الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ يُذْكَرُ وَالْفَخْرُ الْمِصْرِيُّ وَصَدْرُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَجَلَالُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَعُبَادَةُ الْحَنْبَلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ وَابْنُ الْقَمَّاحِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَاعَةَ وَزَيْنُ الدِّينِ بْنُ الْمُرَحَّلِ وَالْأُسْوَانِيُّ وَابْنُ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْنُ الدِّينِ الْبَلْقَانِيُّ وَابْنُ عَدْلَانَ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْقَرَّابِ، وَالتَّصْوِيرُ الَّذِي كَتَبْت أَنَا عَلَيْهِ تَصْوِيرٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يَكْتُبْ مَعِي فِيهِ إلَّا جَلَالُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَهُوَ صُورَةُ الْحَالِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ ابْنِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ حَضَرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُحَاكِمَاتِ بِدِمَشْقَ فِي صَفَرٍ فِي سَنَةِ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَنَظَرْت فِيهَا وَاَلَّذِي أَدَّى نَظَرِي إلَيْهِ فِيهَا أَنَّ نَصِيبَ جَلَالِ الدِّينِ يُوسُفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كُلُّهُ ثُمَّ إلَى أُخْتِهِ غَازِيَةَ كَمَا حَكَمَ بِهِ ابْنُ مُسْلِمٍ وَرَأَيْت فَتْوَى أُخْرَى كَتَبَ فِيهَا ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: هَذَا الْوَقْفُ وَقْفٌ وَاحِدٌ لَيْسَ أَوْقَافًا مُتَعَدِّدَةً وَنَصِيبُ يُوسُفَ مِنْهُ يَنْتَقِلُ بِوَفَاتِهِ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ إلَى أُخْتِهِ غَازِيَةَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ أُمِّهِ أَوْ عَنْ أَبِيهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ أَهْلِ الْوَقْفِ مِنْ طَبَقَتِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ دُونَ أَوْلَادِ عَمِّهِ وَدُونَ بِنْتِ أُخْتِهِ، وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَيُوَضِّحُهُ الْبَحْثُ وَالِاسْتِدْلَالُ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَوَافَقَهُ صَدْرُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَالْفَخْرُ الْمِصْرِيُّ وَزَيْنُ الدِّينِ بْنُ الْمُرَحَّلِ وَابْنُ قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ رحمه الله هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَفْهَمْ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُهُ وَرَأْيِي أَنَّ حُكْمَ ابْنِ مُسْلِمٍ صَحِيحٌ صَادَفَ الصَّوَابَ وَحُكْمَ ابْنِ الْمَجْدِ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ نَقْضٌ لِمَا حَكَمَ بِهِ ابْنُ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّقْضِ فَهُوَ حُكْمٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ ابْنُ مُسْلِمٍ صَادَفَ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَهُوَ لَوْ كَانَ غَيْرَ الظَّاهِرِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ فَكَيْفَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَحُكْمُ ابْنِ الْمَجْدِ بِبُطْلَانِهِ لِذَلِكَ وَاضِحٌ لَا رِيبَةَ فِيهِ، دَعْ تَقْرِيرَ خَطَئِهِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ وَدَعْ حَالَ الْمَجْدِ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَإِذَا كَانَ حُكْمُ ابْنِ الْمَجْدِ بَاطِلًا فَتَنْفِيذُ الْحُكَّامِ الَّذِينَ بَعْدَهُ لَهُ لَا يُفِيدُ فَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ إمْضَاءُ حُكْمِ ابْنُ مُسْلِمٍ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ إلَى حُكْمِ ابْنِ الْمَجْدِ الْمُضَادِّ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]
(فَصْلٌ) لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ رحمه الله كِتَابٌ سَمَّاهُ:
مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ) وَهُوَ هَذَا قَالَ رضي الله عنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَقَّهَ فِي دِينِهِ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا وَصَرَفَ بِهِ عَنْ اكْتِسَابِ الْإِثْمِ بِالْحَرَامِ حُرًّا وَحَصَلَ بِسَبَبِهِ مِنْ اتِّبَاعِ الْحَلَالِ أَجْرًا وَأَقَامَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَعْلَامًا شَدُّوا مِنْهَا أَزْرًا وَأَعَزُّوهُ نَصْرًا وَاهْتَدَوْا بِهَدْيِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ ذِرَاعًا وَلَا شِبْرًا، وَكَانُوا جَمْعًا غَفِيرًا عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ تَتْرَى يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَأْطُرُونَ الظَّالِمَ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا قَدْ حَمَوْا صَفْوَ الْعِلْمِ وَنَهِلُوا شَرَابَهُ وَارْتَدُّوا عَنْ عِلَلِ مَنَاهِلِهِ وَتَطَلَّعُوا رِضًا بِهِ وَكَشَفُوا لِقَاصِدِيهِ أَسْتَارَهُ وَحِجَابَهُ وَأَبْرَزُوا لِطَالِبِيهِ أَسْرَارَهُ وَذَلَّلُوا صِعَابَهُ وَأَزَالُوا قِشْرَهُ وَلَبَكُوا بِالشَّهْدِ لُبَابَهُ ثُمَّ جِئْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَمْ نَنَلْ مِنْ سُؤْرِهِمْ إلَّا صُبَابَةً وَوَجْهًا مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ قَدْ أَرْخَى عَلَيْهِ نِقَابَهُ وَتَلَفَّعَ أَثْوَابَهُ مَعَ قِلَّةِ مُعِينٍ وَمُسَاعِدٍ وَوَهَنٍ فِي الْقُوَّةِ وَضَعْفِ سَاعِدٍ فَلَا تَلْقَى مَنْ يَتَحَدَّثُ مَعَك إلَّا الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ وَإِنْ تَحَدَّثَ مَعَك حِينًا نَكَصَ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ وَهُوَ شَارِدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرِدَ تِلْكَ الْمَوَارِدَ أَوْ يَشْهَدَ مَا أَنْتَ شَاهِدٌ وَيَذُوقَ طَعْمَ مَا أَنْتَ وَاجِدٌ كَلًّا بَلْ هُوَ لِذَلِكَ الْإِحْسَاسِ فَاقِدٌ فَأَيْنَ مَنْ يَنْظُرُ رُبَاهُ وَيَنْشَقُ رَيَّاهُ وَأَيْنَ مَنْ يَتَغَلْغَلُ فِي قَلْبِهِ سِرُّهُ وَيَنْطَوِي عَلَيْهِ فِكْرُهُ وَيَتَحَلَّى بِكُرْهٍ فَأَيْنَ مَنْ عِنْدَهُ خَبَرُهُ وَخَيْرُهُ فَأَيْنَ مَنْ تَكَيَّفَ بِذَلِكَ وَصَارَ لَهُ مُرَاحًا يُصْدِرُ عَنْهَا نَهْيَهُ وَأَمْرَهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي إذَا جَمَعَ ذَلِكَ اكْتَفَى وَرَاقَبَ اللَّهَ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى فَأُهِّلَ لِلْفَتْوَى وَاسْتَحَقَّ الْإِمَامَةَ فِي الْمَسَرَّةِ وَالْبَلْوَى، وَلَسْت أَقُولُ ذَلِكَ تَعَرُّضًا وَإِنِّي عَنْهُ بِمَعْزِلٍ وَلَكِنْ إعْلَامًا بِحَالَةِ السَّلَفِ الَّذِينَ نَحْنُ عَنْهُمْ فِي أَسْفَلِ حَضِيضٍ وَمَنْزِلٍ.
وَسَبَبُ هَذِهِ النَّفْثَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ مَصْدُورِ الْحَرَكَةِ لِمَعْنًى تَغْلِي مِنْهَا الصُّدُورُ اسْتِفْتَاءً وَرَدَ مِنْ حَمَاةَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي رَجُلٍ يُسَمَّى عُثْمَانَ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ مِنْكَوْرَسٍ وَلَاجِينٍ وَخِضْرٍ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ
سِوَى وَلَدٍ وَاحِدٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ عَادَ حَقُّهُ عَلَى إخْوَتِهِ الْمَذْكُورِينَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا عَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بَنَاتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَتْ وَلَهُ إخْوَةٌ كَانَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَحَقَّ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا وَاحِدَةً وَإِنْ انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَنَسْلُهُمْ عَادَ عَلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَاتِ إلَيْهِمْ فَمَاتَ خِضْرٌ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ثُمَّ مَاتَ لَاجِينُ عَنْ أَوْلَادِهِ أَبِي بَكْرٍ وَخِضْرٍ وَسَيِّدَةَ وَنَسَبٍ ثُمَّ مَاتَ خِضْرٌ هَذَا عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَمَاتَتْ نَسَبٌ عَنْ ابْنٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ثُمَّ مَاتَتْ سَيِّدَةُ عَنْ وَلَدَيْهَا أَحْمَدَ وَعَرُوسٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْكَوْرَسٌ عَنْ أَوْلَادِهِ عُثْمَانَ وَصَدَقَةَ وَمَحْمُودٍ وَعَرُوسٍ وَحَبِيبَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَوْلَادِهِ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَلِيٍّ وَمَاتَتْ عَرُوسُ بِنْتُ سَيِّدَةَ عَنْ وَلَدَيْهَا مُحَمَّدٍ وَمَحْمُودٍ وَمَاتَ أَحْمَدُ بْنُ سَيِّدَةَ عَنْ بِنْتَيْهِ سَيِّدَةَ وَفَاطِمَةَ وَهُمَا بِنْتَا عَرُوسِ بِنْتِ مِنْكَوْرَسٍ وَمَاتَ صَدَقَةُ بْنُ مِنْكَوْرَسٍ عَنْ أَوْلَادِهِ مُحَمَّدٍ وَمَحْمُودٍ وَمَلَكَةَ وَسَيِّدَةَ ثُمَّ مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مِنْكَوْرَسٍ عَنْ ابْنِهِ أَحْمَدَ وَمَاتَتْ سَيِّدَةُ بِنْتُ صَدَقَةَ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَمَاتَتْ مَلَكَةُ عَنْ بِنْتَيْهَا مَحْمُودَةٍ وَبَارْ خَاتُونَ وَمَاتَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ مِنْكَوْرَسٍ عَنْ أَوْلَادِهَا أَبِي بَكْرٍ وَإِبِيزَا وَمُحَمَّدٍ ثُمَّ مَاتَ مُحَمَّدٌ هَذَا عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ عَنْ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ زَوْجَةِ ابْنِ السُّمَيْنِ وَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ: بِنْتَانِ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي وَهُمَا مَحْمُودَةٌ وَعَرُوسٌ بِنْتَا مِنْكَوْرَسٍ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ الثَّالِثِ وَهُمْ أَوْلَادُ أَبِي بَكْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ وَمَحْمُودِ بْنِ صَدَقَةَ وَوَلَدَيْ حَبِيبَةَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الرَّابِعِ وَهُمْ بِنْتَا أَحْمَدَ بْنِ سَيِّدَةَ وَبِنْتَا مَلَكَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَصَدَقَةَ، وَمُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ وَلَدَا عَرُوسِ بِنْتِ سَيِّدَةَ بِنْتِ لَاجِينِ ثُمَّ مَاتَ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ مِنْكَوْرَسٍ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ثُمَّ مَاتَ مَحْمُودُ بْنُ صَدَقَةَ بْنُ مِنْكَوْرَسٍ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَلِمَنْ يَكُونُ مَا كَانَ بِيَدِهِمَا؟ فَكَتَبَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ كِتَابَةً لَا يَعْبَأُ بِهَا وَتَرْكُ حِكَايَتِهَا وَتَرْكُ أَسْمَائِهِمْ أَجْمَلُ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَأَشْرَفُ.
وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَقَعَ الْخَطَأُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَرْجِعُوا وَإِنَّمَا نُنْكِرُ التَّصْمِيمَ عَلَى الْخَطَإِ بَعْدَ ظُهُورِهِ أَوْ مَا يَقْتَضِي ظُهُورَهُ فَاسْتَمَرَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاسْتَنَدَ فِي بَعْضِهِ إلَى مَنْ أَكْبَرُ مِنْهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِقُدْوَةٍ مِمَّنْ رَأَيْنَاهُ وَعَاصَرْنَاهُ وَتَرْكُ ذِكْرِهِ أَجْمَلُ فَوَسَّعْتُ النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ إذْ كَانَ يَسْتَمِدُّ مِنْ مَسَائِلَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا قَاعِدَةً فِي بَابِ الْوَقْفِ وَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكْتُبَ مَا عِنْدِي مِنْهَا لِيُسْتَفَادَ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ عِنْدَ النُّقَّادِ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي اتِّحَادِ الْوَقْفِ وَتَعَدُّدِهِ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَتَفْصِيلُ الثَّمَنِ فِي تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا التَّعَدُّدُ.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ وَمُجْمَلُ كَلَامِهِمْ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُتَّحِدَةِ لَفْظًا أَمَّا التَّعَدُّدُ لَفْظًا فَلَا شَكَّ فِي تَعَدُّدِهَا وَذَلِكَ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ وَذَكَرُوا فِي الْهِبَةِ إذَا تَعَدَّدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَكَرَ غَيْرُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِيمَا إذَا وَهَبَ شَيْئًا لِاثْنَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ وَقَبَضَهُ وَجْهَيْنِ، قَطَعَ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ وَالصَّفْقَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَتَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إقَامَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَقَامَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ وَالْقِيَاسُ إقَامَةُ الْمَوْهُوبِ عَلَيْهِ مَقَامَ الْمُشْتَرِي وَمَقَامَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَكِنَّ فِيهِ فَضْلَ نَظَرٍ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبْتَدِئُ فَنَقُولُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ فِي الْوَقْفِ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا فِي الْوَقْفِ وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ، وَالْمَوْقُوفُ لَا نَظَرَ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ فَصْلَهُ كَتَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَالْمَسَائِلُ أَرْبَعٌ بِخَمْسِ صُوَرٍ:
(إحْدَاهَا) أَنْ يَتَّحِدَ الْوَاقِفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةُ وَلَمْ يُفْصَلْ فَهَذَا وَقْفٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جِهَةً أَمْ مُعَيَّنًا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ دَارِي وَبُسْتَانِي عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ.
فَهَذَا وَقْفٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَفَائِدَةُ اتِّحَادِ الْوَقْفِ وَتَعَدُّدِهِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا فِي اسْتِحْقَاقِ أَهْلِهِ عِنْدَ مَوْتِ بَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا فِي الْعِمَارَةِ فَإِذَا كَانَتْ أَمَاكِنُ مَوْقُوفَةٌ وَاحْتَاجَ بَعْضُهَا إلَى عِمَارَةٍ وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَيُسْأَلُ عَنْهَا وَيَكُونُ الْوَاقِفُ وَاحِدًا وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَاحِدًا كَأَوْقَافِ الصَّدَقَاتِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِمَارَةَ إنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْوَقْفِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ فَمَتَى تَعَدَّدَ لَمْ تَجِبْ عِمَارَةُ أَحَدِ الْوَقْفَيْنِ مِنْ الْآخَرِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى
شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ وَقْفَيْنِ أَمْ تَعَدَّدَ أَحَدُهُمَا.
نَعَمْ إذَا تَعَدَّدَ الْوَقْفُ وَاتَّحَدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَكَانَ مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يَعْمُرَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ كَانَ جِهَةً فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاظِرِ فِي أَمْرِهَا أَنْ يَفْعَلَ الْمَصْلَحَةَ وَلَيْسَ هُوَ النَّاظِرُ فِي الْوَقْفِ بَلْ النَّاظِرُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مَنْ كَانَ إنْ كَانَ لَهَا نَاظِرًا وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْفُقَرَاءِ وَحَاجَتُهُمْ حَاقَّةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقَدَّمُ عَلَى عِمَارَةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ وَقَدْ يُسَوَّغُ بِأَنْ يَكُونَ صَرْفُ ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى تِلْكَ الْعِمَارَةِ لَا يُعَوِّقُ عَلَيْهِمْ أَمْرًا هُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : مِنْ صُوَرِ الْعَقْدِ أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا أَوْقَافٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَوَقْفَيْنِ مِنْ وَاقِفَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ.
(الثَّالِثَةُ) : أَنْ يَتَعَدَّدَ الْوَاقِفُ فَقَطْ كَمَا لَوْ وَقَفَ زَيْدٌ دَارِهِ عَلَى عَمْرٍو أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَوَقَفَ خَالِدٌ دَارِهِ عَلَيْهِ.
(الرَّابِعَةُ) : أَنْ يَتَعَدَّدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ الصِّيغَةُ فَقَطْ فَلَا إشْكَالَ فِي تَعَدُّدِ الْوَقْفِ كَقَوْلِ زَيْدٍ: وَقَفْتُ عَلَى عَمْرٍو دَارِي وَعَلَى خَالِدٍ بُسْتَانِي.
أَوْ قَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ دَارِي وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ بُسْتَانِي بِإِعَادَةِ صِيغَةِ الْوَقْفِ فَهُمَا وَقْفَانِ لِأَنَّهُمَا صِيغَتَانِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك دَارِي وَبِعْتُك بُسْتَانِي.
فَإِنَّا إذَا كُنَّا نُعَدِّدُ الصِّيغَةَ الْوَاحِدَةَ بِتَفْصِيلِ الْوَاحِدَةِ بِتَفْصِيلٍ فَتَتَعَدَّدُ الصِّيغَةُ لَفْظًا وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَفْصِيلُ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْهِبَةِ بِأَنْ تَقُولَ: وَهَبْتُك يَا زَيْدُ دَارِيَ وَوَهَبْتُك يَا زَيْدُ بُسْتَانِي.
فَهُمَا هِبَتَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك دَارِيَ وَبُسْتَانِي فَهِيَ هِبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي الرُّجُوعِ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَلَدَ فَإِنَّ فِي الْهِبَتَيْنِ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَفِي الْهِبَةِ الْوَاحِدَةِ يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَجَعَ فِي بَعْضِهَا يَنْبَنِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(الْخَامِسَةُ) : أَنْ يَتَعَدَّدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَقَطْ إمَّا جِهَتَيْنِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَإِمَّا مُعَيَّنَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنْ فَصَّلَ بِأَنْ يَقُولَ لَك مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَهُوَ وَقْفَانِ كَمَا لَوْ فَصَّلَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَكَأَنَّهُ أَعَادَ الْعَامِلَ وَهُوَ وَقَفْت فَيَصِيرُ صِيغَتَيْنِ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَضُرُّ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مُنَاصَفَةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَكَذَا إنْ زَادَ وَقَالَ بِالسَّوِيَّةِ فَأَمَّا إذَا قَالَ بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ وَلَا فِي الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ زَيْدٌ
وَعَمْرٌو وَيُطْلِقُ.
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُمَا فَإِنْ قَالَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ فَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَلَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ فَهُوَ وَقْفٌ وَاحِدٌ أَوْ يَتَعَدَّدُ لَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَحُكْمِهِمْ وَتَعْلِيلِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا قُلْته.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ أَوْ أَشْخَاصٍ فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ فَمَاتَ وَاحِدٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّ حِصَّتَهُ لِلْبَاقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ حِصَّةَ الْمَيِّتِ تَكُونُ لِمَنْ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَقِيلَ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ قَالَ يَنْقَسِمُ وَلَا يَنْقَسِمُ وَقَالُوا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ يُرْجَعُ إلَى قَسْمِهِمْ وَفِيمَا يَنْقَسِمُ يُرْجَعُ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَابْنُ زِيَادٍ وَالْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ إلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ التَّقْسِيمِ وَغَيْرِهِ.
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لِلْفُقَرَاءِ، إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَقَدْ نُقِلَ فِي تَعْلِيلِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ تَعْلِيلَانِ: أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا.
وَالثَّانِي أَنَّ الصَّرْفَ إلَى مَنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ أَوَّلًا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَقَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي فَمَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ فَحِصَّتُهُ لِلْآخَرِينَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ اللَّفْظُ أَفَادَ أَنَّ حِصَّةَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ تُصْرَفُ إلَى الْآخَرِينَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يُسْتَفَدْ هَذَا بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا اُسْتُفِيدَ بِالِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَوْلَادَ أَوْلَادَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الِانْقِرَاضُ وَمَا وُجِدَ.
وَلَيْسَ هُنَاكَ أَوْلَى مِنْهُمَا فَصُرِفَ إلَيْهِمَا وَهُمَا التَّعْلِيلَانِ الْمَنْقُولَانِ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ.
وَالثَّانِي ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْوَى وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي وَاخْتَرْته، وَشَرْحُهُ فِي الْأَوْلَادِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ جِهَةُ وَقْفٍ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا.
وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إلَى وَلَدِهِ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا لَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَمَحَلُّهُ عَلَى صِيغَةٍ إذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، أَمَّا إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى وَلَدِي
ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي فَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَحْكِي فِيهِ خِلَافًا.
فَإِنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوَلَدِيَّةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْوَلَدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ ظَاهِرٌ فَإِنْ سَمَّاهُمْ فَكَمَا لَوْ قَالَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ وَسَنَذْكُرُهُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فَالْأَوْلَادُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ يَقْوَى فِيهِمْ قَصْدُ الْجِهَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ يَحْدُثُ لِلْوَاقِفِ مِنْ الْأَوْلَادِ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ.
فَإِنْ صَرَّحَ فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يُقَسَّمُ الْحَادِثُ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْوَقْفِ نِصْفَيْنِ بَلْ الْجَمِيعُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَقِيقَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ الْوَقْفُ عَلَى مُسَمَّاهُمْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالْفُقَرَاءَ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ.
أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ مَعْنَى الْجِهَةِ قَلِيلًا فَإِنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ فَلِذَلِكَ جَرَى فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ وَالْقَائِلُ فِيهِ بِالِانْقِطَاعِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ بَيَانُ تَصَرُّفِهِ حِينَئِذٍ.
وَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُصْرَفُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْمَسَاكِينِ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ يُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ وَهُمْ لَا يَكَادُونَ يَذْكُرُونَ الْمُنْقَطِعَ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: إنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ صَدَقَةٌ لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَقُولُ فِي أَوَّلِهِ هَذَا مَا تَصَدَّقَ وَفِي آخِرِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ.
فَمَبْنَاهُ كُلُّهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ لِلْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا الْوَاقِفُ يُقَدِّمُ مَصَارِفَ اشْتَرَطَهَا فَيُقَدَّمُ مَا شَرَطَهُ فَكُلُّ مَا تَعَذَّرَ مِنْهُ صُرِفَ إلَى الْمَسَاكِينِ لَا بِالِانْقِطَاعِ وَإِنَّ الْوَقْفَ لَمْ يَشْمَلْهُ بَلْ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مُؤَخَّرٌ عَمَّا قَدَّمَهُ الْوَاقِفُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنْ يُقَدَّمَ مِنْهُ كَيْتُ وَكَيْتُ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَيَجْعَلُ مَصَارِفَ الْوَقْفِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْوَاقِفُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ لَا غَيْرُ فَإِنْ وُجِدَتْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا وَإِنْ فُقِدَتْ كُلُّهَا كَانَ مُنْقَطِعًا وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كُلُّهُ مَعْدُومًا وَيَبْقَى أَصْلُ الْوَقْفِ وَهُوَ مَعْنَى الِانْقِطَاعِ فَيُصْرَفُ إلَى اسْمٍ وَالْوَقْفُ عَلَى أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنًى شَامِلٌ لَهُمْ وَهُوَ أَخَصُّ أَوْصَافِهِمْ فَيَصِيرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجِهَةِ.
وَلَك بَعْدَ هَذَا تَنْزِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَنْتَزِعَ مِنْهُ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ لَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ فَتَجْعَلُهُ مَوْرِدَ الْوَقْفِ وَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَتَقُولُ هُوَ وَقْفٌ عَلَى
الْمُسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَخَذَهُ وَإِنْ وُجِدُوا كُلُّهُمْ اقْتَسَمُوهُ لِضَرُورَةِ الْمُزَاحَمَةِ كَمَا فِي الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ.
وَهَذَا هُوَ أَحْسَنُ التَّنْزِيلَيْنِ وَأَقْرَبُهُمَا وَالثَّانِي أَنْ نَقُولَ إنَّهُ وَقْفٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ مَقْصُودُهَا مِلْكُ الْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مَمْلُوكَةً لِاثْنَيْنِ عَلَى التَّمَامِ.
وَالْوَقْفُ مَقْصُودُهُ حَقٌّ وَالْحُقُوقُ تَثْبُتُ لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّمَامِ كَمَا فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَقِّ الْخِيَارِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَفْظُ الْوَقْفِ وَالْحَبْسِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِك: وَقْفُهَا عَلَيْهِمَا وَحَبْسُهَا عَلَيْهِمَا، أَنَّك جَعَلْتَهَا مَوْقُوفَةً مَحْبُوسَةً لِأَجْلِهِمَا حَتَّى تُفْرَغَ حَاجَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ جَمِيعِهَا، فَهَذَا وَالتَّنْزِيلُ الْأَوَّلُ هُمَا اللَّذَانِ يُتَوَجَّهُ بِهِمَا أَنَّ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمْ يُصْرَفُ إلَى بَقِيَّةِ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَيْسَ الصَّرْفُ لِبَقِيَّةِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ بَلْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا فِيهَا وَحَصَلَتْ الْمُزَاحَمَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَبِمَوْتِ أَحَدِهِمْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ وَشَرِكَتُهُ فَيَنْفَرِدُ الْبَاقُونَ بِهِ فَيَكُونُ وَقْفًا وَاحِدًا لَا أَوْقَافًا مُتَعَدِّدَةً وَمَتَى جَعَلْنَاهُ نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا وَنَحْوَهُ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُتَعَدِّدَةً.
وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ رحمه الله فِي تَعْلِيقَتِهِ جَرَى عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ.
وَفِي الْفَتَاوَى اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهُ.
فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ إذَا سَمَّاهُمْ خِلَافًا لِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَافًا مُتَعَدِّدَةً.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفُهِمَ مِنْ أَحَدِ تَعْلِيلَيْ ابْنِ شُرَيْحٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ اللَّفْظَ أَفَادَهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ أَوْقَافًا مُتَعَدِّدَةً وَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِيهِمْ مَنْ أَخَذَ تَعْلِيلَيْ ابْنِ شُرَيْحٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ اللَّفْظَ أَفَادَهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ مَصْرِفُهُ فِي بَعْضِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَقْفَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي، فَالْحَاصِلُ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي وَقْفَانِ وَمَحَلُّهُمَا فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ أَوْ فِي الْأَوْلَادِ الْمُسَمَّيْنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ
فِي الْأَوْلَادِ الْمُسَمَّيْنَ مُرَتَّبًا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَأَوْلَى بِالِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْوَلَدِيَّةِ مَقْصُودَةٌ دَالَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَةِ أَكْثَرُ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ أَمَّا الْأَوْلَادُ الَّذِينَ لَمْ يُسَمَّوْا فَهُوَ وَقْفٌ وَاحِدٌ وَهَذَا كُلُّهُ بِلَا خِلَافٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَقْفِ الْأَصْلِيِّ، وَصُدُورُهُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَاقِفَ يَقِفُ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ يَقِفُ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى شَخْصَيْنِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ مُتَعَدِّدًا ثُمَّ مُتَّحِدًا فِي الْأَوَّلِ أَوْ مُتَّحِدًا ثُمَّ مُتَعَدِّدًا فِي الثَّانِيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَجْعَلُهُ الْوَاقِفُ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ وَيَعْتَبِرُ مَا قَالَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ فَيَعْمَلُ بِحَسَبِهِ فَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُبْنَى عَلَى شَيْءٍ سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ وَاحْتُمِلَ التَّعْلِيقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُنَجَّزٌ وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلَهُ احْتِمَالَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
وَفِي ظَنِّي أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ صَرَّحَ بِهِ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ مُتَّحِدًا ثُمَّ يَتَعَدَّدُ أَوْ عَكْسَهُ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا أَصْلُ الْوَقْفِ فَنَحْكُمُ بِمَا اقْتَضَاهُ مِنْ تَعَدُّدٍ أَوْ اتِّحَادٍ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَالتَّعَدُّدُ الَّذِي حَصَلَ بَعْدَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فِي الْوَقْفِ الْوَاحِدِ لَا بِحُكْمٍ مُبْتَدَأً، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَمَصِيرُهُ إلَى وَاحِدٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَرَيَانِ حُكْمِ التَّعَدُّدِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَتَعَدَّدَتْ الصِّيغَةُ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ الْوَقْفُ وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ التَّعَدُّدِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ وَاحِدًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي الْبَطْنَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ أَوْ لَا، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ تَعْلِيلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّفْرِقَةُ فَإِنَّ تَرْتِيبَ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ يَقْتَضِي نِسْبَةَ الْمِيرَاثِ.
وَقَدْ يَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الشَّخْصِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ إشْعَارٌ بِاعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُ هَذَا الْمَالِكِيِّ فَنَاسَبَ لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ عَلَى أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ، هَذَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ أَوْلَادِهِمَا.
وَلَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ وَلَا فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، وَلَا يُشْبِهُ الْمِيرَاثَ أَصْلًا فَلَا وَجْهَ لِلصَّرْفِ
لِلْفُقَرَاءِ إلَّا انْقِطَاعُ الْوَسَطِ وَالْآخِرِ فَلَوْ قُرِضَ الْأَوْلَادُ ثُمَّ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو وَبَكْرٌ ثُمَّ زَيْدٌ فَلَا وَجْهَ لِلصَّرْفِ إلَى زَيْدٍ أَصْلًا.
وَعِنْدَنَا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِنَا نَذْكُرُ الْحُكْمَ إذَا قَالَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ الْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ وَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ.
قَالَ وَهَكَذَا فِي الْوَقْفِ وَلَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ هَذَا
وَذَكَرُوا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا أَوْصَى لِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِلْحَيِّ النِّصْفُ وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يُجِزْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ النِّصْفَ وَالثَّانِي الْجَمِيعَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ فِي الْأُمِّ فِي الْوَصِيَّةِ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَيْسَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الصَّحِيحِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا قَالَهُ فِي " بَيْنَ " لَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوهُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْقَعْتُ عَلَيْكُنَّ طَلْقَةً طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً.
وَلَوْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَقَالَ أَرَدْتُ بَعْضَهُنَّ دُونَ بَعْضٍ بَرِئْنَ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ قَالَ وَ " بَيْنَ " يَقْتَضِي احْتِمَالَ اللَّفْظِ لَهُ وَذَلِكَ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اللَّامِ وَبَيْنَ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُجْرَى فِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي قَبُولِهِ فِي الظَّاهِرِ فِي الطَّلَاقِ.
هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي اللَّامِ أَنَّهُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ حَقٌّ فَيَصِحُّ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ.
وَالْوَصِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مَقْصُودُهَا الْمِلْكُ وَلَا تَثْبُتُ لِاثْنَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ.
فَنَحْنُ وَإِنْ خَالَفْنَاهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَالْوَصِيَّةِ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ يَنْبَغِي أَنْ نُوَافِقَهُمْ فِي الْوَقْفِ وَيَكُونَ الْوَقْفُ لِاثْنَيْنِ كَالْوَقْفِ عَلَى اثْنَيْنِ فَيَكُونَ مُتَّحِدًا وَقْفًا وَاحِدًا عَلَى الْأَصَحِّ ثَابِتًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِذَا زَادَ وَقَالَ بَيْنَهُمَا فَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ نِصْفَيْنِ فَيَكُونَ وَقْفَيْنِ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ لِقُصُورِ دَلَالَةِ اثْنَيْنِ عَلَى النِّصْفِ وَاحْتِمَالِهَا فَيَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ وَكَأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ بَلْ هِيَ تَأْكِيدٌ، هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ بِرَأْسِهَا دَعَانَا إلَى ذِكْرِهَا أَنَّ هَذَا الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُسَمِّينَ بَيْنَهُمْ فَحَصَلَ النَّظَرُ فِي أَنَّهُ وَقْفٌ
وَاحِدٌ عَلَيْهِمْ وَأَوْقَافٌ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ الْمَذْكُورِينَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَعْلِهِ مُتَعَدِّدًا كَانَ لِثَلَاثَةٍ فَصَارَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَنْقَرِضْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا كَانَ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَقْفًا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ جَعَلْنَاهُ ثَلَاثَةً فَهَلْ يَصِيرُ اثْنَيْنِ أَوْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حُكْمِ الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا وَقْفُهُ الْمُخْتَصُّ بِهِ وَنِصْفُ الْوَقْفِ الْآخَرِ وَلِأُخْتِهِ مِثْلُهُ؟ فِيهِ الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ قَدَّمْنَاهُمَا وَمِلْنَا مِنْهُمَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ شَرْطٌ لَا وَقْفٌ مُبْتَدَأٌ.
وَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيَانُ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ أَمْرٌ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ ذَلِكَ فَمَا اللَّوْحُ الدُّنْيَا وَلَا قَاسِمَ؟ كَتَبْتُهَا فِي نَهَارِ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ قَاعِدَةٌ أَيْضًا فِي الْمَفْهُومِ هَلْ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَوْقَافِ أَمْ لَا.
قَدْ عُلِمَ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمَفْهُومِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَعَمَلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ بِهِ وَامْتِنَاعُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُ وَمَعَ كَوْنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كُنْتُ أَسْمَعُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَفِي التَّصَانِيفِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِذَلِكَ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ أَلْفَاظٌ لَهَا مَفْهُومٌ وَأَمَّا مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟
وَاَلَّذِي فِي الرَّهْنِ لَا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَنَحْوَهُ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ أَلْفَاظُهُمْ وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَهَا أَسْبَابًا وَعَلَامَاتٍ عَلَى إثْبَاتِ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ سبحانه وتعالى مُثْبِتُهَا وَمُسَبِّبُهَا وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى لَوْ عُلِمَ مُرَادُ الْوَاقِفِ بِدُونِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُثْبَتًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَكَمَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمُرَادِ وَلِذَلِكَ الْمَفْهُومِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي كَلَامِ النَّاسِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ مُبْتَدَإٍ نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِيهِ فِي تَخْصِيصِ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدِ مُطْلَقٍ أَوْ بَيَانِ مُجْمَلٍ وَيَكُونُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْعَامِّ الَّذِي عُلِمَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَفْهُومِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عَمَلًا
بِالْمَفْهُومِ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ يُقَارِبُ بَلْ عُمِلَ بِالْمَنْطُوقِ فِيمَا سِوَاهُ وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ وَتَبْيِينُ الْمُجْمَلِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ مَنْطُوقٌ فَيُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا يُعْمَلُ بِالْأَدِلَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ صَادِرَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّنَاقُضُ وَالْوَاقِفُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ التَّنَاقُضِ، وَأَيْضًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ أَكْثَرُهُ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الْمَفْهُومُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ كَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِمَا فَقَلَّ مَا يَقَعُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَوْ وَقَعَ لَمْ يُعْتَبَرْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَغْنِيَاءِ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ يَسْتَحِقُّ الْفُقَرَاءُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَصْدُ تَخْصِيصِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَفْظُهُ الَّذِي أَنَاطَ لَهُ الشَّارِعُ الْحُكْمَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى غَيْرِهِ وَدَلَالَةُ الْمَفْهُومِ لَيْسَتْ وَضْعِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ عَقْلِيَّةٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا نَقُولُ: إنَّ الْأَغْنِيَاءَ خَارِجُونَ بِالْمَفْهُومِ بَلْ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْأَصْلِ فَالْمَفْهُومُ إمَّا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَإِمَّا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مَفْهُومٌ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَقْفِ.
وَقَدْ حَضَرَنِي مَسَائِلُ نَبْحَثُ فِيهَا تَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ: مِنْهَا إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِصَاحِبِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَارِثٍ هَلْ يَقُولُ إنَّهُ لِصَاحِبِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ وَيَكُونُ هَذَا الْمَفْهُومُ مُلْغَى أَوْ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَمَلًا بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ هَلْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَوْ يَكُونُ لِوَارِثِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ عَلَى كَلَامٍ.
وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ الْوَقْفِ يَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ وَعِنْدَهُمْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَعِنْدَهُمْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَنْتَقِلُ لِلْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى صَاحِبِهِ بِالشَّرْطِ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَهَذَا مَاتَ عَنْ وَارِثٍ فَمَا قَالُوهُ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِمْ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا نَظَرَ إلَى الْمَفْهُومِ أَصْلًا وَيُصْرَفُ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَهَذَا بَعِيدٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ الْكَلَامِ وَنَحْنُ قَدْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى شَخْصَيْنِ كَالْعَامِّ وَالْعَامُّ يُخَصُّ بِالْمَفْهُومِ لَا سِيَّمَا وَهَذَا الْعَامُّ يَحْتَاجُ إلَى الْمَفْهُومِ فِي الْوَقْفِ غَيْرِهَا وَاحْتَجْنَا إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ
السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخَوَيْهِ وَقَدْ مَاتَ خِضْرٌ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخَوَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ ثُمَّ مَاتَ لَاجِينُ عَنْ وَلَدٍ فَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِمِنْكَوْرَسٍ.
إذَا صَحَّ لِي مَا قُلْتَهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا كَوْنُ نَصِيبِ لَاجِينَ يَكُونُ لِأَوْلَادِ لَاجِينَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْمَفْهُومِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ نَقِيضُ الْمَنْطُوقِ وَنَقِيضُ كَوْنِهِ لِأَخَوَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَخَوَيْهِ أَمَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِوَلَدِهِ فَلَا.
وَمِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي فَعَلَى الْفُقَرَاءِ صُرِفَ إلَى الْأَوْلَادِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَبَقِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا - وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ لِتَرْجِيحِهِ - يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ.
وَالثَّانِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَلَيْسَ لِأَجْلِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا الصَّرْفُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفَ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ.
وَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْأَوْلَادِ وَإِرَادَةِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى بَعْضِهِمْ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا جَرَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَانْقَرَضَ زَيْدٌ الْأَجْنَبِيُّ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ.
بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ هَاهُنَا الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْأَوْلَادِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا كَوْنُهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ.
وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَأَنَّ الشَّرْطَ انْقِرَاضُ الْأَوْلَادِ فَلَا يُمْكِنُ الصَّرْفُ إلَى أَوْلَادِهِمْ فَيُصْرَفُ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَفْهُومِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْمَفْهُومِ عَدَمُ الصَّرْفِ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مَنْ قَبْلَهُمْ فَلَمْ نَجِدْ مَالًا مِمَّا يَقْرَبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ إلَّا الْمِثَالَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْخَصَّافِ وَهُوَ فِي هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ الَّذِي سُئِلْنَا
عَنْهُ.
وَقَوْلُ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ عَادَ وَقْفًا عَلَى إخْوَتِهِ الْمَذْكُورِينَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنَّ مَفْهُومَهُ لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ لَا يَكُونُ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَلَاجِينُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَلَا يَكُونُ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ مِنْكَوْرَسٍ، وَعَضَّدَ هَذَا الْمَفْهُومَ قَوْلُ الْوَاقِفِ أَيْضًا: إنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بَنَاتُ ابْنٍ مَاتَ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَتْ وَلَهُ إخْوَةٌ فَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا أَحَقُّ مِنْ الْإِخْوَةِ.
فَإِذَا كَانَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَحَقَّ مِنْ الْإِخْوَةِ فَأَوْلَادُ الصُّلْبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهَذَا عَاضِدٌ لِلْمَفْهُومِ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِخْوَةِ وَاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ لَاجِينَ نَصِيبَ وَالِدِهِمْ دُونَ عَمَّيْهِمْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَذَا الْمَفْهُومُ لَقَدَّمْنَا أَخَاهُ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعُمُومَ ضَعِيفٌ اُعْتُمِدَ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لَهُ مَعَ احْتِمَالِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لَهُ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى شَخْصَيْنِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَعْلِهِمَا جِهَةً قَدْ يُقْصَدُ بِهِ التَّوْزِيعُ بَيْنَهُمَا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمَّا جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ مَفْهُومٍ وَعَاضَدَ لَهُ تَبَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ وَوَجَبَ عَلَيْنَا الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ لَاجِينَ نَصِيبَ وَالِدِهِمْ وَهُوَ نِصْفُ الْوَقْفِ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ لِوَالِدِهِمْ بِالْمُزَاحَمَةِ مَعَ إخْوَتِهِ ثُلُثُ الْوَقْفِ وَمَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ خِضْرٍ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ إنْ كَانَ وَقْفًا وَاحِدًا مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ سُدُسُ الْوَقْفِ فَصَارَ النِّصْفُ لَهُ بِطَرِيقِ الْمُزَاحَمَةِ أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ مِنْكَوْرَسٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ يَكُونُ الثُّلُثُ لَهُ لَا بِطَرِيقِ الْمُزَاحَمَةِ بَلْ وَقْفًا مُسْتَقِلًّا عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَوْقَافٍ وَهُوَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالشَّرْطِ لِذَلِكَ السُّدُسِ مِنْ خِضْرٍ بِحُكْمِ وَفَاتِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ.
فَصَارَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الضَّعِيفِ وَقْفَيْنِ أَيْضًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقْفَانِ فِي الْأَصْلِ وَصَارَا بِالشَّرْطِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الْأَخَوَيْنِ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا تِلْكَ الْقَاعِدَةَ لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا هَذَا التَّفْرِيعَ.
وَبِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فُرِّعَ حُكْمُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَحُكْمُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْكَوْرَسٌ وَأَوْلَادُ لَاجِينَ مِنْهُ.
وَمِنْكَوْرَسٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَوْلَادُ لَاجِينَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي وَلَكِنَّهُمْ حَلُّوا مَحَلَّ أَبِيهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَكَمَّلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا عَصْرَ يَوْمِ الْأَحَدِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي دَلَالَةِ " ثُمَّ " فِي تَرْتِيبِ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ كَمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي. أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا مِنْهُمْ.
وَلَمْ أَعْرِفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُ وَإِنْ كَانَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ " ثُمَّ " لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ وَقُطْرُبٍ أَنَّهَا كَالْوَاوِ، وَعِنْدِي أَنَّ النَّقْلَ عَجِيبٌ وَلَعَلَّهُ يَكُونُ وَقَعَ فِيهِ اشْتِبَاهٌ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ قُطْرُبٍ أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَثُمَّ وَالنُّقُولُ الَّتِي عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالنُّحَاةِ فِي الْوَاوِ وَثُمَّ لَا تُعْجِبُنِي وَلَا أُبْعِدَ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِيهَا اشْتِبَاهٌ وَخُرُوجٌ عَنْ وَضْعِ اللِّسَانِ.
وَمَنْ مَارَسَ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ قَطَعَ بِأَنَّ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ وَالْوَاوَ مُحْتَمِلَةٌ لَهُ، وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى اتِّفَاقِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَنَّ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ مَسَائِلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَحْسَنَ جَمْعٍ وَقَالَ لَا يَتَنَاقَضُ عَلَيْك الْقُرْآنُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ لَا نَعْرِفُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا إلَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَ مُطْرَدًا وَلَا مُحَرَّرًا.
فَقَوْلُهُمْ فِي الْأَوْلَادِ إمَّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مِنْ رَأْسٍ وَإِمَّا مُفَرَّعًا عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ فِي مَعْنَى تَرْتِيبِهَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَطْ تَرَتَّبَ وَاحِدٌ عَلَى وَاحِدٍ فَلَا اشْتِرَاكَ فِيهِ كَقَوْلِك: قَامَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو وَوَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو وَقَدْ يَكُونُ تَرَتَّبَ جَمَاعَةٌ عَلَى جَمَاعَةٍ وَالتَّرْتِيبُ قَدْ يَكُونُ بِالزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ فَالتَّرْتِيبُ فِي غَيْرِ الزَّمَانِ كَقَوْلِك: خَيْرُ الْقُرُونِ الصَّحَابَةُ ثُمَّ التَّابِعُونَ فَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالثَّانِي يَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَوَّلِ فِي الرُّتْبَةِ.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الزَّمَانِيُّ فِي مِثْلِ قَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو وَوَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو قَدْ لَا يُعْقَلُ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ تَجَرُّدُهُ عَنْ الزَّمَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ زَمَانِ الثَّانِي عَنْ زَمَانِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي تَقْدِيرِ الْعَامِلِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ صِنَاعَةً فَهُوَ مُقَدَّرٌ مَعْنًى فَقَوْلُك: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ثُمَّ
بَكْرٌ وَخَالِدٌ مَعْنَاهُ ثُمَّ جَاءَ بَكْرٌ وَخَالِدٌ وَالْفِعْلُ دَالٌّ عَلَى الزَّمَانِ.
فَالزَّمَانُ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ لِمَجِيءِ بَكْرٍ وَخَالِدٍ مُتَأَخِّرٌ عَنْ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهَذَا عَامٌّ فِي تَرْتِيبِ الْفَرْدِ عَلَى الْفَرْدِ وَتَرْتِيبِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22]{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23] لَا يَفْهَمُ عَرَبِيٌّ مِنْهُ إلَّا أَنَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ بَعْدَ عَبَسَ وَبَسَرَ فَكَذَلِكَ جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ ثُمَّ أَكَلَ وَشَرِبَ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ الْفِعْلُ فَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ آخِرِ جُزْءٍ بَلْ عَنْ جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ فَتَأَخُّرُهَا عَنْ الْأَوَّلِ بِدَلَالَةِ " ثُمَّ " تَقْتَضِي تَأَخُّرَ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَوَّلِ.
فَهَذَانِ وَجْهَانِ يَقْتَضِيَانِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ خِلَافَهُ، وَرَأَيْت فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عَطْفَ جَمْعٍ عَلَى جَمْعٍ بِحَرْفِ " ثُمَّ " كَقَوْلِهِ: أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ وَأَنْ يُرِيدَ عَلَى أَعْقَابِ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ جَمِيعُهُمْ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا احْتِمَالًا وَاحِدًا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَادِّعَاءُ أَنَّ ذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عز وجل {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة: 28] أَنَّهُ أَمَاتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يُمِيتَ جَمِيعَهُمْ وَالصِّيغَةُ فِي اللَّفْظَيْنِ وَاحِدَةٌ.
وَلَوْلَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُرَادِهِ بِالْآخَرِينَ قَالَ وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
قُلْت: احْتِمَالٌ وَاحِدٌ مَمْنُوعٌ بَلْ حَقِيقَتُهُ وَظَاهِرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ الثَّانِي شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوَّلِ وَإِنْ أُرِيدَ خِلَافُ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ كَانَ مَجَازًا وَقَوْلُهُ جَمِيعُهُمْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَكَلَامُهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا كُلُّ مَنْ وُجِدَ وَسَيُوجَدُ وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ، إنَّمَا الْمُخَاطَبُ بِهَا الْمَوْجُودُونَ حِينَ نُزُولِهَا عَاتَبَهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] الْآيَةَ فَهِيَ خِطَابُ مُوَاجَهَةٍ وَخِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ لَا يَعُمُّ مَنْ سِوَى الْمَوْجُودِينَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِهِمْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْكُفْرُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَصَالِحًا لَأَنْ يُخَاطَبَ بِهِ كَمَا خُوطِبَ بِهِ هَؤُلَاءِ.
وَإِذَا
كَانَتْ خِطَابًا لِلْمَوْجُودِينَ خَاصَّةً فَكُلُّهُمْ كَانُوا أَمْوَاتًا فَأَحْيَاهُمْ اللَّهُ وَكُلُّهُمْ أَحْيَاءٌ ثُمَّ يُمِيتُهُمْ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيهِمْ فَقَدْ جَاءَتْ لَفْظَةُ " ثُمَّ " عَلَى بَابِهَا فِي مَوْقِعِهَا بِلَا إشْكَالٍ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَسْأَلَةٍ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهَا أَحَدٌ ثُمَّ دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عز وجل {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة: 28] أَنَّهُ أَمَاتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْيَائِهِ لَا أَدْرِي مَا حَمَلَهُ عَلَى أَنْ عَبَّرَ بِالْمَاضِي وَهُوَ أَمَاتَ عَنْ الْمُضَارِعِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ (يُمِيتُكُمْ) فَلَا عِبَارَتُهُ جَيِّدَةً وَلَا فَهْمُهُ جَيِّدًا.
وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ يُمِيتُهُمْ صَحِيحٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَدْنَاهُ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَقَوْلُهُ فَلَوْلَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُرَادِهِ بِالْأُخْرَى.
قُلْنَا لَمْ يُرِدْ بِالْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُرَادِهِ بِالْأُخْرَى لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهَانِ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَقِيقَةً وَالْآخَرُ مَجَازًا.
وَلَوْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِمَالَانِ عَلَى السَّوَاءِ لَكِنَّا نَقُولُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ عَلَى السَّوَاءِ اسْتِحْقَاقَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مُحَقَّقٌ فَيُسْتَصْحَبُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي.
وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بِالشَّكِّ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فَلَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ يَنْتَقِلُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا نَقُولُ بِالِاحْتِمَالِ فَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَضَّدَهُ قَرِينَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي مَذْهَبِهِ مَسْأَلَةُ الِاعْتِبَارِ هِيَ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَهُمْ ذَكَرَهَا أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ.
وَذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا وَصُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ رَجُلٌ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ فِي مَرَضِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهَا وَهَلَكَ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأُمَّهُ وَوَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ قَالَ تُقَسَّمُ الدَّارُ عَلَى عِدَّةِ الْوَلَدِ وَعَلَى عِدَّةِ وَلَدِ الْوَلَدِ فَمَا أَصَابَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ دَخَلَتْ مَعَهُمْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ فَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ حَتَّى إذَا انْقَرَضَ وَلَدُ الْأَعْيَانِ رَجَعَتْ الدَّارُ كُلُّهَا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَصُوَرُهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَوْلَادُ ثَلَاثَةً وَأَوْلَادَهُمْ قُسِّمَتْ عَلَى سِتَّةٍ فَالثَّلَاثَةُ الَّتِي لِوَلَدِ الْوَلَدِ سَالِمَةٌ لَهُمْ وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ إذَا لَمْ تُحْرَمْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ أَخَذْنَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ السُّدُسَ وَالثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُمْ وَارِثُونَ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَالْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ
وَصِيَّةٌ وَقِسْمَتُهَا عَلَى أَلْفَيْنِ وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ كُلُّ سُدُسٍ ثَلَثُمِائَةٍ وَسَبْعُونَ تَأْخُذُ الْأُمُّ سُدُسَهُ وَالزَّوْجَةُ ثُمُنَهُ فَيَجْتَمِعُ لِلْأُمِّ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَلِلزَّوْجَةِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ وَمِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَقَدْ يَحْدُثُ وَلَدٌ رَابِعٌ أَوْ خَامِسٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَتَصِيرُ الْقِسْمَةُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَلَهُمْ فِيهَا حِسَابٌ طَوِيلٌ وَعَمَلٌ كَثِيرٌ وَخِلَافٌ وَهَلْ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ أَوْ لَا تُنْقَضُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ يَكُونُ سَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ مَنْ كَانُوا يَعْنِي مِنْ أَوْلَادِهِ الَّذِينَ هُمْ الْبَطْنُ الثَّانِي مِنْ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِمْ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْقَرِضَ وَلَدُ الْأَعْيَانِ فَيَخْلُصُ وَقْفًا لِأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَرَثَتَهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ فِي حَيَاةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ فَيَصِيرُ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا الْمَسْأَلَةَ بِصِيغَةِ التَّرْتِيبِ.
وَلَا غَرَضَ لَنَا فِي ذِكْرِهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ أَحَدٌ بِكَلَامِ مَالِكٍ فِيهَا فَإِنَّهُ إمَامٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا قَالَ مُصَنِّفُ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ الْجَدُّ الْكَبِيرُ:
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ ثُمَّ جَعَلَهَا مِنْ بَعْدِهِمْ لِغَيْرِهِمْ قُسِّمَتْ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَمَنْ لَمْ يُوصَ لَهُ بِشَيْءٍ يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ فَيَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ فَإِذَا هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ صَارَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَخَرَجَ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ حُظُوظُ أَعْيَانِ الْوَلَدِ حَتَّى يَنْقَرِضَ آخِرُهُمْ فَإِذَا انْقَرَضَ أَعْيَانُ الْوَلَدِ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ سَقَطَ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ فَإِذَا هَلَكَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ دَخَلَ مَنْ يَرِثُهُمَا مَكَانَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ مَعَ الْوَلَدِ.
فَإِذَا هَلَكَ الْوَلَدُ وَرِثَهُ وَلَدُهُ وَانْقَطَعَ مِيرَاثُ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ وَمِيرَاثُ مَنْ وَرِثَهُمْ إنْ كَانُوا قَدْ هَلَكُوا.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ بِوَصِيَّةٍ بِحَبْسٍ يَجْرِي عَلَيْهِمْ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثُمَّ جَعَلَهَا مِنْ بَعْدِهِمْ لِغَيْرِهِمْ إذْ لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ بِوَصِيَّةِ مِلْكٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلَوَجَبَ إنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ أَنْ تَبْطُلَ وَتَرْجِعَ مِيرَاثًا بَيْنَ جَمِيعِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ وَلَا إشْكَالٌ
وَتَنْزِلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَذَكَرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي قَدْ نَزَّلَ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ الْبَنِينَ أَرْبَعَةً وَابْنَةً وَإِمَّا زَوْجَةً وَأَوْصَى أَنْ يَحْبِسَ عَلَى الذُّكْرَانِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ حَبْسًا لَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَمْ يُوصَ لَهُمْ وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ وَالْأُخْتُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَعَ الْمُوصَى لَهُمْ فِي غَلَّةِ الْحَبْسِ يَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ.
وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَيُقَسَّمُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَمَنْ يُوصَ لَهُ بِشَيْءٍ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُمْ فَيَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ.
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِذَا هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ صَارَ نَصِيبُهُ كَامِلًا لِوَلَدِهِ دُونَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ الْأُخْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ شَيْئًا وَهُوَ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا تُوُفِّيَ أَحَدُهُمْ صَارَ الرُّبُعُ كَامِلًا لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَةٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَلَا الْأُمُّ وَلَا الْأُخْتُ.
وَقَوْلُهُ: وَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ حُظُوظِ أَعْيَانِ الْوَلَدِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا.
يُرِيدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعَ يَدْخُلُ فِيهَا مَعَ الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَوْلُهُ حَتَّى يَنْقَرِضَ آخِرُهُمْ يُرِيدُ أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي مَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْأَوَّلِ مَا عُمِلَ فِي مَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الرُّبُعُ الثَّانِي لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَتِهِ فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَلَا الْأُمُّ وَلَا الْأُخْتُ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الرَّابِعُ وَهُوَ آخِرُهُمْ يَصِيرُ الرُّبُعُ الرَّابِعُ لِوَلَدِهِ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَتِهِ وَيَسْقُطُ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ يُرِيدُ: وَالْأُخْتُ لَا يَكُونُ لَهُمْ شَيْئًا.
وَقَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ يُرِيدُ أَوْ الْأُخْتُ دَخَلَ مَنْ يَرِثُهُمَا مَكَانَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ مَعَ الْوَلَدِ يُرِيدُ نَصِيبَهُمْ كُلِّهِمْ فِي جَمِيعِ الْغَلَّةِ أَوْ مَعَ مَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ فِي حَظِّهِ مِنْهُمَا وَهُوَ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ عَلَى التَّنْزِيلِ الَّذِي نَزَّلْنَا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِذَا انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى أَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ لَمْ يُوصَى لَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ وَلَا كَلَامٌ لِأَنَّ الْحَبْسَ قَدْ صَارَ إلَى غَيْرِ وَرَثَتِهِ، فَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا مَعْنًى يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهَا: فَإِنْ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ صَارَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَهُوَ قَدْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلَا يَقْتَضِي قَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَلَدُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَمُوتُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ وَأَنْ يُرِيدَ عَلَى أَعْقَابِ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ جَمِيعُهُمْ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا احْتِمَالًا وَاحِدًا.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ صِيغَتُهُ مِنْ أَلْفَاظِ عَطْفِ جَمْعٍ عَلَى جَمْعٍ بِحَرْفِ " ثُمَّ " يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ بَيَّنَ قَوْله تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عز وجل {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة: 28] أَنَّهُ أَمَاتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ بَقِيَّتَهُمْ وَأَنَّهُ أَرَادَ تَعَالَى {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] إنَّهُ لَا يُحْيِي مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى يُمِيتَ جَمِيعَهُمْ وَالصِّيغَةُ فِي اللَّفْظَيْنِ وَاحِدَةٌ فَلَوْلَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُرَادِهِ بِالْأُخْرَى وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِوَلَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا هَلَكَ الرَّجُلُ عَنْهُ فَوَلَدُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ إخْوَتِهِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ قَصْدِ الْحَبْسِ وَأَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْوَلَدُ مَعَ وَالِدِهِ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَمُوتَ وَالِدُهُ وَجَمِيعُ أَعْمَامِهِ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ لَقَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَطُّ.
وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا إلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَبْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى يَمُوتَ وَالِدُهُ وَجَمِيعُ أَعْمَامِهِ.
وَقَالَ إنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَقْفُ خِلَافٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ إذَا قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي الْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْآبَاءِ.
وَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِهِ التَّأْوِيلَ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي الْمَذْهَبِ إذَا حَبَسَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ ثُمَّ صَرَفَ الْحَبْسَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى سِوَى أَوْلَادِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يُجْعَلُ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ يَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ
حَبَسَ حَائِطَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَفِي الْحَائِطِ ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ أَحَدُهَا أَنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى الْمَحْبِسِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ إلَى بَقِيَّتِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إنْ كَانَ الْحَبْسُ مِمَّا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْخَرَاجِ رَجَعَ حَظُّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُونَهُ وَالدَّارِ يَسْكُنُونَهَا وَالْحَائِطِ يَكُونُ عَلَيْهِ رَجَعَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ إلَى بَقِيَّتِهِمْ وَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ مَا رَوَى الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ وَأَخَذُوا حَاشَى بْنِ الْقَسَمِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَدْ حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَسَّمُ كَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ وَأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ كَالْعَبْدِ يَخْتَدِمُ وَالدَّارِ تُسْكَنُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدِيهِ: قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه: مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا وَقْفٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً عَلَى حَقِيقَتِهَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ بِدَلِيلَيْ حُكْمِ الْعُمْرَى وَالثَّانِي عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْعُمْرَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْبَائِعِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِمَنَافِعِ دَارِهِ لِزَيْدٍ مُدَّةَ حَيَاةِ زَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَهُ تَكُونُ مِلْكًا لِعَمْرٍو أَوْ تَكُونُ مَنَافِعُهَا لِعَمْرٍو لِمَ لَا يَصِحُّ بَلْ أَقُولُ عَلَى مَذْهَبِنَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا صَرَّحَ بِالْمَنَافِعِ الْآنَ وَبِالْمِلْكِ فِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا احْتَجْتُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَالْمِلْكُ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ مُوَقَّتًا وَلَا الْعُمْرَى فَلِذَلِكَ جَعَلْتهَا عُمْرَى عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِاحْتِمَالِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ بِوَصِيَّةِ مِلْكٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلَوَجَبَ إنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ أَنْ تَبْطُلَ وَتَرْجِعَ مِيرَاثًا.
وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أَرَادَ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ لِنَاقِيَتِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَى أَوْ احْتَمَلَ وَأَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَالِ.
قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَتَنْزِلُ الْمَسْأَلَةُ
عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ إلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ.
قُلْنَا مَالِكٌ إنَّمَا قَالَ ثُمَّ جَعَلَهَا لِغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَخُصَّ أَوْلَادَهُمْ فَقَدْ يَجْعَلُهَا لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ وَارِثٍ وَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِقَرِينَةِ الْإِرْثِ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ مَالِكٍ قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه: فَإِذَا هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ صَارَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْإِرْثِ.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ يُرِيدُ وَصَارَ نَصِيبُهُ كَامِلًا لَيْسَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ كَامِلًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ نَصِيبَهُ كَامِلًا كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ النَّصِيبَ الَّذِي كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ.
قَوْلُ مَالِكٍ وَخَرَجَ نَصِيبُ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْأُخْتِ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَقَطَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ خَرَجَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِمَا فِي يَدِ وَلَدِ الْوَلَدِ وَصَارَ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَهَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ. وَفَصْلُ الْقَوْلِ فِيهِ صَعْبٌ وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا.
قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الرُّبُعُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ أَنَّ مَالِكًا أَرَادَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ رُشْدٍ الْأُخْتُ يُرِيدُ الْبِنْتَ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْبَنِينَ وَدُخُولُهَا وَدُخُولُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ مَعَ الْبَنِينَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ وَارِثُونَ وَلَمْ تَحْصُلْ الْإِجَازَةُ فَيَقْسِمُونَهُ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ وَقَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه: وَإِذَا هَلَكَ الْوَلَدُ وَرِثَهُ وَلَدُهُ يُصَرِّحُ بِالْإِرْثِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَلَا سِيَّمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا فِي الْوَلَدِ الْأَخِيرِ الَّذِي يَخْلُصُ الْجَمِيعُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ وَقْفٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ كَلَامَ مَالِكٍ وَمَا عِنْدِي هَذَا إلَّا أَنْ نَفْرِضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِلْكِ الَّذِي يُوَرَّثُ أَوْ أَنَّا نَحْكُمُ بِالْمِلْكِ وَالْإِرْثِ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَادِ وَفِي الِانْتِقَالِ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَلَا يَزَالُ حُكْمُ الْإِرْثِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الْوَلَدُ الْأَخِيرُ فَيَنْتَقِلَ أَيْضًا إرْثًا ثُمَّ يَنْقَلِبَ فَيَصِيرَ وَقْفًا وَيَكُونَ الْمِلْكُ أَوَّلًا ثَبَتَ وَالْوَقْفُ آخِرًا وَبِهَذَا يَزُولُ مَا يُحَاوِلُهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ إثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي الْوَقْفِ الْمُسْتَقِرِّ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا شُبْهَةَ لِلْإِرْثِ فِيهِ وَلَا لِحُكْمِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ.
قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: فَهَذَا بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ قُلْنَا قَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ قَوْلُهُ وَفِيهَا مَعْنًى يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي خَشِينَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ.
وَقَدْ ظَهَرَ مُنَازَعَتُنَا فِيهِ وَلَقَدْ أَنْكَرْنَا هَذَا أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْ
قَوْلِ مَالِكٍ وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ قَبْلَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ وَلَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ صَرِيحًا وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَأَخَذَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ احْتِمَالَهُ وَنَحْنُ نُنَازِعُهُ فِي أَخْذِ احْتِمَالِهِ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ هَذَا وَإِنْ كُنَّا تُسَلِّمُ احْتِمَالَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَالِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَّا إنْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَبَقِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوَابَ فِيهَا خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى بِحَسَبِ مَا فِي ذِهْنِهِ: وَنَحْنُ نَقُولُ رَدُّهُ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَظُّ مَنْ مَاتَ لِوَلَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا هَلَكَ الرَّجُلُ عَنْهُ فَوَلَدُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ إخْوَتِهِ هَذَا وَإِنَّ السِّيَاقَ وَالْقُرْآنَ وَقِيَامَ الْحَرْبِ عَلَى سَاقٍ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفْنَا عَلَى كَلَامِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَلَوْلَا خَوْفُ الْمُجَازَفَةِ كُنْتُ أَدَّعِي الِاتِّفَاقَ وَكُنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِابْنِ رُشْدٍ وَنَقُولُ لَعَلَّ كَلَامَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً وَالْآنَ بَرِحَ الْخَفَاءُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ طَرْدَهُ فِي كُلِّ وَقْفٍ عَلَى الْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ بَلْ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ أَوْلَادِهِمَا لِقَرِينَةِ الْوَلَدِيَّةِ وَلَعَمْرِي أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَإِنَّهَا قَرِينَةٌ لَكِنْ مَا كُلُّ قَرِينَةٍ يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَشْهَدَ لَهَا شَاهِدٌ بِالِاعْتِبَارِ وَلَا سِيَّمَا وَكُلُّ مَنْ رَأَيْنَا كَلَامَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ.
وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَطَّرِدُ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ بَكْرٍ وَخَالِدٍ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ بِلَا قَرِينَةٍ فَلَا يَقُولُهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كُلِّ جَمْعٍ مُرَتَّبٍ عَلَى جَمْعٍ حَتَّى تُعَضِّدَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْقَرِينَةِ وَلَوْ كَانَتْ قَرِينَةُ الْوَلَدِيَّةِ مُقْتَضِيَةً الْإِلْحَاقَ بِالْإِرْثِ لَوَجَبَ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَطْلَقَ أَنْ يَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا هُوَ فِي الْإِرْثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: لَوْ أَرَادَ لَقَالَ جَمِيعُهُمْ.
نَقُولُ لَفْظُ جَمِيعِهِمْ إنَّمَا يُرِيدُ التَّأْكِيدَ وَلَيْسَ تَأْسِيسَ مَعْنًى جَدِيدٍ فَإِذَا سُلِّمَ عِنْدِ ذِكْرِ جَمِيعِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ عِنْدَ حَذْفِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ بَلْ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا
وَحِينَئِذٍ نَقُولُ لَهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْك هَذَا الْمَنْقُولُ فِي الْمَذَاهِبِ خِلَافُ مَا قُلْت وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا. وَقَوْلُهُ قَطُّ.
قُلْنَا كَلَامُ النُّحَاةِ إنَّ قَطُّ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَاضِي فَلَا يَصِحُّ كَلَامُهُ إلَّا إنْ تَأَوَّلْنَا لَهُ لَا يُعْلَمُ فِي مَعْنًى لَمْ يُعْلَمْ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ، وَقَوْلُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ إنَّ لَفْظَةَ " ثُمَّ " تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ التَّرْتِيبَ فَإِنَّ التَّعْقِيبَ لِلْفَاءِ لَا لِثُمَّ.
وَقَوْلُهُ دُونَ خِلَافٍ قَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ، ثُمَّ مَسْأَلَةُ مَالِكٍ إذَا سُلِّمَتْ لَهُ وَقْفٌ عَلَى بَنِينَ أَرْبَعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَقَدْ قُلْنَا إنَّ الْأَوْلَادَ إذَا سُمُّوا يَأْتِي فِيهِمْ الْخِلَافُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَيْسَتْ كَمَسْأَلَتِنَا وَهِيَ وَقْفٌ عَلَى الْأَوْلَادِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِهَةٍ مَحْضَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُشَارُ إلَيْهِ رحمه الله فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى بَنَاتِهِ فَإِذَا انْقَرَضَ بَنَاتُهُ فَلِذُكُورِ وَلَدِهِ نَسْلُ ذَلِكَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ وَلَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ فَقَالَ وَلَدُ وَلَدِهِ يَدْخُلُ دَخَلُوا.
فَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا لَكِنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي السُّؤَالِ فِي انْقِرَاضِ الْبَنَاتِ جَمِيعِهِنَّ وَالْبَنَاتُ جِهَةٌ كَالْأَوْلَادِ وَالسُّؤَالُ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَ انْقِرَاضُ كُلِّهِنَّ لَا يُعْتَبَرُ لِمَ لَا يُنْكِرُهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي حَبْسِهِ عَلَى وَلَدٍ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وَلَدِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ.
فَإِنْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ: بَعْضُ فُقَهَاءِ زَمَانِنَا.
فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيَكْفِي قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَدَمُ خِلَافِ غَيْرِهِمَا مَعَ قَوْلِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِنَكْتَفِ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ بِهَذَا.
كَتَبْته لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَحَضَرْتُ فَتْوَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدٍ فَأَفْتَى أَنَّ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ وَذَكَرَ أَنَّ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا مُخَرَّجًا.
وَقَدْ غَلَطَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَظُنُّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى غَلَطِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَدْرُ كَلَامِ
الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ الْفُقَرَاءِ وَمَسْأَلَةِ الْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَآخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ فَالْغَلَطُ مِنْ عَدَمِ تَأَمُّلِهِ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى غَلَطِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ قَوْلُ ابْنِ حَمْدَانَ الْحَنْبَلِيِّ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا هَلْ سَهْمُهُ لِأَخِيهِ أَوْ لِوَلَدِهِ.
قَالَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ يَحْتَمِلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ عِنْدَهُ وَلَيْسَ هُوَ مَسْأَلَتَنَا فَإِنَّ ابْنَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِنِسْبَةِ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمُثَنَّى يَبْعُدُ جَعْلُهُ جِهَةً فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ يُسْتَعْمَلُ جِهَةً كَالْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ بِخِلَافٍ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَتَيْنِ.
وَأَطَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي أَمْثِلَةِ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا وَاحِدًا مِمَّا فِيهِ عَطْفٌ كَمَسْأَلَتِنَا مَعَ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا الرَّجُلُ كُنْت رَدَدْت عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فِي إنْكَارِهِ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَفِي إنْكَارِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا حُلِفَ بِهِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ يَنْفَرِدُ بِهِ لِمُسَارَعَتِهِ إلَى النَّقْلِ لِفَهْمِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِي بَحْثٍ يُنْشِئُهُ لِخَلْطِهِ الْمَقْصُودَ بِغَيْرِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْحَدِّ جِدًّا، وَهُوَ كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْحِفْظِ وَلَمْ يَتَهَذَّبْ بِشَيْخٍ وَلَمْ يُرْتَضْ فِي الْعُلُومِ بَلْ يَأْخُذْهَا بِذِهْنِهِ مَعَ جَسَارَتِهِ وَاتِّسَاعِ خَيَالِ وَشَغَبٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ بَلَغَنِي مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ جُمْلَةً.
وَكَانَ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِ اُبْتُلُوا بِالْكَلَامِ مَعَهُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ وَحُبِسَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ.
وَلَمْ يَكُنْ لَنَا غَرَضٌ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ وَلَكِنْ لَهُ أَتْبَاعٌ يَنْعَقُونَ وَلَا يَعُونَ وَنَحْنُ نَتَبَرَّمُ بِالْكَلَامِ مَعَهُمْ وَمَعَ أَمْثَالِهِمْ وَلَكِنَّ لِلنَّاسِ ضَرُورَاتٍ إلَى الْجَوَابِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ تَبِعُوهُ فِيمَا قَالَهُ مِنْ تَقْسِيمِ دَلَالَةِ " ثُمَّ " عَلَى التَّرْتِيبِ إلَى مَا يَحْتَمِلُ مُقَابَلَةَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ وَمُقَابَلَةَ الْأَفْرَادِ بِالْأَفْرَادِ ثُمَّ زَادَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ فَأَفْتَى فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلٍ.
وَظَنَّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ تَقْيِيدِ كَوْنِهِ مَاتَ عَنْ
غَيْرِ وَلَدٍ أَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَحِقُّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْطُوقٍ وَلَا مَفْهُومٍ وَلَمْ يَتَبَيَّنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ لِذَلِكَ وَلَا لِمَا يَدْفَعُهُ أَوْ يَقْبَلُهُ ثُمَّ زَادَ هَذَا الَّذِي تَبِعَهُ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ بِمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ نَصِيبَ أَحْمَدَ يَنْتَقِلُ لِمَحْمُودٍ وَنَصِيبَ مَحْمُودٍ يَنْتَقِلُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ وَسَنَعْرِضُ لِذَلِكَ.
فَقُلْت لَهُ هَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ نَقَلَهُمَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ فِي ابْنٍ وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ كُتُبِكُمْ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا وَخَرَّجَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَوْلَادُ وَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ.
فَقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَرَاهَا إلَّا فِي الْمُغْنِي وَالْمُغْنِي لَعَلَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الشَّامِلِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِكُمْ.
قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ شَخْصٌ حَنْبَلِيٌّ يُضِيفُ عَلَى مَذْهَبِهِ يَأْخُذُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ ثُمَّ أَخْرَجْتُ النَّقْلَ مِنْ الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُصُولِ لِابْنِ عَقِيلٍ كَمَا فِي الْمُغْنِي فَهَذِهِ أَرْبَعُ أُمَّهَاتٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ مَا يُخَالِفُهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ الْبَلِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحَنْبَلِيَّ لَمَّا أَفْتَى بِذَلِكَ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَاضِي الْحَنَابِلَةِ كُلُّهُمْ أَفْتَوْا بِنَصِيبِ أَحْمَدَ لِمَحْمُودٍ وَنَصِيبِ مَحْمُودٍ لِفَاطِمَةَ، وَهَذَا سَنَعْرِضُ لَهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ غَلَطِ الْفُقَهَاءِ بَلْ هَوَسٌ وَهَذَيَانٌ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ غَلَطِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.
وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا احْتَجْتُ لِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَجِيءِ " ثُمَّ " فِي هَذَا الْوَقْفِ بَيْنَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَالْبَطْنِ الثَّانِي وَلَا شَكَّ فِي احْتِمَالِهَا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً لَأَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ لَاجِينَ إلَى أَوْلَادِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَأَنْ يَنْتَقِلَ إلَى أَخِيهِ مِنْكَوْرَسٍ حَتَّى يَمُوتَ فَيَنْتَقِلَ مَعَ نَصِيبِهِ إلَى أَوْلَادِهِمَا وَوُجِدَ فِي هَذَا الْوَقْفِ مَا دَلَّ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَعَضَّدَهُ وَهُوَ انْتِقَالُ نَصِيبِ لَاجِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَوْلَادٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَنَا، ثُمَّ إنَّ مَعْنًى فِي هَذَا الْوَقْفِ الْخَاصِّ مَعَ لَفْظَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِهِمْ وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى " ثُمَّ " وَأَصْرَحُ مِنْهَا فِي أَنَّهُ بَعْدَ الْجَمِيعِ لِأَنَّ " بَعْدَ " بِمَادَّتِهَا تَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَالضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْجَمِيعِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) كَيْفَ يُقَسَّمُ الْوَقْفُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْبُطُونِ؛ لِأَنَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَلَمْ يَشْتَرِطْ انْتِقَالَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ لِوَلَدِهِ أَنَّهُ عِنْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَانْتِقَالِ جَمِيعِ الْوَقْفِ إلَى جَمِيعِ الْبَطْنِ
الثَّانِي يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ كَمَا كَانَ يُقَسَّمُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ.
أَمَّا إذَا شَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ كُلِّ مَنْ مَاتَ إلَى وَلَدِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ وَيَسْتَمِرُّ لَكِنْ إذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي انْتِقَالَ نَصِيبِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِمَوْتِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي كَمَا فِي هَذَا الْوَقْفِ بِدَلَالَةِ " ثُمَّ " عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَدْ تَعَارَضَ مَعَنَا دَلِيلَانِ:
(أَحَدُهُمَا) الْمُقْتَضِي لِانْتِقَالِ جُمْلَةِ الْوَقْفِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي.
(وَالثَّانِي) الْمُقْتَضِي لِانْتِقَالِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى وَلَدِهِ إذَا نَتَجَ مِنْ أَعْمَالِ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ لِعُمُومِهِ تَعَارُضٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي ذَلِكَ، وَرَأَيْت فِي وَقْفِ الْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدَانِ مَاتَا قُبَيْلَ وَقْفِهِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ وَأَوْلَادُهُ الْبَاقُونَ عَشَرَةٌ فَالْوَقْفُ الْآنَ لِلْعَشَرَةِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ فَمَاتَ تِسْعَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ انْتَقَلَ إلَى أَوْلَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ الْعَشَرَةِ فَإِذَا مَاتَ الْعَاشِرُ قَالَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَتُسْتَقْبَلُ قِسْمَةٌ جَدِيدَةٌ عَلَى أَوْلَادِ الْعَشَرَةِ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِينَ قُبَيْلَ الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَ أَوْلَادُ الْعَشَرَةِ ثَلَاثِينَ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّا لَوْ أَعْطَيْنَا الْعَشَرَ لِوَلَدِ الْعَاشِرِ وَوَقَفْنَا أَوْلَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التِّسْعَةِ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ لَحَرَمْنَا أَوْلَادَ الْمَيِّتِينَ قُبَيْلَ الْوَقْفِ وَهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَالْوَقْفُ شَامِلٌ لَهُمْ وَهُمْ مَعَ أَوْلَادِ أَعْمَامِهِمْ هُمْ الْبَطْنُ الثَّانِي.
وَقَالَ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْعَشَرَةُ وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَهُ خَمْسَةُ أَوْلَادٍ ثُمَّ آخَرُ وَلَهُ وَاحِدٌ إلَى أَنْ انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ أَنَّهُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ فَتُرَدُّ إلَى عَدَدِ الْبَطْنِ الثَّانِي وَبَطَلَ قَوْلُهُ: كُلَّمَا حَدَثَ الْمَوْتُ عَلَى وَاحِدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ. قِيلَ لَهُ فَلِمَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَك؟ .
قَالَ مِنْ قَبِيلِ أَنَّا وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ فِي الْغَلَّةِ وَيَجِبُ حَقُّهُ فِيهَا بِنَفْسِهِ لَا بِأَبِيهِ فَعَمِلْنَا عَلَى ذَلِكَ وَقَسَّمْنَا الْغَلَّةَ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِهِمْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْخَصَّافُ مُحْتَمَلٌ وَيَنْبَغِي إمْعَانُ النَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ وَالْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فِيهِ عُمُومٌ فِي الْمَيِّتِ وَإِطْلَاقٌ فِي كَوْنِ النَّصِيبِ لِوَلَدِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ حَصَلَ الْإِطْلَاقُ وَفِيهِ عُمُومٌ أَيْضًا فِي النَّصِيبِ فِي الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي فَأَوْلَادِ أَوْلَادِي.
فِيهِ عُمُومٌ فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَإِنْ تَعَارَضَ تَخْصِيصُ عُمُومٍ وَتَقْيِيدُ مُطْلَقٍ فَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ أَسْهَلُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَإِنْ تَعَارَضَ تَخْصِيصَانِ أَوْ تَقْيِيدَانِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ إخْرَاجًا فَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ إخْرَاجًا فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ مِنْ خَارِجٍ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِينَ وَمِمَّنْ لَا يَنْحَصِرُ فَعَلَى الْمُفْتِي تَأَمُّلُ اللَّفْظِ الَّذِي يَسْتَفْتِي فِيهِ وَالْعَمَلُ بِحَسَبِهِ وَمَا يَتَرَجَّحُ فِي مِيزَانِ النَّظَرِ عِنْدَهُ بَعْدَ النَّقْدِ الْجَيِّدِ.
إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهَا عِنْدَ مَوْتِ مِنْكَوْرَسٍ الَّذِي انْقَرَضَ بِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَصَارَ الْوَقْفُ كُلُّهُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَهُمْ أَوْلَادُ لَاجِينَ وَأَوْلَادُ مِنْكَوْرَسٍ.
فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِقْبَالِ قِسْمَةٍ جَدِيدَةٍ أَخَذْنَا النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ أَوْلَادِ لَاجِينَ وَالنِّصْفَ الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْكَوْرَسٌ وَقَسَّمْنَاهُمَا مَعًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ أَوْلَادِ لَاجِينَ وَأَوْلَادِ مِنْكَوْرَسٍ وَهُمْ الْبَطْنُ الثَّانِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ بَقِيَتَا فِي أَوْلَادِ لَاجِينَ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ وَالِدِهِمْ وَأَعْطَيْنَا أَوْلَادَ مِنْكَوْرَسٍ النِّصْفَ الَّذِي خَلَّفَهُ وَالِدُهُمْ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَهَذَا فِيمَا يُصَرِّحُ الْوَاقِفُ فِيهِ بِانْتِقَالِ نَصِيبِ كُلِّ مَنْ مَاتَ لِوَلَدِهِ.
وَفِي هَذَا الْوَقْفِ لَمْ يَحْصُلْ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ، نَحْنُ أَثْبَتْنَاهُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهَا مِنْ الْمَفْهُومِ وَغَيْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ التَّصْرِيحِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ الْقِسْمَةِ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِهِ فِي غَيْرِهِ حَيْثُ يُصَرِّحُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَكُونُ رِعَايَةُ الْعُمُومِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي هُنَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَتِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ نَزِيدُ النَّظَرَ هُنَا أَنَّ لَاجِينَ عَلَى مَا ذَكَرُوا حِينَ مَوْتِ مِنْكَوْرَسٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ لَاجِينَ إلَّا وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ وَوَلَدُ ابْنَتِهِ سَيِّدَةَ فَإِنْ خَصَصْنَا أَوْلَادَهُ بِنَصِيبِ وَالِدِهِمْ وَلَا كَلَامَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلَادِ مِنْكَوْرَسٍ وَإِنْ شَرَّكْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلَادِ مِنْكَوْرَسٍ فَيَنْتَقِلُ الْكَلَامُ إلَى اشْتِرَاطِ الْبَطْنِ الثَّالِثِ مَعَهُمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ.
وَعِنْدَنَا أَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى قَوْلِ الِانْتِقَاصِ بَيْنَ أَوْلَادِ مِنْكَوْرَسٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ لَاجِينَ خَاصَّةً وَتَزْدَادُ حِصَّةُ أَوْلَادِ مِنْكَوْرَسٍ كَثِيرًا، وَعَلَى قَوْلِ
عَدَمِ الِانْتِقَاصِ يَكُونُ النِّصْفُ الَّذِي كَانَ بِيَدِ لَاجِينَ لِابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ كُلُّهُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَلَدُ أَخِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ انْقَضَى بِهَذَا مَا نَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ هَذَا الْوَقْفِ إلَى وُصُولِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَهُمْ أَوْلَادُ مِنْكَوْرَسٍ وَأَوْلَادُ لَاجِينَ الْمُرَتَّبُونَ بِلَفْظَةِ " ثُمَّ " وَلَمْ تُوجَدْ لَفْظَةُ " ثُمَّ " فِيمَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ قَالَ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فَعَطَفَ الْبَطْنَ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ وَالْبَطْنَ الثَّالِثَ عَلَى الرَّابِعِ بِالْوَاوِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّشْرِيكِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
وَلَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّرْتِيبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظَةُ " ثُمَّ "، وَلَا شَكَّ فِي التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الْبُطُونِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْأَسْفَلُ مِنْهُمْ الْأَعْلَى، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ فِي الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ.
وَأَمَّا مَعَ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالِهِ وَخَالَتِهِ فَعَلَى غَيْرِ بَحْثِ ابْنِ رُشْدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إلَّا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَقْفِ، وَعَلَى بَحْثِ ابْنِ رُشْدٍ فِي " ثُمَّ " وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ قَرِينَةِ الْوَلَدِيَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مَنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُنَا قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْكِيرَ بَطْنٍ فِي الْأَوَّلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَتَعْرِيفَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ رِيبَةً فِي حَجْبِهِ كُلَّ أَحَدٍ بِأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ وَخَالَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَصْرَحُ مِنْ دَلَالَةِ " ثُمَّ " وَأَصْرَحُ مِنْ قَوْلِهِ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ؛ لِأَنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَقْتَضِي بِأَوَّلِ وَضْعِهِ عُمُومَ الْبَطْنِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَيَتَأَتَّى وَضْعُهُ حَجْبَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتَرْنَا فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْجُبُ كُلُّ وَاحِدٍ وَلَدَهُ.
وَأَمَّا هَذَا بِمَا قَرَّرَنَا مِنْ دَلَالَةِ النَّكِرَةِ وَالتَّعْرِيفِ قَوِيٌّ فِي حَجْبِ كُلِّ عَالٍ لِسَافِلٍ وَاَلَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُوَّةَ كَلَامِ الْوَاقِفِ فِي الْجُمَلِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا تَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِخْوَةِ فَإِنْ جَعَلْت الْجُمَلَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً لَمْ يَلْزَمْ طَرْدُهُ فِي غَيْرِهَا إلَّا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي كَلَامٍ لِوَاقِفٍ أَوْ
مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءِ لَفْظِهِ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْكَلَامِ فِي الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْمُجَرَّدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ حَتَّى يُبْرِزَهُ فِي لَفْظٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ شَرْعًا وَسَتَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إلَى هَذَا الْبَحْثِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي هَلْ هُوَ مُنْجَزٌ أَوْ مُعَلَّقٌ إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي هَلْ نَقُولُ إنَّ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مُعَلَّقٌ عَلَى انْقِرَاضِ الْأَوْلَادِ وَاغْتُفِرَ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ أَوْ نَقُولُ الْوَقْفُ مُنْجَزٌ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي فَإِنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يُعْقَلُ تَعْلِيقُهُ وَإِنَّمَا الْمُنْشَأُ مُرَتَّبٌ بِحَسَبِ مَا أَنْشَأَهُ كَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُنْسَبُ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِك: جَعَلْت هَذَا لِزَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو فَالْجَعْلُ مِنْك الْآنَ وَالْمُرَتَّبُ أَثَرُ ذَلِكَ الْجَعْلِ وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ إنْشَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ الْآنَ وَأَثَرُ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ وَقْفِيَّتُهُ وَهُنَا مَرَاتِبُ: (إحْدَاهَا) انْتِصَابُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ فِعْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبُطُونِ كُلِّهَا وَهُوَ حَاصِلٌ الْآنَ مَعَ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ أَوْ عَقِبِهِ.
(وَثَانِيهَا) مَصِيرُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
(وَثَالِثُهَا) اتِّصَافُهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِمْ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ فَيُوصَفُونَ بِهِ فِي الْقِدَمِ.
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَوَصْفُهُمْ بِهِ أَبْعَدُ وَلِذَلِكَ اقْتَضَى نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ أَهْلَ الْوَقْفِ هُمْ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ التَّنَاوُلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَا يُوصَفُونَ قَبْلَهُ بِهِ.
وَأَمَّا وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَصْحَابُ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ فِيمَنْ يَتَّصِفُ فِي ثَانِي حَالٍ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ يَمُوتُ مِنْ الْأَوْلَادِ الْبَاقِينَ قَبْلَ مَصِيرِ الْوَقْفِ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَمْرٌو مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ زَيْدٍ لِتَسْمِيَتِهِ، مِثْلُ حَبْسِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ، وَأَمَّا وَلَدُ وَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا.
وَالِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَشْهَدُ لَهُمَا وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى النَّظَرِ فِي هَذَا لِقَوْلِ الْوَاقِفِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَاحْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ الْوَقْتَ قَبْلَ وُجُودِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ سُمِّيَ صَحَّ
احْتِمَالُ إرَادَتِهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ يَبْقَى نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ وَهِيَ حَالَةُ إنْشَاءِ الْوَاقِفِ وَتَكَلُّمِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ حَالَتُهُ الَّتِي سَتَأْتِي.
وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا فِي الْآيَاتِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ قُبَيْلَ وُجُودِ أَصْحَابِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَنَحْوُهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَارِقًا حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُشْرِكٍ اسْتَجَارَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ نُزُولِهَا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَمَاتَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ إلَيْهِ كَانَ دَاخِلًا فِي حُكْمِهِ.
فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ يُسْتَفَادُ وَيُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَا نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْوَقْفِ، فَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ قَوَاعِدُ أُمَّهَاتٍ فِي بَابِ الْوَقْفِ يَنْتَفِعُ بِهَا الْفَقِيهُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِبَابِ الْوَقْفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهِ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْفِ قَوْلُهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُهُ تَعْلِيقُ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى الثَّانِي بِانْقِرَاضِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْنَا فِي كُلِّ وَقْفٍ كَذَلِكَ كَانَ تَصْرِيحًا بِالْغَرَضِ وَإِنْ قُلْنَا فِي غَيْرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّعْلِيقُ إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّفَاقِ فَإِمَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ كَلَامُ هَذَا الْوَاقِفِ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُجْعَلُ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِهِ.
(فَرْعٌ) لَهُ وَقْعٌ وَيَنْبَغِي التَّمَهُّلُ فِيهِ: كَانَتْ جَاءَتْنِي فَتْوَى فِي مِصْرَ مِنْ مُدَّةٍ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَبَحَثْت فِيهَا فِي أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ بَطَلَ فَالْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مُعَلَّقٌ عَلَى مَوْتِهِ وَالْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ صَحِيحٌ، ثُمَّ رَأَيْت مَعْنَى هَذَا فِي بَحْثٍ لِابْنِ شُرَيْحٍ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَرَأَيْت كَلَامَ الْأَصْحَابِ كَالْمُصَرَّحِ بَعْدَهُ مِنْ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَارِثِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
وَالْآنَ عَرَضَتْ فَتْوَى وَوَاقِعَةٌ: رَجُلٌ مَرِيضٌ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ أَوْصَى بِوَصَايَا وَجَعَلَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى قُرَّاءٍ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ وَمَاتَ عَنْ قُرْبٍ فَهَذَا يُظْهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ وَإِنَّمَا لِشُحِّهِ جَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا فَيَقْوَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى قَصْدِهِ وَيُصَحَّحَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقُرَّاءِ كَالْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إيَّاهُ
وَإِنَّمَا احْتَاطَ لِنَفْسِهِ فَقَدَّمَهَا فَقَوِيَ عِنْدِي فِيهَا الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُرَّاءِ بَعْدَهُ لِظُهُورِ قَصْدِهِ لَهُ وَعَارَضَنِي فِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَوْلِي فِيمَا تَقَدَّمَ: إنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَتَعَارَضَ عِنْدِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَأْخَذَانِ:(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْحَابَ بَنَوْا عَلَى هَذَا لَكِنَّ هَذَا يَحْتَجُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ بَكْرٍ فَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ بَكْرٍ لَا يَسْتَحِقُّ بَكْرٌ وَالصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافُهُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي لَيْسَ مَشْرُوطًا بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ بِعَدَمِهِ وَهُوَ يُنَاسِبُ قَوْلَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ.
فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ يَنْبَنِي هَذَا الْفَرْعُ إنْ قُلْنَا الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي الْوَقْفِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَلَا يَصِحُّ وَيَبْطُلُ كُلُّهُ لِبُطْلَانِ أَوَّلِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِي لَيْسَ مَشْرُوطًا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ وَاغْتُفِرَ التَّعْلِيقُ فِيهِ تَبَعًا فَالتَّبَعِيَّةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَوْتِ أَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى التَّبَعِيَّةِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ تَابِعًا، وَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظُهُ الْأَمْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ لَفْظَةِ " ثُمَّ " لَهُمَا وَظَهَرَ قَصْدُهُ فِي أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ جُعِلَ ظُهُورُ الْقَصْدِ تَرْجِيحًا لِمَا احْتَمَلَهُ لَفْظُهُ فَحَيْثُ ظَهَرَ قَصْدُ تَبَعِيَّةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَحَيْثُ قُصِدَ الثَّانِي وَذُكِرَ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي هَذَا الْفَرْعِ صَحَّ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَقْفِ وَمَا يَنْزِلُ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَهُ إلَى قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الَّذِي قَبْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُ سِوَى وَلَدٍ وَاحِدٍ وَفِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَفِي الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْأَخِيرَةِ: وَإِنْ انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَنَسْلُهُمْ.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ جُمَلٍ ذُكِرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ظَاهِرًا وَفِي وَاحِدَةٍ مُضْمَرًا وَالْمُضْمَرُ مَقْطُوعٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْكَوْرَسٍ وَلَاجِينَ وَخِضْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِمْ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَجَعَ عَلَى إخْوَتِهِمْ الْمَذْكُورِينَ
بَيْنَهُمَا فَذِكْرُ التَّنْبِيهِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَتَعَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ هُمْ لَا غَيْرُهُمْ فَنَظَرْنَا الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَفِيهَا لَيْسَ لَهُ سِوَى وَلَدٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَاتَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ أَحَدُهُمْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ أَصْلًا وَالْآخَرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ أَوْلَادٌ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَخْتَصَّ بِالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهَا بَعْدَهَا يَعُودُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ الْقُرْبِ.
وَالضَّمِيرُ الْخَاصُّ إذَا عَادَ عَلَى عَامٍّ فِيهِ خِلَافٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هَلْ يُخَصِّصُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بَعْدَ قَوْلِهِ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] فَإِنْ قُلْنَا يُخَصِّصُهُ لِيُسَاوِيَ الضَّمِيرَ وَمَا عَادَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ تَخْصِيصُهُ هُنَا وَعَوْدُهُ عَلَى اللَّامِ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يُخَصِّصُهُ رَجَعَ النَّظَرُ فِي أَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ هَلْ يُسَمَّى مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ يُكْتَفَى بِمَصِيرِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ عَوْدُهُ إلَى الثَّلَاثَةِ.
وَإِنْ قُلْنَا بِهِ رَجَعَ النَّظَرُ فِي تَقْدِيمِ الْعَهْدِ عَلَى الْعُمُومِ وَمَعْنَاهُ مَعْهُودٌ وَهُمْ الثَّلَاثَةُ فَقَدْ يُقَالُ تَتَعَيَّنُ إرَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْمَعْهُودُ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي ذَلِكَ وَيُقَالُ الْكُلُّ مَعْهُودُونَ هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ لِذِكْرِهِ إيَّاهُمْ فَإِنْ تَعَيَّنَ إرَادَةُ الثَّلَاثَةِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ زَالَ التَّعَلُّقُ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَلْيَكُنْ مُطْلَقًا وَدَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا وَالِدٌ وَاحِدٌ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ نَصِيبُهُ لَهُمْ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْأَوْقَافِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لِإِفَادَتِهِ كَوْنَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَقَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ خَشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فَقَطْ فَبَيَّنَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ فَجَمَعَ بِذَلِكَ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْمُمْكِنَةَ فِي أَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا الْمُرَادَ بِهِمْ الثَّلَاثَةُ لَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَيَكُونُ مَنْ بَعْدَهُمْ مُسْتَفَادًا حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ.
إلَى آخِرِ قَوْلِهِ: حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَا انْتِقَالَ نَصِيبِ لَاجِينَ إلَى أَوْلَادِهِ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَا اقْتَضَاهُ مَفْهُومُهُ وَتِلْكَ الْجُمْلَةُ خَاصَّةٌ بِالْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِلَا شَكٍّ فَلَا يَجْرِي حُكْمُهَا فِي
غَيْرِهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ حُجَّةٌ وَعَمِلْنَا بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ.
فَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ فَيَكْفِي بِأَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ وَأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لِوَلَدِهِ فَمَسْأَلَتُنَا هُنَا فِيمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ فِي نَصِيبِ مَنْ مَاتَ مِنْ سَائِرِ الْبُطُونِ عَنْ وَلَدٍ فِيهِ احْتِمَالٌ أَمَّا مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ إلَّا مَا سَنَذْكُرُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ بَحْثًا فِيمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ " يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَعْمَامُهُ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ، وَالْجُمَلُ الثَّلَاثُ الَّتِي بَعْدَهُ إنْ حُمِلَتْ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً لَمْ يُعَارَضْ لَكِنْ فُهِمَ مِنْ نَفْسِ الْوَاقِفِ فِيهَا أَنَّ بَقِيَّةَ الْبُطُونِ كَذَلِكَ فَتَحْصُلُ الْمُعَارَضَةُ وَلَمْ يَقُمْ عِنْدَنَا دَلِيلٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ عَلَى اعْتِبَارِ مِثْلِ ذَلِكَ.
وَإِنْ جُعِلَتْ عَامَّةً فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا فِي ذَلِكَ لِانْضِمَامِ اللَّفْظِ الشَّامِلِ بِوَضْعِهِ وَدَلَالَتِهِ إلَى الْقَصْدِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْوَاقِفِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ عِنْدِي أَعْنِي اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ نَصِيبَ وَالِدِهِ مِنْ سَائِرِ الْبُطُونِ فِي هَذَا الْوَقْفِ قَلْبِي يَمِيلُ إلَيْهِ لِإِشْعَارِ كَلَامِ الْوَاقِفِ بِالْمَيْلِ إلَيْهِ وَلَا أَجِدُ دَلِيلًا عَلَيْهِ إلَّا تَعْمِيمَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَمَعَ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْأُولَى وَنُبُوِّ اللَّفْظِ عَنْهُ فَأَنَا فِيهِ مُتَوَقِّفٌ أَعْنِي فِي نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمِنْ بَعْدِهِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ وَمَحْمُودُ بْنُ صَدَقَةَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمَا يُحْكَمُ بِهِ لِعَمَّتَيْهِمَا لِثَلَاثَةِ مَآخِذَ:(أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْعَمَّتَانِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ الْمَيِّتَانِ يُزَاحِمَانِ الْعَمَّتَيْنِ فِيهِ فَلَمَّا مَاتَا خَلَصَ لِلْعَمَّتَيْنِ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِمَا بِحَقٍّ بَلْ لِلْعَمَّتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْمَآخِذِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا الِانْقِطَاعُ فَمُرَتَّبٌ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى جَمَاعَةٍ فِي حُكْمِ الْأَوْقَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ.
وَالثَّانِي انْتِقَالُ نَصِيبِ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ وَبِاجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ يَصِيرُ نَصِيبُ أَحْمَدَ وَمَحْمُودٍ مُنْقَطِعًا لِعَدَمِ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى مَصْرِفِهِ وَمَصْرِفُ الْمُنْقَطِعِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ الْيَوْمَ
الْعَمَّتَانِ.
وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ مَصْرِفَهُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ وَمَعَ هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُصْرَفُ إلَى الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعُهَا ذُكِرَ كَانَ عُصْبَةً وَلِأَنَّ أَخَاهَا يَعْصِبُهَا فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُصْرَفُ إلَى الْعَمَّتَيْنِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ بَعِيدَةٌ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِهَا أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِيُصْرَفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَأَمَّا كَوْنُهُ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ فِي كُلِّ وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُفَصَّلْ وَعَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ وَيَحِلُّ وَلَدُهُ مَحَلَّهُ فَنَصِيبُ مِنْكَوْرَسٍ انْتَقَلَ إلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ وَاسْتَحَقَّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَازْدَحَمُوا فِيهِ وَاقْتَسَمُوهُ بِالْمُزَاحَمَةِ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ مَاتُوا مِنْهُمْ إلَى وَلَدِهِ وَقَامُوا فِيهِ مَقَامَ وَالِدِهِ مُزَاحِمًا مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْعَمَّتَيْنِ فِيهِ مَعَهُ كَمَا كَانَ مَعَ أَبِيهِ فَإِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَحَقُّ الْعَمَّتَيْنِ بَاقٍ فِيهِ فَيَأْخُذَانِهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لِلْعَمَّتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَ فِي يَدِ أَحْمَدَ وَمَحْمُودٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ بَطْنٍ يَحْجُبُ مَنْ تَحْتَهُ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْوَاقِفِ الْأَوَّلِ، عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَقْفِ الْآنَ لِلْعَمَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْلَى الْمَوْجُودِينَ، فَهَذِهِ مَآخِذُ غَيْرُ مُجْتَمِعَةٍ لَكِنْ وَاحِدٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَآخَرَانِ عَلَى تَقْدِيرٍ.
فَإِنْ قُلْت هَلْ لِانْتِقَالِ نَصِيبِ أَحْمَدَ لِابْنِ عَمِّهِ مَحْمُودٍ وَجْهٌ؟ قُلْت لَا يُتَخَيَّلُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا قَوْلَهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَقْتَضِي كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ اسْتِحْقَاقَ الْبَطْنِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَافَظْنَا عَلَى عُمُومِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَأَبْنَاءُ الْعَمِّ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ ابْنُ عَمِّهِ نَصِيبَهُ مُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الدَّرَجَةِ وَلَا خَالَفَ قَوْلُهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَمَعْنَى السَّافِلِ بِهَذَا الْمُقْتَضَى وَأَمَّا الْعَمَّتَانِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْهُمَا بِالِانْتِقَالِ إلَى الْأَوْلَادِ لَكِنَّا نَقُولُ إنْ كَانَ قَوْلُهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ مُخْتَصًّا بِالْوَلَدِ وَابْنِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا التَّخَيُّلِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَقَدْ انْتَقَضَ مَا قَرَّرَهُ وَلَزِمَ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى وَلَدٍ حَتَّى يَمُوتَ كُلُّ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فَزَالَ هَذَا التَّخَيُّلُ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ.
فَإِنْ قُلْت: هَلْ لِانْتِقَالِ نَصِيبِ
مَحْمُودٍ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ مَآخِذُ؟ قُلْت إنْ أُخِذَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي أَحْمَدَ فَقَدْ أَبْطَلْنَاهَا وَإِنْ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بِنْتُ ابْنِ صَدَقَةَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ ابْنِهِ.
فَجَوَابُهُ أَنَّ صَدَقَةَ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعُمُومُ وَأَنَّ صَدَقَةَ مِنْهُمْ فَصَدَقَةُ مَاتَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بِنْتُ ابْنٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي " وَلَيْسَ " لِلْحَالِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَالِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ ذَلِكَ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ الْمَوْتِ فَصَدَقَةُ الْآنَ لَهُ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ بَنَاتُ بِنْتٍ وَهُنَّ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِقَالُ نَصِيبِهِ وَأَمَّا هَذَا النَّصِيبُ فَهُوَ نَصِيبُ مَحْمُودٍ لَا نَصِيبُ جَدِّهِ مَحْمُودٍ حَتَّى يَنْتَقِلَ لِبِنْتِ ابْنِهِ عَنْهُ لَوْ انْفَرَدَتْ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا إخْوَةٌ مَعَهَا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَيْنِ النَّصِيبَيْنِ لِلْعَمَّتَيْنِ وَاحْتَرَزْنَا فَلَمْ نَقُلْ بِانْتِقَالِهِمَا إلَيْهِمَا بَلْ قُلْنَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِمَا فِي يَدِ أَحْمَدَ وَمَحْمُودٍ وَيَشْمَلُ الْمَآخِذَ الثَّلَاثَةَ وَكَوْنُهُمَا فِي يَدِهِمَا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْقَطِعًا أَوْ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ أَنْكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ انْتِقَالَ نَصِيبِ أَحْمَدَ وَمَحْمُودٍ لِغَيْرِ الْعَمَّتَيْنِ وَأَبْدَيْت لَهُ الْآنَ وَجْهًا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ؟ قُلْت لَيْسَ بِتَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَّبِعَهُ الْفَقِيهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلِذَلِكَ أَنْكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ هَاهُنَا وَذَكَرْنَا لَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى وَجْهٌ مُمْكِنٌ وَلَا شُبْهَةُ إلَّا أَبْدَيْنَاهَا وَدَفَعْنَاهَا.
وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي نَقْضِ مَا يُنْقَضُ فَبِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ خِلَافُهُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ احْتِمَالٌ بَلْ قَدْ يَكُونُ لَهُ احْتِمَالٌ خَفِيٌّ وَمُقَابِلُهُ احْتِمَالٌ جَلِيٌّ مُعْتَضِدٌ بِدَلِيلٍ فَيُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ قَضَى بِأَنَّ نَصِيبَ أَحْمَدَ لِمَحْمُودٍ أَوْ نَصِيبَ مَحْمُودٍ لِبِنْتِ أُخْتِهِ نُقِضَ قَضَاؤُهُ، وَمِمَّا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِبَعْضِ الْمَبَاحِثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(فَرْعٌ) وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ مَوْقُوفًا عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الشَّرْطِ وَالتَّرْتِيبِ وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ
الْوَقْفِ فَمَاتَ الشَّخْصُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ هَذَانِ الِابْنَانِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَهُمَا أُخْتُهُمَا الْمَذْكُورَةُ وَعَمُّهُمْ بَاقٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ مَحْجُوبُونَ بِهِ وَعَمَّاهُمَا الْأَخَوَانِ مَاتَا وَلَهُمَا أَوْلَادٌ مُتَنَاوِلُونَ لِحِصَّةِ أَبَوَيْهِمَا فَهَلْ تَكُونُ حِصَّةُ الِابْنَيْنِ الْمَيِّتَيْنِ لِأُخْتِهِمَا خَاصَّةً أَوْ لَهُمَا وَلِأَوْلَادِ عَمِّهَا الْمُتَنَاوِلِينَ أَوْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَوْلَادُ الْعَمِّ الْمَحْجُوبُونَ بِأَبِيهِمْ أَوْ يَكُونُ لِعَمِّهِمْ الْبَاقِي، فَأَجَبْت أَمَّا الْعَمُّ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَرَجَةِ الْمَيِّتِينَ.
وَأَمَّا أَوْلَادُهُ فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ الْآنَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْعَمِّ الْمُتَنَاوَلُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِمُشَارَكَتِهِمْ الْأُخْتَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ وَيُقَالَ بِاخْتِصَاصِ الْأُخْتِ أَمَّا وَجْهُ الْمُشَارَكَةِ فَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ لِمَوْتِ الِابْنَيْنِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَقَدْ قَالَ: إنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لِتَنَاوُلِهِمْ فَيُشَارِكُونَ الْأُخْتَ لِذَلِكَ.
وَلَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ حَتَّى نَقُولَ إنَّ الْأُخْتَ تَمْتَازُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ يُقَالُ بِالْمُشَارَكَةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَبْتَدِرُهُ ذِهْنُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ بِاخْتِصَاصِ الْأُخْتِ فَلِقَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ وَقْفًا عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ.
فَنَصِيبُ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ انْتَقَلَ بِمُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَهُ لَوْ انْفَرَدَ وَكَذَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ عَدَمِ الِانْفِرَادِ جَمِيعَهُ وَلَكِنَّ الْمُزَاحَمَةَ هِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْقِسْمَةِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا زَالَتْ مُزَاحَمَةُ الِابْنَيْنِ بِمَوْتِهِمَا انْفَرَدَتْ الْأُخْتُ بِاسْتِحْقَاقِ الْجَمِيعِ وَانْحَصَرَ الْمَصْرِفُ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَاقْتَضَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، لَكِنْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَظَرْنَا فِي تَعَارُضِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَوَجْهِ الْعَمَلِ فِيهِمَا فَوَجَدْنَا مُخَلِّصَيْنِ مُقْتَضَيَيْنِ لِتَرْجِيحِ مَا يُعَيِّنُ الْأُخْتَ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا مُحَقَّقٌ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قُلْنَا وَبِأَنَّهَا تَأْخُذُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَأَوْلَادُ الْعَمِّ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمْ ذَلِكَ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ وَطَرْحًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ وَرِعَايَةً لِلْأَقْرَبِيَّةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَلِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ
الدَّلِيلَانِ وَجَبَ التَّوَقُّفُ وَالْأَخْذُ بِالْأَصْلِ فِي أَوْلَادِ الْعَمِّ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لِهَذَيْنِ النِّصْفَيْنِ وَلَيْسَ الْأَصْلُ فِي الْأُخْتِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُمَا لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا وَإِخْوَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَتَرَجَّحَانِ عَلَيْهَا إلَّا بِالْمُزَاحَمَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَالْمُخَلِّصُ الثَّانِي وَهُوَ خَاصٌّ بِلَفْظِ هَذَا الْوَقْفِ أَنَّهُ فِي جَانِبِ مَنْ تَرَكَ وَلَدًا قَالَ: مَنْ تَرَكَ وَلَدًا، وَ " مَنْ " لَفْظَةُ عُمُومٍ وَفِي جَانِبِ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ عُمُومٍ وَإِنَّمَا قَالَ: وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ.
وَهَذِهِ الصِّيغَةُ بِهَذِهِ الْأَدَاةِ فِيهَا إطْلَاقٌ لَا عُمُومٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَامَّ أَقْوَى مِنْ الْمُطْلَقِ فَتَرَجَّحَ الْعَامُّ عَلَى الْمُطْلَقِ فَتَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ عَلَى الْعَمَلِ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ.
وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي فِي الْفَتْوَى بِهِ تَوَقُّفٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَفْهَمُهُ وَيُنْتَقَضُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عَمَلِ أَكْثَرِ النَّاسِ بِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّ الْأُخْتَ الْمَذْكُورَةَ تُوُفِّيَتْ عَنْ بِنْتٍ وَعَلَى مَا قُلْته يَكُونُ نَصِيبُ الْأُخْتِ الَّذِي لَهَا مَعَ النَّصِيبَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا لِأَخَوَيْهَا جَمِيعًا يَنْتَقِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ إلَى بِنْتِ الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ لَا مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْبَحْثُ يُرَدُّ عَلَيْكُمْ فِي نَصِيبِ صَدَقَةَ وَانْتِقَالِهِ إلَى أَوْلَادِ مُحَمَّدٍ وَمَحْمُودٍ وَأُخْتَيْهِمَا، وَقَوْلُكُمْ إنَّهُ بِمَوْتِ مَحْمُودٍ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى عَمَّتَيْهِ فَلِمَ لَا قُلْتُمْ هُنَاكَ بِمِثْلِ مَا قُلْتُمْ هَاهُنَا؟ قُلْت لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ مَعَنَا نَصًّا هُنَاكَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا صَرَفْنَا نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ إلَيْهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا عُمُومَ فِيهِ وَهُنَا الْمُقْتَضِي لِصَرْفِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ عَامٌّ فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ مُطْلَقًا وَاقْتَصَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُسَمَّى مِنْهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ انْتَهَى.
كُتِبَ: قَالَ مُصَنِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَرَغْت مِنْ كِتَابَتِهِ فِي لَيْلَةٍ يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عَنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.