الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَبْقَى فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَعُرْفِ النَّاسِ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]
{الْجَوَابُ} قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ مَا نَصُّهُ: رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ يُفْتُونَ بِأَنَّهَا لِلْحَاكِمِ وَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ: وَظِيفَةُ الْمُتَوَلِّي الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الرِّيعِ وَقِسْمَتُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ وَحِفْظُ الْأُصُولِ وَالْغَلَّاتِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ.
فَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْلِيَةَ وَالْعَزْلَ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ حَتَّى رَأَيْت بَعْضَهُمْ يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ: إنَّمَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَامِلِينَ بِخِلَافِهِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَنَحْوُهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذِكْرِ غَالِبِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْحَصْرِ لَكَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَوْقَافِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ، وَهُوَ غَالِبُ الْأَوْقَافِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى مُعَيَّنٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ لَا تَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ، أَوْ تَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا تَقْتَضِي تَوْلِيَةً، وَلَا عَزْلًا، أَوْ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جُعِلَ تَحْتَ قَوْلِهِمْ صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّعْيِينِ، فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الصَّرْفَ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَهُوَ تَوْلِيَةُ الْمُدَرِّسِ الَّذِي أَبْهَمَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِ الْفَقِيرِ الَّذِي أَبْهَمَهُ مَنْ يَقُولُ:
تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى فَقِيرٍ أَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِذَلِكَ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ فَقِيرٍ اخْتَارَهُ وَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا مَعْنَى تَوْلِيَةِ الْمُدَرِّسِ إلَّا تَعْيِينَهُ لِلْمَصْرِفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ لِلْمُدَرِّسِ الَّذِي أَبْهَمَهُ فِي كَلَامِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَدِّقُ بِمَالِهِ وَنَائِبِهِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ النَّظَرَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ يَسْتَفِيدُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّ مَا كَانَ لِلْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ مِمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَصْرِفِهِ بِالْوَقْفِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ مَعَ النَّاظِرِ الْخَاصِّ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى وَكِيلِ الْمُتَصَدِّقِ نَعَمْ لِلْحَاكِمِ النَّظَرُ فِي نَصِيبِ الْمُدَرِّسِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ.
وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَنْ يَصْلُحُ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ، وَهُوَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَهُمَا
أَمْرَانِ لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ أَحَدُهُمَا لِلْحَاكِمِ، وَهُوَ نَصِيبُ الْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُتَصَدَّرِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ، وَلَا لِلْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لَأَنْ يَكُونَ مُصَرِّفَ هَذَا الْوَقْفِ وَمُحِلَّهُ وَمُتَنَاوِلَهُ، وَهُوَ إلَى الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ الَّذِي يُنَصِّبُهُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مَا لَا يَكُونُ رُتْبَةً فِي الدِّينِ مِثْلُ تَوْلِيَةِ قَيِّمٍ وَفَرَّاشٍ وَنَحْوِهِ فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَرَى الْحَاكِمُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْوَاقِفُ، أَوْ النَّاظِرُ وَهَذَا الْمَكَانَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ ظَهَرَ لَهُ فَلَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِلْحَاكِمِ مِمَّا يَقْتَضِي مَنْعَهُ لَا أَقُولُ قَادِحًا بَلْ مَصْلَحَةً خَاصَّةً تَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَيْسَ بِالتَّشَهِّي، وَلَا بِالْمَيْلِ وَالْهَوَى، بَلْ بِقَصْدِ الْحَقِّ، وَهُوَ مَقَامٌ خَطَرٌ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا الْمُوَفَّقُونَ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ وَعَيَّنَ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي الْوَقْفِ، أَوْ الْوَاقِفُ وَاحِدًا اتَّبَعَ تَعْيِينَهُ وَجَازَ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَيْهِ لَا أَشُكُّ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَرْتَابُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبُهُ فِي الدِّينِ كَالْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا لِكَوْنِهِ يَقْتَضِي رُتْبَةً فِي الْعِلْمِ، أَوْ الدِّينِ لَا يَكُونُ مُفَوَّضًا إلَّا إلَى الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ، وَلَا لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ فِيهِ حَدِيثٌ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّعْيِينِ وَبِلَفْظِ التَّوْلِيَةِ وَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ عَزْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَعْزِلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْت يَجُوزُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي إسْكَانِ هَذِهِ الدَّارِ لِفَقِيرِ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَسْكَنَهَا فَقِيرًا مُدَّةً لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَلَيْسَ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ تَصْيِيرًا لَهُ كَأَنَّهُ مُرَادٌ لِلْوَاقِفِ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَغْيِيرُهُ كَمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَحَثْت مَعَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ لِمَا مَثَّلْته لَك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ؛ لِأَنَّ تَدْرِيسَهُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ كَانْتِفَاعِهِ لَمْ يَقْصِرْهُ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي صَدَقَةِ دِرْهَمَيْنِ عَلَى مَنْ يَرَاهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا
لِشَخْصٍ وَدِرْهَمًا لِآخَرَ كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَهَا لِشَخْصٍ وَبَعْضَهَا لِآخَرَ فَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مُدَّةً لِشَخْصٍ وَمُدَّةً لِآخَرَ وَالنَّاظِرُ الْخَاصُّ وَالْوَاقِفُ يَتَصَرَّفَانِ، لِأَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ النَّظَرَ بَقِيَّةٌ مِمَّا كَانَ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْيِيدُ تَصَرُّفِهِمَا بِالْمَصْلَحَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ احْتِرَازًا مِنْ عَزْلِ الْحَاكِمِ نَائِبَهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَسْتَنِيبَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ وَغَيْرِ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ.
وَلَوْ بَاشَرَ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا بِنَفْسِهِ لَجَازَ فَكَيْفَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا اسْتَنَابَ أَنْ لَا يَعْزِلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ هَذَا مَا لَا يَصِيرُ لَكِنَّا نَرَى الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الْقُلُوبِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ.
فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ النَّاظِرَ الْخَاصَّ إذَا وَلَّى الْمُدَرِّسَ صَحَّ، وَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يُوَلِّيهِ إلَّا إنْ ظَهَرَ لَهُ تَعَيَّنَ تَوْلِيَتُهُ وَامْتِنَاعُ النَّاظِرِ الْخَاصِّ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَطَّاهَا الْحَاكِمُ، أَوْ يَجْبُرُ النَّاظِرُ عَلَيْهَا، وَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَ ذَلِكَ الْمُدَرِّسِ مِنْ دُخُولِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ امْتَنَعَ عَلَى النَّاظِرِ تَوْلِيَتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَّاهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ جَهِلَ بَعْضُ الْحُكَّامِ فَوَلَّى بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ وُجُودِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَنْ لَا يُوَلِّيَ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ أَهْلِيَّتَهُ، وَمَعْرِفَتُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ وَإِمَّا أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَوَقَفَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَصِّبَ فِيهِ إمَامًا، بَلْ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ.
قُلْت: إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ سَكَتَ عَنْ شَرْطِ النَّظَرِ، وَقُلْنَا: النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَى الْإِمَامِ وَقْفًا وَنَظَرَهُ لَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ فَقَطْ بِدُونِ وَقْفٍ عَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ شَرْطَ النَّظَرِ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمَسْجِدِ وَقْفُ تَحْرِيرٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ نَظَرُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَلَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ وَقْفَهَا لَيْسَ وَقْفَ تَحْرِيرٍ وَمِنْ هَذَا نَتَنَبَّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ مَسْجِدًا وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقْفًا وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَشَرْطُ النَّظَرِ فِي الْوَقْفِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَفِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ فَقَدْ يَأْتِي فِي شَرْطِهِ فِي غَيْرِهِ إذَا جَمَعَهُمَا بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَسْجِدَ مِثْلُ الْمَدْرَسَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ هَلْ الْمَسْجِدُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، بَلْ هُوَ تَحْرِيرٌ مَحْضٌ كَالْعِتْقِ أَمَّا الْمَدْرَسَةُ فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَلِلنَّاظِرِ عَلَيْهَا مَنْعُ غَيْرِهِمْ مِنْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَقْتَضِيه شَرْطُ الْوَاقِفِ.
فَإِنْ قُلْت: هَلْ مِنْ نَقْلٍ بِأَنَّ الْوَاقِفَ يُوَلِّي مُدَرِّسًا؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ وَقَفَ مَدْرَسَةً عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ لِعَالَمٍ فَوَّضْت إلَيْك تَدْرِيسَهَا كَانَ لَهُ تَبْدِيلُهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهِ هُنَا.
فَهَذَا نَقْلٌ بِأَنَّهُ يُوَلِّي، وَأَيْضًا قَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابَ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّدْرِيسِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَاقِفِ، أَوْ النَّاظِرِ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَدْرَسَةٍ مُدَرِّسًا هَذَا لَا يَكُونُ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَقُولُ: إنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَلِلنَّاظِرِ إذَا صَرَّحَ لَهُ الْوَاقِفُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، فَلَيْسَ لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لَهُ ذِكْرَ مَالِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّدْرِيسَ.
قُلْت: مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاظِرِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ النَّظَرُ بِالشَّرْطِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَتَى كَانَ لِلْوَاقِفِ كَانَ لِلنَّاظِرِ لِمَا قُلْنَاهُ وَجَوَابُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَدْ تَقَدَّمَ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ وَلَّى الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِ الْوَاقِفِ، أَوْ النَّاظِرِ مِنْ التَّوْلِيَةِ.
قُلْت: لَا يَصِحُّ وَالْحَاكِمُ أَوْلَى مَنْ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَنَقَضَ مَا لَعَلَّهُ يَصْدُرُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَكُلُّ نَاظِرٍ عَامٌّ.
، فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْقَاضِيَ هَلْ يَسْتَفِيدُ النَّظَرَ حِينَئِذٍ بِالشَّرْطِ، أَوْ بِالْقَضَاءِ؟ قُلْت بِالشَّرْطِ وَالْقَضَاءُ شَرْطٌ فِي اتِّصَافِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْقَضَاءِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ
(إحْدَاهُمَا) إذَا سَافَرَ الْقَاضِي عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِحُكْمِ شَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقَضَاءِ، فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا النَّظَرُ وَلَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي بَلَدِ