المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الحاكم إذا رفع إليه حكم لا يراه] - فتاوى السبكي - جـ ٢

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌[وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْجِهَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالْمَصَالِحِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَرَعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]

- ‌[فَرْعٌ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي]

- ‌[فَرْعٌ التَّرْتِيبُ فِي الْمَصَارِفِ لَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوْقَافِ هَذَا الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تَوْلِيَةُ التَّدْرِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ لِلْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْل الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْقَافِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الَّتِي تَحْتَ نَظَرِ الْحُكْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفَ الرُّمَاةِ فِي وَقْفِ حَمَاةَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَة]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي عِتْق السَّائِبَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَلَاء لَا يُوَرَّثُ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِع وَالْخَامِس ابْن الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِن كَانَ للمعتق أب وإبن]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ خَلَّفَ الْعَتِيقُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةَ الْمُعْتِقِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إذَا هُوَ مَاتَ فَالدَّارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا تُكْرَى بِسِتَّةَ عَشَرَ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى أَنْ تُكَمَّلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ وَصِهْرِيجٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى شَخْصٍ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْصَتْ إلَى فُلَانٍ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ الْحُرُّ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ وَتَخَلَّفَ ثِنْتَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّسَرِّي بِالْجَوَارِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِد الطِّفْلَة لِوَالِدِ الطِّفْل زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك قَالَ قَبِلْت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْوِيم الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْكُوحَة إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهَا وَفَسَخَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[الطَّلَاقُ الْمُنَجِّزِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّاحِر وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَرْمِيم الْكَنَائِسِ]

- ‌[بَابٌ فِي شُرُوط عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْمِيمِ وَالْإِعَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاصَلَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا]

- ‌[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِتَابَة عَلَى الْمَكَاتِيبِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْد نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُ غَيْرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَدَاوَة الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ أَلْف دِرْهَمٍ وَعَشَرَة دَرَاهِمَ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَيْنًا فَادَّعَتْ زَوْجَةُ الْبَائِعِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى دَارًا وَصَدَّقَ الْبَائِعَ أَخُوهُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً بَائِنًا خُلْعًا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهَا ثَالِثَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَيْنٌ فِي يَدِ شَخْصٍ فَادَّعَاهَا آخِر وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَيْتَامًا وَتَرَكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَخَلَفَ لَهُمْ فَدَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدّ الْخَمْر بَعْد التَّوْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ مَاءِ دَارٍ إلَى أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّق بِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِلْك اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ عَلَى يَتِيمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارِهِ وَرَهَنَ بِهِ عِنْدَ صَاحِبَةِ الدَّيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ الْقَاضِي يُفْتِي وَالْمُفْتِي يَهْذِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَدِيثِيَّةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ نَفْي الْحَصْرِ فِي آيَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]

- ‌[مَسْأَلَة الْفُتُوَّة وشد الوسط مِنْ البدع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَيْل هَلْ كَانَتْ قَبْلَ آدَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا لِي رَأْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَبَدَ اللَّه تَعَالَى بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ أُمّ الْعِبَادَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ آخِرُ مِنْ يَدْخُل الْجَنَّة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ أَشْكَالُ حُرُوفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

- ‌[قَوْله تَعَالَى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد وتفسيرها]

- ‌[فَصْلٌ تَكْفِير الصَّحَابَة]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ]

- ‌[الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ]

- ‌[مُسْلِم اسْتَأْجَرَ ذِمِّيًّا شَهْرًا فَهَلْ تُسْتَثْنَى السُّبُوتِ]

- ‌[هَلْ تَدْخُلُ الذِّمِّيَّةُ فِي حَدِيثِ لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لُغَوِيَّة فِي يُهَرِيق الْمَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَعِب الشَّافِعِيّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ الْحَنَفِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَرْوَاحِ هَلْ تَفْنَى كَمَا تَفْنَى الْأَجْسَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ هَلْ لِنُوَّابِهِ أَنْ يَعْقِدُوا النِّكَاح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي الطَّلَاق]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِغَال بِالْمَنْطِقِ]

الفصل: ‌[مسألة الحاكم إذا رفع إليه حكم لا يراه]

مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَفَاسِدُ عِرْضٍ.

وَإِذَا كُنَّا نَرْسُمُ عَلَى الْمُبْطِلِ وَنَحْبِسُهُ وَنُعَاقِبُهُ حَتَّى نُخَلِّصَ الْحَقَّ مِنْهُ وَنَرُدَّهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَبَاطِلِهِ بِكُلِّ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِكِتَابَةٍ عَلَى أَوْرَاقٍ فِيهَا اتِّبَاعُ أَمْرِ اللَّهِ وَالِانْقِيَادُ لِحُكْمِ اللَّهِ وَالشَّهَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] انْتَهَى.

قَالَ سَيِّدُنَا وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ فِيمَا إذَا رَأَى عَلَى فُتْيَا جَوَابَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفُتْيَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الرُّقْعَةِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ، وَهُوَ الْحَجْرُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّا نَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَقِّ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي خَصْمُ الْمَكْتُوبِ الْبَاطِلِ إذَا لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ أَنْ يَنْقَادَ إلَى الْحَقِّ وَكَذَلِكَ حَبْسُ الْقَاتِلِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَهْرَبَ فَيَضِيعَ الْحَقُّ وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا عُوقِبَ بِالْحَبْسِ خَوْفًا عَلَى حَقٍّ قَدْ يَضِيعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ أَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ ثُبُوتُهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَأَنْ يَخْصِمَ وَرِقَهُ خَوْفًا مِنْ الْعُدْوَانِ بِهَا فِي الْحَالِ أَوْلَى وَأَجْدَرُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا إذَا اُبْتُلِيَ الْقَاضِي بِظَالِمٍ يُرِيدُ مَا لَا يَجُوزُ وَاحْتَاجَ إلَى مُلَايَنَتِهِ يَكْتُبُ لَهُ مَا يُوهِمُهُ أَنَّهُ أَسْعَفَهُ بِمَطْلُوبِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي الْحَقِيقَةِ يَضُرُّهُ وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الرُّقْعَةِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ يُمْنَعُ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ. وَبِالْجُمْلَةِ شَوَاهِدُ مَا قَالَهُ فِي الْفِقْهِ كَثِيرَةٌ.

[مَسْأَلَةٌ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ]

(مَسْأَلَةٌ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ أَنَّهُ يَعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ، وَذَكَرُ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُنْفِذُهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَا أَخْتَارُ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَرَاهُ إنْ كَانَ مِمَّا عُرِفَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ الْمَذَاهِبُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْحَاكِمِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَئِهِ إمَّا لِقُصُورِ الْحَاكِمِ عَنْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ يَجُوزُ لِمِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا، وَإِمَّا لِقُوَّةِ الِاخْتِلَافِ وَتَفَاوُتِ الْمَأْخَذِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمَحْكُومِ لَهُ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّنْفِيذِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَاهُ مِمَّا يُعْتَقَدُ خَطَؤُهُ أَوْ يَقْرُبُ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَمَّا فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِقُوَّةِ نَظَرِ الْقَاضِي حَيْثُ

ص: 444

يَكُونُ لَهُ هَذِهِ الْقُوَّةُ

وَأَمَّا فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْوَقَائِعِ الَّتِي يَكُونُ عَدَمُ رُؤْيَتِهِ لَهُ لِمَا فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدَارِكُ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ

. وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَاضِيَانِ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مُجْمَعًا عَلَى حُكْمِهَا مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ نَظَرُ الْحَاكِمِينَ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَالْمُتَخَاصَمِينَ وَالْحِجَجِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمَا وَيَظْهَرُ لِأَحَدِ الْحَاكِمَيْنِ مَا لَا يَظْهَرُ لِلْآخَرِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ قَبْلُ أَرَى أَنَّ هَذَا يَعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ مَعَ اعْتِقَادِ خِلَافِهِ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا يَعْتَقِدُ وَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدَ وَقَوْلِي هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِذَ ذَلِكَ وَقَوْلِي فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ إنَّمَا أَقُولُهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، وَلَا أَقُولُهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لِأَمْرَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِذُهُ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَوَازِ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُعْتَقَدُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِتَفَاوُتِ الْمَأْخَذِ عِنْدَهُ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ خَطَئِهِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ صَارَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ النَّقْضِ خَاصَّةً أَمَّا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) تَوَلَّدَتْ عَنْ ذَلِكَ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَمِنْ أَزْمَانٍ طَوِيلَةٍ هُوَ النَّاظِرُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْمُتَوَلِّي الْأَوْقَافَ وَالْأَيْتَامَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَغَيْرَهَا فَكُلُّ مَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ يَنْبَغِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِمَا لَا يَرَاهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَفِّذَهُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ أَمَّا بِالْقَوْلِ فَلِمَا سَبَقَ وَأَمَّا بِالْفِعْلِ فَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَإِخْرَاجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى مَنْ حَكَمَ لَهُ غَيْرُهُ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ نَفَّذْت فَإِذَا مَنَعْنَاهُ مِنْ التَّنْفِيذِ بِالْحُكْمِ الْقَوْلِيِّ فَلَأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا يَرَاهُ فَإِنَّهُ هُوَ يَحْكُمُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ غَيْرِهِ، نَعَمْ قَدْ يَعْتَقِدُ فِي قَضِيَّةٍ أَنَّهَا حَقٌّ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا مِثْلَ أَنْ يَمُوتَ مَيِّتٌ وَيَظْهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَسْطُورٍ فِيهِ شُهُودٌ قَدْ مَاتُوا وَيَكُونَ هُنَاكَ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَسْطُورِ وَبَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَهَاهُنَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِقَاضٍ مَالِكِيٍّ فَيُثْبِتَهُ بِالْخَطِّ عَلَى مَذْهَبِهِ تَوَصُّلًا إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَوُصُولِ الْحَقِّ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ يَكُونَ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ

ص: 445

عَلَى جِهَةِ بِرٍّ وَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي إذْنِهِ لِقَاضٍ حَنْبَلِيٍّ أَوْ حَنَفِيٍّ يَحْكُمُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا بِنِيَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً وَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَقَائِعُ مِنْ ذَلِكَ يَطْلُبُ الْغَرِيمُ فِيهَا الْمُحَاكَمَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّة أَوْ الْحَنَفِيِّ أَوْ الْحَنْبَلِيِّ، وَرُبَّمَا يَنْتَجِزُ مَرَاسِيمُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ فَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَاضِي الشَّافِعِيِّ لَا يَحْكُمُ فِيهِ إلَّا هُوَ أَوْ نَائِبُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا نُوَّابِهِمْ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) مِنْ نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ رَجُلٌ وَقَفَ وَقْفًا مِنْ جُمْلَتِهِ حِصَّةٌ مِنْ ضَيْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي سَنَةِ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى حَاكِمٍ بِأَسْجَالٍ مِنْ مَضْمُونِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ إشْهَادُ الْوَاقِفِ عَلَى نَفْسِهِ بِجَمِيعِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ وَقْفِهِ الْوَقْفَ الصَّحِيحَ الشَّرْعِيَّ، وَثَبَتَ هَذَا الثُّبُوتُ عَلَى حَاكِمٍ بَعْدَ حَاكِمٍ إلَى زَمَانِنَا هَذَا، وَمِنْ مَضْمُونِهِ التَّصْرِيحُ بِالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ بِلَا ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ وَأَنَّ شَخْصًا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ وَقَفَ وَقْفًا مِنْ جُمْلَةِ الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَثَبَتَ عِنْدَهُ الْمِلْكُ وَالْحِيَازَةُ وَحُكْمُهُ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَازَعَ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ مَنْ الْحِصَّةُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِي ذَلِكَ الْكَائِنِ حُكْمُهُ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْ الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْعَمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَنَفَّذَ حُكْمَهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْعَزَلَ الْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ بَعْدَ عَزْلِهِ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ عَلَى كِتَابِ الْوَقْفِ الثَّانِي وَلَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَوْ أُحْضِرَ إلَيْهِ حِينَ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِيهِ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا حُكِمَ بِهِ وَأَنَّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ إسْجَالُ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الثَّانِي رَافِعٌ غَيْرَهُ لِمَا حُكِمَ بِهِ.

(أَجَابَ) رحمه الله أَنَّ الضَّيْعَةَ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْوَقْفِ الثَّانِي فَحُكْمُ بَدْرِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ صَحِيحٌ وَتُرَدُّ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُمْ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَيْهَا فَحُكْمُ بَدْرِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ بَاطِلٌ وَيُسَلَّمُ لِأَصْحَابِ الْوَقْفِ الثَّانِي بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ.

هَذَا مُلَخَّصُ الْجَوَابِ بِحَسَبِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ، وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ فَنَقُولُ إشْهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى

ص: 446

نَفْسِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حُكْمِهِ فَفِيهِ فَائِدَةٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَقْضَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ نَقْضَ الْأَوَّلِ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ قُبِلَ مِنْهُ وَلَا يُفِيدُ إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِهِ الرُّجُوعُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ فِي الْوَقْفِ الثَّانِي، وَالْحَاكِمُ بِالْوَقْفِ الثَّانِي سَابِقٌ عَلَى هَذَا الْحَاكِمِ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَ الثَّانِي وَلَوْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الضَّيْعَةُ حِينَ حَكَمَ الْأَوَّلُ بِالْوَقْفِ الثَّانِي فِي يَدِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَتُرَدُّ إلَى مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ تَتَخَرَّجُ

عَلَى خِلَافٍ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَهِيَ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَادِلَةً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَأَزَالَ الْقَاضِي يَدَهُ، وَسَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ حَضَرَتْ بَيِّنَتِي فَهَلْ يَسْمَعُهَا؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَقَالَ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّا نَقَضْنَا يَدَهُ فَلَوْ قَبِلْنَا بَيِّنَتَهُ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ الْآنَ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَنَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ الْآنَ. فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَلَا أَثَرَ لِحُكْمِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُ الْأَوَّلِ الَّذِي حَكَمَ بِالْوَقْفِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُنْقَضَ. وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي قَضِيَّةٍ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَرَجَّحَ الْحَاكِمُ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، ثُمَّ نَازَعَهُ آخَرُ يَدَّعِي وَقْفَهَا أَيْضًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ قَدْ قُضِيَ بِصِحَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ وَتَرْجِيحُهُ عَلَى الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ الْأَوَّلِ هُنَا أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَ الثَّانِي بِشَرْطَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَاكِمُ مِنْ مَذْهَبِهِ اسْتِوَاءُ الْبَيِّنَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُؤَرَّخَةِ فَإِنْ كَانَ يُرَجِّحُ الْمُؤَرَّخَةَ عَلَى الْمُطْلَقَةِ تَعَيَّنَ

ص: 447

تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْوَقْفِ الْقَدِيمِ.

(وَالثَّانِي) زَوَالُ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ مِنْ لَفْظِ إسْجَالِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ الْقَدِيمِ فِي قَوْلِهِ الْوَقْفُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ هَلْ هَذَا يَكُونُ مُتَمَسِّكًا بِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى الْحَاكِمِ فَيَكُونُ الْحَاكِمُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي حَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الثَّانِي وَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُ مِنْ الْمُوَارِدَيْنِ.

هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَجَوَازِ النَّقْضِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْمَالِكِيِّ نَقْضًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْأَظْهَرِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ صَحِيحٌ وَتَسْمِيَتُهُ أَيْضًا أَوْ لَيْسَ نَقْضًا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ وَإِلَّا فَهُوَ يُصَادِفُ الْمَحَلَّ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِ هَذَا الْمَالِكِيِّ. فَإِنْ قُلْت فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ.

قُلْت لَمْ نَحْكُمْ بِرُجُوعِهَا إلَى صَاحِبٍ بِذَلِكَ السَّبَبِ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَلْ بِسَبَبِ ظَنٍّ أَنَّهُ مِنْ مَظَانِّ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ أَصْحَابِ الثَّانِي فَحُكْمُ الْمَالِكِيّ بِالْأَوَّلِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِبَيِّنَةٍ مُعَارَضَةٍ بِبَيِّنَةٍ رَاجِحَةٍ عَلَيْهَا فَحَكَمَ الْحَاكِمُ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ النَّقْضِ بِالْيَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ وَقَضَى لَا بُدَّ فَلَوْ نَقَضْنَا الْحُكْمَ نَقَضْنَاهُ مَعَ التَّعَارُضِ، وَعَدَمُ التَّعْرِيضِ مُسْتَنَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ رضي الله عنه هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ مُسَوَّدَةً وَنَقَلْتهَا الْآنَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ فِيهَا وَأَظُنُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ فَلْتُتَأَمَّلْ. وَكَتَبَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.

(الْكِيلَانِيَّةُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَقَّهَنَا فِي الدِّينِ وَعَلَّمَنَا التَّأْوِيلَ وَهَدَانَا بِفَضْلِهِ إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَفِظَنَا بِلُطْفِهِ أَنْ نَزِيغَ عَنْهُ أَوْ نَمِيلَ، أَحْمَدُهُ حَمْدَ مُعْتَرَفٍ بِتَرَادُفِ نِعَمِهِ وَتَجَدُّدِهَا فِي كُلِّ بُكْرَةٍ وَأَصِيلٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَّقِي بِهَا مِنْ عَذَابٍ وَبِيلٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي هُوَ وَسِيلَتُنَا إلَى اللَّهِ فِي

ص: 448

فِي كُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً تَلِيقُ بِقَدْرِهِ الْجَلِيلِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وَيَتَهَلَّلُ لَهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْجَمِيلُ.

وَبَعْدُ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُحَاكَمَاتِ مَسْأَلَةٌ صُورَتُهَا: رَجُلٌ مِنْ كِيلَانَ مَاتَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَبْنَاءَ مِنْهَا وَتَرِكَةً قِيلَ: إنَّهُ أَوْصَى إلَى زَوْجَتِهِ وَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ وَوَفَّى مِنْهَا دَيْنَهُ وَقَبَضَتْ الزَّوْجَةُ الْبَاقِيَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَأَثْبَتَتْ وَصِيَّتَهَا عِنْدَ حَاكِمِ إسْكَنْدَرِيَّةَ ثُمَّ حَضَرَتْ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ بِدِمَشْقَ لِيَصِلَ ثُبُوتَهَا بِهِ، وَأَوْدَعَتْ ذَهَبًا وَدَرَاهِمَ عِنْدَ رَجُلٍ بِدِمَشْقَ وَقَالَتْ لَهُ إنَّ ذَلِكَ لِابْنِهَا مِمَّا خَلَفَهُ زَوْجُهَا أَوْ مِنْ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ عَنْ زَوْجِهَا أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ وَأَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِذَلِكَ بِمَكْتُوبٍ يَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمُودَعِ، ثُمَّ حَضَرَ مَكْتُوبٌ فِيهِ ثُبُوتٌ عَلَى قَاضِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ أَنَّ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ أَيْضًا مِنْ الْوَرَثَةِ هُنَاكَ زَوْجَةً أُخْرَى وَبِنْتَيْنِ وَابْنًا، وَاتَّصَلَ هَذَا الْإِثْبَاتُ بِنَائِبِي وَحَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَهُ وَنَازَعَتْ فِي ذَلِكَ وَاعْتَرَفَتْ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ آخَرِينَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنَّ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ مُخَلَّفَةٌ عَنْ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُغَلْطَايُ التَّاجِرُ الْمُتَوَفَّى فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة الْمَعْرُوفُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ادَّعَتْ الْوَدِيعَةَ لِنَفْسِهَا وَأَنْكَرَتْ هِيَ الْوَصِيَّةَ وَقَالَتْ: إنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً وَأَنْكَرَتْ قَوْلَهَا إنَّهَا لِوَلَدِهَا مُخَلَّفَةً عَنْ زَوْجِهَا فَأَحْضَرَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَسَأَلَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا فَادَّعَتْ عَلَى وَكِيلِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ لِوَرَثَةِ مُغَلْطَايَ وَأَحْضَرَ بَيِّنَةً شَهِدَتْ عَلَيْهَا بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مَجْلِسِ نَائِبِي مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ الْمُودَعَ مُخَلَّفٌ عَنْ زَوْجِهَا وَأَنْكَرَتْ هِيَ الْوَصِيَّةَ، وَقَالَتْ إنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً وَأَنْكَرَتْ الْمَكْتُوبَ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ كُتِبَ عَلَيْهَا بِالشَّهَادَةِ بِالْإِيدَاعِ، وَصَمَّمَتْ عَلَى دَعْوَى ذَلِكَ الْمَالِ لِنَفْسِهَا ثُمَّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِحُضُورِي وَحُضُورِ غَيْرِي قَالَتْ: إنَّهَا كَانَتْ قَالَتْ إنَّهُ لِابْنِهَا خَوْفًا عَلَيْهِ وَإِنِّي مَا بَقِيتُ أُعْطِي لِابْنِي شَيْئًا. هَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَالنَّظَرُ فِي أَنَّ هَذَا الْمَالَ الْمُودَعَ هَلْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الْمُدَّعِيَةِ وَحْدَهَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ لَهَا بِالْيَدِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لِغَيْرِهَا أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَوْ يَكُونَ لِوَلَدِهَا وَحْدَهُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهَا الَّذِي قَالَهُ الْمُودَعُ وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْهَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ تَرِكَةً عَنْ زَوْجِهَا بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِ نَائِبِي

ص: 449

فَيَكُونُ لَهَا مِنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَالْبَاقِي بَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

(وَالْجَوَابُ) أَمَّا كَوْنُهُ لَهَا وَحْدَهَا فَبَاطِلٌ قَطْعًا لِتَضَافُرِ إقْرَارِهَا فِي مَجْلِسٍ حُكْمِيٍّ بِإِقْرَارِهَا السَّابِقِ الَّذِي قَالَهُ الْمُودَعُ، وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْهَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ تَرِكَةً عَنْ زَوْجِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ اخْتِصَاصِهَا بِهِ، وَنَقْطَعُ حُكْمَ يَدِهَا وَمَا تَدَّعِيهِ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى مِلْكِيَّتِهَا لِذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْت إنَّمَا قَالَتْ الْآنَ أَنَّهَا قَالَتْ إنَّهُ لِابْنِهَا خَوْفًا. قُلْت إقْرَارُهَا بِإِقْرَارِهَا أَنَّهُ لِابْنِهَا إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لِابْنِهَا، وَقَوْلُهَا خَوْفُهَا لَا يُزِيلُ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ كَذِبًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْخَوْفَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَلَا يُزِيلُ حُكْمَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَرَضٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ لَا يُزِيلُ حُكْمَ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَقَارِيرِ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِهِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ صَحِيحًا أَمْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَمْ يُكَلِّفْنَا الشَّرْعُ بِحُكْمِهَا.

وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ الْإِكْرَاهَ الْمَانِعَ مِنْ الْقَبُولِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ ادَّعَتْهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أُمُورٍ تَقْتَضِي تَصْدِيقَهَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَرْسِيمٍ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَظَهَرَ الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ بِكَوْنِ هَذَا الْمَالِ لَهَا وَحْدَهَا وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَظَهَرَ الْقَطْعُ بِتَكْذِيبِهَا فِي دَعْوَاهَا ذَلِكَ وَأَعْنِي بِالْقَطْعِ بِتَكْذِيبِهَا الْقَطْعَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَادِقَةٌ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ لِأَنَّهُ مِنْ السَّرَائِرِ الَّتِي اللَّهُ مُتَوَلِّيهَا لِعَدَمِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ إلَيْهَا وَأَمَرَ الشَّارِعُ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ الْمُخَالِفِ لَهَا لِحُصُولِ ظُهُورِ الشَّرْعِيِّ فَنَحْنُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّرْعِ مُكَلَّفُونَ بِطَرِيقِهِ لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلِلَّهِ أَنْ يَقْطَعَ حُكْمَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَيَحْكُمَ بِالتَّكْلِيفِ الظَّاهِرِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِنْ خَالَفَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْأَحْكَامُ إنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْأَمْرِ مِنْ الشَّارِعِ سبحانه وتعالى فَهُوَ مَالِكُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا كَمَا يَشَاءُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.

(فَصْلٌ) الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا قَدْ تَنْفَرِدُ بِمَا يَدَّعِي عَلَيْهَا بِهِ وَقَدْ لَا تَنْفَرِدُ كَأَمِينِ الْأَيْتَامِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّهُ لِلْأَيْتَامِ فَإِنْ لَمْ نَتَحَقَّقْ دُخُولَ شَيْءٍ لِلْأَيْتَامِ تَحْتَ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ إذَا تَحَقَّقْنَا وَلَكِنْ هُوَ غَيْرُ الْعَيْنِ الْمُتَنَازَعِ

ص: 450

فِيهَا.

أَمَّا إذَا احْتَمَلَ كَمَا إذَا تَحَقَّقْنَا دُخُولَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا لِلْأَيْتَامِ فِي يَدِهِ وَجَدْنَا عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَقَالَ هِيَ لِي وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ هِيَ عَيْنُ الْأَلْفِ الَّتِي لِلْأَيْتَامِ كَيْفَ يُقَالُ هُنَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ أَنَّهَا بِحَقٍّ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَيْتَامِ وَتَصِيرُ يَدُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْأَلْفُ فِي يَدِ شَخْصَيْنِ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ شَخْصَيْنِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَأْخَذُ فِي مُشَاطَرَةِ عُمَرَ رضي الله عنه الْعُمَّالَ فَإِنَّ الْعَامِلَ إذَا دَخَلَتْ الْأَمْوَالُ الَّتِي فِي عَمَلِهِ فِي يَدِهِ صَارَتْ يَدُهُ كَيَدَيْنِ: إحْدَاهُمَا كَيَدِ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى يَدُ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ.

فَإِذَا جُهِلَ الْحَالُ جُعِلَتْ الْأَمْوَالُ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ فِي مُشَاطَرَةِ عُمَرَ الْعُمَّالَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَا يَدْرِي كَيْفَ الْحَالُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُمْ اتَّجَرُوا وَاكْتَسَبُوا بِجَاهِ الْعَمَلِ فَجَعَلَهُمْ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَعُمَرُ رضي الله عنه أَعْلَمُ مِنَّا وَأَتْقَى لِلَّهِ، وَأَعْرَفُ بِكُلِّ خَيْرٍ وَأَقْوَمُ بِكُلِّ هُدًى وَحَقٍّ.

وَإِنَّمَا غَرَضُنَا ذِكْرُ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلْنَسْتَفِدْ، وَلْنَبْحَثْ عَنْهُ وَقَدْ اقْتَضَى نَظَرِي عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ بِانْفِرَادِهِ بِذَلِكَ بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ هُوَ عَلَى النِّصْفِ لَهُ وَتَبْقَى الْيَمِينُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَيَحْلِفَ، وَهَكَذَا إذَا كَانَ وَصِيٌّ عَلَى يَتِيمٍ مُعَيَّنٍ قَدْ قَبَضَ لَهُ شَيْئًا ثُمَّ وُجِدَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَتَنَازَعَا فِيهِ.

وَهَكَذَا عَامِلُ الْقِرَاضِ يَتَنَازَعُ هُوَ وَالْمَالِكُ لَكِنْ هُنَا الْقَوْلُ قَوْلُ عَامِلِ الْقِرَاضِ لِأَنَّ الْعَامِلَ ائْتَمَنَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ وَكَذَا الْمُودَعُ يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ تَصْدِيقُهُ لِائْتِمَانِهِ إيَّاهُ وَإِنَّمَا الْبَحْثُ الَّذِي بَحَثْنَاهُ فِي الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي أَمِينِ الْأَيْتَامِ وَفِي الْعُمَّالِ وَفِي الْأَوْصِيَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَائْتِمَانُ الْحَاكِمِ لَهُمْ لَيْسَ كَائْتِمَانِ الْمَالِكِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُمْ بَلْ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِمْ فَإِنْ صَدَّقْنَاهُمْ فِي الْعَيْنِ قَبِلْنَا قَوْلَهُمْ فِيمَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ لَهُمْ دُونَ الْأَيْتَامِ وَالْمُوصَى عَلَيْهِمْ وَعُمَّالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ نُصَدِّقْهُمْ جَعَلْنَا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ كَالْمُشْتَرَكِ.

وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا إلَى الْآنِ وَلَعَلِّي أَجِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ

ص: 451

تَعَالَى، هَذِهِ فَائِدَةٌ ذَكَرْنَاهَا وَلَيْسَ بِنَا حَاجَةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَيْهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِ هَذَا الْمَالِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَقْطُوعٌ بِهِ لِإِقْرَارِهَا وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَوَاءٌ أَثْبَتَ لَهَا حُكْمَ الْيَدِ الْمُنْفَرِدَةِ أَمْ الْمُشْتَرَكَةِ أَمْ لَمْ يُثْبِتْ.

وَإِنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي هَذِهِ الْفَائِدَةِ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا لَا لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِيمَا قَبْلَهَا فَلْنَضْبِطْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَا سَيَأْتِي، وَلَعَلَّ مَا لَعَلَّهُ سَيَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَصْلٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.

(فَصْلٌ) قَدْ يَعْتَرِضُ مُعْتَرِضٌ عَلَى الْقَطْعِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِوَلَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ هِبَةٌ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ إنَّمَا هُوَ انْفِرَادُ الْإِقْرَارِ، وَهُنَا قَدْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ زَوْجِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ بِهِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنَّ ضَعْفَ الْمَرْأَةِ وَقَرِينَةَ خَوْفِهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا يَقْتَضِي تَصْدِيقَهَا.

وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَالشَّرْعُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْقَرَائِنَ مُعَارَضَةٌ بِقَرَائِنَ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْخَاصَّةِ تَقْتَضِي بِغَيْرِ كَلَامِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَالِارْتِيَابِ فِي أَمْرِهَا، وَبُطْلَانِ قَوْلِهَا وَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُحِقَّةً وَلَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ لَا سِيَّمَا مَعَ إخْفَائِهَا وَرَقَةَ الْإِشْهَادِ الْوَدِيعَةِ وَوَرَقَةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْكَارِهَا الْوَصِيَّةَ مَعَ إخْبَارِ قَاضٍ كَبِيرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ إلَيْهِ وَرَآهَا وَأَرْسَلَ إلَيْهَا مَنْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالتَّوْكِيلِ فِي إثْبَاتِهَا وَأُمُورٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُحِقَّةٍ أَقْوَى مِنْ تِلْكَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَرِضُ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنَّ لَنَا وَجْهًا فِيمَنْ قَالَ وَهَبْت وَأَقْبَضْت ثُمَّ قَالَ كَذَبْت أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ جَرَيَانُ مِثْلِهِ هُنَا، وَنَحْنُ لَا نُرِيدُ بِالْقَطْعِ هُنَا إلَّا مَا يُوجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمَ وَوُجُوبُ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالُ خِلَافٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِبُطْلَانِهِ، عَلَى أَنَّ هَاهُنَا شَيْئًا آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ التَّمَسُّكِ بِهِ وَهُوَ حُضُورُ اثْنَيْنِ فِي مَجْلِسٍ حُكْمِيٍّ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ وَشَهِدَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا قَبَضَتْ مِنْ ثَمَنٍ قَلِيلٍ مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ وَعَيَّنَا مِقْدَارَ الذَّهَبِ الَّذِي قَبَضَتْهُ بِقَدْرٍ مُوَافِقٍ لِلْمُودَعِ وَإِذَا ثَبَتَ قَبْضُهَا لِذَلِكَ الْقَدْرِ وَقَدْ جَحَدَتْهُ فَقَدْ لَزِمَهَا فَهَذَا إمَّا هُوَ وَإِمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ إيَّاهُ فَهُوَ تَرِكَةٌ فَلَا تَنْفَرِدُ.

وَإِنْ كَانَ

ص: 452

غَيْرُهُ فَإِنْ اعْتَمَدْنَا إقْرَارَهَا لِابْنِهَا أَوْ إقْرَارَهَا أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ زَوْجِهَا فَلَا تَنْفَرِدُ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْتَمِدْهُ وَكَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهَا وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ نَظِيرَهُ يَلْزَمُهَا فَيُوجَدُ لِلظَّفْرِ بِهِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَقَدْ ظَهَرَ الْقَطْعُ عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ بِعَدَمِ تَمْكِينِهَا مِنْهُ.

(فَصْلٌ) لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى حَاكِمٍ وَحَكَمَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى انْفِرَادِهَا بِمُقْتَضَى يَدِهَا نُقِضَ حُكْمُهُ، وَهَذَا لَيْسَ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالنَّقْضِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي إذَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ أَوْ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اجْتَهَدَ.

وَالْإِقْدَامُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ بَلْ عَنْ جَهْلٍ وَاشْتِبَاهٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ يَكُونُ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ مِنْ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ.

(فَصْلٌ) وَأَمَّا الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَرَثَةِ زَوْجِهَا وَهُمْ وَلَدُهَا الَّذِي هُنَا وَالْبَقِيَّةُ الَّذِينَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إنْ سَلِمَ عَنْ الرِّيبَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهَا أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ زَوْجِهَا مَعَ ثُبُوتِ إرْثِ الْمَذْكُورِينَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهَا مِنْ الْمَالِ نِصْفُ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ إقْرَارُهَا لِابْنِهَا، وَالْبَاقِي مَقْسُومٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى جَوَابِ وَكِيلِ الشَّخْصِ الَّذِي فِي يَدِهِ الْوَدِيعَةُ لِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لِوَرَثَةِ مُغَلْطَايَ، وَاسْتَفْسَرُوهُ عَنْ الْإِيدَاعِ فَلَمْ يُجَاوِبْ عَنْهُ.

قُلْت لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ وَلَوْ أَجَابَ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ أَوْدَعَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ لَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ وَهُمْ وَرَثَةُ مُغَلْطَايَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ وَدِيعَةٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُبْطِلًا حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُمْ لِسَبْقِهِ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِهَا الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ بَعْدَهُ.

وَهَذَا عِنْدِي لَا شَكَّ فِيهِ إذَا تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ بِهِ لِلْوَرَثَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي جَوَابِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ بِالْإِيدَاعِ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ إنَّهَا قَالَتْ إنَّهُ مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا فَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى بَيِّنَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْمُودَعُ أَهْلًا لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَقَدْ أَتَى بِالْمَالِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَخْلُصُ مِنْهُ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ مَعَ يَمِينِ الشَّخْصِ إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ يُؤَخِّرَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ مَعَ شَهَادَةٍ وَيَثْبُتُ لَهُ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يَتَرَاخَ الْإِقْرَارُ لِلْعَدِّ بِهِ عَنْ

ص: 453

الْإِقْرَارِ بِالْإِيدَاعِ بِأَنْ قَالَ أَوْدَعْتَنِيهِ لِلْوَرَثَةِ فَهَلْ نَقُولُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ قُبِلَ، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ نَقُولُ قَوْلُهُ سُمِعَ فِي الْإِيدَاعِ فَثَبَتَ حَقُّهَا وَنَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْمِلْكِ عَنْهَا إلَى بَيِّنَةٍ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ لِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً فِي الْوَاقِعَةِ وَمَرَّةً فِي شَخْصٍ تُوُفِّيَ قَالَ شَخْصٌ إنَّهُ سَلَّمَنِي هَذَا الْمَالَ وَقَالَ هُوَ لِوَالِدَتِي وَمِلْت إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مُنَازَعَةِ الْمَيِّتِ وَقَوْلُ ذِي الْمَيِّتِ مَقْبُولٌ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ مَنْ اسْتَفَادَ الْيَدَ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَيْنٌ فَقَالَ إنَّهَا لِفُلَانٍ وَإِنَّهُ وَكِيلٌ فِي بَيْعِهَا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ فِيهَا وَشِرَاؤُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعَامِلِ صَاحِبِ الْيَدِ لَكِنْ لَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِلِاعْتِرَافِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مُنَازِعًا وَقِيَامُ وَرَثَتِهِ فِي الْمُنَازَعَةِ مَقَامَهُ فِيهَا نَظَرٌ فَلِذَلِكَ مِلْتُ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَصِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دَفْعِهَا إلَى وَالِدَتِهِ، وَلَسْتُ جَازِمًا بِذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ لِشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالُ الْمَيِّتِ. فَقَالَ: أَوْصَى إلَيَّ رَبُّ الْمَالِ أَنْ أَصْرِفَهُ فِي كَذَا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟

فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَذَا كَلَامُ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ لِمَا قُلْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيَّاهُ، هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ وَمَسْأَلَتُنَا هَذِهِ الْوَاقِعَةُ رُتْبَةً بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ تُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمُودِعَةَ هُنَا بَاقِيَةٌ مُنَازِعَةٌ وَتُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْوَكِيلِ لِاعْتِرَافِ الْمُوَكِّلِ لِلْمِلْكِ بِالْمُدَّعِي، وَهُنَا الْمُودَعُ لَا يَعْتَرِفُ لِلْمُودِعَةِ بِالْمِلْكِ؛ فَلِذَلِكَ أَنَا مُتَوَقِّفٌ فِيهَا.

وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَبْدَيْتُهَا لَا احْتِيَاجَ إلَيْهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تَرِكَةٌ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُنَازَعَتِهَا.

فَالْحُكْمُ بِكَوْنِ هَذَا الْمَالِ إرْثًا عَنْ الزَّوْجِ لَهَا وَلِابْنِهَا وَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ إذَا حَكَمَ بِهِ نَائِبِي أَوْ غَيْرُهُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا لَمْ أَقْطَعْ بِهِ لِقَوْلِ الْمُودَعِ: إنَّهَا قَالَتْ لَهُ قَبْلَ قَوْلِهَا لِلشُّهُودِ الثَّانِيَةِ إنَّهُ لِابْنِهَا كَمَا ادَّعَى أَنَّ شُهُودَ الْإِيدَاعِ شَهِدُوا بِهِ وَلَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ الْإِشْهَادُ كَفَى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَفِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ، وَإِذَا كَانَ أَهْلًا لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا، وَيَحْلِفَ ابْنُهَا مَعَهُ إذَا بَلَغَ

ص: 454

إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ كَانَ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ الِابْنُ الْمَذْكُورُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَقِسْمَةِ حَاكِمٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَقَدْ قَالَ الْمُودَعُ: إنَّهَا قَالَتْ هُوَ لِابْنِي مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِظَنِّهَا أَنْ لَا وَارِثَ مَعَهَا سِوَاهُ، وَتَكُونَ قَدْ أَخَذَتْ نَصِيبَهَا وَبَقِيَ هَذَا لَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ فَرْعُ قَبُولِ الْمُودَعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ وَيَحْتَاجُ أَيْضًا فِي الْحُكْمِ لِلْوَرَثَةِ الْغَائِبِينَ إلَى اتِّصَالِ ثُبُوتِ حَاكِمِ تِلْكَ الْبَلَدِ.

وَقَدْ حَصَلَ اتِّصَالُهُ إلَى نَائِبِي وَعِنْدِي نَظَرٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ أَنَّ ذَلِكَ الْحَاكِمَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ نَحْنُ نُنَفِّذُ أَحْكَامَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ عَلِمْنَا وِلَايَتَهُمْ وَاَلَّذِينَ اسْتَفَاضَ عِنْدَنَا وِلَايَتُهُمْ وَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِي شَيْءٌ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ تَكَلَّمُوا فِي الْإِشْهَادِ عَلَى وِلَايَةِ الْقَاضِي وَالِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاكْتِفَاءُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَهْلِ بَلَدِ وِلَايَتِهِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ تَصْرِيحًا بِالْكَلَامِ فِي اتِّصَالِ ذَلِكَ بِحَاكِمٍ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِتَنْفِيذِ حُكْمِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي يُرِيدُ التَّنْفِيذَ بِحُكْمِهِ.

فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ سَمِعْت لَفْظَ مَنْ وَلَّاهُ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ لَهُ تَوْلِيَتُهُ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْبَيِّنَةِ الِاسْتِفَاضَةَ خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.

وَفِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَلَكِنْ اسْتَفَاضَ عِنْدَ الْقَاضِي فَهَلْ لَهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ جَزْمًا أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ جَزْمًا أَوْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ؟ لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِذَلِكَ؛ وَالْأَقْرَبُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ تَفْرِيعًا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْعِلْمِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَكَلَّمَ فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقُضَاةِ الَّذِينَ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَكَذَا قَاضٍ اُشْتُهِرَ عِنْدَنَا اسْمُهُ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَاشْتُهِرَ عِنْدَنَا أَهْلِيَّتُهُ.

أَمَّا حُضُورُ مَكْتُوبٍ مِنْ قَاضٍ لَا يُعْرَفُ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ فَقَبُولُهُ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ التَّوَقُّفِ وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَاضٍ فِي قَبُولِهَا نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ قَبُولُهَا إذَا قُلْنَا نَكْتَفِي بِالِاسْتِفَاضَةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى مَعْرِفَتِنَا بِالْأَهْلِيَّةِ فَهَلْ إذَا جَهِلْنَاهَا يُكْتَفَى بِكَوْنِهِ مُنْتَصِبًا لِلْقَضَاءِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا تَقْتَضِيهِ، كَذَلِكَ

ص: 455

الْأَمْرُ هُنَا قَالَ أَوَّلًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَكَذَا إذَا جَهِلْنَا مَنْ وَلَّاهُ هَلْ هُوَ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ نَافِذُ الْأَحْكَامِ أَوْ لَا يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ لِأَنَّ الْبِلَادَ الْإِسْلَامِيَّةَ لَا يَكُونُ فِيهَا غَالِبًا إلَّا ذَلِكَ وَقَدْ يَضْعُفُ ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ نَتَحَقَّقْ قُوَّةَ تَرَدُّدِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهَا فَيُقَلَّدُ بِالْعَمَلِ بِذَلِكَ وَالْحُكْمُ بِهِ فِيهِ مَا فِيهِ حَتَّى تَحْصُلَ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِنْذَارُ بِتَسَلُّمِ طَرِيقِ الثُّبُوتِ عَنْ الرِّيبَةِ وَالْبِلَادُ بَعِيدَةُ وَالشُّهُودُ لَا يُدْرَى مَا حَالُهُمْ وَالتَّلْبِيسُ كَثِيرٌ فَهَيْهَاتَ السَّلَامَةُ عَنْ الرِّيبَةِ.

وَهَذَا الْوَلَدُ مُحَقَّقٌ وَوَالِدُهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لَهُ أَوْلَادًا أُخَرَ فَعِنْدِي فِي الْحُكْمِ بِالشَّرِكَةِ مَعَ هَذِهِ الرِّيبَةِ تَوَقُّفٌ. وَأَيْضًا فَقَدْ قِيلَ إنَّ لِلْمَيِّتِ أَمْوَالًا أُخْرَى فِي تِلْكَ الْبِلَادِ فَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ أَوْلَادٍ هُنَاكَ تَكُونُ تِلْكَ الْأَمْوَالُ نَظِيرَ مَالِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ فَالْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ هَذَا الْمَالِ عَنْ هَذَا الْوَلَدِ الْمُحَقَّقِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِلَا رِيبَةٍ مَعَ إقْرَارِ الَّتِي كَانَ فِي يَدِهَا لَهُ عِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ كَثِيرٌ فَإِنْ أَقْدَمَ حَاكِمٌ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَعَ هَذِهِ الرِّيبَةِ فَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ وَيَعْرِفُهُ الَّذِي وَلَّاهُ وَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّوْلِيَةِ، وَإِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ كَمَا قُلْنَاهُ فَيَقْسِمُ هَذَا الْمَالَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ الْغَائِبَةِ بِحَقِّ الثُّمُنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلِابْنِ الْغَائِبِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَلِلِابْنِ الْحَاضِرِ بِالْإِرْثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَلَهُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِ أُمِّهِ مَا كَانَ يَحْصُلُ بِحَقِّ نِصْفِ الثُّمُنِ لَوْلَا إقْرَارُهَا فِي مَجْلِسٍ حُكْمِيٍّ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَيَجْتَمِعُ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَلَيْسَ لِأُمِّهِ شَيْءٌ بَلْ تُحْرَمُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهَا مُؤَاخَذَةً لَهَا أَعْنِي الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لِابْنِهَا.

(فَصْلٌ) وَلَيْسَ لَهَا وَضْعُ يَدِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً وَلَا لِلْمُودَعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَسْتَمِرَّ يَدُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ عَلَى أَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَالْآنَ قَدْ أَنْكَرَتْ فَيَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَثْبُتَ مُسْتَحَقٌّ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ الْعَزِيزِ فِي حِفْظِهِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ مُسْتَحَقُّهُ.

(فَصْلٌ) وَقَدْ حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِقَبْضِهَا مِنْ الذَّهَبِ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة مَبْلَغًا قَدْرُهُ قَدْرَ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَزِمَهَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي التَّلَفِ بَعْدَ ذَلِكَ

ص: 456

لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ لِأَصْلِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ هُوَ هَذَا لِجُحُودِهَا وَلِإِقْرَارِهَا أَنَّ هَذَا لِابْنِهَا. فَإِنْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي قَبَضَتْهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ آخَرُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهَا مَعَ هَذَا الْمَالِ إذَا حَكَمَ بِهِ لِابْنِهَا نَظِيرُهُ وَهُوَ مَا كَانَتْ قَبَضَتْهُ مِنْ التَّرِكَةِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهَا الْأَخِيرِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِابْنِهَا لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ لَا مِنْ الثُّمُنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مَسْبُوقٌ بِالْإِقْرَارِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ الَّذِينَ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ نَائِبِي مُخَلَّفٍ عَنْ زَوْجِهَا فَلَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِ نَصِيبِهَا وَيُقْبَلُ فِي نَصِيبِهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْمَكْتُوبُ وَشُهُودُهُ الْمُتَضَمِّنُ إقْرَارَهَا أَنَّهُ لِابْنِهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ لِلِابْنِ وَيُلْغَى الْإِقْرَارُ الْمُتَوَسِّطُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَيَكُونُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إلَّا هِيَ لِمُؤَاخَذَتِهَا بِإِقْرَارِهَا فَيَكُونُ نَصِيبُهَا لِابْنِهَا.

(فَصْلٌ) وَأَمَّا الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ لِوَلَدِهَا وَحْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي قَالَهَا الْمُودَعُ وَثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا إقْرَارُهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ عَيْنِ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا قَالَتْهُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِيدَاعِ فَصَحِيحٌ لَازِمٌ، وَلَا يَضُرُّنَا ثُبُوتُ وَرَثَةٍ آخَرِينَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَالُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَالَتْ: إنَّهُ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِنْ ثَبَتَتْ قِسْمَةٌ أَوْ أَمْرٌ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ حُكِمَ بِاخْتِصَاصِهِ وَإِلَّا فَلَا، بَلْ تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ مَا عَدَاهَا وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى التَّرِكَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهَا وَقَبِلْنَا قَوْلَهَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ لِابْنِهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِقِسْمَةٍ صَحِيحَةٍ اقْتَضَى أَنْ يَلْزَمَهَا مَعَ ذَلِكَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِكُلِّ ابْنٍ مِثْلُهُ وَلِكُلِّ بِنْتٍ مِثْلُ نِصْفِهِ وَلِلزَّوْجَةِ الْأُخْرَى مِثْلُ نِصْفِ سُبْعِ مَجْمُوعِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ قَدْ وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى التَّرِكَةِ وَأَقَرَّتْ بِاسْتِحْقَاقِ ابْنِهَا مِنْهَا ذَلِكَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقُ الْبَاقِينَ مَا قُلْنَاهُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ الْوَاضِعَةُ يَدَهَا فَتُطَالَبُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي التَّلَفِ لِإِنْكَارِهَا الْوَصِيَّةَ وَلَا يُفِيدُهَا إنْكَارُ الْوَصِيَّةِ فِي دَفْعِ الْمُطَالَبَةِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَوَضْعُ الْيَدِ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ حَضَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ الْقَرْعُونِيُّ وَهُوَ أَحَدُ الشُّهُودِ الَّذِي قَالَ الْمُودَعُ عَنْهُمْ وَشَهِدَ عِنْدِي عَلَى

ص: 457