الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَابْتَدَأَ الدَّوْرُ مِنْ الْخَامِسِ وَتَأْتِي نَوْبَةُ الْوَاهِبَةِ فِي الثَّامِنِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُقَسِّمْهُ بَيْنَهُنَّ بَلْ جَعَلَهُ ابْتِدَاءً فَقَدْ جَازَ بِحُصُولِ التَّسْوِيَةِ وَتَأْتِي نَوْبَةُ الْوَاهِبَةِ فِي السَّابِعِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاهِبَةَ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ تَعْجِيلًا لِحَقِّهَا فَإِنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِي أَصْلِ الْهِبَةِ إلَى هَذَا النَّوْعِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ تَوْفِيَةً لِحُقُوقِ الثَّلَاثِ وَتَتَأَخَّرُ نَوْبَةُ الْوَاهِبَةِ إلَى الثَّمَانِيَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَخْيِيرًا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا بَيَّنَّا. وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا انْتَهَى.
[بَابُ الْخُلْعِ]
(بَابُ الْخُلْعِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: اخْتِيَارِي فِي لَفْظِ الْخُلْعِ، الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَقْتَرِنُ بِهِ نِيَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ فُرْقَةٌ لَا بِطَرِيقِ الْفَسْخِ وَلَا بِطَرِيقِ الطَّلَاقِ وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَرْته فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ وَأَنَا إذْ ذَاكَ فِي الْقَاهِرَةِ لِعَدَمِ إيضَاحِ الدَّلِيلِ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ.
وَإِنْ كَانَا هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ لِي دَلِيلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلَكِنَّهُ عِنْدِي قَوِيٌّ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. ثُمَّ وَقَعَتْ لِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَنَا حَاكِمٌ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ تَخَالَعَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا لَفْظِ طَلَاقٍ عَلَى عِوَضٍ فَذَكَرْت مَا كُنْت اخْتَرْته مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَجْرِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ مُقْتَرِنًا بِذِكْرِ الْعِوَضِ وَأَنْ يَجْرِيَ مُجَرَّدًا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إلَّا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ، وَكَذَا أَقُولُ: إذَا نَوَى بِهِ الْفَسْخَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَاز فَسْخِ النِّكَاحِ بِالتَّرَاضِي كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْأُمُورِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفَسْخِهِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرِي لَأَنْ أَحْكُمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَخَالِعَيْنِ لِمُخَالَفَةِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاخْتِيَارَاتِ الْفِقْهِيَّةَ مِنْهَا مَا يَقْوَى قُوَّةً شَدِيدَةً تَنْشَرِحُ النَّفْسُ
لِلْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِهِ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَرَعُ عَنْ تَقَلُّدِهِ، وَالْقَصْدُ طَاعَةُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ، كَمَا تَوَرَّعْت عَنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ لِهَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ أَتَوَرَّعُ عَنْ تَمْكِينِهَا بِالِاتِّصَالِ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ النِّيَّةِ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ، وَانْشَرَحَتْ نَفْسِي لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمُقْتَضَى، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَعْتَرِضُ جَاهِلٌ بِأَنَّ هَذِهِ:
إمَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً فَتُزَوَّجُ بِغَيْرِهِ لِأَنِّي أَقُولُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَكِنَّ مَرَاتِبَ الظُّهُورِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَهَذَا الظُّهُورُ الَّذِي حَصَلَ عَارَضَهُ فَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِخِلَافِهِ وَعَضَّدَهُ الدَّلِيلُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا بَلْ ظَنِّيًّا، وَمَرَاتِبُ الظُّنُونِ مُتَفَاوِتَةٌ كَذَلِكَ. وَهَذَا لَيْسَ مِنْ أَعْلَاهَا وَالْأَبْضَاعُ يُحْتَاطُ لَهَا فَكَمَا نَحْتَاطُ فَلَا نَرُدُّهَا إلَى هَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ نَحْتَاطُ فَلَا نُبِيحُهَا لِغَيْرِهِ وَهِيَ أَوْقَعَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ تَرْضَى بِرُجُوعِهَا إلَى زَوْجِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ، وَإِمَّا أَنْ تَصْبِرَ وَإِمَّا أَنْ نُوَافِقَهَا عَلَى إنْشَاءِ طَلَاقٍ بَائِنٍ تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: إلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إلَى مُخَالَفَتِهِمَا بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ الْخُلْعُ بِسُلْطَانٍ وَغَيْرِ سُلْطَانٍ، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إلَى ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِي الْخُلْعِ وَوَافَقَهُمَا أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ.
فَإِذَا فُرِضَ اخْتِيَارَ هَذَا الْمُخَالِعِ لِلرَّجْعَةِ قَوِيَ تَمَسُّكُهُ بِهَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْ إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَالظُّهُورُ الَّذِي عِنْدِي مِنْ اسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى كَافٍ فِي مَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُرْمَةً لِلْأَبْضَاعِ مَعَ مَا عَضَّدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَضْعُفُ مُعَارَضَةُ فَتْوَى الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ فِي هَذَا الظَّرْفِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّا نَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ قَالَ: الِاحْتِيَاطُ لَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قُلْت: حُكْمِي بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُكْمٌ بِمَا ظَهَرَ لِي وَلَا مُعَارِضَ لَهُ إلَّا فَتْوَى الْأَكْثَرِ وَلَيْسَتْ مُعَارِضَةً قَوِيَّةً فَلِذَلِكَ يَنْشَرِحُ صَدْرِي لِلْحُكْمِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَالْحُكْمِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَوَّلِ