الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّحْرِيرِ فِي كِتَابٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تُتْقَنَ وَتُحْفَظَ وَتُسْتَفَادَ.
وَكُتِبَ عَلَى الْفَتْوَى مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الْيَدِ الْآنَ بِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ الزَّوْجِ حِينَ التَّعْوِيضِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ حُكِمَ لِلْمَرْأَةِ بِهَا سَوَاءً أَكَانَ لِلْمَرْأَةِ شَاهِدَانِ أَمْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ أَوْ أَضَافَتْ إلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ كَأَنْ تَقُولَ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عِوَضُهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَتَقُولُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ إنَّهُ بَاعَهَا لَهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَتَبْقَى فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ الْآنَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ شَاهِدَيْنِ أَمْ شَاهِدًا وَيَمِينًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ إذَا تَنَازَعَ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ فَإِنْ اعْتَرَفَ الدَّاخِلُ لِلْخَارِجِ أَوْ لِأَصْلِهِ بِيَدٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِيه الْخَارِجُ مِنْ سَبَبِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَارِجِ وَلَيْسَ الدَّاخِلُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ يَدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لِلدَّاخِلِ وَالْخَارِجُ يَعْتَقِدُ بِهِمَا فَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهَا مَعَ الْيَدِ وَتَبْقَى فِي صَاحِبِ الْيَدِ، وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكِ الدَّاخِلِ مُؤَرَّخَةً أَوْ مُطْلَقَةً وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِالْمِلْكِ أَيْضًا مُؤَرَّخَةً أَوْ مُطْلَقَةً لَهُ أَوْ لِأَصْلِهِ فَهَذَا مَحَلُّ خِلَافٍ.
وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْيَدِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْيَدِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي اقْتَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُصَدِّقُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَحَلَّ فَادَّعَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً.
(أَجَابَ) إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي قَرِينَةٌ تَقْتَضِي خَفَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَدِّقِ حِينَ تَصْدِيقِهِ فَلَهُ سَمَاعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنَّهَا ثَالِثَةٌ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ وَزُوِّجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ مُحَلَّلٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِنْهُ فَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْحُكَّامِ فِي ذَلِكَ لِإِقْرَارِهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.
(أَجَابَ) نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَآخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ زَعَمَ
أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْعُدَدِ: إذَا أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً وَارْتَجَعَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لَهُ بِهَا ثُمَّ صَدَّقَتْهُ وَأَكْذَبَتْ نَفْسَهَا حَلَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ مَعَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَتْ ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعَوِّلُ عَلَى كَذِبِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا اسْتَنَدَ إلَى أَنْ تَنْوِيَ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَأْخَذُهُ إنْ قُلْت بِوَجْهٍ نَحْوِ التَّحْرِيمِ فَصَبْرًا فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَوْ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى طَلَاقِهِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا وَكَذَا هُنَا، قَالَ رضي الله عنه وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ صَحِيحٌ فَلَا يُعَارَضُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ بِكَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا فَإِذَا رَجَعَتْ حَلَّلَهَا لِاعْتِقَادِهَا وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَثْبُتْ لَكِنَّ ذَاكَ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَارْتَجَعَهَا؛ لِأَنَّ سُلْطَتَهُ بَاقِيَةٌ، أَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالطَّلَاقُ بَائِنٌ وَلَا سُلْطَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَبِرُجُوعِهَا لَمْ يَحْصُلْ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا حَقَّ لِلْمُطَلِّقِ.
فَفِي الْإِبَاحَةِ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ نَظَرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَحِلُّ لِإِقْرَارِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَالتَّمَسُّكُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ رَدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: كَلَامُهَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ طَلَاقٌ وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْهُ فَالْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَزَوْجُهَا الْمُجْبَرُ لِمُوَافَقَتِهِ الْمُطَلِّقَ فِي دَعْوَاهُ حَلَفَ وَكَذَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهَا: إنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا فِيهِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يُرْفَعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ، فَإِذَا مَاتَ فَإِرْثُهَا مِنْهُ تَابِعٌ لِلْحُكْمِ بِبَقَائِهَا مَعَهُ إنْ قُلْنَا: تَبْقَى مَعَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَرِثَتْ لِأَنَّا لَمْ نَجْعَلْ لِدَعْوَاهَا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ حُكْمًا.
وَإِنْ قُلْنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَرِثُ فَلَا يَثْبُتُ لَهَا صَدَاقٌ مُسَمًّى بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا.
وَلَمْ يَتَّضِحْ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ شَيْءٌ يَجُوزُ أَنْ أَكْتُبَهُ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ بِهِ بَعْدَ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةً مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ كَمَا فَرَّقَ بِهِ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَلَا كَقَوْلِهَا: إنَّهَا مَا أَذِنَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَهَذَا إثْبَاتٌ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهَا يُجَدَّدُ تَزْوِيجُهَا بِهِ وَيُرْشَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا أَذْكُرُهُ فِيهَا أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ وَافَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا كَمَا قَالَ مُورِثُهُمْ فَيَظْهَرُ ظُهُورًا قَوِيًّا أَنَّهَا تَرِثُ لِتَصْدِيقِ الْغُرَمَاءِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقُوا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُهَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ
لَا شَكَّ أَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَلَيْسَتْ مَقْطُوعًا بِهَا فَكَيْفَ نُعْطِي لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ بِالشَّكِّ فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا رَجَعَتْ عَنْ دَعْوَاهَا الثَّلَاثَ فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ بَلْ نُحَرِّرُ تَزْوِيجَهَا بِهِ أَصْلًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تُخَلَّى بَيْضَاءَ فَإِنْ تَحَرَّرَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا نَكْتُبُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ كَتَبْت عَلَيْهَا لِلْمُسْتَفْتِي نَصَّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ وَإِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمِيرَاثُ وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ.
(مَسْأَلَةٌ مِنْ حُمَاةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ) اشْتَرَى قَرَاسُنْقُر مِنْ عِمَادِ الدِّينِ صَاحِبِ حُمَاةِ بُسْتَانِ الْحُبُوسَةِ بِظَاهِرِ حُمَاةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِعِمَادِ الدِّينِ بِالْمِلْكِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ ثُمَّ حَضَرَتْ وَالِدَةُ عِمَادِ الدِّينِ وَزَوْجَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ الْحَاكِمِ بِحَمَاةِ الْمَذْكُورِ وَأَقَرَّا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْكِتَابُ بِيَدِ عَلَاءِ الدِّينِ قَرَاسُنْقُر وَحَضَرَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ مُتَكَلِّمٌ عَنْ بَيْتِ صَاحِبِ حُمَاةَ وَأَخْرَجَ مَكْتُوبًا فِيهِ أَنَّ الْقَاضِيَ شَرَفَ الدِّينِ بْنَ الْبَارِزِيِّ الْمَذْكُورَ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ فِي سَنَةِ سَبْعِمِائَةٍ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَّكَ أُمَّهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ وَمَكْتُوبًا آخَرَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَرَّرَ أَنَّهُمَا قَبِلَتَا ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ سَلَّمَهُ لَهُمَا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ التَّبَايُعَ الْمَشْرُوحَ أَعْلَاهُ وَأَنَّهُ لَمَّا تَكَامَلَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَكَمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ بِدِمَشْقَ فِي سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ نَائِبِ دِمَشْقَ بِدَارِ السَّعَادَةِ.
فَاسْتَشْكَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ حُكْمَ الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ بِالْإِبْطَالِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَلَا يُنَافِيه إقْرَارُهُ قَبْلَهُ بِعَشْرِ سِنِينَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ انْتَقَلَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ الْإِقْرَارُ بِالنِّصْفِ فَكَيْفَ نَحْكُمُ بِإِبْطَالِ الْكُلِّ وَحَاوَلَ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ ابْنِ قَرَاسُنْقُر نَقْضُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ بِنْتِ صَاحِبِ حُمَاةَ إلَى كِتَابٍ آخَرَ مَعَهُ بِالنِّصْفِ وَأَخْرَجَهُ فَكَانَ كَمَا قُلْنَاهُ.
وَمَالَ وَالِدِي - أَبْقَاهُ اللَّهُ - إلَى عَدَمِ نَقْضِ
الْحُكْمِ وَقَالَ: أَمَّا التَّوَقُّفُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثُّبُوتَ إنَّمَا هُوَ فِي النِّصْفِ وَلَعَلَّ الْحَاكِمَ الْمَذْكُورَ كَانَ يَرَى أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تُفَرِّقُ، هَذَا قَبْلَ خُرُوجِ الْمَكْتُوبِ الْآخَرِ فَلَمَّا خَرَجَ تَبَيَّنَّ أَنَّ بِمَجْمُوعِ الْكِتَابَيْنِ ثَبَتَ بُطْلَانُ الْكُلِّ وَلَكِنْ قَصُرَتْ الْعِبَارَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْكِتَابَيْنِ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَأَمَّا الْإِشْكَالُ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا يُعَارِضُهُ الْإِقْرَارُ السَّابِقُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى ذِهْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ.
فَجَوَابُهُ مِنْ مَسَائِلَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ: (إحْدَاهَا) مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأُطْلِقَتْ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى زَمَنٍ مَاضٍ وَانْتُزِعَ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي شُمُولَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَاَلَّتِي شَهِدَتْ لِعِمَادِ الدِّينِ بِالْمِلْكِ تَقْتَضِي اسْتِصْحَابَهُ إلَى مَا مَضَى وَذَلِكَ يُنَافِي إقْرَارَهُ بِهِ لِوَالِدَتِهِ، وَأَيْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُسْتَنَدَهَا الِاسْتِصْحَابُ وَالْيَدُ وَخَفِيَ عَنْهَا الْأُمُورُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي أَدَبِ الْقُضَاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي التَّدَاعِي بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَدَّعِيَ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ قَالَ: وَخَالَفَ فِيهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ فِي مُسْتَقْبِلِ الْأَمْرِ وَلَا مُبَالَاةَ بِقَوْلِ يُمْكِنُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ إلَى الْمُقِرِّ بَعْدَ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَزِمَهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ فَإِذَا عَادَ يَدَّعِيه فَمَعْنَاهُ نَقَلْته إلَيَّ أَوْ إلَى مَنْ نَقَلَهُ إلَيَّ وَهَذَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ النَّوَافِلَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ عِوَضٌ يَجْرِي مَجْرَى دَيْنٍ وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ النَّاقِلِ مَعَ سَابِقَةِ الْإِقْرَارِ وَجَبَ إظْهَارُهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا مَعَ سَابِقَةِ إقْرَارٍ فَإِنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ كَثِيرَةٌ فَجَازَ إطْلَاقُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ بِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْخَطِيبُ أَبُو نَصْرٍ تَاجُ الدِّينِ سَلَّمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي ثَامِنَ عَشْرَ شَعْبَانَ الْمَذْكُورِ بِدَارِ السَّعَادَةِ فَجَزَمَ وَالِدِي بِصِحَّةِ حُكْمِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَذْكُورِ الصَّادِرِ فِي حَيَاةِ أُمِّ عِمَادِ الدِّينِ وَزَوْجَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْخَذِ أَنَّ كُلًّا مِنْ وَالِدَتِهِ وَزَوْجَتِهِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ أَقَرَّتْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِقَرَاسُنْقُرَ لَا حَقٌّ
لَهُمَا فِيهِ.
وَقَالَ وَالِدِي أَيْضًا لِاسْمِهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ إسْجَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ التَّعَرُّضَ لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْبُطْلَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ مِنْهُمَا بِمِلْكِ الْبَائِعِ أَوْ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمَا فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْمَحْضَرُ لَكَانَ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا الْحُكْمُ لِوَرَثَةِ عِمَادِ الدِّينِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ فِي حَيَاةِ أُمِّ عِمَادِ الدِّينِ وَإِنْ صَحَّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَبَعْدَهَا وَلَا وَارِثَ لَهَا إلَّا ابْنُهَا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِمُقْتَضَى بَيْعِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِمِلْكِهِ لِمُقْتَضَى صِحَّةِ بَيْعِ قَرَاسُنْقُرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ عَلَى سَبِيلِ الْمُؤَاخَذَةِ وَانْفَصَلَ الْحَالُ فِي ثَامِنَ عَشْرَ شَعْبَانَ بِمَرْسُومِ وَالِدِي رحمه الله عَلَى أَنَّ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ يَبْقَى فِي يَدِ ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ حَتَّى يُقِيمَ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ وَرَثَةِ صَاحِبِ حُمَاةَ دَافِعًا لِإِقْرَارِ الْمَذْكُورِينَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ وَالِدِي أَيْضًا: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ هَلْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ عِمَادِ الدِّينِ لَمَّا بَاعَهُ أَوْ يَدِ أُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ الْمُقِرِّ لَهُمَا فَإِنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ بِعَيْنِهَا وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الشَّاهِدِ لَهُ بِالْمِلْكِ عَلَى أُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حَالَةَ الْبَيْعِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَاهُنَا انْضَمَّتْ لِلْبَيِّنَةِ فَظَاهِرُ الْيَدِ أَنَّهَا مُحِقَّةٌ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِبَيِّنَةِ الْأَصْلِ وَتُفَارَقُ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ.
وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ إبْطَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْبَيْعَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَكَانَ قَرَاسُنْقُرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي بِلَادِ التَّتَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ أَحَدٌ حَاضِرٌ فَكَيْفَ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ عِمَادُ الدِّينِ ذَلِكَ الْوَقْتَ صَاحِبَ قُوَّةٍ فَفِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ احْتِمَالِ مُرَاعَاتِهِ لَكِنْ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْبَارِزِيُّ دِينُهُ وَعِلْمُهُ لَا شَكَّ فِيهِ وَالظَّنُّ بِهِ حَسَنٌ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْإِقْدَامُ عَلَى نَقْضِ حُكْمِهِ فَلَا يُمْكِنُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي إقْرَارِ الْوَالِدَةِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنْ انْشَرَحَتْ النَّفْسُ لِكَوْنِهِ صَدَرَ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْبَيْعِ لِقَرَاسُنْقُرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْإِبْطَالِ وَإِنَّ فِيهِ رِيبَةً فَيَتَوَقَّفُ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ حُكْمٍ وَالتَّقْرِيرِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْمَسَائِلِ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَمِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمِلْكٍ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَهُ دَعْوَاهُ