المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أُثْبِتَتْ الْقَاعِدَةُ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَيْضًا لَهُ وَجْهٌ - فتاوى السبكي - جـ ٢

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: أُثْبِتَتْ الْقَاعِدَةُ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَيْضًا لَهُ وَجْهٌ

أُثْبِتَتْ الْقَاعِدَةُ أَمْ لَا؟

وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَيْضًا لَهُ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا سَوَاءٌ أُثْبِتَتْ الْقَاعِدَةُ أَمْ لَا. وَإِذَا عَرَفْت الْخِلَافَ بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْأَصْحَابِ فَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ رحمه الله فِي لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ مُخَالِفٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَمَّا أَبُو حَامِدٍ فَلِأَنَّهُ يَرَى فِي الْإِيلَاءِ بِكَفَّارَتَيْنِ فَفِي لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا رَأَوْا كَفَّارَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِمْ إنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَابْنُ الرِّفْعَةِ يَقُولُ: إنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ تَوَهُّمِ أَنَّهَا يَمِينَانِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.

وَالرَّافِعِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ قَالَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك كُلُّ وَاحِدَةٍ، تَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْإِيلَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَوَاحِبَاتِهَا فَالْوَجْهُ بَقَاءُ الْإِيلَاءِ فِي الْبَاقِيَاتِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمَ قَوْلِهِ، وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ عَلَى مَا سَبَقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

(كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ)(مَسْأَلَةٌ) قَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فِي مِلْكٍ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةُ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ مِائَتَانِ هَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيُحْكَمُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ؟

فَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا وَبَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ أَنَّهُ يُنْقَضُ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُهَا أَوْ أَرْجَحُ وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ إسْنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ، فَهُوَ كَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِمِثْلِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ إسْنَادُ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَهُ الشَّاهِدُ مُتَعَارِضٌ وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ يَطْرُدُهُ هَاهُنَا مَا رَأْيُكُمْ فِي ذَلِكَ؟

(أَجَابَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الصَّلَاحِ

ص: 432

- رحمه الله فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَيْسَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَطَعَ بِهَا صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ. وَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً: قَوْلُهُ إنَّمَا حُكِمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُهَا أَوْ أَرْجَحُ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تُعَارَضْ لَا بِمِثْلِهَا وَلَا بِأَرْجَحَ فَانْتَفَى عَنْهَا كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ أَيْ الْمُعَارَضَةِ بِأَحَدٍ وَهُوَ هَاهُنَا الْمُعَارَضَةُ بِمِثْلِهَا، قَوْلُهُ، وَيَتَبَيَّنُ اسْتِنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ. قُلْنَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِمَ قُلْت إنَّمَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ حَالَةَ الْحُكْمِ يُوجِبُ نَقْضَهُ وَهَذَا فِيهِ شَكٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

(أَحَدِهِمَا) الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا مُنِعَ مِنْ الِابْتِدَاءِ مُنِعَ الدَّوَامَ.

وَالثَّانِي أَنَّ لَنَا مَسَائِلَ تَتَبَيَّنُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ حَالَةَ الْحُكْمِ وَلَا يُنْقَضُ إمَّا قَطْعًا وَإِمَّا عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَمِنْهَا أَنْ نَحْكُمَ عَنْ دَلِيلٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَظْهَرَ لَهُ دَلِيلٌ آخَرُ مُسَاوٍ لِلْأَوَّلِ أَوْ أَرْجَحُ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ أَيْضًا فَلَا يُنْقَضُ بِهِ قَطْعًا.

وَلَوْ وُجِدَ حَالَةَ الْحُكْمِ لَمَنَعَ الْحُكْمَ إمَّا لِكَوْنِهِ لَوْ وُجِدَ حَالَةَ الْحُكْمِ لَمَنَعَ الْحُكْمَ فَلِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ، وَنَحْنُ لَا نُفَرِّعُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَتَخَيَّرُ عِنْدَ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُنْقَضُ بِظُهُورِهِ فَلِأَنَّهُ لَوْ نُقِضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ.

فَإِنْ قُلْت التَّعَارُضُ فِي الْأَدِلَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إسْنَادُهُ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَتَرَجَّحَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ سَاوَاهُ لَوْ وُجِدَ حَالَةَ الْحُكْمِ لَكَانَ مَرْجُوحًا وَالْمَرْجُوحُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُعَارَضَةُ بِالْمِثْلِ وَلَا بِالْأَرْجَحِ. قُلْت نَفْرِضُهُ فِيمَا إذَا قَاسَ عَلَى أَصْلٍ مُعْتَقِدٍ انْفِرَادَهُ وَتَذَكَّرَ أَوْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَصْلٌ آخَرُ يَقْتَضِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بُطْلَانَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ قَاطِعٌ بِتَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ حَالَ الْحُكْمِ لِوُجُودِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعَدَمُ النَّظَرِ فِي رُجْحَانِ الْإِلْحَاقِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ حَالَ الْحُكْمِ، وَظُهُورُهُ بَعْدَهُ لَا يُوجِبُ نَقْضَهُ قَطْعًا، وَقَوْلِي قَطْعًا بِاعْتِبَارِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَإِلَّا فَلِغَيْرِ أَصْحَابِنَا مِنْ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا لَوْ حُكِمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا فَاسِقَيْنِ عِنْدَ الْحُكْمِ فَفِي النَّقْضِ خِلَافٌ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ يُنْقَضُ كَمَا لَوْ بَانَ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَوْ

ص: 433

كَافِرَانِ.

وَالثَّانِي لَا يُنْقَضُ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْبَيِّنَةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا فَيَكُونُ الْفِسْقُ الَّذِي ثَبَتَ بِهَا مَظْنُونًا وَالْفِسْقُ الْمَظْنُونُ لَا يُنْقَضُ بِهِ. فَهَذَا أَمْرٌ لَوْ قَارَنَ لَمَنَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ ظَهَرَ لَا يُوجِبُ النَّقْضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِمِثْلِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

قُلْت: نَقْضُ الْحُكْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ أَرْجَحُ فَقَوْلُ الشَّيْخِ لِمِثْلِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنْ أَرَادَ مِثْلَهَا فِي عُمُومِ كَوْنِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ لَا خُصُوصُ كَوْنِهِ أَرْجَحَ وَلَنْ يَجِدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَمَتَى نَظَرَ إلَى الْخُصُوصِ افْتَرَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ فَإِنَّ الَّذِي ظَهَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ الرَّاجِحَةُ غَيْرُ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَفْتَى عَنْهَا، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ الْمُمَاثِلَةُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّقْضِ بِالْأَرْجَحِ النَّقْضُ بِالْمِثْلِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهَا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ بِهَا لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ أَوْ بِالْيَدِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمَجْمُوعِهِمَا.

وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ لَا تَكُونُ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَاسَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فَقِيَاسُهَا عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ عَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ التَّعَارُضِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ لِلْخَارِجِ وَمُطْلَقِ التَّعَارُضِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ اسْتِنَادُ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ مُتَعَارِضٌ، وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، أَقُولُ الرُّجُوعُ لَهُ صُورَتَانِ:

(إحْدَاهُمَا) أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْت بِهِ وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ حَالَ الْحُكْمِ وَلَا يَتَضَمَّنَ إخْبَارًا عَنْ شَيْءٍ مُعَارِضٍ لِلشَّهَادَةِ الْمَاضِيَةِ إلَّا عَدَمُ الْجَزْمِ فَقَطْ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّكِّ فِيهَا أَوْ اعْتِقَادِ خِلَافِهَا.

(الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُخْبِرَ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا وَهَذِهِ الَّتِي يَصِيرُ قَوْلُهُ فِيهَا مُتَعَارِضًا، فَقَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ عَدَمَ إسْنَادِ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ مُتَعَارِضٌ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ

ص: 434

لِعَدَمِ نَقْضِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ كَذَلِكَ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ الثَّانِي، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُمَا تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَإِذَا تَبَيَّنَ وَجْهُ عَدَمِ النَّقْضِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَإِنَّهُ أُشْكِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَتَرَدَّدَ جَوَابُهُ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَمْ بَعْدَهُ. وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يُنْقَضْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ نُقِضَ لِتَأَكُّدِ الْحُكْمِ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ كُلُّهُمْ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ النَّقْضُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا قَدْ يَطُولُ. فَإِنْ قُلْت دَعْهُ يَطُولُ فَاذْكُرْهُ هَاهُنَا لِأَنَّ بِهِ تَتَقَرَّرُ الْمَسْأَلَةُ.

قُلْت: نَعَمْ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ أَفْرَادِهَا لِتَقَدُّمِ بَعْضِ الْكَلَامِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّمَا قُلْنَا بِالنَّقْضِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ عِنْدَنَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَكَانَتْ وَاجِبَةَ التَّقْدِيمِ كَمَا يُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَالْحُكْمُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ وُجُودِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْحَاكِمُ كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ الْمُخَالِفِ لَهُ يَنْقُضُهُ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ لَهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ يَنْقُضُهُ، وَالْقَائِلُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ لَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنْ لَا نَحْكُمَ بِالشَّكِّ وَكَذَا لَا نُسَلِّمَ بِالشَّكِّ وَلَا نَنْقُضَ بِالشَّكِّ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِعَدَمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ احْتَمَلَ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَا ذَهَابًا إلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَأَشْكَلَ الْحَالُ فَفِي جَوَازِ النَّقْضِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بَلْ يُقَرُّ فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَنْقُولٌ فِي فَرْعٍ حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ.

وَنُرِيدُ أَنْ نُنَبِّهَ هُنَا عَلَى فَائِدَةٍ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُنْقَضُ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَاكِمَ مَنْصُوبٌ لَأَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ مَنُوطَةٌ بِأَسْبَابٍ تَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهَا وَوُجُودُهَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَالْخَطَأُ لَا يَعْدُو هَذِهِ الْمَوَاطِنَ الثَّلَاثَةَ:

(أَحَدَهَا) أَنْ يَكُونَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِأَنْ يَكُونَ

ص: 435

حَكَمَ بِخِلَافِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَيُنْقَضُ إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْخَلَلِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ مَعْنَى النَّقْضِ الْحِلَّ بَعْدَ الْعَقْدِ بَلْ الْحُكْمُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَالْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ، وَلَفْظَةُ نَقْضِ الْحُكْمِ مُمْكِنَةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْطَالُ ذَاتِ الْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ إذَا حَكَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ، وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ، وَالْخَلَلُ هُنَا فِي الْحَاكِمِ لَا فِي الْحُكْمِ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَفْظَةُ النَّقْضِ هُنَا أَيْضًا مُمْكِنَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْطَالُ فِعْلِ الْحَاكِمِ وَيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصْدُرَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ.

(الْمَوْطِنُ الثَّانِي) أَنْ يَحْصُلَ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ وَيَظُنُّ الْقَاضِي وُجُودَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا انْكَشَفَ ذَلِكَ يُنْقَضُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا بِخِلَافٍ فِيهِ. وَالْخِلَافُ هُنَا فِي السَّبَبِ وَوَضْعِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالنَّقْضُ هُنَا مَعْنَاهُ إبْطَالُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَفْظَةُ النَّقْضِ فِيهِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ لِأَنَّا نَنْقُضُ الْحُكْمَ فِي ذَاتِهِ لِخَطَئِهِ، وَإِنَّمَا نَقَضْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَأَخْرَجْنَا الْمَحَلَّ عَنْهُ فَالْخَطَأُ فِي السَّبَبِ لَا فِي الْحُكْمِ وَالْمُخْطِئُ هُوَ الشَّاهِدُ لَا الْحَاكِمُ؛ نَعَمْ الْحَاكِمُ بِفَرْعٍ مِنْ الْخَطَأِ وَهُوَ ظَنُّهُ وُجُودَ السَّبَبِ الْحَاصِلِ بِالْبَيِّنَةِ.

(الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْخَلَلُ فِي الطَّرِيقِ كَمَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ يُنْقَضُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْحُكْمِ مَا كَانَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ حَصَلَ الْخَطَأُ فِي الطَّرِيقِ فَنَنْقُضُهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.

وَالْخَطَأُ هُنَا مِنْ الْقَاضِي فِي اعْتِقَادِهِ عَدَالَةَ الشُّهُودِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُرَتَّبًا عَلَى بَيِّنَةِ التَّزْكِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ظَنِّهِ إذَا عَدَلَهُمْ بِعِلْمِهِ، وَلَفْظَةُ النَّقْضِ هُنَا كَهِيَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ أَطْلَقُوا النَّقْضَ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُمَا نُقِضَ فِي الْأَصَحِّ كَالْكَافِرَيْنِ.

وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِطَرِيقٍ ظَنِّيٍّ فَيَصِيرُ كَنَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّقْضِ بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَلَوْ بَانَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ مُعَارِضٌ لِدَلِيلِ حُكْمِهِ فَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ

ص: 436

الرَّاجِحُ مَرْجُوحًا وَالْمَرْجُوحُ رَاجِحًا.

وَلَوْ بَانَ تَعَارُضُ بَيِّنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ تَعَارُضُهُمَا مُسْتَقِرٌّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ فِي الْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيَقْطَعُ بِاسْتِوَاءِ الْمَانِعِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ، وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّهُ مَتَى بَانَ الْخَطَأُ قَطْعًا نُقِضَ قَطْعًا وَمَتَى بَانَ الْخَطَأُ ظَنًّا فَفِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ مَعَ الْخَارِجِ يُنْقَضُ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الدَّلِيلَيْنِ لَا يُنْقَضُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّنَّ فِي الْيَدِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَهُوَ اعْتِقَادُ رُجْحَانٍ.

وَفِي الدَّلِيلَيْنِ رُجْحَانُ اعْتِقَادٍ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخَطَأُ بَلْ التَّعَارُضُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْقَطْعِ وَالظَّنِّ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ فَقَدْ ذَكَرْنَا احْتِمَالَيْنِ وَلَمْ نَجِدْ فِيهِمَا نَقْلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ وَكَيْفُ يُنْقَضُ حُكْمٌ مُحْتَمِلٌ لِلصَّوَابِ وَحِينَ صَدَرَ كَانَ عَنْ مُسْتَنَدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ فِيمَا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو عَبْدًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَانْتَزَعَهُ فَجَاءَ خَالِدٌ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ فَإِنْ قُلْنَا بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ مُقَدَّمَةٌ تَعَارَضَتَا لِاسْتِصْحَابِ الْمِلْكِ الْمَاضِي.

وَإِنْ قُلْنَا لَا تُقَدَّمُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا تَتَعَارَضَانِ، وَالثَّانِي لَا تَتَعَارَضَانِ حَتَّى تُعِيدَ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى الشَّهَادَةَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعَارُضِ أَنْ يَكُونَ حِينَ التَّنَازُعِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِعَدَمِهِ.

وَاَلَّذِي فَهِمْتُهُ أَنَا إنْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّعَارُضِ نَقْضِي لِلثَّانِي إلَّا أَنْ تُعِيدَ الْبَيِّنَةُ الشَّهَادَةَ فَيَحْصُلُ التَّعَارُضُ إمَّا بِالْإِعَادَةِ إنْ شَرَطْنَاهَا وَإِمَّا بِدُونِهَا. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ أَوْ الْقُرْعَةِ فَالتَّفْرِيعُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَبْقَى فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُرَدُّ إلَى ذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِالشَّكِّ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ أَطْلَقَتْ الْمِلْكَ أَمَّا إذَا أَسْنَدَتْهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَأَعَادَتْ الْأُولَى الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ أَوْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ إعَادَتُهَا فَالتَّعَارُضُ حَاصِلٌ.

وَالْوَجْهُ أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَدَ قَدْ عَرَفَتْ سَبَبَهَا فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَالْبَيِّنَتَانِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ مُتَقَاوِمَتَانِ وَهُمَا شَاهِدَتَانِ الْآنَ بِالْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَيَتَعَيَّنُ رَفْعُ الْيَدِ وَتَبْقِيَةُ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا مِثْلُ هَذَا فِي تَعَارُضِهِمَا فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْقِيمَةِ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِالْحَقِّ. وَغَايَتُهَا أَنَّ بِالتَّعَارُضِ تُجْهَلُ

ص: 437

الْقِيمَةُ

وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَوْ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَوْ وَقَعَ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا لَا نَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ. فَإِنْ قُلْت وَلَا نَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ. قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ هُنَا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ فَلَا يُغَيَّرُ مَا حَكَمْنَا بِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِفَسَادِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِصْحَابِ مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي مُعْتَمَدٌ يَشْهَدُ لَهُ هَذَا الْفَرْعُ وَفَرْعٌ آخَرُ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي قَدْ عَرَفْتهَا مِلْكَ فُلَانٍ وَوَرِثَهَا فُلَانٌ فَأَقِمْ بَيِّنَةً عَلَى تَمَلُّكِهِ مِنْهُ لَهُ ذَلِكَ وَتَنْدَفِعُ بَيِّنَتُهُ. وَفَرْعٌ ثَالِثٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِعَيْنٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَاكْتُفِيَ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَفَّالُ فِيهَا قَوْلَيْنِ:

(أَحَدَهُمَا) أَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَمْسِ، وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ الْآنَ لَا يَلْزَمُ اسْتِصْحَابُهُ فِي الْمَاضِي إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا وَأُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُتَّهَبِ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا يَثْبُتُ قَبِيلُهَا وَلَا يَتَعَدَّى إلَى النِّتَاجِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ وَعَجَبٌ أَنْ يَنْزِلَ النِّتَاجُ فِي يَدِهِ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ.

وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ أَكْثَرَ الْبَحْثَ وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجَوَابِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْكَى إلَّا فَقِيهًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ كَأَنَّهُ ضَمِنَ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ وَأُخِذَ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِحُكْمِ الضَّمَانِ الَّذِي يُضَمِّنُهُ الْبَيْعَ، وَقِيلَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ حَتَّى تُصَرِّحَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا سَنَدًا إلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ يَتَعَدَّى إلَى النِّتَاجِ، وَقَدْ يُقَالُ لَوْ صَحَّ اسْتِصْحَابُ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ لَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَمْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ أَمْسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَضُمَّ الشَّاهِدُ إلَيْهَا أَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ مَحْكُومٌ بِهَا.

(الثَّانِي) أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا فَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ بِحَقٍّ لَهُ الْآنَ. وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا نَسْتَصْحِبُ مَا ثَبَتَ فِي وَقْتِهِ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ مَعَهَا لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا فَهَذِهِ لَا تُرَدُّ وَلَا نَحْكُمُ بِهَا وَحْدَهَا بَلْ يُضَافُ إلَيْهَا يَمِينُ الْمُدَّعِي وَنَحْكُمُ لَهُ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ قَوَّتْ جَانِبَهُ عَلَى جَانِبِ ذِي الْيَدِ فَانْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَيْهِ

ص: 438

وَلَمْ نَجْزِمْ بِالشَّهَادَةِ الْآنَ فَلَمْ نَحْكُمْ بِهَا.

وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قُلْنَاهُ إنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُسْتَنِدًا إلَيْهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ بَيِّنَةٌ مُعَارِضَةٌ لَهَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ وَلَا تُسْمَعُ، وَلَا يُقَالُ هُنَا إنَّ يَدَ الْيَتِيمِ مُرَجِّحَةٌ لِلْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَلَا مُنَازَعَةَ فِيهِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهَا. فَإِنْ قُلْت لَوْ وَقَعَ هَذَا التَّعَارُضُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ. قُلْت: يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَالْحُكْمُ لِلشَّكِّ فِي الْقِيمَةِ وَقْتَهُ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ.

وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَآخَرَانِ أَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ، وَهَذَا مُسْتَنَدُهُ إيجَابُ الْمُحَقِّقِ وَتَرْكُ الزَّائِدِ الَّذِي وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ أَوْ يَحْلِفُ مَعَ الزَّائِدِ؟ وَجْهَانِ اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ الثَّانِيَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ الزَّائِدَيْنِ وَقَدْ يَقْتَضِي الْحُكْمُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَلَا نَقُولُ ثَبَتَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْأَقَلَّ. وَلَوْ قُلْنَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْقِيمَةُ لَزِمَ جَوَازُ الْبَيْعِ بِهَا، وَالْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا وَلَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْت لَوْ اعْتَقَدَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الَّذِي شَهِدَتْ بِالْأَقَلِّ هَلْ لَهُ اعْتِمَادُهُ. قُلْت: نَعَمْ إذَا لَمْ يَجِدْ رَاغِبًا بِأَزْيَدَ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ إنَّمَا نَجْعَلُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الطِّفْلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَإِنْ قُلْت فَالْقَاضِي إذَا عَلِمَ ذَلِكَ هَلْ لَهُ اعْتِمَادُهُ فِي الْحُكْمِ بِهِ. قُلْت: لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ تَخْمِينِيٌّ فَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ. فَإِنْ قُلْت فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَمْ نَجِدْ رَاغِبًا بِأَكْثَرَ، وَدَعَتْ حَاجَةُ الْيَتِيمِ إلَى الْبَيْعِ لِلْأَكْلِ مَثَلًا، وَلَمْ نَجِدْ مَنْ يُقْرَضُ مِنْهُ عَلَيْهِ. قُلْت لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ، وَخَفَّتْ الْحَاجَةُ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَدْيُونِ إذَا طَالَبَ الْغَرِيمَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرِ أَنَّهُ لَا يُرْهَقُ إلَى بَيْعِهِ بِدُونِ الْقِيمَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءَ بِالْحَيْلُولَةِ وَعِظَمِ الضَّرَرِ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَثْبُتُ الْقِيمَةُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَكَيْفَ يَدَّعِي بِهَا، وَلَا إلْزَامَ؟

قُلْت لِلدَّعْوَى بِهَا طَرِيقٌ وَهِيَ إنْ كَانَ غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَيَدَّعِي بِقِيمَتِهَا لِلْحَيْلُولَةِ وَإِلَّا فَيَنْذُرُ شَخْصٌ التَّصَدُّقَ

ص: 439

عَلَى فَقِيرٍ مُعَيَّنٍ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا مَثَلًا أَوْ عُشْرِ عُشْرِهَا ثُمَّ يَدَّعِي ذَلِكَ الْفَقِيرُ عَلَى النَّاذِرِ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا نَحْكُمُ أَنَّهُ عُشْرُ الْقِيمَةِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ وَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقِيمَةَ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ فَالدَّعْوَى مُلْزِمَةٌ، وَالْبَيِّنَةُ مَسْمُوعَةٌ، وَلَا يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّذْرِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ وَهُنَا الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْمُطَالَبُ فَيَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَاضِي رضي الله عنه فِي آخِرِهِ كَتَبَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ -: وَلَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَأَفْتَى فِيمَنْ أَجَّرَ شَيْئًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ بَعْدَ مَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْأَحْوَالُ وَطَرَأَتْ أَسْبَابٌ تُوجِبُ زِيَادَةَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يُصِبْ فِي شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ تَقْوِيمَ الْمَنَافِعِ فِي مُدَّةٍ مُمْتَدَّةٍ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا اسْتَمَرَّتْ الْحَالُ الْمَوْجُودَةُ حَالَةَ التَّقْوِيمِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَمِرَّ وَطَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَحْوَالٌ تَخْتَلِفُ بِهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُقَوِّمَ لَهَا يُطَابِقُ تَقْوِيمُهُ الْمُقَوَّمَ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَتَقْوِيمِ السِّلَعِ الْحَاضِرَةِ بِمَالٍ. وَإِذَا ضَمَمْنَا مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأُجْرَةِ تَفْسَخُ الْعَقْدَ كَانَ قَاطِعًا بِاسْتِبْعَادِ مَنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ نَفَائِسِ النُّكَتِ.

قُلْت: وَهُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَقُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا يَنْقُضُ الشَّهَادَةَ، وَلَوْ تَمَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِشَاهِدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِقِيمَةِ عَيْنٍ أَنْ تُؤَجَّرَ أَصْلًا. وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَكَلَامُهُ فِي الْمِنْهَاجِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ.

وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لَيْسَتْ مَسْأَلَتُهُ وَلَا حُكْمُهَا حُكْمَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَمَّا الثَّانِي فَوَاضِحٌ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأُجْرَةِ لَا تَفْسَخُ الْعَقْدَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَتُهُ فَإِنَّ ظُهُورَ الطَّالِبِ بِالزِّيَادَةِ لَا يُوجِبُ تَبَيُّنَ خَطَأِ الشَّاهِدِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَسْنُدُ شَهَادَتَهُ إلَى حَالَةِ الشَّهَادَةِ وَمَا بَعْدَهَا

ص: 440

تَبَعٌ لَهَا مَسُوقٌ عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَقَدْ يَظْهَرُ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ مَعَ كَوْنِ الْأُجْرَةِ لَمْ تَتَغَيَّرْ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَالتَّحْقِيقُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ الْقِيمَةُ وَلَكِنْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ وَالْقَوْلُ بِانْفِسَاخِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَعَلَّ مَأْخَذَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقِيمَةَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الرَّغَبَاتُ، وَهُوَ شَيْءٌ حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَجْهًا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ إلَى وَقْتِ التَّغْيِيرِ وَكَذَا بَعْدَ التَّغْيِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا يَظْهَرُ خِلَافُهُ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ طَرَآنُ ارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ كَأَمْرٍ حَادِثٍ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَيُوجِبُ الْفَسْخَ أَوْ الِانْفِسَاخَ ثُمَّ فِي انْعِطَافِهِ عَلَى مَا مَضَى مَا فِي الْفَسْخِ بِعُرُوضِ خَلَلٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبَاحِثُ نَفِيسَةٌ تَرَكْت ذِكْرَهَا خَشْيَةَ الْخُرُوجِ عَنْ جَمْعِ فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ إلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ غَرَضُنَا إلَّا التَّنْبِيهُ عَلَى إفْرَاطِ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا أَفْتَى بِهِ رحمه الله انْتَهَى.

(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ أَمْ لَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ أَوْ السَّبَبُ فَإِنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ، كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا وَقَفَ هَذَا، فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ هَلْ ذَلِكَ الْوَقْفُ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَإِنْ أَثْبَتَ الْحَقَّ كَقَوْلِهِ: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْإِلْزَامُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ، وَيُبَيِّنُ لَك هَذَا أَنَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يُتِمَّ نَظَرَهُ، وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا، وَرُجُوعُ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الثُّبُوتِ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي كَالرُّجُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ.

وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَنَقْلُ الثُّبُوتِ فِي الْبَلَدِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ النَّقْلِ وَتَخْصِيصِ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَوْلَى فِيهِ أَيْضًا الْجَوَازُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.

ص: 441