الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ حَنَفِيٌّ وَإِنَّمَا الْحَنَفِيُّ الَّذِي يُزَوِّجُهَا كَانَ نَائِبًا عَنْ ابْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ بِدِمَشْقَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]
(مَسْأَلَةٌ) أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ فَعَتَقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمُتَخَلِّفَتَانِ عَلَى الرِّقِّ انْدَفَعَ نِكَاحُهُمَا وِفَاقًا لِلْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَخِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ تَحْتَ زَوْجِهِمَا عَتِيقَةً عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ وَلَا تَنْدَفِعُ الرَّقِيقَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ صَاحِبَتِهَا كَانَ بَعْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ فَلَا يُؤَيَّدُ فِي حَقِّهَا بَلْ يَخْتَارُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّابِطَ أَنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِحَالَةِ الْإِسْلَامِ مَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ امْتَنَعَ التَّقْرِيرُ وَحَالَ إسْلَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ اقْتَرَنَ بِهِ حُرِّيَّةُ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ عَلَى الرَّقِيقَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْرِيرُ عَلَى الرَّقِيقَتَيْنِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ.
فَإِنْ قُلْت: الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّابِطِ إنَّمَا هُوَ إذَا اقْتَرَنَ بِحَالِ إسْلَامِهِ وَحَالَ إسْلَامِهِ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ قُلْت: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ مَعَهُ يَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ عَقْدُهُ عَلَى الْإِمَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْتَظِرُ زَمَانَ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْإِمَاءُ فِيهِ بَعْدَ مَا عَتَقْنَ يَتَخَيَّرُ.
فَهَذَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى إسْلَامِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا فَمَا كَانَ مَانِعًا عِنْدَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَنَعَ مِنْ الدَّوَامِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَائِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَمَنَعَ مِنْ الدَّوَامِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ مَنْ يَخْتَارُهَا وَالْمُتَخَلِّفَتَانِ لَمْ يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُمَا مَعَ إسْلَامِهِ إلَّا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى حُرَّةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهُمَا وَلَا وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ عِتْقِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ يَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعْتَقَا ثُمَّ يُسْلِمَا فَيَكُونُ لَهُ الِاخْتِيَارُ فِيهِمَا أَيْضًا لِمُقَارَنَةِ إسْلَامِهِمَا لِحُرِّيَّتِهِمَا وَإِنَّمَا يَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمَتَا وَهُمَا عَلَى الرِّقِّ وَإِنْ كَانَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعَذَّرَ التَّقْرِيرُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا تَنْدَفِعُ الرَّقِيقَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِعِتْقِ صَاحِبَتِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إسْلَامِهِمَا وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً فَهِيَ مِثْلُ صَاحِبَتِهَا فِي الرِّقِّ فَتَقَرَّرَ
نِكَاحُهُمَا، وَكَانَ حُدُوثُ الْعِتْقِ عَلَى إحْدَى اثْنَتَيْنِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ تَحْتَ عَبْدٍ لَا يَدْفَعُ الِاخْتِيَارَ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ " إنَّ حُدُوثَ الْعِتْقِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا أَثَرَ لَهُ " يُرِيدُونَ بِهِ فِي الْمَاضِي بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَوَاقِي فَلَا.
وَالْإِمَامُ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ الْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا دَلِيلَ يُعَضِّدُهُ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا هَذَا الْإِطْلَاقُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ: لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَاضِي وَلَهُ أَثَرٌ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّابِطِ طَرْدًا وَعَكْسًا عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ بِالْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الدَّاعِي؛ لِأَنَّ انْدِفَاعَ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ أَثَرِ الْعِتْقِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعِتْقَ بِخُصُوصِهِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَقَوِيَ جِدًّا، وَلَا نَقُولُ: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ اتِّجَاهٌ قَلِيلٌ وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.
وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْغَزَالِيِّ فَنَسَبَهُ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِيَارًا لَهُ نَعْتَمِدُهُ وَصَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ قَالَ: وَقَدْ يَتَكَلَّفُ الْمُتَكَلِّفُ لَهُ تَأْوِيلًا بِأَنْ يَقُولَ: أَرَادَ بِمَا إذَا اخْتَارَ الْعَتِيقَةَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّا نُلَاحِظُ وَقْتَ الِاجْتِمَاعِ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ الْغَزَالِيَّ لَاحَظَ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِلْحُرَّةِ وَإِمْكَانِهِ كَنَفْسِ اخْتِيَارِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ أُخْتَانِ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمُوا فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا لِلنِّكَاحِ وَكَانَ كَالِاخْتِيَارِ فِي التَّسَيْطُرِ، وَكَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى إمَاءٍ وَأَسْلَمَتْ مَعَهُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ بَعْدَ إعْسَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُولَى حَصَلَ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَهَا فَكَانَ كَاخْتِيَارِهَا، ثُمَّ اعْتَرَضَ ذَلِكَ وَأَجَابَ وَقَالَ: إنَّهُ بَحْثٌ حَسَنٌ حَرَّكْته لِنَنْظُرَ فِيهِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِمَا قَدِمْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يَجْعَلُ ابْتِدَاءَ إسْلَامِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَيَكُونُ عَقْدُ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا حَادِثًا فِي الدَّوَامِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُؤْثِرُ فِي دَوَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ إذَا أَسْلَمَتَا؟ .
قُلْت: لِهَذَا وَغَيْرِهِ قُلْنَا: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ بَاطِلًا قَطْعًا وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا أَصَرَّتَا