمَانِ حَتَّى رَأَيْت الشَّيْخَ قُطْبَ الدِّينِ السَّنْبَاطِيَّ وَكَانَ قَدْ وُلِّيَ نِيَابَةَ الْحُكْمِ بِالْقَاهِرَةِ وَنَدَبَنِي أَنَا وَسِرَاجَ الدِّينِ الْمَحَلِّيَّ إلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ لِمَا عَسَاهُ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ فَنَتَوَخَّى الْحَقَّ فِيهَا فَكَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَرَى بِأَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ بَلْ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَلَا يُسَجِّلُ وَلَا يُثْبِتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَبَسَطَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ فِيهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَالَ: إذَا كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِهِ فَقَضَاهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ جَحَدَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْحَقِّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: فُقَهَاءُ زَمَانِنَا: إنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِبَاقِي الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدَ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِكُلِّ الدَّيْنِ شَهِدَ بِمَا اُسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ وَبِمَا لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ يَصِيرُ مَجْرُوحًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ مَجْرُوحًا - بَطَلَتْ جُمْلَةُ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِكَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَذَا فَيَكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى صُورَةِ الْحَالِ.
قَالَ: وَمَا قَالُوهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي الْإِسْرَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفَيْنِ.
وَفِي الْبَحْرِ قَبْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تِسْعَةً فَشَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ فَالشَّهَادَةُ زَائِدَةٌ عَلَى الدَّعْوَى فَتَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَهَلْ تَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؟ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ خَالَفَتْ الدَّعْوَى فِي الْجِنْسِ لَا تُسْمَعُ.
وَفِي الْقَدْرِ إنْ خَالَفَتْهَا إلَى نُقْصَانِ حُكْمٍ فِي الْقَدْرِ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الدَّعْوَى وَإِلَى زِيَادَةِ حُكْمٍ بِالدَّعْوَى دُونَ الْبَيِّنَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعِي تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فِي الزِّيَادَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلرَّمْلِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ ادَّعَى عَشَرَةً فَشَهِدَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِعِشْرِينَ صَحَّ لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَا يَكُونُ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي الْأَصْلِ عِشْرِينَ قَبَضَ مِنْهَا عَشَرَةً.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْقَدْرِ الْبَاقِي لَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالْعَشَرَةِ أَقَرَّ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِعِشْرِينَ وَشَاهِدٌ بِثَلَاثِينَ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ
عَلَى الْأَصَحِّ.
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِعَشَرَةٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتهَا بِتِسْعَةٍ؟ وَجْهَانِ: إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ فَهُنَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِعَشَرَةٍ مُخَالِفٌ لِلْعَقْدِ بِتِسْعَةٍ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ إنَّا إذَا أَرَدْنَا بِالشَّهَادَةِ فِي الْأَلْفِ الزَّائِدِ لِوُقُوعِ الشَّهَادَةِ بِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَهَلْ نَرُدُّهَا فِي الْأَلْفِ الْمُدَّعَى بِهَا فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْقَبُولِ. وَالثَّانِي: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي ذَلِكَ وَأَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ أَنَّ هُنَا صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا وَهِيَ غَالِبُ مَا يَقَعُ: أَنْ يَدَّعِيَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مِنْ جُمْلَةِ أَلْفِ وَعَشَرَةٍ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَيُحْضِرُ مَسْطُورًا مَثَلًا فِيهِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَفِيهِ رَسْمُ الشُّهُودِ وَنَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ.
فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا رِيبَةَ عِنْدِي فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّ.
وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَسْأَلَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) إذَا حَلَّفَ اثْنَيْنِ دَيْنًا فَادَّعَى أَحَدُ الِاثْنَيْنِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَأَخُوهُ غَائِبٌ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِجُمْلَتِهِ حُكِمَ لَهُ بِنَصِيبِهِ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ.
(وَالثَّانِيَةُ) إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ وَلِرَجُلٍ بِكَذَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِنَصِيبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الرَّجُلِ إذَا حَضَرَ وَأَعَادَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ، فَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَجُمْلَةِ الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْبَعْضَ فَهِيَ شَهَادَةٌ قَبْلَ الدَّعْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى نَصِيبِ الْغَائِبِ فَكَمَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلشَّهَادَةِ لِلْحَاضِرِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلشَّهَادَةِ بِمَا ادَّعَى بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْفِقْهِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْأَسْبَابِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهِيَ إلَى الْحُكَّامِ فَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ وَالشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِسَبَبِهِ هَكَذَا غَالِبُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَطْلُبُ أَمْرًا لَازِمًا فَهُوَ إنَّمَا يَذْكُرُ الِاسْتِحْقَاقَ وَالشَّاهِدُ فِي الْغَالِبِ لَا يَذْكُرُ الِاسْتِحْقَاقَ؛ لِأَنَّهُ لَا إطْلَاعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الْأَسْبَابَ، وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» أَشَارَ إلَى الشَّمْسِ طَالِعَةً، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ مُسْتَنَدَ الشَّاهِدِ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ وَغَالِبُ الْمَشْهُودِ بِهِ هَكَذَا مَحْسُوسٌ بِسَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ، وَالِاسْتِفَاضَةُ رَاجِعَةٌ إلَى السَّمْعِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ تَرَكَ الشَّاهِدُ ذِكْرَ السَّبَبِ وَشَهِدَ بِالْحَقِّ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّبَبِ مَسْمُوعَةٌ وَالدَّعْوَى لَا تَكُونُ بِالسَّبَبِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ حِكَايَةِ الْحَالِ وَالِاسْتِحْقَاقُ الْمُلْزَمُ إنَّمَا هُوَ لِلْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَالْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ الَّذِي سَمِعَهُ الشُّهُودُ مِنْ الْمُقِرِّ.
وَلَوْ اشْتَرَطْنَا مُطَابَقَةَ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ يَنْبَغِي إذَا ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ مَبْلَغٍ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا عَلَى إقْرَارِ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ بَلْ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ بِالْأَسْبَابِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ إلَى الْحُكَّامِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَاعْتِرَافُ الْمُدَّعِي بِقَبْضِ مَا قَبَضَ مِنْهُ وَحُكِمَ لَهُ بِالْبَاقِي وَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا شَهِدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا وَكَانَ الشُّهُودُ يَعْلَمُونَ الْقَبْضَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْجُمْلَةِ أَنْ يَقُولُوا: قَبَضَ مِنْهَا قَبْضًا وَلَا يُطْلِقُوا الشَّهَادَةَ لِئَلَّا يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْجَمِيعِ.
وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بَلْ تَنْبِيهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِجُمْلَةِ مَا شَهِدُوا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي مَوَاضِعَ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ مُطْلَقًا وَكَانَ يَعْرِفُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا يَقْتَضِي فَسَادَ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى نَقْلِ لَفْظِ الْمُقِرِّ أَوْ الْعَاقِدِ بَلْ يُفَصِّلُ مَا عَلِمَهُ وَيَشْرَحُهُ.
فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ الْغَرِيمَ عَلَى الْقَبْضِ لِيَسْأَلَهُ الشَّهَادَةَ بِهِ وَيَحْتَرِزَ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الدَّعْوَى.
قُلْنَا: قَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الشَّاهِدِ مَعَ إخْبَارِ الْقَاضِي بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدَانِ الْقَبْضَ جَازَ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِالْجُمْلَةِ، وَإِنْ عَرَفَا قَبْضَ الْجَمِيعِ لَمْ تَجُزْ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ شَهَادَةً بِغَيْرِ دَعْوَى وَبِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَإِنْ صَدَرَتْ دَعْوَى وَسُؤَالٌ فَهُمَا يَعْرِفَانِ كَذِبَهَا فَلَا يَشْهَدَانِ بِمَا يُعِينُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونَانِ عَدُوَّيْنِ لِلْمُدَّعِي فَلَوْ شَهِدَا لَهُ بِالْإِقْرَارِ وَأَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَمْ يُقْبَلْ فَالْوَجْهُ الْكَشْفُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا بِقَبْضِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ الْمُنْتَقَى وَسَأَلَهُمَا الشَّهَادَةَ بِالْجُمْلَةِ وَكَانَا عَدُوَّيْنِ لِلْمُدَّعِي بِحَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ وَلَا شَاهِدَ غَيْرَهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ حَذَرًا مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى أَخْذِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ،
وَهَلْ يُسَوَّغُ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّهَادَةُ بِالْبَعْضِ أَوْ يَمْتَنِعَا حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ ثُمَّ يَشْهَدَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِبَعْضِ الْحَقِّ فَسَتَأْتِي، فَإِنْ قُلْت مَا تَقُولُ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ؟ .
قُلْت جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ شَهِدَ بِأَلْفَيْنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ بِثُبُوتِهِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى سَبَبٍ يَحْكِيه عَنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هِيَ بِحَقٍّ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
(الثَّانِي) أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى أَلْفًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا بَعْضُ الْأَلْفَيْنِ الْمَشْهُودِ بِهَا فَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا آخَرَ.
فَإِنْ قُلْت: مَا تَقُولُ فِيمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ؟ قُلْت: هُوَ مُشْكِلٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَقْصِيرٌ مِنْهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلَعَلَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهَا ثُمَّ كَلَامُهُ قَبْلَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ، وَيُؤَيِّدُ أَحَدُ كَلَامَيْهِ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرَّمْلِيِّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُمَا.
فَإِنْ قُلْت: فَكَلَامُ الْإِمَامِ.
قُلْت: لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ أَيْضًا فَهُوَ مِثْلُ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِشْرَافِ وَجَوَابُهُ جَوَابُهُ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَيَّدْت جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّ فَهُوَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَعْضِ الْبَاقِي مِنْهُ.
قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَفْظَ الْمُقِرِّ وَلَا مَعْنَاهُ بَلْ لَازِمُهُ وَمُتَضَمِّنُهُ، وَالشَّاهِدُ قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَشْهُودِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَ مَدْلُولَ كَلَامِ الْمُقِرِّ مُطَابِقَةً بِلَفْظِهِ أَوْ مَعْنَاهُ.
وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالشَّهَادَةُ بِلَوَازِمِهِ فَلَا لَا سِيَّمَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا.
نَعَمْ إنْ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةً مِنْ جُمْلَةِ أَلْفٍ وَعَشَرَةٍ فَهَذَا قَرِيبٌ لَا يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ، وَالْأَوْلَى بِالشَّاهِدِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَطْعِيًّا فَقَدْ يَأْتِي فِي مَكَان آخَرَ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَضْمُونِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَلَيْسَ مَضْمُونَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ الشُّهُودِ عُلَمَاءَ فَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَتَجَاوَزُ كَلَامَ الْمُقِرِّ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا رِيبَةَ فِيهِ.
وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ أَنْ يَدَّعِيَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَلَا يُضِيفُهَا إلَى مَسْطُورٍ حَاضِرٍ وَلَا إلَى دَيْنٍ مُعَيَّنٍ وَيَسْأَلُ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ وَكَانَا قَدْ سَمِعَا الْإِقْرَارَ لَهُ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا لَهُ بِشَيْءٍ لِاحْتِمَالِ
إنَّ الَّذِي ادَّعَى بِهِ غَيْرَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ جَاءَتْ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَأَلَهُمَا لَهُ الشَّهَادَةَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ جَاءَ الْكَلَامُ السَّابِقُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سبحانه وتعالى. انْتَهَى
(فَصْلٌ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوبِ مَطْلُوبٌ وَلَا مَحْبُوبٌ وَلَا مَرْغُوبٌ فِيهِ وَلَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا مَدْلُولُهُ الرَّبْطُ بَيْنَ " لَوْ " وَجَوَابِهَا وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ مِنْ مَجِيءِ اللَّهِ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُذْنِبَ الْمَوْجُودُونَ.
فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ سبحانه وتعالى لَا تُعَلَّلُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْنَا: تُعَلَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمَجِيءُ بِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مُرَادًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ الصِّفَةِ فَالْإِرَادَةُ غَيْرُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ مِنْ الْإِرَادَةِ فَثَلَاثَتُهَا غَيْرُ الطَّلَبِ وَالتَّقَرُّبُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَطْلُوبِ وَلَيْسَ كُلُّ مُرَادٍ وَمَحْبُوبٍ وَمَرَضِيٍّ بِهِ مَطْلُوبًا، أَمَّا إذَا مَنَعْنَا التَّعْلِيلَ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا إذَا عَلَّلْنَا فَإِنَّا نُعَلِّلُ الْإِرَادَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا فِي غَيْرِ الْمَطْلُوبِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْخَيْرِ إمَّا مِنْ ظُهُورِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَرْمِهِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ وَرَدَ كُنْت كَنْزًا لَا أُعْرَفُ فَأَحْبَبْت أَنْ أُعْرَفَ فَبِالْحَقِّ عَرَفْنَا قُدْرَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ وَفَضْلَهُ وَكَرْمَهُ وَأَمَّا لِفَاعِلِهَا أَعْنِي فَاعِلَ الْمُرَادِ الْمَرَضِيِّ الْمَحْبُوبِ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ فَاعِلِهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الذَّنْبِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ لِفَاعِلِهِ انْكِسَارٌ وَصَلَاحُ قَلْبٍ لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَلِغَيْرِ فَاعِلِهِ بِأَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ كَمَا حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ قَصَصِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخِلَافِ إرَادَةِ الطَّاعَةِ وَمَحَبَّتِهَا وَالرِّضَا بِهَا فَإِنَّهَا لِصِفَتِهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا نَفْسِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ لِفَاعِلِيهَا وَلِغَيْرِهِ، وَالتَّقَرُّبُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَطْلُوبِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي مَطْلُوبًا كَبُرَ أَوْ صَغُرَ وَدَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ إنَّمَا هِيَ لِلتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ.
قَالَ نُوحٌ عليه الصلاة والسلام {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 108] ، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ عليه الصلاة والسلام وَغَيْرُهُ، وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالطَّاعَةُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ كُلُّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فَلَيْسَ