المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الساحر وما يجب عليه] - فتاوى السبكي - جـ ٢

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: ‌[مسألة الساحر وما يجب عليه]

السَّامِعِينَ وَالْمُبْصِرِينَ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَلْطَفَ الْأَشْيَاءِ وَأَصْغَرَهَا كَمَا يُدْرِكُ أَكْبَرَهَا حَجْمًا وَأَكْثَفَهَا جُرْمًا وَيُدْرِكُ الْبَوَاطِنَ كَمَا يُدْرِكُ الظَّوَاهِرَ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الضُّمَيْرِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ فِي النَّحْوِ: وَإِذَا قُلْت مَا أَعْظَمَ اللَّهَ وَذَلِكَ الشَّيْءُ، عِبَادُهُ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَظَمَتِهِ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ اللَّهُ عز وجل فَيَكُونُ لِنَفْسِهِ عَظِيمًا لَا لِشَيْءٍ جَعَلَهُ عَظِيمًا وَمِثْلُ هَذَا مُسْتَعْمَلٌ كَثِيرًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ

نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامًا

انْتَهَى. وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ.

وَقَالَ الْمُتَنَبِّي:

مَا أَقْدَرَ اللَّهَ أَنْ يَجْزِي خَلِيقَتَهُ

وَلَا يُصَدِّقُ قَوْمًا فِي الَّذِي زَعَمُوا

قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي شَرْحِهِ: يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى قَادِرٌ عَلَى إجْزَاءِ خَلِيقَتِهِ بِأَنْ يُمَلِّكَ عَلَيْهِمْ لَئِيمًا سَاقِطًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَدِّقَ الْمُلْحِدَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الدَّهْرِ، يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَأْمِيرَ مِثْلِهِ إجْزَاءٌ لِلنَّاسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُمْ وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْمُلْحِدَةُ إنَّ تَمْلِيكَ مِثْلِهِ يُشَكِّكُ النَّاسَ فِي حِكْمَةِ الْبَارِي فَيُظَنُّ التَّعْطِيلُ.

وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ سَعِيدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنُ عَلِيٍّ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا قَدَّرْتَ " مَا " تَقْدِيرَ شَيْءٍ وَإِذَا قُلْت مَا أَحْسَنَ زَيْدًا قَدَّرْته تَقْدِيرَ شَيْءٍ أَحْسَنَ زَيْدًا فَمَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِمْ مَا أَعْظَمَ اللَّهَ.

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ نَفْسُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَالثَّالِثِ مَنْ يُعَظِّمُهُ مِنْ عِبَادِهِ، الرَّابِعُ - أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ لِحَمْلِهَا عَلَى مَا يَجُوزُ مِنْ صِفَاتِهِ وَيَلِيقُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَظِيمٌ فِي نَفْسِهِ لَا عَلَى شَيْءٍ عَظَّمَ اللَّهَ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] وَالْمَعْنَى تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الْعَجْزِ وَالتَّعَجُّبُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِ جَمِيلٍ مِثْلِهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: 51] فَالتَّعَجُّبُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِ عَفِيفٍ مِثْلِهِ. .

[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ رحمه الله عَنْ حُكْمِ السَّاحِرِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ؟

(أَجَابَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ رَأَى قَتْلَهُ بِكُلِّ حَالٍ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ

ص: 323

مَالِكٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّاحِرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُقْتَلُ كُفْرًا وَحَالٌ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَحَالٌ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا بَلْ يُعَزَّرُ.

أَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا كُفْرًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَنْ يَعْمَلَ بِسِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ. وَشَرَحَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ:

(أَحَدُهَا) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ كُفْرٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ وَمَتَى تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ.

(الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ بِأَنْفُسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَتْلُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ.

(الْمِثَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا قِصَاصًا فَإِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إنْسَانًا فَكَمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ وَإِنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَاهُنَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَلَا يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَالَةَ إلَّا الْإِقْرَارُ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالتَّوْبَةِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي لَا يُقْتَلُ فِيهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا اعْتَرَفَ بِإِتْلَافِهِ بِهِ كَمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ رُوَالَهُ لَا بِقَتْلِ عَيْنٍ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» قُلْت الْقَتْلُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَفِي الْحَالَة الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَامْتَنَعَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ فَلَا يَحِلُّ دَمُهُ فِيهَا عَمَلًا بِصَدْرِ الْحَدِيثِ.

وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الصَّادِرَةُ عَلَى السَّاحِرِ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا شَيْءٌ يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» وَضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادَهُ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ يَعْنِي فَيَكُونُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ بَعْضَ يَهُودَ سَحَرَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ وَلَا عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعَفْوِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ وَالْمَصْلَحَةُ الَّتِي اقْتَضَتْ تَرْكَ إخْرَاجِهِ

ص: 324

مِنْ الْبِئْرِ خَشْيَةَ إثَارَةِ شَرٍّ عَلَى النَّاسِ، وَالْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ: فَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه " اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ " وَعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا بَاعَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وَجَعَلَتْ ثَمَنَهَا فِي الرِّقَابِ، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَحَفْصَةَ عَلَى السِّحْرِ الَّذِي فِيهِ كُفْرٌ، وَمَا يُقَالُ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى السِّحْرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كُفْرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا عُمْدَةً لَهُ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا وَجَبَ اتِّبَاعُ أَشْبَهِهِمْ قَوْلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكُفْرُ الْقَتْلِ عَمَّنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كُفْرٌ وَلَا قَتْلٌ وَلَا زِنًا أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ سُئِلَ الزُّهْرِيُّ شَيْخُ مَالِكٍ رضي الله عنهما أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ السَّاحِرَ إنْ تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتَقَدَهُ قُتِلَ إجْمَاعًا فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَسْقُطُ، وَحُكْمُهُ عِنْدَهُمَا حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَإِنْ قَتَلَ بِسَحَرِهِ قُتِلَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُقْتَلُ وَالْأَوْلَى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ تَصْرِيحٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَصْرِيحِ عَائِشَةَ رضي الله عنها مُخَالَفَةٌ دَفْعًا بِثَلَاثَتِهِمْ بِتَتَبُّعِ الدَّلِيلِ، وَمِمَّنْ أُطْلِقَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِقَتْلِ السَّاحِرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنَتُهُ حَفْصَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَجُنْدُبٌ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. كَتَبَهُ فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. .

(مَسْأَلَةٌ) رَجُلُ نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَهُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ عَلَى خَيْرٍ وَطُلِبَ مِنْ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَصَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ خَشْيَةً مِنْ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ

ص: 325

تَوْبَتُهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ إذَا جَدَّدَ هَذَا الرَّجُلُ إسْلَامُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ، ثُمَّ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ . (أَجَابَ) الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الَّذِي مِنْ مَذْهَبِهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ إذَا تَلَفَّظَ هَذَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْحُكْمَ لَهُ وَقَدْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى اعْتِرَافِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَرِيئًا فَإِلْجَاؤُهُ إلَى الِاعْتِرَافِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافٍ مَا وَقَعَ مِنْهُ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ وَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَلْ يَحْكُمُ الْقَاضِي مُسْتَنِدًا إلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ الْعَاصِمَةِ لِلدَّمِ الْمَاحِيَةِ لِمَا قَبْلَهَا وَيَمْنَعُ بِحُكْمِهِ ذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ. وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ الْآنَ وَعِصْمَةَ دَمِهِ أَمْرُ حَقٍّ مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَإِسْلَامُهُ مُسْتَمِرٌّ وَعِصْمَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِنْ كَانَ صَدَرَ مِنْهُ فَشَهَادَتُهُ بِالْإِسْلَامِ الْآنَ مَاحِيَةٌ لَهُ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ ثَابِتَةً عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَازِمَةً لِلنَّقِيضَيْنِ، وَلَازِمُ النَّقِيضَيْنِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ حَقًّا وَالْحُكْمُ بِالْحَقِّ حَقٌّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «قَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» فَإِنْ قُلْت: إنْ تَأَتَّى لَكَ هَذَا فِي الْعِصْمَةِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ إنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الْآنَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لَوْ سَبَقَهُ كُفْرٌ وَمَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ كَيْفَ نَحْكُمُ؟ وَأَيْضًا الْحُكْمُ بِالْعِصْمَةِ إنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِسْلَامِ الْمُسْتَمِرِّ لَمْ يُفِدْ مَنْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى هَذَا الْإِسْلَامِ عَادَ السُّؤَالُ؟ . قُلْت يَتَأَتَّى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا الْعِصْمَةُ فَلِاسْتِنَادِهَا إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَقْطُوعِ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهِ وَلَهُ شَوَاهِدُ: مِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهَا بِعَشْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا حَلَفَ ثَبَتَتْ الْجَارِيَةُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَرْفُقَ الْحَاكِمُ بِالْأَمْرِ لِلْمَأْمُورِ فَيَقُولُ: إنْ كُنْت أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهَا بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُك إيَّاهَا بِعِشْرِينَ

ص: 326

وَيَقُولُ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْت لِيَحِلَّ لَهُ الْفَرْجُ.

قَالَ الْأَصْحَابُ إنْ جَزَمَ الْبَيْعَ صَحَّ وَإِنْ عَلَّقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ صَحَّ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَأَقُولُ إذَا فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَكِيلُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ لِلْجَارِيَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ. نَعَمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ الَّذِي صَدَرَ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُكْمَ الظَّاهِرَ لِلْوَكِيلِ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِالْمِلْكِ وَالْحَلِّ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِهَا وَمُسْتَنَدُ الْقَطْعِ الْعِلْمُ بِسَبَبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ وَلَا بِالْمِلْكِ الْبَاطِنِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ. فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَمِثْلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِعِصْمَةِ دَمِ هَذَا الرَّجُلِ وَكَوْنِهِ مُسْلِمًا مُسْتَنِدًا إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْإِسْلَامُ الْمُسْتَمِرُّ وَإِمَّا الْمَوْجُودُ الْآنَ وَأَحَدُهُمَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ أَحَدُهُمَا فَأَيُّ بَيَانٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَإِذَا ظَهَرَ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ الْبَاطِنُ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ شِئْنَا نَقْتَصِرُ وَنَكْتَفِي بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَنَقُولُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْبَيْعِ الصَّادِرِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لَكِنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهَا لِلْوَكِيلِ فِي الظَّاهِرِ يَمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ شِئْنَا نَزِيدُ وَنُفَرِّقُ وَنَقُولُ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ هُنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْإِسْلَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ مَعَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ تَقَدَّمَهُ كُفْرٌ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَابِلٌ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَإِنْ وُجِدَ بِشُرُوطِهِ مِنْ مِلْكٍ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا وَالشَّكُّ فِي الْمِلْكِ يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي الصِّحَّةِ بِلَا إشْكَالٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَكُونُ إلَّا صَحِيحًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ، وَالتَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ إمَّا إقْرَارٌ كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَإِمَّا إنْشَاءٌ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

وَهَذِهِ الصِّيغَةُ هِيَ الَّتِي بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ وَمَعْنَى الْإِقْرَارِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا وَمَعْنَى الْإِنْشَاءِ مَعْرُوفٌ كَالشَّهَادَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ وَبِأَيِّ مَعْنًى فُرِضَ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَإِنْشَاءٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى صِحَّتِهِ تَرَتُّبُ أَثَرِهِ عَلَيْهِ وَمِنْ آثَارِهِ

ص: 327

عِصْمَةُ الدَّمِ وَجَبُّ مَا قَبْلَهُ فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَتَرَتَّبُ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الِاحْتِيَاجِ إلَى حُكْمِهِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ وَقَسَّمُوا الْكُفَّارَ إلَى أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ يَصِيرُ بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ مُسْلِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ زِيَادَةٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِالْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ الْمَوْجُودِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَافٍ فِي صَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا فَحُكْمُ الْقَاضِي بِذَلِكَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِي مَحَلَّيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي اشْتِرَاطِ لَفْظٍ آخَرَ، وَالثَّانِي فِي إبَاحَةِ دَمِهِ بِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَمْ جَهِلَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَاضِي رَفْعِ الْخِلَافِ وَلَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يَضُرَّ هُنَا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَالْقَاضِي إنَّمَا حَكَمَ لِيَدْرَأَ عَنْهُ الْقَتْلَ بِمَا عَسَاهُ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ إسْلَامٌ صَحِيحٌ، وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ سَبْقُ دَمٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إسْلَامٌ، سَوَاءٌ أَصَدَرَ مِنْ كَافِرٍ يَنْتَقِلُ بِهِ عَنْ الْكُفْرِ أَمْ مِنْ مُسْلِمٍ مُسْتَمِرِّ الْإِسْلَامِ حَتَّى إنِّي أَقُولُ: إنَّ الذَّاكِرَ بِلَفْظِهِ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْدَرِجَ ذِكْرُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فَيَجُبُّ هَذَا الْإِسْلَامُ الْمَعَاصِيَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِ وَفِي فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخُصُّهُ بِالصَّغَائِرِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ فِي الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ.

وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ أَنَّ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي هَذَا حَتَّى نُقَرِّرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ بِأَنْ نَحْكُمَ بِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ، وَمِنْهَا إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَوْ لَا؟ فَالْوَرَع أَنْ يُرَاجِعَ فَلَوْ رَاجَعَ وَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى مَضَى عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَ وَأَرَادَتْ الْحُكْمَ بِالْبَيْنُونَةِ وَأَرَادَ هُوَ الْحُكْمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَيَرْفَعُ بِالرَّجْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ أَثَرَ الطَّلَاقِ الَّذِي قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حِينَ الرَّجْعَةِ شَاكًّا فِي صِحَّتِهَا فَهَكَذَا هُنَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَذَا بَعْدَ هَذَا الْحُكْمِ بِأَنَّهُ كَانَ صَدَرَ مِنْهُ كُفْرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ أَثَرُهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِهِ كَانَ حُكْمًا صَحِيحًا مَانِعًا مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ وَلْيُفْرَضْ فِي الرَّجْعَةِ مِثْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَاجَعَهَا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَكَانَ شَكَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ

ص: 328

الْحَرَامِ أَوَّلًا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حَرَامٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكِنَايَاتِ بَوَائِنٌ وَأَرَادَتْ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ حَنَفِيٍّ وَحَكَمَ بِالْبَيْنُونَةِ فَنَقُولُ: إنَّهُ لَنْ يَجِدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّافِعِيَّ حَكَمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَاطَبَهَا بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْحُكْمِ فَخَاطَبَهَا بِذَلِكَ بَلْ يَسْتَنِدُ فِي بَقَاءِ الْعِصْمَةِ أَنَّهَا بَائِنَةٌ عِنْدَهُ عَلَى النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ خَاطَبَهَا بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ مُرِيدًا الطَّلَاقَ، ثُمَّ رَاجَعَ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ النَّقِيضَيْنِ مُسَوِّغٌ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ، وَقَدْ حَكَمَ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى أَحَدِهِمَا فَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ طَلُقَتْ، وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَازِمٌ لِلنَّقِيضَيْنِ وَلَازِمُ النَّقِيضَيْنِ وَاقِعٌ وَإِنْ جَهِلَ مَا يَقَعُ بِهِ، وَلْنَفْرِضْ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافٍ بِأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِلَفْظٍ مُخْتَلَفٍ فِي كَوْنِهِ صَرِيحًا أَوْ لَا وَلَمْ يَنْوِ وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فَحَكَمَ بِالطَّلَاقِ أَوْ رَأَى أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فَحَكَمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غُرَابٌ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَوْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَطَعَ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَّجِهْ حُكْمٌ أَصْلًا وَكَانَ يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِبَقَاءِ الْمَرْأَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْحَالِ مُعَلَّقَةً لَا مَنْكُوحَةً وَلَا مُطَلَّقَةً.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَصْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَرْفَعَ الْخِلَافَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا فَيَحْكُمُ بِهَا وَلَا يُنْتَقَضُ حُكْمُهُ، نَعَمْ قَدْ يَحْكُمُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبٍ وَهُنَاكَ شَيْءٌ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ثُمَّ يَظْهَرُ لِلدَّاخِلِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ يَرَى تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَى تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْعِصْمَةِ مَالِكِيٌّ وَإِنَّمَا حَكَمَ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِسْلَامِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا نُسِبَ إلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ وَكَانَ يَحْكُمُ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فَهَاهُنَا يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ وَالْعِصْمَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِ الْمَالِكِيِّ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَافِقُهُ إذَا ظَهَرَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَاهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِظَنِّ عَدَمِهَا، وَمَسْأَلَتُنَا هُنَا إنَّمَا هِيَ فِي حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ يَرَى الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ سَوَاءٌ ثَبَتَ

ص: 329

مَا نُسِبَ إلَيْهِ أَمْ لَا فَهُوَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ شَيْءٌ لَوْ قَارَنَ الْحُكْمَ أَيُمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ صَحِيحًا.

وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ قَارَنَهُ مَا لَوْ عَلِمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحْكُمْ فَقَدْ نَقُولُ بِأَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ وَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا " قَدْ " لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدْسِ. وَكُلُّ حُكْمٍ قَارَنَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَا لَوْ عَلِمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَمْتَنِعْ مَعَهُ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ مَعَهُ نَافِذٌ قَاطِعٌ لِأَثَرِهِ. وَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْقَاضِي عَامًّا وَكَانَ هُنَاكَ صُورَةٌ لَمْ يُمْكِنْ انْدِرَاجُهَا فِيهِ شَمِلَهَا كُلَّهَا عَلِمَهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا وَكَانَ هُنَاكَ صُورَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَلَا شَمِلَهَا حُكْمُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ هُنَا حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ إذْ لَا مُعَارَضَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا الَّذِي اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ لَمْ يَثْبُتْ وَإِذَا فَرَضْنَا ذَا سُلْطَانٍ أَرَادَ قَتْلَهُ بِذَلِكَ وَطَلَبَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ نَحْكُمَ بِعِصْمَتِهِ وَيَلْفِظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ إنْ مَنَعْنَا الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِ الْقَاضِي عِصْمَتَهُ كَانَ ذَلِكَ إسْرَافًا كَيْفَ يُمَكَّنُ مِنْ قَتْلِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ عِصْمَتَهُ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَهَلْ جُعِلَ الْقَاضِي إلَّا لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ وَيَمْنَعَ الظَّالِمَ عَنْ الْمَظْلُومِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْكُمُ اسْتِنَادًا إلَى الِاسْتِمْرَارِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي دَفْعِ مَا قِيلَ عَنْهُ كَانَ الْحُكْمُ عُرْضَةً لِلنَّقْضِ وَأَحْكَامُ الْحُكَّامِ تُصَانُ عَنْ النَّقْضِ وَنَفْرِضُ أَنَّهُ حَكَمَ فَهَذَا حُكْمٌ لَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ وَكُلُّ حُكْمٍ لَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَحْكُمُ وَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَانِعُ مِنْ النَّقْضِ كَوْنُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ لَا اعْتِقَادِ الْقَاضِي أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ الْمُتَوَقَّعِ وَقَالَ: شِبْهُ ذَلِكَ حِلُّ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ وَمَنْ اشْتَرَطَهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ بِاشْتِرَاطِهِ.

وَمِنْهَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو دَارًا فِي يَدِهِ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِهَا، ثُمَّ جَاءَ الدَّاخِلُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ قِيلَ: يُنْقَضُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذَاهِبِ وَقِيلَ: لَا وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ نُقِضَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ، هَذَا إذَا كَانَ قِيَامُ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ وَمِنْ مَذْهَبِهِ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ أَمَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْأَوَّلَ إنَّمَا حَكَمَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَكَذَلِكَ

ص: 330

وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ حَكَمَ ذَهَابًا إلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَوْ أُشْكِلَ الْحَالُ فَفِي جَوَازِ النَّقْضِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بَلْ يُقَرُّ فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ فَمَنْ لَمْ يُقْصَدْ بِحُكْمِهِ مَنْعُ مَا يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ فَكَيْفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَصَدَ الْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ عِصْمَةَ الْمَحْكُومِ لَهُ عَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ وَيُتَوَقَّعُ ثُبُوتَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ لَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ خِلَافِهِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْحُكْمِ كَانَ حُكْمًا صَحِيحًا رَافِعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مَقْطُوعًا بِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّرَ وَيُعْتَنَى بِهَا فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي الْفَقِيهُ بُرْهَانُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ شَمْسَ الدِّينِ أَحْمَدَ السُّرُوجِيَّ الْحَنَفِيَّ أَشْهَدَهُ وَالْفَقِيهَ عِزَّ الدَّيْنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ النَّمْرَاوِيَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِعِصْمَةِ دَمِ الْقَايَاتِيِّ الْمَالِكِيِّ لَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِي مِصْرَ وَالْتَمَسَ مِنْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فَذَهَبَ الْفَقِيهَانِ الشَّافِعِيَّانِ إلَى تَقِيِّ الدِّينِ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُمَا: وَأَيْشٍ هَذَا الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ اذْهَبَا إلَى الْقَايَاتِيِّ وَاشْهَدَا عَلَيْهِ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ وَتَعَالَيَا فَذَهَبَا إلَيْهِ وَشَهِدَا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَا إلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فَشَهِدَا عِنْدَهُ فَقَالَ: اشْهَدَا عَلَى أَنَّنِي حَكَمْت بِعِصْمَةِ دَمِهِ حُكْمًا مُبْتَدَأً لَا تَنْفِيذًا؛ وَهَذَا مِنْ الشَّيْخِ رحمه الله إمَّا أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ عَدَمِ نَظَرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنِّي كُنْت مُغْتَبِطًا بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ كَثِيرًا وَكُنْت أَسْتَعْمِلُهَا حَتَّى نَظَرْتُ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَجَدْت الْحَقَّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ.

وَمِنْهَا إذَا بَاعَ خَادِمَةً فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي وَحَلَفَ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِلْبَائِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْجَاحِدِ: إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا فَاسْتَقِلْهُ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ إنْ كُنْت بِعْتهَا مِنْهُ فَأَقِلْهُ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ بَاطِنًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا يَحِلُّ. وَالثَّانِي أَنَّ الْجُحُودَ رَدٌّ فَيَقْبَلُ الْبَائِعُ الرَّدَّ لِتَحِلَّ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ بِالتَّعَذُّرِ كَرُجُوعِ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَلَفُّظِ الْقَاضِي هُنَا كَمَا سَبَقَ مِثْلُهُ الْوَكَالَةُ، وَمِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَوْ

ص: 331

شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ قِيلَ: إنْ أَقَرَّ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكْشِفْ عَنْ غَيْرِهِ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: فَصْلٌ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رِدَّةِ شَخْصٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كَذِبَا فِي شَهَادَتِهِمَا وَقَالَ مَا ارْتَدَدْت فَالشَّهَادَةُ مَسْمُوعَةٌ وَالْحُكْمُ بِالرِّدَّةِ نَافِذٌ وَلَا يُقْبَلُ تَكْذِيبُهُ الشَّاهِدَيْنِ وَيُقَالُ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ فَجَدِّدْ الْإِسْلَامَ فَإِذَا فَعَلَ زَالَ حُكْمُ الرِّدَّةِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَأَثَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَقَدْ بَانَتْ بِالشَّهَادَةِ، وَتَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ لَا يَرْفَعُ الْحُكْمَ، وَلَكِنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمُرْتَدِّ يُسْلِمُ وَإِنْ قَالَ: كُنْت مُكْرَهًا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يُقْتَنَعُ مِنْهُ بِهَذَا حَتَّى يُقِرَّ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا. وَعَنْ الْحَاوِي فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَكْشِفْ عَنْ غَيْرِهِ: وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْكَشْفُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ رِدَّتِهِ، وَالثَّانِي الْكَشْفُ عَنْ بَاطِنِ أَثَرِهِ؛ لِأَنَّ سَرَائِرَ الْقُلُوبِ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ حَكَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرِدَّتِهِ وَادَّعَتْ ذَلِكَ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهَا فَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ: وَإِنْ حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ. فَهَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَشْهَدُ بِمَا قُلْنَاهُ فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرِّدَّةِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ فَيُحْكَمُ بِبَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ وَحِرْمَانِهِ عَنْ إرْثِ حَمِيمٍ لَهُ إنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَقْرَرْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتَبَرَّأْت عَنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ وَالتَّبَرُّؤُ عَنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَام احْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ مُطْلَقًا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ.

نَقَلَ الْإِمَامُ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُقُودِ وَالظَّاهِرُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقَضَاءُ بِهَا. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رِدَّتِهِ فَقَالَ: كَذِبَا أَوْ مَا ارْتَدَدْت قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَمْ يُغْنِهِ التَّكْذِيبُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي بَيْنُونَةِ

ص: 332