الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدْلَيْنِ وَلِكُلِّ مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ أَنْ يُوَلِّيَهُ وَيُسْنِدَهُ إلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَالْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ فِي الدَّرَجَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَمَاتَ الْوَاقِفُ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَقَدْ أَسْنَدَهُ مُحَمَّدٌ إلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ ثُمَّ مَاتَ أَحْمَدُ وَقَدْ أَسْنَدَهُ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَوْلَادِ بَنَاتِ الْوَاقِفِ هُوَ دُونَ دَرَجَتِهِ مَعَ وُجُودِ إخْوَتِهِ الَّذِينَ هُمْ فِي دَرَجَتِهِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِسْنَادُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَالْمَوْجُودُ الْآنَ ذَكَرٌ مِنْ نَسْلِ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ نَسْلِ بَنَاتِ الْوَاقِفِ فَهَلْ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ لِهَذَا الْمَوْجُودِ مِنْ نَسْلِ مُحَمَّدٍ أَوْ لِمَنْ يَصْلُحُ مِنْ نَسْلِ بَنَاتِ الْوَاقِفِ؟ .
(الْجَوَابُ) إنْ كَانَ فِي إخْوَةِ أَحْمَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَمْ يَصِحَّ إسْنَادُهُ إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ وَيُقَامُ عَنْهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى حِينِ صَلَاحِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَتَعَارَضَ الْمَوْجُودُ مِنْ نَسْلِ مُحَمَّدٍ وَالْمَوْجُودُ مِنْ نَسْلِ الْبَنَاتِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَيَّنُ الْمَوْجُودُ مِنْ نَسْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِهِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُشَارِكُهُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مِنْ أَوْلَادِهِ إلَى آخِرِهِ وَإِذَا شَارَكُوهُ وَكَانَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِمْ دُونَهُ انْفَرَدُوا دُونَهُ بِحُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ حَتَّى لَا يَرْتَفِعَ الْكَلَامُ لَكِنَّ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالِاسْتِنَابَةَ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَعَدَمَ تَصْرِيحِهِ بِإِخْرَاجِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
كُتِبَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ]
(مَسْأَلَةٌ) مِنْ الْفَتَاوَى وَالْمُحَاكَمَاتِ: وَقْفٌ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ نَسْلِهِ فَأَثْبَتَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَوْلَادِ بَنَاتِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ مِنْ نَسْلِهِ وَحَكَمَ لَهُ بِالنَّظَرِ ثُمَّ أَرَادَ شَخْصٌ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَرْشَدُ وَيَنْتَزِعَ الْوَقْفَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ.
(الْجَوَابُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَظْهَرُ بِقَوَاعِدَ (إحْدَاهَا) تَفْسِيرُ الرُّشْدِ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَيُعْتَبَرُ فِي الدِّينِ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ مَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ مِنْ الْمَعَاصِي وَمَا يُخَافُ مَعَهَا إضَاعَةُ الْمَالِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَوَجْهٌ رَابِعٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ أَنْ لَا يُنْفَقَ فِي حَرَامٍ وَلَا يُضَيِّعَهُ بِرَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ، وَإِنْفَاقِهِ فِي وُجُوهِ
الْخَيْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ فَهُوَ سَرَفٌ وَإِنْفَاقُهُ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ سَرَفٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَقَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: الْأُنْثَى لَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَدْخُلَ.
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الرُّشْدَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَعْظَمَ الرُّشْدِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الرُّشْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمَقْرُونِ بِقَوْلِهِ {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْمَالِ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ بَعْضُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصْلِحًا لَهُ، وَهَذَا لَيْسَ خِلَافًا فِي حَقِيقَةِ الرُّشْدِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِقْبَاحُ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا.
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) فِي بَيَانِ الْأَرْشَدِيَّةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ فِيهَا إلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ أَرْشَدَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنْ الرُّشْدِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً فِيهِ وَمُشَارَكَةً، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الرُّشْدَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ، فَالْأَرْشَدِيَّةُ الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ، وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَمَقْصُودُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ صِدْقُ الِاسْمِ فَقَطْ وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الصَّلَاحِ فِي الْمَالِ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِدْقُ الْأَرْشَدِيَّةِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرُّشْدَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ وَإِنَّمَا صَرَفْنَا عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَرِينَةَ الْمَالِ فَلَا يُنْكَرُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ اسْمِ الرُّشْدِ الْمُطْلَقِ فَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنَازَعَ فِي ذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّ اسْمَ الرُّشْدِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى صَلَاحِ الْمَالِ فَقَطْ وَإِمَّا لِأَنَّهُ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفَضَّلُ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا الِاسْمُ بِالتَّوَاطُؤِ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي وَالْأَوْلَى أَنَّ الرُّشْدَ إنَّمَا جَاءَ لِصَلَاحِ الْمَالِ لِلْقَرِينَةِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الرُّشْدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالصَّلَاحِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يُخْرِجُ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ عَنْ مُسَمَّى الرُّشْدِ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ وَمِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِهِ لَهُ فِي اسْمِ الرُّشْدِ وَإِنَّ الْحَقِيقَةَ مُرَكَّبَةٌ فَعَلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ الْأَقْرَبُ تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُرَكَّبَةً مِنْ رِشْدِينَ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا مَقْصُودًا، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ زَادَ بِصَلَاحِ الْمَالِ أَرْشَدُ وَأَمَّا مَنْ زَادَ بِصَلَاحِ الدِّينِ، مِثَالُهُ وُجِدَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا
مُصْلِحٌ لِدِينِهِ وَمَالِهِ وَأَحَدُهُمَا مُصْلِحٌ لِدِينِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ أَرْشَدُ؟
أَمَّا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ فَنَعَمْ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ لَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الرُّشْدِ خَارِجٌ عَنْ الصَّلَاحِ فَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِيهِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنَّ الرُّشْدَ طَبَقَاتٌ وَالنَّاسُ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَقَطْ وَمُفَضَّلٌ عَلَيْهِ مُصْلِحٌ لِدِينِهِ وَمَالِهِ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ فِيهِمَا مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَهُوَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ عَكْسُهُ فَهَذِهِ ثَمَانِ مَرَاتِبَ اثْنَانِ مِنْهَا فِي أَصْلِ الرُّشْدِ وَإِنْ جُمِعَ فِي الْأَرْشَدِيَّةِ الْمُطْلَقَةَ وَثِنْتَانِ فِي الْأَرْشَدِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْأَخِيرَتَانِ وَالْأَرْبَعُ الْمُطْلَقَةُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَاحِدَةٌ مِنْهَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ وَثِنْتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَقَدْ رَقَّمْنَا عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْأَخِيرَتَيْنِ وَبَقِيَتْ مَرْتَبَتَانِ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُمَا إحْدَاهُمَا الرُّشْدُ فِي الدِّينِ فَقَطْ وَالثَّانِيَةُ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُمَا لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ النَّظَرُ فِي الْأَوْقَافِ وَمَنْ لَا يُصْلِحُ مَالَهُ لَا يُصْلِحُ مَالَ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مَثَلًا مَسْجِدًا شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ يَكُونَ إمَامَهُ الْأَرْشَدُ مِنْ نَسْلِهِ احْتَمَلَ عِنْدِي أَنْ لَا يُجْعَلَ فِي الْمَالِ هُنَا اعْتِبَارٌ بَلْ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي الْإِمَامَةِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَدَّمْت أَنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ أَنَّ الرُّشْدَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ قَدْ لَا يُوجَدُ فِي النَّسْلِ رَشِيدٌ أَصْلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُمْ وَقَدْ يُوجَدُ فِيهِمْ رَشِيدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ نَقُولُ لَا نَظَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ وَالْوَاحِدُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ أَوْ نَقُولُ لَهُ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ التَّفْضِيلَ عِنْدَ الْمُشَارَكَةِ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ مُشَارَكَةٌ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ الْأَصْلِيَّةُ عَمَلُ النَّاسِ عَلَى الثَّانِي.
وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْلَالٍ إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِهِمْ اقْتَصَرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ تَعَارَضَتْ فِي الْأَرْشَدِ وَتَسَاقَطَتْ وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَحُكْمُهُ التَّشْرِيكُ لِعَدَمِ الْمَرْتَبَةِ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لَوْ فَرَضَ لِشَخْصٍ مُطْلَقًا.
قُلْت تَسَاقُطُهُمَا فِي الْأَرْشَدِ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْعَمَلُ بِهِمَا فِي إثْبَاتِ الرُّشْدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ فِي شَيْءٍ كَيْفَ تُقْبَلُ فِيمَا يَسْتَلْزِمُهُ وَمَوْضُوعُ الشَّهَادَةِ الْأَرْشَدِيَّةُ وَالرُّشْدُ إنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ أَنَّ التَّفْضِيلَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ وَزِيَادَةً، وَالْمَشْهُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَقَوْلُهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ حُكْمُهُ التَّشْرِيكُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لِلْأَرْشَدِ وَلَا أَرْشَدَ كَيْفَ يَسْتَحِقُّ.
فَهَذَا الِاسْتِحْقَاقُ لَيْسَ بِدَلَالَةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ بَلْ بِعِلَّةٍ لِمَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ إنَاطَةِ النَّظَرِ بِالرُّشْدِ وَتَقْدِيمِ الْأَرْشَدِ
عَلَى الرُّشْدِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مُوجِبُ التَّقْدِيمِ ثَبَتَ الْأَرْشَدُ وَهَذَا لَائِقٌ بِقَوَاعِدِنَا فَإِنَّا نَعْتَمِدُ الْأَلْفَاظَ، وَلَوْ وُجِدَ رَشِيدَانِ وَلَيْسَ هُنَاكَ أَرْشَدُ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَوْ وُجِدَ رَشِيدٌ أَوْ اثْنَانِ أَرْشَدُ وَاسْتَوَيَا فَالظَّاهِرُ بَلْ أَقْطَعُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ وَاللَّفْظُ عَامٌّ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ لِاقْتِضَاءِ الْعُمُومِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَفْضَى الْحَالُ إلَى مُنَازَعَةٍ أَوْ فَسَادٍ بِمُعَارَضَةٍ بِتَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فَالْحَاكِمُ حِينَئِذٍ يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا وَيُعَيَّنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ يَحْجُرُ عَلَيْهِمَا فِي الِانْفِرَادِ وَمِنْ الِاخْتِلَافِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ.
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي الرُّشْدِ الْمَالَ فَقَطْ لَا يَقْدَحُ عِنْدَهُ الْفِسْقُ فِي اسْمِ الْأَرْشَدِيَّةِ وَمَنْ يَعْتَبِرُ الدِّينَ يَقُولُ إنَّهُ يَقْدَحُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ.
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) إنَّهُ يُشْتَرَطُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي النَّاظِرِ عَدَمُ مَا يُخِلُّ بِالنَّظَرِ زِيَادَةً عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ إمَّا بِعِلْمِهِ وَإِمَّا بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا الْمَنْصُوبُ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ فَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ مَا شَرَطَهُ وَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ هَلْ نَقُولُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَالْعَدَالَةُ فِي تَصَرُّفِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ؟ لَمْ أَرَ لِلْفُقَهَاءِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَإِذَا زَالَتْ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ بِأَنْ عُرِفَ مِنْهُ فِسْقٌ فَعِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُهُ رَشِيدًا صَارَ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَعِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ رَشِيدًا كَالْفِسْقِ الطَّارِئِ كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا أَوْ الْمُقَارِنُ كَمَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِسْقُ مُخِلًّا بِالنَّظَرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَادِحٌ وَقَوَاعِدُ الْحَنَفِيَّةِ لَا تُبْعِدُ عِنْدَهُمْ احْتِمَالَهُ.
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ لِوَاحِدٍ بِالنَّظَرِ مِمَّنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ اتِّصَافُهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ صَحَّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إلَّا عَدَالَتُهُ الظَّاهِرَةُ فَهَلْ لَهُ الْحُكْمُ لَهُ بِالنَّظَرِ اعْتِمَادًا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا أَيْضًا وَأَنَا مُتَرَدِّدٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَجَّحَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى أَذْهَانِ النَّاسِ فِي أَحْكَامِ الْقُضَاةِ الْمُبَالَغَةُ فِي شَرَائِطِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَجَّحَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ وَكَثِيرٌ إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مِنْ عَدَالَتِهِ الظَّاهِرَةِ هَلْ يَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْكُمُ وَإِلَّا تَتَوَقَّفُ أَحْوَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْآبَاءِ.
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) أَنَّ النَّسْلَ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَمِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ أَوْلَادُ الْبَنِينَ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ بَلْ مَنْ اتَّصَفَ بِالشَّرْطِ اسْتَحَقَّ وَإِنَّمَا
قُلْنَا لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنْ مَنْ يَقُولُ بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يُرَجَّحُ عَنْهُ اجْتِمَاعُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ.
(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ مِنْ نَسْلِهِ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ النَّسْلُ مَعْلُومِينَ مَحْصُورِينَ حَتَّى يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَرْشَدَ مِنْ بَاقِيهِمْ فَمَتَى لَمْ يَكُونُوا مَعْلُومِينَ وَلَا مَحْصُورِينَ كَيْفَ يُمْكِنُ الشَّاهِدُ الْجَزْمَ بِذَلِكَ.
(الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ) مَعَ الْعِلْمِ بِهِمْ هَلْ يُحْتَاجُ إلَى حُضُورِهِمْ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِمْ وَشَهَادَةِ وُجُوهِهِمْ؟ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَى الشُّهُودِ مُتَعَلِّقَةً بِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِمْ احْتَاجَ إلَى حُضُورِ مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ وَإِذَا حَصَلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ حَصَلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِمْ.
(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ أَرْشَدِيَّةُ هَذَا وَحَكَمْت بِهَذَا وَأَذِنْت لَهُ فِي النَّظَرِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَمِنْ شَرْطِ الدَّعْوَى سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ فِي وَجْهِ الْخَصْمِ وَالْخَصْمُ قَدْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا لِمُطَالَبَتِهِ لَهُ بِأُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ الْأَرْشَدِيَّةِ وَالنَّظَرُ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْأُجْرَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْحُقُوقُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدَ النَّسْلِ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْأَرْشَدِيَّةِ وَالنَّظَرُ مَقْصُودًا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى قَرَابَتِهِ الْمُشَارِكِينَ فِي النَّسْلِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عِشْرَةَ) إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْأَرْشَدِيَّةِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ إذَا جَرَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَالْإِثْبَاتِ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَتَسَاقَطَانِ وَلَا يَحْكُمُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ فِي نَجَاسَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ فِي وَاحِدٍ وَنَفَتْ فِي الْآخَرِ وَقُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ كُلًّا مِنْهُمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَثَرًا فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَثْبُتُ الرُّشْدُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَك أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا وَتَصِيرَ كَمَا لَوْ عُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الرُّشْدِ لِأَنَّ مَضْمُونَ الشَّهَادَتَيْنِ رُشْدُهُمَا وَالتَّعَارُضُ فِي الشَّهَادَةِ فَتَسَاقَطَا بِهِ وَيَبْقَى أَجَلُ الرُّشْدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ وَأَرَادَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ مُعَارَضَةَ الْأُولَى فَعَلَى مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّعَارُضُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَيَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْوَقْتَيْنِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ يُحْكَمُ بِالثَّانِيَةِ مَعَ إطْلَاقِهِمَا وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا مُنَافَاةَ أَوْ نَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْرِيحِهَا بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْأَرْشَدِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ لِبَعْضِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ هَلْ يَقُولُ أَحَدٌ حَكَمَ بِإِدْخَالِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي النَّسْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
لَوْلَا دُخُولُهُمْ لَمَا حَكَمَ لَهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ الْإِنَاثِ فَأَوْرَدَ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّ اشْتِرَاطِ النَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ هُوَ النَّظَرُ لَا دُخُولُ هَذَا الشَّخْصِ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ لِشَخْصٍ دُخُولُهُ.
قُلْنَا اللَّازِمُ دُخُولُهُ أَوْ اعْتِقَادُ دُخُولِهِ وَالْحُكْمُ بِدُخُولِهِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُسْلِمَانِ وَلَا يَحْصُلُ مِنْهُمَا الْمَقْصُودُ وَالثَّالِثُ مَمْنُوعٌ.
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَكَمَ لَهُ الْحَنَفِيُّ مُرْتَكِبٌ فِسْقًا مُقَارِنًا الْحُكْمَ أَوْ طَارِئًا بَعْدَهُ وَذَلِكَ الْفِسْقُ لَا يَقْدَحُ فِي الْأَرْشَدِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّهُ يَقْدَحُ فِي النَّظَرِ فَهَلْ يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ وَيَرْفَعُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِهِ فِي النَّظَرِ.
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا كَانَ الْأَرْشَدُ فَاسِقًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ الْفِسْقُ طَارِئًا فَهَلْ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَقُومَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَوَجْهُ هَذَا الْبَحْثِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْغَيْبَةَ فِي النِّكَاحِ لَا تَنْقُلُ الْوِلَايَةَ إلَى الْأَبْعَدِ بَلْ يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ وَالصَّبِيُّ وَالْفِسْقُ وَالسَّفَهُ وَنَحْوُهَا تُنْقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سَالِبَةُ الْأَهْلِيَّةِ دُونَ الْأُولَى، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلنَّظَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ لَيْسَتْ لِلْفَاسِقِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ حَاصِلَةٌ بِوَصْفِ الْأَرْشَدِيَّةِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّ بِحُصُولِ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ لِلْوَاقِفِ هُوَ كَالْأَهْلِ لَكِنْ تَعَدَّتْ مُبَاشَرَتُهُ لِشَرْطِ الشَّرْعِ فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَوَّلًا فَيَنْتَقِلُ لِمَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَهُ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ وَغَيْرَ الْحَاكِمِ فِيهِ النَّظَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
(خَاتِمَةٌ) قَدْ عُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَكْثَرُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَقَدْ شَرَطَ وَاقِفُهُ النَّظَرَ لِأَرْشَدِ النَّسْلِ ثُمَّ لِأَرْشَدِ أَهْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ لِإِمَامِ الْجَامِعِ ثُمَّ الْحَاكِمِ وَشَرَطَ التَّرْتِيبَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَقْفِ بَيْنَ الْبُطُونِ، وَلَمْ أَرَهُ شَرَطَ التَّرْتِيبَ فِيهِمْ فِي النَّظَرِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَعْلَى لَا يَحْجُبُ الْأَسْفَلَ فِي النَّظَرِ بَلْ إذَا كَانَ الْأَسْفَلُ أَرْشَدَ قُدِّمَ عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ بِأَرْشَدَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي النَّاظِرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَالِي وِلَايَةِ شَرْطِهِ وَيَعْتَمِدُ فِيهَا مَا يَعْتَمِدُهُ أَكْثَرُ الْوُلَاةِ وَلَكِنَّهُ حَسَنُ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيُنَمِّي الْوَقْفَ وَيُمَيِّزُهُ، وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي أَمْرِهِ مِنْ جِهَةِ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ وَبَيْنَ ضَعِيفٍ غَيْرِ مُثَمِّرٍ لِلْوَقْفِ
وَأَحْسَنُ دِيَانَةً مِنْهُ وَيَعِزُّ وُجُودُ مَنْ هُوَ جَامِعٌ الْوَصْفَيْنِ الدَّيَّانَةَ وَالنَّظَرَ الْجَيِّدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِمَّا نُثْبِتُهُ لَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي مَحَلِّ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَقَصْدِهِ حَتَّى يُجْعَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ وَتَحْقِيقُهُ صَعْبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كُتِبَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَقَفَ سَيْفُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرِكٍ الْخَلِيفَتِيُّ أَمِيرُ الْحَاجِّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْمَوَارِيثِ لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَوْرُوثًا فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَإِنْ سَفَلَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ نَسْلٍ وَعَقِبٍ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مَصْرُوفًا إلَى أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَإِنْ سَفَلَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِ هَذَا الْوَاقِفِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْمِيرَاثِ فَمَاتَتْ جَاهَانِ خَاتُونَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ابْنِ الْوَاقِفِ وَلَهَا حِصَّةٌ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَخَلَّفَتْ بِنْتًا تُسَمَّى طَبْخَاتُونُ لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهَا وَلِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ ابْنٌ يُسَمَّى فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) يَنْتَقِلُ نَصِيبُ جَدَّتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ إنَّهُ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مَصْرُوفًا إلَى أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَالنِّصْفُ لِلْبِنْتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا كَانَ لَهَا مِنْهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِابْنِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّسْلِ، وَقَدْ قَالَ: وَنَسْلِهِ فَيُقَدَّرُ ابْنُ الْبِنْتِ الْمَذْكُورُ كَأَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتَةِ فَيَأْخُذُ كُلَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْبِنْتِ وَهُوَ الْحَاصِلُ وَيَتَلَقَّاهُ عَنْ الْمَيِّتَةِ كَمَا تَتَلَقَّى أُمُّهُ النِّصْفَ عَنْهَا وَكَأَنَّهُ وَقْفَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ مِنْ حَلَبَ فِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ) وَقَفَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ لِلْأَبِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ كَانَ نَصِيبُ الْأَعْلَى لِأَوْلَادِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَيَكُونُ لَهُ مَا كَانَ لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَلَا إخْوَةٍ وَلَا أَخَوَاتٍ فَنَصِيبُهُ لِبَاقِي أَهْلِ الْوَقْفِ الْأَقْرَبِ إلَى الْمُتَوَفَّى وَكَذَا الشَّرْطُ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَمَنْ يَتْلُوهُمْ مِنْ الْبُطُونِ وَأَمَّا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ
عَلَيْهِ أَوَّلًا بِالتَّعْصِيبِ كَانَ نَصِيبُهُ عَائِدًا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا بِالتَّعْصِيبِ كَانَ النِّصْفُ مِنْ نَصِيبِهِ عَائِدًا إلَى أَوْلَادِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ إلَى الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَى الْمُتَوَفَّى؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَلَدٌ وَإِنْ سَفَلَ وَلَيْسَ لَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ مُنْتَسِبِينَ بِالتَّعْصِيبِ فَنَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُنْتَسِبِينَ بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَمَنْ يَتْلُوهُمْ مِنْ سَائِرِ الْبُطُونِ، وَالشَّرْطُ فِي كُلِّ بَطْنٍ يُوجَدُ بِالشَّرْطِ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، فَمَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَرْبَعَةِ بَنِينَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِنْتَيْنِ هُمَا زَيْنَبُ وَزَاهِدَةُ ثُمَّ مَاتَ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ وَلَدٍ وَنَسْلٍ ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ عَنْ بِنْتٍ تُدْعَى مُؤْنِسَةُ ثُمَّ مَاتَتْ مُؤْنِسَةُ عَنْ ابْنٍ يُدْعَى مُحَمَّدٌ لَا يَنْتَسِبُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِتَعْصِيبٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ أُمِّهِ أَمْ يُشَارِكُهُ الْمَوْجُودُونَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا أَفْتُونَا.
(الْجَوَابُ) فِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ يَسْتَحِقُّ مُحَمَّدُ بْنُ مُؤْنِسَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا نَصِيبَ وَالِدَتِهِ بِكَمَالِهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ فِي أَوْلَادِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ (هُمْ) عَبْدُ الْمُؤْمِنِ إلَى مُؤْنِسَةَ وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَقَوْلُهُ مِنْهُمْ فَيَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لِوَلَدِهَا وَأَمَّا تَقْسِيمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى نَسَبِ التَّعْصِيبِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ تَقْسِيمٌ فِي أَوْلَادِ بَنَاتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُمْ الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ يَسْتَحِقُّونَ كُلُّهُمْ وَالثَّانِي كَذَلِكَ ابْنًا كَانَ أَوْ بِنْتًا أَوْ ابْنَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتَ ابْنٍ وَالْبَطْنُ الثَّالِثُ يَسْتَحِقُّ ابْنُ ابْنِ الِابْنِ وَبِنْتُ ابْنِ الِابْنِ وَابْنُ ابْنِ الْبِنْتِ، وَلَا تَسْتَحِقُّ بِنْتُ بِنْتِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُ ابْنِ الْبِنْتِ وَلَا ابْنُ بِنْتِ الِابْنِ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَكَأَنَّ الطَّبَقَةَ لَمَّا بَعُدَتْ حُجِبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَحُكْمُ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ وَمَا بَعْدَهَا حُكْمُ الثَّالِثَةِ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ ابْنُ ابْنِ بِنْتِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُ ابْنِ بِنْتِ الِابْنِ إلَّا عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُ الْوَاقِفِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالشَّرْطُ فِي كُلِّ بَطْنٍ يُوجَدُ كَالشَّرْطِ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَأْتِي فِيهِ.
وَالْحَامِلُ لَنَا عَلَى مَا أَفْتَيْنَا بِهِ قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُنَّ فَجَعَلَ الْمُتَوَفَّى وَلَدَ الْبِنْتِ ثُمَّ قَسَّمَ وَلَدَهُ إلَى عَاصِبٍ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَوَفَّى مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ.
مَا قَالَ مِنْ الْبَنَاتِ، وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَثْبُتَ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَفَهْمِهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) فُقَهَاءُ الشَّامِيَّةِ الْجُوَّانِيَّةُ وَقَفَتْ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِهَا وَعَلَى الْمُدَرِّسِ بِهَا فُلَانٍ وَنَسْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلِيَّةٌ فَعَلَى الْمُدَرِّسِ الشَّافِعِيِّ بِهَا وَالْبَاقِي مِنْ الْأَمْلَاكِ عَلَى مَصَالِحِ الْمَدْرَسَةِ وَعَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْمُشْتَغِلِينَ وَعَلَى الْمُدَرِّسِ فُلَانٍ أَوْ مَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِهِ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّدْرِيسِ وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ يَبْدَأُ بِعِمَارَةِ الْمَدْرَسَةِ وَثَمَنِ زَيْتٍ وَمَصَابِيحَ وَحُصْرٍ وَبُسُطٍ وَقَنَادِيلَ وَشَمْعٍ وَمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَمَا فَضَلَ كَانَ مَصْرُوفًا إلَى الْمُدَرِّسِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَإِلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ؛ فَاَلَّذِي هُوَ مَصْرُوفٌ إلَى الْمُدَرِّسِ فِي كُلِّ شَهْرٍ حِنْطَةٌ غِرَارَةٌ وَشَعِيرٌ غِرَارَةٌ وَفِضَّةٌ مَا حَمَلَهَا نَاصِرِيَّةٌ وَالْبَاقِي مَصْرُوفٌ إلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ، عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ عَلَى مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ فِي أَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ وَزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ وَعَطَاءٍ وَحِرْمَانٍ بَعْدَ إخْرَاجِ الْعُشْرِ وَصَرْفِهِ إلَى النَّاظِرِ وَبَعْدَ إخْرَاجِ خَمْسِمِائَةٍ نَاصِرِيَّةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِمِشْمِشٍ وَبِطِّيخٍ وَحَلْوَى فِي لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ.
وَمِنْ شَرْطِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْعَفَافِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَسَلَامَةِ الِاعْتِقَادِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُعِيدُ بِهَا وَالْإِمَامُ وَذَلِكَ عَنْ الْمُدَرِّسِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ نَمَاءٌ وَزِيَادَةٌ وَسَعَةٌ فَلِلنَّاظِرِ فِي أَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ أَنْ يُقِيمَ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الشَّفْعَوِيَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَنَمَا فِي ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ وَكَذَا إذَا نَقَصَ ارْتِفَاعُ الْوَقْفِ فَلِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ نَفْعٌ لِلطَّلَبَةِ وَيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِهَا فَإِنَّ لَهُ الْمَقَامَ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالِاشْتِغَالَ بِهَا.
انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلُهُ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي الْمُدَرِّسِ فَإِنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ أَهْلًا فَلَهُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فِي الْمَدْرَسَةِ وَالْأَمَاكِنِ مِنْ الْمَعْلُومِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعَيَّنُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ فَالْمُدَرِّسُ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُمْ لَهُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فِي الْمَدْرَسَةِ، وَأَمَّا الْأَمَاكِنُ فَلَمْ أَرَ الْوَاقِفَ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَدْرَسَةِ بَلْ ذَكَرَ الَّذِينَ وَقَفَ الْأَمَاكِنَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِمْ، وَيَقْوَى احْتِمَالُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ سِيَّانًا بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُدَرِّسٍ بِمَعْلُومٍ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ التَّدْرِيسُ مِنْ نَسْلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُصْرَفُ الْمَعْلُومُ لِغَيْرِهِمْ وَتَبْقَى مَدْرَسَةً لِلْفُقَهَاءِ وَمَنْ عَسَاهُ يُدَرِّسُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا مَعْلُومٍ أَوْ بِمَعْلُومٍ يُجْعَلُ
لَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْمَعْلُومِ لِهَذَا الْمُدَرِّسِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ أَوْ يُرَدُّ إلَى الْفُقَهَاءِ، وَالْأَقْرَبُ نَجْعَلُهُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ وَأَمَّا رَدُّهُ إلَى الْفُقَهَاءِ فَبَعِيدٌ، وَأَمَّا صَرْفُهُ لِمُدَرِّسٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ نَسْلِ الْمُعَيَّنِ فَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ جَعْلِهَا مَدْرَسَةً وَمِنْ إطْلَاقِ الْمُدَرِّسِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَعْلُومِ الْمَصْرُوفِ لَهُ لَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ؛ وَإِطْلَاقُهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْمَعْلُومَ إنَّمَا هُوَ فِي تَقْسِيمِ مَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا وَهُوَ الْوَقْفُ لِلْأَمَاكِنِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَالْفُقَهَاءِ فِيمَا بَعْدَهُ تَقْسِيمٌ لِمَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَنَحْنُ فِي الْأَوْقَافِ إنَّمَا نَحْكُمُ بِمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ فَلَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ بِالصَّرْفِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَنَسْلِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مِنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ أَنَّ غَيْرَ النَّسْلِ مِنْ الْمُعَيَّنِ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدِ عَدَمِهِ فِي الْمَدْرَسَةِ لَا فِي الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهَا فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ، وَطَرِيقُ الْوَرَعِ لِلْمُدَرِّسِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ شَيْئًا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُدَرِّسَ احْتِسَابًا لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَالسَّكَنُ بِهَا وَالْإِقَامَةُ فَإِنَّهُ أَحَدُ مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ أَمَّا وَقْفُهَا فَلَا وَكَوْنُ هَذَا وَرَعًا لَا شَكَّ فِيهِ وَجَوَازُ أَخْذِهِ لَهُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِتَعَارُضِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْمَقْصُودِ مَعَ سُكُوتِ الْوَاقِفِ وَأَمَّا حُكْمُ الْقَاضِي لَهُ بِهِ فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ قَبْلَ نَمَاءِ الْوَقْفِ وَزِيَادَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُتَفَقِّهَةَ جِهَةٌ وَهُمْ لَا يَنْحَصِرُونَ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَقَدْ زَادَ فِيهِمْ هُنَا وَصْفُ كَوْنِهِمْ مُشْتَغِلِينَ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَهُوَ لَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ فِيهَا وَصْفٌ عَامٌّ مَا مِنْ فَقِيهٍ أَوْ مُتَفَقَّهٍ إلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهَا وَيَشْتَغِلَ بِهَا فَهُوَ حِينَئِذٍ وَقْفٌ عَلَى جِهَةٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ هُنَا سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْمَدْرَسَةِ ثَلَاثَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ صَرَفَ النَّاظِرُ مَعْلُومَ الطَّائِفَتَيْنِ إلَيْهِمْ النِّصْفَ لِهَؤُلَاءِ وَالنِّصْفَ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السِّتَّةِ وَلَا أَنْ يَنْقُصَ كُلَّ ثَلَاثَةٍ عَنْ النِّصْفِ وَلَهُ أَنْ يُقَارِبَ بَيْنَ الْأَفْرَادِ الثَّلَاثَةِ فَيَقْسِمَ النِّصْفَ بَيْنِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا يَرَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى السِّتَّةِ وَلَا لَهُ أَنْ يَصْرِفَ لِغَيْرِ الْمُشْتَغِلِينَ بِهَا.
وَإِنْ وُجِدَ بِهَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةٍ صَرَفَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ أَيْضًا كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ إلَّا اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ صَرَفَ إلَيْهِ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْمَدْرَسَةِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنْ انْحَصَرُوا وَجَبَ الصَّرْفُ إلَى الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْعِشْرِينَ أَمَّا وُجُوبُ الصَّرْفِ إلَى الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْعِشْرِينَ فَكَأَصْنَافِ
الزَّكَاةِ إذَا انْحَصَرُوا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ؛ وَأَمَّا امْتِنَاعُ الصَّرْفِ الزَّائِدِ عَلَى الْعِشْرِينَ فَلِمَا قَالَهُ الْوَاقِفُ وَهَلْ نَقُولُ إذَا زَادُوا عَلَى الْعِشْرِينَ يَمْتَنِعُ الصَّرْفُ لِلزَّائِدِ فَقَطْ أَوْ إلَى الْجَمِيعِ؟
يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي الْعُرْفِ لَا مِنْ جِهَةٍ وَهَذَا أَضْعَفُ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِيهِمْ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بِهِ وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ الرِّفْقَ بِهِمْ وَقِلَّةَ الشَّغَبِ وَالْغَلَطِ بَيْنَهُمْ لِيُكْثِرَ اشْتِغَالَهُمْ وَفَائِدَتَهُمْ؛ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهَا جَمَاعَةٌ لَا يَنْحَصِرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْحَالَّةِ فَالصَّرْفُ إلَى الزَّائِدِ عَلَى الْعِشْرِينَ مُمْتَنِعٌ وَالصَّرْفُ إلَى سِتَّةٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالصَّرْفُ إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَهُمْ السِّتَّةُ إلَى تَمَامِ الْعِشْرِينَ إذَا جَوَّزْنَا الصَّرْفَ إلَى الْعِشْرِينَ فِي الْحَالَّةِ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ النَّاظِرِ كَالصَّرْفِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاء إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا مِنْ الزَّكَاةِ وَالْأَوْقَافِ وَإِنَّمَا حَمَلَنَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الَّذِينَ لَا يَنْحَصِرُونَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَزِيدُوا عَلَى الْعِشْرِينَ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا شَرَطَ أَنْ يَكُونُوا عِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ عَلَى عِشْرِينَ وَبَيْنَ قَوْلِنَا وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَزِيدُوا عَلَى عِشْرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ؛ هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ نَمَاءِ الْوَقْفِ وَزِيَادَتِهِ وَعِنْدِي بَعْضُ تَوَقُّفٍ فِيمَا قَدَّمْته مِنْ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ صِنْفَيْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَقَدْ يُقَالُ الْفَقِيهُ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ الْمُتَفَقِّهِ.
فَإِذَا اسْتَوَى أَفْرَادُ كُلِّ صِنْفٍ وَسَوَّى بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ أَلْزَمَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنِّي لَمْ آلُو عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبَقِيَّةِ أَصْنَافِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ حَاجَةً مِنْ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ مُخْتَلِفَةً فَلَا نَجْزِمُ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمُتَّفِقَةِ فَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ وَأَنَّ تَفْوِيضَ الصَّرْفِ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِحْقَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْرَادِ لَا فِي الْأَصْنَافِ كَالزَّكَاةِ.
وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ إلَى هَذَا الْجِنْسِ مَقْسُومًا نِصْفَيْنِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ أَعْنِي الْفُقَهَاءَ وَالْمُتَفَقِّهَةَ؛ وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا يَجْعَلُ النُّظَّارُ بَالَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَنْزِلُونَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ النَّوْعَيْنِ شَيْئًا وَاحِدًا وَعَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَتَارَةً يَكُونُونَ كُلُّهُمْ مُتَفَقِّهَةً وَتَارَةً يَكُونُونَ كُلُّهُمْ فُقَهَاءَ وَتَارَةً يَجْتَمِعُونَ مُسْتَوِيَيْنِ وَتَارَةً مُتَفَاوِتَيْنِ وَلَكِنْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ النَّاظِرَ فِي لَك.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَفْرَادِ وَزِيَادَةُ الِاسْتِحْقَاقِ تَكُونُ إمَّا
لِزِيَادَةِ فِقْهٍ وَإِمَّا لِحَاجَةٍ وَإِمَّا لِعَائِلَةٍ وَإِمَّا لِدِينٍ وَإِمَّا تَقَدُّمِ هِجْرَةٍ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ لَا تُحْصَى وَعَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُرَجِّحَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّرْجِيحَ لَا بِالتَّشَهِّي وَلَا بِالْغَرَضِ بَلْ يَقْصِدُ الْحَقَّ وَمَعْرِفَةَ الْأَوْصَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْجِيحِ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَاجَعَ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَفْضَلُ، لَا يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ.
يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ فِي مَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الِاسْتِحْقَاقَ وَأَسْبَابَهُ وَمِقْدَارَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَيُوَازِنَ بَيْنَهُمْ وَيُرَجِّحَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ لَا بِمُقْتَضَى الْغَرَضِ وَالْإِجْحَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَمَتَى فَعَلَهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِ الْوَقْفِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاقِفِ وَلَا الشَّرْعِ فَيَضْمَنُهُ وَلِمُسْتَحَقِّهِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَتَضْمِينُهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ قَالَ عَلَى مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ رُبَّمَا كَانَ يُقَالُ إنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَخْتَارَ مَا شَاءَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَخْتَارَ إلَّا مَا هُوَ قَدْرُ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ عَرَفَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِحَسْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ رَاجَعَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَعَمِلَ بِحَسَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَقَّفَ حَتَّى يَعْلَمَ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ الْمُشْتَغِلِينَ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَيَّ اشْتِغَالٍ كَانَ بِالْعِلْمِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فَقِيهًا أَوْ مُتَفَقِّهًا فَلَا يُشْتَرَطُ قَدْرٌ فِي الِاشْتِغَالِ وَلَا نَوْعٌ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَشْتَغِلُ بِهِ وَلَا إقَامَةٌ فِي الْمَدْرَسَةِ بَلْ لَوْ اشْتَغَلَ لَحْظَةً وَاحِدَةً بِهَا وَلَوْ فِي وَقْتِ الدَّرْسِ كَفَى فِي صِدْقِ هَذَا الِاسْمِ، وَلَا يَكْفِي حُضُورُ الدَّرْسِ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقِيهًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي أَوْقَاتٍ بِحَيْثُ يَصْدُقُ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْإِقَامَةُ بِهَا وَالسُّكْنَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لَكِنْ لِكُلِّ فَقِيهٍ أَوْ مُتَفَقَّهٍ الْإِقَامَةُ بِهَا وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لِمَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَلَا مُتَفَقَّهٍ السُّكْنَى بِهَا وَلَا الْإِقَامَةُ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْمُدَرِّسُ الشَّافِعِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَيَّنَ أَمْ نَسْلَهُ أَمْ غَيْرَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ أَهْلِيهِمْ لَهُ الْإِقَامَةُ بِهَا وَالسُّكْنَى وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ وَالْقَيِّمُ غَيْرُ الْفُقَهَاءِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ وَحِرْمَانُ مَعْمُولٌ بِهِ إذَا كَانَ الْمَذْكُورُونَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْرِمَ بَعْضَهُمْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ حَيْثُ يَحْرِمُ مَنْ زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وُجُوبًا وَمَنْ زَادَ عَلَى السِّتَّةِ جَوَازًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ حَيْثُ لَا يَكُونُونَ مَحْصُورِينَ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) الْمُعِيدُ وَاحِدٌ
مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَاقِفُ وَلَيْسَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُ رُتْبَةً.
وَأَذْكُرُ هُنَا شَيْئًا ذَكَرْته الْآنَ لَمْ أَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الْمُتَفَقِّهَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُبْتَدِئُ فَيَكُونُ قَسِيمَ الْفَقِيهِ وَعَلَيْهِ بَنَيْنَا الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ صِنْفَيْنِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى الْفِقْهَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَمَّا تَفَقَّهْنَا مُتْنَا، فَالْفِقْهُ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ، وَمَا مِنْ فَقِيهٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَمَا قَارَبَهُ إلَّا وَتَعْرِضُ لَهُ مَسَائِلُ يَشِيبُ مِنْهَا وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَفَقَّهُ، فَبِهَذَا الِاصْطِلَاحِ يَكُونُ عَطْفُ الْمُتَفَقِّهِ عَلَى الْفُقَهَاءِ لَيْسَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايَرَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ فِي اللَّفْظِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي ثَلَاثَةٌ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا سِتَّةً، وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يُفَضِّلَ الْمُعِيدَ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ بِالْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبِكَوْنِهِ يُشْغِلُ الطَّلَبَةَ وَيَنْفَعُهُمْ فَإِنْ فَضَلَ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ زَادَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَزِيدُهُ إلَّا بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ الْمُعِيدِ أَكْثَرَ اسْتِحْقَاقًا مِنْ الْمُعِيدِ وَجَبَ تَفْضِيلُهُ عَلَى الْمُعِيدِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعِيدِ أَنْ يَأْخُذَ حَيْثُ لَا يَأْخُذُ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَفَقِّهَةُ إلَّا بِوَصْفٍ يَزِيدُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَيَكُونُ النَّاظِرُ قَدْ رَأَى ذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ إمَّا اجْتِهَادًا مِنْهُ وَإِمَّا تَقْلِيدًا لِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يُقِيمَ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إلَى آخِرِهِ.
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِقَامَةِ كَوْنَهُ مُشْتَغِلًا بِهَا وَقْتَ الدَّرْسِ مَنْزِلًا بِهَا فَيُقْطَعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَنْتَفِعُ، وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِقَامَةِ السُّكْنَى لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَعَلَى هَذَا مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَيْسَ مُقِيمًا فِيهَا لَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ عَائِدًا إلَى الْمَعْلُومِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي وَقْفِ الْأَمَاكِنِ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ نَفْسِهَا عَلَيْهِمْ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ مُتَقَارِبَانِ فَلِذَلِكَ لَا أُقْدِمُ عَلَى قَطْعِ أَحَدٍ مِنْ الْمَنْزِلَيْنِ بِهَا لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَهُوَ قَوِيٌّ وَكَذَلِكَ لَا أُقْدِمُ عَلَى تَنْزِيلِ أَحَدٍ فِيهَا مِمَّنْ كَانَ يُقَدَّمُ لَهُ تَنْزِيلُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَخَرَجَ مِنْهَا وَلَا أُقْدِمُ عَلَى إعَادَتِهِ إلَيْهَا وَلَا إلَى تَنْزِيلِهِ فِيهَا لِأَجْلِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَمَسُّكًا بِالْيَقِينِ وَطَرْحًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا أَوْرَدْته مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي قَوْلُ الْوَاقِفِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ الْمَقَامَ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالِاشْتِغَالَ بِهَا فَغَايَرَ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالِاشْتِغَالِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ زِيَادَةٌ أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُقِيمَ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي النَّاظِرِ مُتَعَدِّيَةٌ فِي الْفُقَهَاءِ لَازِمَةٌ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ.
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ)
إذَا وُجِدَ فِي ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ نَمَاءٌ وَزِيَادَةٌ وَسَعَةٌ فَإِنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَزِيدَ كَمَا قَالَ الْوَاقِفُ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَلَهُ أَنْ يُبْقِيَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَصْرِفَ الزَّائِدَ إلَى مَنْ كَانَ يَصْرِفُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَضْمُومًا إلَى الْأَصْلِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) إذَا زَادَ فَهَلْ الزَّائِدُونَ كَمَنْ عَيَّنَهُمْ الْوَاقِفُ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلنَّاظِرِ قَطْعُهُمْ أَوْ لَا فَيَجُوزُ وَالْحَقُّ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى عَدَدٍ وَإِنَّمَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ وَحَجَرَ عَلَى النَّاظِرِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْعِشْرِينَ عِنْدَ عَدَمِ زِيَادَةِ الْوَقْفِ فَإِذَا زَادَ الْوَقْفُ زَالَ الْحَجْرُ وَزِيَادَتُهُ عَدَدًا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ وَالْعَدَدُ غَيْرُ مَنْظُورٍ لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا.
(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ يُقَدِّرُ مَا زَادَ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّائِدَ يَجْعَلُهُ لِلزَّائِدَيْنِ الَّذِينَ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَنْحَصِرُونَ فِي عَدَدٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَا زَادَ قَدْرَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَعْدَ أَنَّ مَا كَانَ يَحْصُلُ لِلْعِشْرِينِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ مُسْتَمِرًّا لَا يُنْقَصُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قُلْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَتَّى لَا يَضِيقَ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يُقَرِّرَ مَا زَادَ بِالزَّائِدِينَ وَالْأَصْلُ بِالْعِشْرِينَ فَإِنْ سَفِهَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِيهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَمِيعَ وَقْفًا وَاحِدًا.
مِثَالُهُ كَانَ الْأَصْلُ مِائَةً وَالزَّائِدُ مِائَةً فَلَهُ خَلْطُهَا وَيَصْرِفُ مِائَةً لِلْعِشْرِينَ الْأَصْلِيَّةِ وَمِائَةً لِمَنْ زَادَهُ عِشْرِينَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُعَيَّنْ مَعْلُومَ الْفُقَهَاءِ وَلَا ذَكَرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَدْرًا مَعْلُومًا بَلْ جَمِيعُ الْفَاضِلِ لَهُمْ وَلِلْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ عَلَى مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ وَإِذَا زَادَ جَعَلَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِمْ فَيَجْعَلَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ وَيَكُونَ بِقَدْرِ الزَّائِدِ مَعَ كَوْنِ الْجَمِيعِ وَقْفًا وَاحِدًا مِنْهُ قَدْرُ الزَّائِدِ لِلزَّائِدَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَمْ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَصْلِيِّينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا زَادَ بِقَدْرِهِ يَحْصُلُ الْجَمِيعُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَقَصَ يُعَالِهِمْ الْأَوَّلِينَ عَمَّا كَانَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَصُ مَعْلُومُ عِشْرِينَ عَنْ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أُجْرَةُ النَّاظِرِ وَالْكُلَفُ اللَّاحِقَةُ لِلْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَالْقَيِّمِ وَالْمُؤَذِّنِ وَثَمَنُ الْمِشْمِشِ وَالْبِطِّيخِ وَعِمَارَةُ الْمَدْرَسَةِ وَمَصَالِحِهَا وَعِمَارَةُ الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الْأَوَّلِ كُلُّهَا مِنْ الْأَصْلِ يَخْتَصُّ بِهِ نَصِيبُ الْعِشْرِينَ وَاَلَّذِي زَادَ جَمِيعُهُ يَخْتَصُّ بِهِ الزَّائِدُونَ إلَّا إنْ كَانَ وَقْفًا آخَرَ وَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ أَوْ كُلَفٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ فَيُخْرِجُ مِنْهُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ مِنْهُ إلَى الْعِشْرِينَ شَيْءٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْوَاقِعُ أَنَّ الْوَقْفَ نَمَا وَزَادَ وَاتَّسَعَ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ قَطْعًا.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْوَقْفِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفَةِ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ مَأْنُوسٌ مِنْهُ فَهَلْ نَقُولُ إذَا شَكَكْنَا فِي الزَّائِدِ هَلْ
هُوَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ أَوْ زَائِدٌ عَلَيْهَا مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ أَوْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ وَشَكَكْنَا فِي الْمَنْعِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا جَازَ التَّنْزِيلُ بِلَا ضَابِطٍ لَهُ إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُ النَّاظِرِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَأَكْثَرَ أَجْرًا لِلْوَاقِفِ فَقَدْ يَأْتِي شَخْصٌ فَقِيهٌ جَيِّدٌ فَقِيرٌ لَا يَجِدُ مَلْجَأً فَيَكُونُ تَنْزِيلُهُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَأَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْزَلِينَ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ مَعْلُومِهِمْ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ تَنْزِيلَ مِثْلِ هَذَا لَا يَجُوزُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَقَدْ يَأْتِي شَخْصٌ فِيهِ غِنًى وَلَا فَضِيلَةَ طَائِلَةَ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْعُ الطَّلَبَةِ فَتَنْزِيلُ مِثْلِ هَذَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَقُولُ إنَّ تَنْزِيلَهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا لَفْظَ مِنْ الْوَقْفِ وَلَا دَلِيلَ مِنْ الشَّرْعِ يَمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَجِبُ صَرْفُ تِلْكَ الْمَعَالِيمِ إلَى الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) تَرْتِيبُ الْفُقَهَاءِ عَلَى طَبَقَاتٍ ثَلَاثٍ كَمَا هُوَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَغَيْرِهَا إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا فِي الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ فَهُوَ مُتَّبَعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَصْرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» فَإِذَا كَانَ فَقِيهٌ فِي طَبَقَةِ عِشْرِينَ وَفَقِيهٌ فِي طَبَقَةِ ثَلَاثِينَ وَفَقِيهٌ بَيْنَهُمَا فَوْقَ الْأَوَّلِ وَدُونَ الثَّانِي إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا تَنْزِيلٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَنْزِلَتِهِ فَهُوَ مُخَالِفُ الْحَدِيثِ فَيَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا إذْ هِيَ مَنْزِلَتُهُ فَمَنَازِلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَقَلِّ الْأَجْزَاءِ إلَى أَكْثَرِهَا وَعَلَى النَّاظِرِ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) لَا يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يُعَيَّنَ لِكُلِّ فَقِيهٍ مَعْلُومًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ الْمُغَلُّ أَقَلَّ مِنْ مَعْلُومِ الْجَمِيعِ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْوَاقِفُ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا فَإِنْ تَرَكَهُ النَّاظِرُ لِذَلِكَ وَنَزَلَ جُمْلَةٌ وَجَاءَ وَقْتُ الْمَغَل وَقَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ سَنَةٍ فَهَذَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَإِنْ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرًا عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنْ جَاءَ الرِّيعُ أَقَلَّ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ النِّسْبَةِ وَإِنْ جَاءَ أَكْثَرَ رُدَّ الزَّائِدُ عَلَيْهِمْ عَلَى تِلْكَ النِّسْبَةِ أَوْ نَزَلَ عَلَيْهَا غَيْرُهُمْ عَلَى مَا يَرَاهُ.
(التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) أَخْبَرَنِي النَّاظِرُ أَنَّ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ الْقُونَوِيَّ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي أَيَّامِ الْمَرْحُومِ تَنْكُزَ كَانَ رَأْيُ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ أَنْ يَكُونُوا مِائَةً وَأَنْ تَكُونَ طَبَقَاتُهُمْ كَطَبَقَاتِ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ وَهَذَا الَّذِي رَآهُ حَسَنٌ أَوْلَى مِمَّا هِيَ الْآنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَدْرَسَتَيْنِ مَنْسُوبَتَانِ إلَى وَاحِدَةٍ وَالْبَرَّانِيَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَمَّا أُطْلِقَتْ فِي الْجُوَّانِيَّةِ أَرَادَتْ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَتْ طَبَقَاتُهُمْ كَطَبَقَاتِ الْبَرَّانِيَّةِ وَكَانُوا مِائَةً كَانَ الْوَقْفُ يَكْفِيهِمْ فِي غَالِبِ السِّنِينَ فِي السِّعْرِ الْمُعْتَدِلِ وَقَدْ قَدَّمْت أَنَا مَا فِي الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ فَأَنَا أُوَافِقُهُ فِي كَوْنِهِمْ
مِائَةً أَوْ أَكْثَرَ وَلَا أُوَافِقُهُ فِي حَصْرِ الطَّبَقَاتِ فِي ثَلَاثٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ) شَاعَ فِي الشَّامِ جَعْلُ شَخْصٍ نَائِبَ الْفُقَهَاءِ وَيَأْخُذُ مَعْلُومَهُ عَنْ النِّيَابَةِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا إنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ يَأْخُذُونَ مَعْلُومَهُمْ كَامِلًا كَمَا فِي الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ وَأُجْرَةُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي لَا حَقَّ فِيهِ لِلْفُقَهَاءِ بَعْدَ أَخْذِ مَعْلُومِهِمْ لَا يَجُوزُ وَقَدْ قَدَّرَتْ الْوَاقِفَةُ لِلْفُقَهَاءِ مَعْلُومًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ الْجُوَّانِيَّةُ فَلَمْ تُقَدِّرْ لِلْفُقَهَاءِ مَعْلُومًا وَالنَّاظِرُ قَدْ عَيَّنَ فَإِنْ جَعَلَ جَامَكِيَّةَ نَائِبِ الْفُقَهَاءِ زِيَادَةً فِي مَعْلُومِ الْفُقَهَاءِ وَرَضُوا هُمْ بِدَفْعِهَا لِنَائِبِهِمْ أُجْرَةً جَازَ وَيُقَدَّرُ كَأَنَّهُمْ قَبَضُوهَا وَدَفَعُوهَا إلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ فِي حَلِّ تَنَاوُلِ نَائِبِ الْفُقَهَاءِ الْأُجْرَةَ أَحَدُهَا تَقْرِيرُ النَّاظِرِ نَظِيرَهَا لِلْفُقَهَاءِ زِيَادَةً عَلَى الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ لَهُمْ وَالثَّانِي رِضَاهُمْ بِذَلِكَ وَيَدْفَعُهَا إلَى النَّائِبِ وَالثَّالِثُ تَقْرِيرُ قَبْضِهِمْ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ هَلْ يَكْفِي تَقْدِيرُ الْقَبْضِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ حَقِيقِيٍّ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِمْ ثُمَّ يَصْرِفُونَهُ لَهُمْ، وَبِدُونِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى فُقَهَاءَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ وَالْحَصْرُ إنَّمَا جَاءَ عَارِضًا بَعْدَ التَّعْيِينِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْحَاكِمُ يُعَيِّنُهُ نَائِبًا عَنْ الْجِهَةِ كَالْعَامِلِ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونُ النَّاظِرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فِي الزَّكَاةِ فَيَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ النَّائِبُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْفُقَهَاءُ وَلَا يَجِبُ وَلَا وُصُولُ ذَلِكَ الْمَالِ إلَيْهِمْ بَلْ يَأْخُذُهُ بِتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ كَمَا يَأْخُذُ الْعَامِلُ فِي الزَّكَاةِ نَصِيبَهُ وَيَكُونُ لِلْفُقَهَاءِ الْبَاقِي كَمَا لِبَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ بَاقِي الزَّكَاةِ، وَلَا يَضُرُّ انْحِصَارُهُمْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ كَمَا إذَا انْحَصَرَ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، هَذَا نِهَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَحْرِيرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ نَائِبُ الشَّرْعِ وَالزَّكَاةُ مَدْفُوعَةٌ لِلشَّرْعِ لَا لِلْأَصْنَافِ بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ نَائِبَ الْفُقَهَاءِ مُعِينٌ لِلنَّاظِرِ أَوْ مُخَاصِمٌ لَهُ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ضَعْفِ النَّاظِرِ أَوْ خَلَلٍ فِيهِ يَقْتَضِي ضَمَّ مُشْرِفٍ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نَائِبَ الْفُقَهَاءِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى نَائِبِ الْفُقَهَاءِ وَحَيْثُ يَكُونُ النَّاظِرُ سَالِمًا عَنْ الْقَدْحِ وَالضَّعْفِ وَالْإِبْدَالُ شَيْءٌ آخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كُتِبَ يَوْمَ الْأَحَدِ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.
(فَتْوَى مِنْ حَلَبَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ) رَجُلٌ وَقَفَ مَدْرَسَةً وَشَرَطَ نَظَرَهَا لِثَلَاثَةٍ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ إلَى بَنِي أَبِيهِمْ ثُمَّ إلَى بَنِي وَالِدِ أَبِيهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ لَا يَخْرُجُ النَّظَرُ عَنْهُمْ مَا دَامَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى سِوَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ
وَالتَّدْرِيسِ فَوَّضَ النَّظَرَ وَالتَّدْرِيسَ إلَيْهِ وَلِكُلِّ مَنْ آلَ إلَيْهِ النَّظَرُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى الْأَرْشَدِ الْأَصْلَحِ مِمَّنْ ذَكَرَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِمَنْ يَصْلُحُ مِنْ نَسْلِ زَيْدٍ وَمَتَى عَادَ وَنَشَأْ لَهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ أُعِيدَ إلَيْهِ؛ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُشَارَكَةُ مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ بَلْ يَنْفَرِدُ بِهِ وَلَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى سِوَاهُ وَشَرَطَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُهُ النَّاظِرُ فَآلَ النَّظَرُ إلَى شَخْصٍ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ لِلْوَظِيفَتَيْنِ فَعَيَّنَ شَخْصًا مِنْهُمْ لِلتَّدْرِيسِ وَاسْتَمَرَّ يُبَاشِرُ النَّظَرَ وَيُفِيدُ التَّدْرِيسَ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّاظِرُ مَعَ وُجُودِ الْمُدَرِّسِ وَالْجَمَاعَةِ الصَّالِحِينَ لِلنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ فَهَلْ يَنْفَرِدُ الْمُدَرِّسُ بِالنَّظَرِ أَوْ يُشَارِكُهُ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْنِدَ النَّظَرَ إلَى غَيْرِ الْمُدَرِّسِ؟
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْضَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا يُرْشِدُ إلَى الْمُرَادِ وَأَمَّا هَذَا الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ وَحْدَهُ فَفِيهِ تَدَافُعٌ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِفْتَاءِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى شَرْحِ الْجَمِيعِ.
أَمَّا شَرْطُهُ النَّظَرَ لِثَلَاثَةٍ عَلَى التَّرْتِيبِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ يَسْتَحِقُّهُ بَنُو أَبِيهِمْ ثُمَّ بَنُو وَالِدِ أَبِيهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي هَاتَيْنِ الطَّبَقَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ بَلْ إذَا كَانَ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ صَالِحُونَ لِلنَّظَرِ اشْتَرَكُوا فِيهِ هَكَذَا فِي بَنِي الْأَبِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا ثُمَّ فِي بَنِي وَلَدِ الْأَبِ وَنَسْلِهِمْ حَتَّى يَنْقَرِضُوا وَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّدْرِيسِ هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي الْوَظِيفَتَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْوِيضٍ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْشَدِ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّشِيدُ وَالْأَرْشَدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لَكِنَّهُ تَأْكِيدٌ حَتَّى لَا يُظَنَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ لِلْوَاحِدِ بَيْنَ الْوَظِيفَتَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا فَإِنْ " مَنْ " صِيغَةٌ صَالِحَةٌ لِلْوَاحِدِ وَمَا فَوْقَهُ وَقَوْلُهُ فَوَّضَ مَعْنَاهُ جَمَعَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَفْوِيضٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ أَغْنَى عَنْهُ بَعْدَ وَاحِدٍ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ عَدَمَ التَّعَدُّدِ، وَأَرَدْت أَنْ أَقُولَ بِهِ وَأَجْعَلَ قَوْلَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ رَاجِعًا إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَنِي الْأَبِ وَبَنِي وَلَدِ الْأَبِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى مَجْمُوعِ النَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَا يَصْلُحُ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْأَرْشَدِ إشَارَةً إلَى النَّظَرِ، وَالْأَصْلَحِ إشَارَةً إلَى التَّدْرِيسِ؛ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُهُ النَّاظِرُ، لَكِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ دَلَّ بِعُمُومِهِ عَلَى اشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي النَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ عِنْدَ الْأَهْلِيَّةِ سَوَاءٌ أَحَصَلَ تَفْوِيضٌ أَمْ لَمْ يَحْصُلْ.
فَهَذَا مَوْضِعٌ مِنْ مَحَلِّ التَّدَافُعِ وَحِرْمَانُ بَعْضِهِمْ بِهَذَا الْمَفْهُومِ مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَرَى بِهِ؛ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَلَيْسَ لِأَحَدٍ
مُشَارَكَةُ مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ بَلْ يَنْفَرِدُ بِهِ وَلَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى سِوَاهُ " عُمُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ لَا مِمَّنْ يَصْلُحُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْعُمُومِ يُدَافِعُ الْعُمُومَ الْمُتَقَدِّمَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، مَعَ احْتِمَالِ هَذَا الثَّانِي لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِصِفَتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ طَبَقَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَشَرْطُ أَنَّ الْمُدَرِّسَ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُهُ النَّاظِرُ ظَاهِرٌ انْحِصَارُ الْمُدَرِّسِ فِي الْمُعَيَّنِ فَيَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ، وَاللَّفْظُ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّعْيِينِ لَكِنْ هَذَا الشَّرْطُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ فَيَفْتَقِرُ الْمُدَرِّسُ إلَى تَعْيِينِ النَّاظِرِ وَخُصِّصَ بِهِ ذَلِكَ الْعُمُومُ الْمُتَقَدِّمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّدْرِيسِ وَبِمُقْتَضَى هَذَا أَقُولُ إنَّ النَّاظِرَ الْمَذْكُورَ إذَا مَاتَ مَعَ وُجُودِ الْمُدَرِّسِ لَا يُفْرَدُ الْمُدَرِّسُ بِالنَّظَرِ بَلْ يُشَارِكُهُ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ وَلِذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوا الْمَيِّتَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْنِدَ النَّظَرَ إلَى غَيْرِ الْمُدَرِّسِ فَقَدْ قَالَ الْوَاقِفُ لِكُلِّ مَنْ آلَ النَّظَرُ إلَيْهِ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى الْأَرْشَدِ وَالْأَصْلَحِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَجَعَلْنَا ذَلِكَ إشَارَةً إلَى مَجْمُوعِ التَّدْرِيسِ وَالنَّظَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ إشَارَةً إلَى النَّظَرِ وَحْدَهُ وَالْمُدَرِّسِ وَحْدَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَكُلُّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يُسْنِدُ إلَى الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبُ مُسْتَحَقُّونَ بِالشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضٍ فَأَيْش فَائِدَةُ التَّفْوِيضِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ إلَّا شَيْئًا وَاحِدًا فَالْأَوْلَى مَنْعُ الْإِسْنَادِ إلَى الْمُدَرِّسِ وَإِلَى غَيْرِهِ، وَحُصُولُ النَّظَرِ بِالشَّرْطِ وَالتَّفْوِيضِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوْلِيَةِ فِي الْحَيَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ أَكْتُبْ ذَلِكَ لِلْمُسْتَفْتِي بَلْ كَتَبْت أَنِّي أَحْتَاجُ إلَى نَظَرِي فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يَنْفَرِدُ بِالنَّظَرِ وَيُشَارِكُهُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْنِدَ النَّظَرَ لَا إلَى الْمُدَرِّسِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الِاسْتِفْتَاءِ فِيهِ تَدَافُعٌ فَقَدْ يَكُونُ بِالْوُقُوفِ عَلَى كِتَابِ الْوَقْفِ يَظْهَرُ مِنْ آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى.
(فُتْيَا مِنْ صَفَدَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ) وَقَفَ بِلَبَانِ الْجَوِّ كَنْدَار الْأَشْرَفِيُّ الْمَنْصُورِيُّ مَسْجِدًا وَأَوْقَافًا عَلَى مَصَالِحِهِ ثُمَّ يُصْرَفُ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ حَافِظٍ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ أَهْلٍ لِلْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ يَؤُمُّ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَيُقِيمُ الْخُطْبَةَ أَيَّامَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ مَا مَبْلَغُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَاسْتَثْنَى النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلِوَصِيِّهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْ انْقَطَعَ فَلِلْأَرْشَدِ مِنْ عَقِبِهِ عَقِبًا بَعْدَ عَقِبٍ
تَحْجُبُ الْعُلْيَا السُّفْلَى فَإِذَا انْقَرَضُوا فَلِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِصَفَدَ وَقَبِلَهُ مِنْهُ قَابِلٌ جَازَ قَبُولُهُ ثُمَّ بَعْدَ تَمَامِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ أَشْهَدَ النَّاظِرُ فِي هَذَا الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ فَوَّضَ وَظِيفَتَيْ الْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ لِشِهَابِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ صَارِمِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَكَّارِي أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ مِمَّنْ كَانَ أَهْلًا، وَاسْتَنَابَهُ عَنْهُ فِي النَّظَرِ عَنْهُ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَلِجَمِيعِ ذَلِكَ شَهِدَ بِتَارِيخِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الرَّابِعِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَمَاتَ الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَهْلٍ فَبَاشَرَهُمَا ثُمَّ كَبِرَ الصَّغِيرُ وَصَارَ أَهْلًا وَقَصَدَ مُطَالَبَةَ أَخِيهِ بِالتَّشْرِيكِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ فَهَلْ لَهُ مَنْعُهُ وَهَلْ لَهُ أَيْضًا اسْتِقْلَالُهُ بِالْوَظِيفَتَيْنِ وَهَلْ لِلصَّغِيرِ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّشْرِيكِ؟
(الْجَوَابُ) تَفْوِيضُ الْخَطَابَةِ وَالْإِمَامَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ النَّظَرِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، وَقَوْلُهُ إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ، وَقَوْلُهُ اسْتَنَابَهُ فِي النَّظَرِ عَنْهُ فِي الْوَقْفِ لَا يَقْتَضِي الْوَصِيَّةَ بَلْ هِيَ اسْتِنَابَةٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَا تَتَعَدَّى إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، هَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَلَكِنْ مَا بَقِيت أَكْتُبُ عَلَى الْفَتْوَى لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ أَحَدٌ عَلَى الْخَطِيبِ الْمُسْتَقَرِّ فَيَنْزِعَهَا مِنْهُ وَكَتَبْت أَنَّ الشَّرْطَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي صَارَ أَهْلًا سَوَاءٌ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مُشَارَكَةُ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ فَإِنَّ هَذَا إنْ جُعِلَ شَرْطًا فِي أَهْلِ الْوَقْفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا فَيَجُوزُ تَوْلِيَتُهُمَا وَتَوْلِيَةُ أَحَدِهِمَا وَتَوْلِيَةُ آخَرَ غَيْرِهِمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لِرَجُلٍ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ يُصَلِّي بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ شَهْرًا كَامِلًا وَيُصَلِّي آخَرُ بَعْضَهُ أَوْ شَهْرًا آخَرَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ الصَّرْفُ إنَّمَا هُوَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ عَنْ الْوَظِيفَةِ الَّتِي قَامَ بِهَا فِي شَهْرٍ أَوْ بَعْضِ الشَّهْرِ فَاَلَّذِي هُوَ الْمَصْلَحَةُ وَعَدَمُ قَطْعِ رِزْقِ الْأَوْلَادِ وَهُوَ وَفَاءٌ بِمَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(فَتْوَى فِي مَدْرَسَةِ الْقُدْسِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ) الِاسْتِفْتَاءُ الْمَسْنُونُ مِنْ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ إبَانَةُ الْحَقِّ عَمَّا يُذْكَرُ مِنْ شَرْطِ وَاقِفٍ وَقَفَ مَدْرَسَةً عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الشَّرِيفِ وَقَالَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ الْمُرَتَّبَ لَهَا يُبَاكِرُ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ لِلْحُضُورِ فِي مَوْضِعِ الدَّرْسِ وَجَمْعِ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَيَبْدَءُوا بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ
هُنَاكَ وَالْجَمَاعَةُ لَهُ
ثُمَّ يَشْفَعُ ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ لِلْوَاقِفِ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي ذِكْرِ الدَّرْسِ مَذْهَبًا وَخِلَافًا وَأُصُولًا وَمَا شَاءَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ يَنْهَضُ كُلُّ مُعِيدٍ مَعَ أَصْحَابِهِ الْمُرَتَّبِينَ مَعَهُ فَيُعِيدُ عَلَيْهِمْ مِنْ الدُّرُوسِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ مَذْهَبًا وَالْخِلَافِ إنْ كَانَ خِلَافًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَيْهِمْ الْحُضُورُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِإِعَادَةِ الدُّرُوسِ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَذْكُرُ فِيهِ الدُّرُوسَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُدَرِّسِ وَعَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا فِي أَيَّامِ الْبَطَالَةِ الْمُعْتَادَةِ هَذَا لَفْظُ الْوَاقِفِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُدَرِّسَ أَنْ يَذْكُرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عِدَّةَ دُرُوسٍ مِنْ جَمِيعِ الْعُلُومِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَاقِفُ وَغَيْرِهَا أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إلَّا ذِكْرُ الْمَذْهَبِ فَقَطْ وَذِكْرُ الْخِلَافِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْعُلُومِ وَهَلْ يَلْزَمُ كُلَّ مُعِيدٍ بِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَنْ يُعِيدَ دَرْسًا كَامِلًا مِنْ الدُّرُوسِ الَّتِي يُعَيِّنُهَا الْمُدَرِّسُ لَهُ وَتَكُونُ " مِنْ " فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ عَمَلًا بِعُمُومِ مَا فِي قَوْلِهِ مِنْ الدُّرُوسِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِعَادَةِ الدُّرُوسِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَمْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَرْسٍ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُعِيدِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى إعَادَةِ بَعْضٍ مِنْ دَرْسِ الْفِقْهِ مَثَلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
وَيُسْتَحَقُّ الْمَعْلُومُ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْوَاقِفُ رحمه الله قَدْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُشَارِفِ لِلْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الْمُشَاهِرَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُقِيمِينَ بِالْمَكَانِ وَبِحُضُورِ الْمُدَرِّسِ أَوْ نَائِبِهِ فَإِذَا فَرَّقَهَا أَحَدٌ حَطَّ الْمُدَرِّسَ أَوْ نَائِبَهُ بِذَلِكَ وَالْمُعِيدِينَ وَالْأَعْيَانَ بِالْقَدْرِ الْمُنْفَقِ فِيهِمْ وَيُطَالِعُ النَّاظِرَ فِي الْمَكَانِ بِالْحَاصِلِ مِنْ مُسْتَخْرَجِ كُلِّ شَهْرٍ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ يَعْمَلُ أَوْرَاقًا يَأْخُذُ عَلَيْهَا خَطَّ الْمُدَرِّسِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْأَعْيَانِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُعِيدِينَ.
فَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ فِي الْوَقْفِ مَوْقُوفًا عَلَى إذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيدِينَ وَأَعْيَانِ الْفُقَهَاءِ وَمُرَاجَعَتِهِ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةُ اسْتِرْفَاعِ الْحِسَابَاتِ مِنْ الْمُبَاشِرِينَ فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ كَمَا يَرْفَعُ لِلنَّاظِرِ أَمْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ عَلَى قَدْرِ الْمُنْفَقِ فِيهِمْ وَعَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْحَاصِلِ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقَالَ الْوَاقِفُ رحمه الله فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَيْضًا بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ فِيهِ مِنْ الْمُبَاشِرِينَ مِنْ الْمُشَارِفِ وَالْجَابِي وَالْمِعْمَارِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ رَأَى النَّاظِرُ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ فِي تَوْفِيرِ مَصْلَحَتِهَا وَزِيَادَةِ رِيعِهَا وَحِفْظِهِ إلَى زِيَادَةٍ مُسْتَحْدَثَةٍ فَعَلَ وَجَعَلَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يَقْتَضِيهِ عَمَلُهُ هَذَا لَفْظُ الْوَاقِفِ رحمه الله، وَكَانَ فِيهِ قَرْيَتَانِ تُسْتَغَلُّ أَرْضُهُمَا عَلَى الْعَادَةِ فَحَكَرَتْ كُرُومًا بِأَسْمَاءِ خَلْقٍ كَثِيرٍ يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ نَفَرٍ
وَأَزْيَدَ فَرَأَى النَّاظِرُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى مُبَاشِرٍ ثَانٍ مَعَ الْمُشَارِفِ لِضَبْطِ وَقْفِهَا وَمُحَاسِبَةِ مَنْ بِهِ وَاسْتِخْرَاجِ رِيعِهِ فَرَتَّبَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ وَجَعَلَ لَهُ دُونَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَنَفَّذَ ذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ مِنْ السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وَحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ.
فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمُبَاشِرِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ أَمْ لَا؟ يُبَيِّنُ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْحَقَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُدَرِّسِ ذِكْرُ الدَّرْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَأَمَّا الْخِلَافُ فَإِنْ طُلِبَ مِنْهُ تَعَيَّنَ أَيْضًا وَأَمَّا الْأُصُولُ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ لِذِكْرِ الْوَاقِفِ لَهُ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ وَلَا يَجِبُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عِلْمًا رَابِعًا أَوْ أَكْثَرَ وَتَعْيِينُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ.
وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تُفَوَّضُ إلَى رَأْيِهِ وَالْوَاجِبُ الْمَذْهَبُ فَقَطْ وَالْخِلَافُ مَعَهُ إنْ طُلِبَ وَبِغَيْرِ طَلَبٍ لَا يَجِبُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُ عِدَّةِ دُرُوسٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ الْمُرَتَّبَ لَهَا يُبَاكِرُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ شَرْطًا عَلَى الْمُدَرِّسِ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْمَدْرَسَةَ جُعِلَتْ لِذَلِكَ فَأَخْذُ نِصْفِ الدَّرْسِ الَّذِي جَعَلَتْ الْمَدْرَسَةُ لَهُ بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ يُبَاكِرُ إلَى الْحُضُورِ فِي مَوْضِعِ الدَّرْسِ وَجَمْعُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُضُورِ وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُدَرِّسِ بَلْ الْجَامِعُ لِلْجَمَاعَةِ غَيْرُهُ إمَّا النَّقِيبُ وَإِمَّا هُمْ مِنْ نَفْسِهِمْ فَيَجْتَمِعُونَ لِأَجْلِ الْمُدَرِّسِ وَحُضُورُهُ وَبَاعِثٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَرِّسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُضُورِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ احْتِمَالًا ثَالِثًا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِمَوْضِعِ الدَّرْسِ.
وَقَوْلُهُ وَيَبْدَءُوا ذَكَرَهُ مَنْصُوبًا بِحَذْفِ النُّونِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَصْدَرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَهُمَا الْحُضُورُ وَالْجَمْعُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَالْبُدَاءَةُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجَمَاعَةُ لَهُ مَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى طَائِلٌ وَلَوْلَا كِتَابَةُ يَبْدَءُوا بِوَاوٍ وَأَلِفٍ كُنْت أَقُولُ إنَّ الْمَعْنَى يَبْدَأُ الْمُدَرِّسُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْجَمَاعَةُ بِهِ وَتَكُونُ الْبَاءُ طَالَتْ فَصَارَتْ لَامَا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَشْفَعُ أَيْ الْمُدَرِّسُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى يُبَاكِرُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُدَرِّسُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مِنْهُ لِذَلِكَ، وَلَا يُفَوِّضُ الدُّعَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَادَةُ أَكْثَرِ الدُّرُوسِ وَإِنْ كَانَ إذَا دَعَا غَيْرُهُ وَأَمَّنَ هُوَ كَانَ دَاعِيًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى التَّبَادُرِ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ؛ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَشْرَعُ عَطْفٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَذْهَبًا وَخِلَافًا وَأُصُولًا مَنْصُوبَاتٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْمَعْنَى وَقَفَ الْمَدْرَسَةَ لِهَذَا الْقَصْدِ مِنْ مُبَاكَرَةِ الْمُدَرِّسِ إلَى الْحُضُورِ لِيَجْمَعَ الْجَمَاعَةَ عِنْدَهُ وَيَقْرَءُوا جَمِيعُهُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو الْمُدَرِّسُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الدَّرْسِ الَّذِي
هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْخِلَافُ وَالْأُصُولُ وَمَا شَاءَ الْمُدَرِّسُ.
فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الَّذِي وُقِفَتْ لَهُ الْمَدْرَسَةُ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ جَمِيعُهُ فَقَدْ حَصَلَتْ الصُّورَةُ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُ الْمَدْرَسَةِ كَامِلَةً وَإِذَا فَاتَ شَيْءٌ مِنْهَا فَقَدْ يَكُونُ مُخِلًّا بِالصُّورَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَدْ تَحْصُلُ الصُّورَةُ مَعَهُ وَلَكِنْ فِيهَا نَقْصٌ عَنْ صُورَةِ الْكَمَالِ، وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ يُتَلَقَّى مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَنْصِيصِ الْوَاقِفِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَالْخِلَافُ إنْ طُلِبَ إمَّا بِالضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الْوَاقِفُ وَهِيَ دَرْسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالدُّعَاءُ لِلْعُرْفِ وَلِلْقَصْدِ الصَّحِيحِ مِنْ الْوَاقِفِينَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُعْظَمُ غَرَضِهِمْ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ عَلَى الْمُدَرِّسِ، وَانْتِصَابُ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الدَّرْسُ وَاحِدًا مَوْصُوفًا بِالثَّلَاثَةِ لَيْسَ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ دُرُوسٍ، وَقَوْلُهُ وَمَا شَاءَ مِنْ الْعُلُومِ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَلَوْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةً كَانَ يَجِبُ رَابِعٌ وَيُفَوَّضُ تَعْيِينُهُ إلَى خِيَرَتِهِ لَكِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ بَعْضُهَا وَلَوْ تَعَيَّنَ الْمَذْهَبُ عُرْفًا وَشَرْطًا لَكِنَّا نَقُولُ الْكُلُّ مُفَوَّضٌ إلَى خِيَرَتِهِ عَلَى بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَعِلْمُهُ قَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَعْجَبَنِي عِلْمُ زَيْدٍ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَمَا شِئْت مِنْ الْعُلُومِ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مَا شِئْت مُطْلَقًا لَكِنَّ الْمَذْهَبَ يَتَعَيَّنُ شَرْطًا وَعُرْفًا وَالْبَقِيَّةُ الْمُصَرَّحُ بِأَسْمَائِهَا مَقْصُودَةٌ ظَاهِرًا.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إنْ طُلِبَ يَعُودُ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَعُودُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ جَمِيعًا لِأَفْرَادِهِ وَلَوْ عَادَ إلَيْهِمَا كَانَ مُثَنًّى؛ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ ذِكْرٌ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا مَشْرُوطًا بِالطَّلَبِ لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِلَافَ أَقْرَبُ وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَقْرَبِ أَوْلَى وَالثَّانِي إنَّ وَضْعَ الْمَدْرَسَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَذْكُرْ فَاتَتْ صُورَةُ الدَّرْسِ ذِكْرًا وَعُرْفًا، وَمِنْ وَظَائِفِ الْمُدَرِّسِ أَنْ يُرَتِّبَ لِكُلِّ مُعِيدٍ جَمَاعَةً يُعِيدُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَ " مِنْ " فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ مِنْ الدُّرُوسِ لِلتَّبْعِيضِ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ.
وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ كَوْنِ الْأُولَى لِلتَّبْعِيضِ وُجُوبُ ذِكْرِ عِدَّةٍ مِنْ الدُّرُوسِ، بَلْ التَّبْعِيضُ مَحْمُولٌ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّبْعِيضِ مِنْ الدُّرُوسِ الَّتِي يَتَّفِقُ ذِكْرُهَا أَوْ مِنْ الدُّرُوسِ الْمَعْلُومَةِ فِي الذِّهْنِ الَّتِي تُذْكَرُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَالْمُعِيدُونَ يُعِيدُونَ مَا يُذْكَرُ مِنْهَا، وَكُلُّ مُعِيدٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ إمَّا مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِمَّا مِنْ الْخِلَافِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُ الْجَمِيعِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ هَلْ يَلْزَمُ كُلَّ مُعِيدٍ أَنْ يُعِيدَ
دَرْسًا كَامِلًا إنْ أَرَادَ إذَا ذَكَرَ الْمُدَرِّسُ مَذْهَبًا وَخِلَافًا وَأُصُولًا يَلْزَمُ كُلَّ مُعِيدٍ إعَادَةُ الثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ لِتَصْرِيحِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُعِيدَ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَقَطْ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُعِيدَ الْمَذْهَبِيَّ مَثَلًا إعَادَةُ جَمِيعِ دُرُوسِ الْمُدَرِّسِ الْمَذْهَبِيِّ فَيَعُمُّ وَلَكِنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي ذَلِكَ إذَا أَغْفَلَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَضْبِطُهُ كُلَّهُ وَيَشُقُّ ذَلِكَ جِدًّا لَا وَهُوَ إنَّمَا يُعِيدُ لِلْفُقَهَاءِ مَا يَحْتَمِلُونَهُ؛ وَقَدْ تَقْصُرُ أَذْهَانُهُمْ عَنْ ذِكْرِ كُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُدَرِّسُ مِمَّا فَهِمَهُ الْمُعِيدُ وَقَدْ يَذْكُرُ الْمُدَرِّسُ مَا لَا يَفْهَمُهُ الْمُعِيدُ فَالْمَقْصُودُ إعَادَةُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الَّذِي يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِهِ.
وَقَوْلُ السَّائِلِ وَتَكُونُ " مِنْ " فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا وَقَوْلُهُ لِإِعَادَةِ الدُّرُوسِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَا نَتَمَسَّكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِإِعَادَةِ الدُّرُوسِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إعَادَةُ ذِكْرِ الدُّرُوسِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ تُرْشِدُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَالْقَرِينَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمِنْ الْفَرْقِ وَمِنْ الْمَعْنَى، وَقَالَ قَوْلُهُ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ بِصَدَدِهِ بَلْ هُوَ وَظِيفَةٌ فَالْمُدَرِّسُ يُعَلِّمُ الْمُعِيدِينَ وَالْمُعِيدُونَ يُعَلِّمُونَ مَنْ دُونَهُمْ أَيْ الْمُبْتَدِئِينَ وَلَا يُعَلَّمُ كُلُّ وَاحِدِ إلَّا عَلَى قَدْرِ ذِهْنِهِ مَنْ يَتَعَلَّمُ (؟) كُلَّ مَا النَّاسُ يَفْهَمُونَهُ، وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ يَسْمَحُ بِبَعْضِ مَا يُعْلَمُ لِاحْتِمَالِ الْإِغْفَالِ وَالنِّسْيَانِ، نَعَمْ الَّذِي هُوَ فِي مَحَلِّ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَلَمْ يَغْفُلْ عَنْهُ وَلَا يَنْسَى لَا يَتَسَامَحُ بِتَرْكِهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ حَالِيَّةٍ تَعْرِضُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُعِيدِ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى إعَادَةِ بَعْضٍ مِنْ دَرْسِ الْفِقْهِ مَثَلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ يُمْتَحَنُ بِالضَّابِطِ الَّذِي لَيْسَ مَالِكَهُ فَإِنَّهُ تَارَةً يَبْرَأُ وَتَارَةً لَا يَبْرَأُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ فِي الْمُشَارِفِ: وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ، لَا يَلْزَمُهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ فِي الْوَقْفِ مَوْقُوفًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ؛ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةُ اسْتِرْفَاعِ الْحِسَابِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ؛ وَإِذَا رَأَى النَّاظِرُ احْتِيَاجَهَا إلَى مُبَاشِرٍ ثَانٍ مَعَ الْمُشَارِفِ فَرَتَّبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلِلْمُبَاشِرِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ الَّتِي قُرِّرَتْ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
(فُتْيَا مِنْ تِيزِينَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ) وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ ذُكُورٍ وَشَرَطَ فِيهِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَبَدًا ذُكُورِهِمْ دُونَ إنَاثِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ الثَّانِي الْبَطْنَ الْأَوَّلَ فَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِ إخْوَتِهِ ذُكُورِهِمْ دُونَ إنَاثِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا
مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ذَكَرٍ كَانَ عَائِدًا إلَى بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَخَلَّفَ بِنْتًا وَوَلَدَ بِنْتٍ ذَكَرًا تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا الْمَذْكُورِ وَلِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى وَخَلَّفَ أَوْلَادَ أَخِيهِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ؟
وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّ الْوَقْفَ لِلْبِنْتِ وَلِوَلَدِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورِ وَلِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْلَادٌ هَلْ لَهُمْ نَصِيبٌ مَعَ أُمِّهِمْ فِي حَيَاتِهَا أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى الْمَذْكُورِ بَيْنَ بِنْتِهِ الْمُتَوَفَّاةِ فِي حَيَاتِهِ وَابْنَيْ بِنْتِهِ الْبَاقِيَةِ أَثْلَاثًا بِالسَّوِيَّةِ، وَحَيَاةُ الْأُمِّ لَا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ وَلَدَيْهَا، وَلَا شَيْءَ لَهَا وَلِأَوْلَادِ الْأَخِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(فُتْيَا مِنْ حَلَبَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ) وَقَفَ مَدْرَسَةً وَشَرَطَ النَّظَرَ فِيهَا إلَى يُوسُفَ ثُمَّ إلَى جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ مِنْ قَبِيلَةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ مَا دَامَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى مَنْ سِوَاهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ وَالنَّظَرِ فَوَّضْنَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَرِّسُ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِحَيْثُ صَارَ أَهْلًا لَأَنْ يُعْمَلَ بِفُتْيَاهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَبِيلَةِ أَحَدٌ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَلْ يُوَلَّى غَرِيبٌ أَوْ يُخْتَارُ الْأَصْلَحُ مِنْ الْقَبِيلَةِ؟ .
(الْجَوَابُ) إنْ أَمْكَنَ اشْتِغَالُ الْفُقَهَاءِ وَحْدَهُمْ بِحَيْثُ تَقُومُ صُورَةُ الْمَدْرَسَةِ بِدُونِ الْمُدَرِّسِ فَلَا يُوَلَّى الْمُدَرِّسُ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بَعْضُ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ وَيُحْكِمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَيُوَلَّى وَيُصْرَفُ مَعْلُومُ التَّدْرِيسِ فِي مُدَّةِ تَعَطُّلِهِ، إنْ اقْتَضَى شَرْطُ الْوَاقِفِ رَدَّهُ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَظَائِفِ رُدَّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اشْتِغَالُ الْفُقَهَاءِ إلَّا بِالْمُدَرِّسِ وُلِّيَ لَهُمْ مُدَرِّسٌ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ يَنْشَأَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ مَنْ هُوَ مُحْكِمٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ وَيَزُولُ ذَلِكَ الْغَرِيبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(فَتْوَى مِنْ سِرْمِينَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ) وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ وَكَذَا نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ عَادَ
مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَتُوُفِّيَ بَعْضُ الْمُسْتَحَقِّينَ صَغِيرًا وَلَهُ إخْوَةٌ لِأَبِيهِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ ابْنُ الْأَخِ الْمَذْكُورِ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ شَقِيقِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ أَوْ يَشْتَرِكُ مَعَهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وُلِدَ لِأَخِ الشَّقِيقِ الْمَذْكُورِ ابْنٌ هُوَ أَخُو الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ هَلْ يَعُودُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا الْمَوْلُودِ أَوْ يَكُونُ تَأَخُّرُ وِلَادَتِهِ مَانِعًا لِاسْتِحْقَاقِهِ.
(الْجَوَابُ) الْأَرْجَحُ أَنَّ هَذَا النَّصِيبَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِمَأْخَذَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْوَقْفِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَادِ الَّتِي هُمْ مِنْهَا وَزَاحَمَهُمْ فِيهَا أَخُوهُمْ ثُمَّ ابْنُ أَخِيهِ ثُمَّ زَالَ وَلَمْ يَكُنْ مُزَاحِمٌ آخَرُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِمْ، الْمَأْخَذُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ لِابْنِ أَخِيهِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ سَاعَةَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَخُوهُ حَيًّا وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي يَفْهَمُهُ النَّاسُ غَالِبًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَحِينَئِذٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا تَقْتَضِيهِ " ثُمَّ " مِنْ تَرْتِيبِ الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى جَمِيعِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَبَيَانٍ لِأَحَدِ مُحْتَمَلَيْهَا وَهُوَ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْوَقْفِ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي شَيْئًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَقْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا فَصَّلَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ حِينَ كَانَ يَصِيرُ الْآنَ لِوَلَدِهِ يَخْتَصُّ بِهِ وَنَصِيبُ مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَيَكُونُ الْآنَ لِابْنِ أَخِيهِ الْأَقْرَبِ وَهَذَا حُكْمٌ قَدْ يُقَامُ الْحُكْمُ الَّذِي لَوْ سَكَتَ عَنْ تَفْصِيلِهِ لَمْ يَكُنْ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي مَاتَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ عَمِّهِ الْمُتَوَفَّى وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ الْبَاقِينَ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِمْ مَوْجُودًا فَهَذَانِ مَأْخَذَانِ يَحْتَمِلَانِ لِاسْتِحْقَاقِ مَنْ بَقِيَ هَذَا النَّصِيبَ الْمُتَوَفِّرَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ الْأَرْجَحُ، وَيَحْتَمِلُ فِي مُقَابِلِهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَنْقَطِعُ وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ الْآنَ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ وَلَا يُحْتَمَلُ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ احْتِمَالًا آخَرَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ابْنُ أَخٍ آخَرَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ بِأَقْرَبَ وَيَكُونُ الْآنَ أَقْرَبَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَأْخَذِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ الْمُتَوَفَّى وَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِالْأَقْرَبِيَّةِ وَقَدْ قَالَ: الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَالْفَاءُ تَقْتَضِي تَرَتُّبَهُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْأَقْرَبَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ابْنِ الْأَخِ الْمُتَوَفَّى أَعْنِي إذَا كَانَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ حِينَ مَوْتِهِ لَهُ وَكَذَا ابْنَا أَخٍ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ
يَكُونَ ابْنَ شَقِيقِهِ وَالْآخَرُ ابْنَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ فَاسْتِحْقَاقُهُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ الْأَخِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا أَعْرِفُ نَقْلًا فِيهِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْمَوْتِ، وَهَذَا أَكَادُ أَقْطَعُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْمِيرَاثِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِحَالِ الْمَوْتِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ بَعْدِ الْمَيِّتِ مَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَوْتِهِ لَوَرِثَ وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ أَعْيَانٌ قَدْ اسْتَحَقَّهَا مَنْ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْهَا.
وَهَذَا مَنَافِعُ لَهَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ قَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لِلْجِهَةِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَى كُلِّهَا ابْنُ أَخٍ مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ وَلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قُلْنَا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ هَلْ يُصْرَفُ لِمَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ لَا فَشَذَّ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ لَا يُصْرَفُ فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا الْأُولَى.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ وَالْجِهَةُ لَا يُرَاعَى فِيهَا ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ فِي ابْنِ الْأَخِ كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ أَقُولُ إنَّ الْمِيرَاثَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا مَا هُوَ جِهَةٌ تُحْصَرُ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا نَظَرَ إلَى أَفْرَادِهِمْ وَيُصْرَفُ لِمَنْ تَجَدَّدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْوَقْفِ قَطْعًا وَالْوَقْفُ إنَّمَا جُعِلَ غَالِبًا لِذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُمَا عِنْدَئِذٍ حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَيْثُ لَا فَقِيرَ فِي الدُّنْيَا بَلْ يُتَوَقَّعُ وُجُودُهُ يَصِحُّ وَيُحْفَظُ حَتَّى يَتَجَدَّدَ.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَا هُوَ جِهَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَالْأَوْلَادِ فَقَدْ جَعَلُوهُمْ وَاشْتَرَطُوا وُجُودَهُمْ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمْ إرَادَةُ أَعْيَانِهِمْ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ بِهِ أَوْ عَدَمِهِ تَخْصِيصُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِيهِمْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ يَكُنْ نَصَّ عَلَى دُخُولِهِ وَلَا عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ جِهَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُرَاعُوا فِيهِ حُكْمَ الْجِهَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَيْضًا سَبِيلُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ حَمْلُ الْوَقْفِ عَلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْعُمُومُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ أَوْ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْوَصْفِ دُونَ الْعَهْدِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ الْمُتَوَقَّعَةَ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا تَجْوِيزُ الْوَقْفِ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَنَحْوِهِ فَلَوْ وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى أَوْلَادِ أَخِيهِ وَلِأَخِيهِ أَوْلَادٌ دَخَلُوا فَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ ابْنُ أَخٍ أَنْ يَدْخُلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهَذَا مِثْلُهُ.
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يُجْعَلَ ضَابِطٌ فِي ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى تَأْيِيدِ أَصْلِهِ مِمَّا مَنْفَعَتُهُ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ وَالْوَاقِفِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ
الْأَفْرَادُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى الْأَوْلَادِ وَإِنْ كَانُوا دُونَ قَرِينَةِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ ذَلِكَ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ حَالَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إمَّا حَالَةَ الْوَقْفِ وَإِمَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَوْتِ بَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُصْرَفُ لِقَرِينَةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا وَقَالَ لَهُ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ عز وجل يُشْتَرَى بِهِ رِيعٌ أَوْ أَرْضٌ وَتُوقَفُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ شَاهِدَيْنِ وَصَرَّحَ الدَّافِعُ بِمُرَادِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ وَذَكَرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدَقَةً جَارِيَةً فَهَلْ يَخْرُجُ هَذَا الْمَالُ عَنْ مِلْكِ الدَّافِعِ بِنَفْسِ الدَّفْعِ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْقَطِعُ بِصَرْفِ الدَّافِعِ بِوَجْهِ نَظَرٍ أَمْ لَا وَإِذَا قَالَ الدَّافِعُ يُصْرَفُ بَعْضُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مُنَجَّزًا هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ يَضْمَنُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَهَيَّأَ الْمُشْتَرَى عَامًا وَأَكْثَرَ فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ وَقْفُ ذَلِكَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْأَغْنِيَاءِ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَهَلْ يَصِيرُ الْمُشْتَرَى وَقْفًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إنْفَاقِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَهَلْ يَصِحُّ وَقْفُ ذَلِكَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَمْ لَا وَإِذَا أَقَامَ الْمَالُ أَحْوَالًا لَمْ يُؤَدِّ لَهُ زَكَاةً ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَالِ إذَا مَاتَ الدَّافِعُ أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمَالِ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ مَقَالٌ أَمْ لَا وَهَلْ يَحْتَاجُ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَى تَوْكِيلِ هَذَا الدَّافِعِ فِي إنْفَاقِ هَذَا الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا إذَا كَانَ فَقِيرًا أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَأَمَّا انْقِطَاعُ تَصَرُّفِ الدَّافِعِ وَنَظَرِهِ عَنْهُ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ يَشْتَرِي بِهِ وَيُوقَفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِذَلِكَ غَيْرُهُ وَإِذَا قَالَ الدَّافِعُ " يُصْرَفُ بَعْضُ ذَلِكَ الْمَالِ مُنَجَّزًا عَلَى الْفُقَرَاءِ " بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ مَا يُوقِفُهُ؛ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِحَيْثُ لَا يُنَاقِضُ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ كَقَوْلِهِ يَشْتَرِي بِبَعْضِهِ وَيَصْرِفُ بَعْضَهُ أَوْ يَقُولُ يَشْتَرِي بِهِ إلَّا كَذَا فَيَصْرِفُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُتَّبَعُ وَبِدُونِ هَذَا لَا يَجُوزُ وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَجُوزُ ضَمِنَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الدَّافِعِ أَمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَهُ بِالْإِذْنِ، وَتَعْيِينُ الدَّافِعِ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ جُزْءًا مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ كَتَعْيِينِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُنَافِي كَلَامَهُ الْأَوَّلَ فَيُقْبَلُ أَوْ لَا فَلَا يُقْبَلُ وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الْكَلَامِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ بِحَيْثُ لَا يُنَاقِضُ وَإِذَا بَقِيَ الْمَالُ بِيَدِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ سِنِينَ حَتَّى يَتَهَيَّأَ مَا يَشْتَرِي بِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَأَمَّا جِهَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الدَّافِعُ غَيَّرَ أَصْلَ كَلَامِهِ
إلَّا أَنَّهُ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وعبرت طرب (؟) فِيهِ وَجْهُ الْقُرْبَةِ كَأَنْوَاعِ التَّوَكُّلِ بِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا كُلُّ مَا فِيهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَقَارِبُ الْوَاقِفِ كَمَا «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْرُحَاءَ إنَّهَا صَدَقَةٌ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَقَارِبِهِ وَقَضَى لَهُ» .
وَأَمَّا جَعْلُهُ وَقْفًا عَلَى جِهَةِ الْأَغْنِيَاءِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَصَدَقَةً لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْعُرْفِ فِي قَوْلِهِ جَعَلْتُ هَذَا صَدَقَةً لَا يَشْمَلُهُ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا صَحَّ عَلَيْهِمْ لِقَصْدِ التَّمْلِيكِ لَا لِظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ فِي نَفْسِهِ قُرْبَةً وَلَا يَصِيرُ الْمُشْتَرَى بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقْفًا لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ إمَّا مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِإِذْنِ الدَّافِعِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الدَّافِعِ أَوَّلًا مَا يَدْفَعُهُ إذَا أَقَامَ أَحْوَالًا فَقَدْ قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِذَا مَاتَ الدَّافِعُ أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمَالِ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ مَقَالٌ فِي طَلَبِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَطْلُبَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَقْفَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ بِطَرِيقِهِ وَسَوَاءٌ الْمَدْفُوعُ وَوَقْفُهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ فَإِنْ أَذِنَ الدَّافِعُ فِيهِمَا مَعًا فَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَى تَجْدِيدِ إذْنٍ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ أَذِنَ فِي الشِّرَاءِ فَقَطْ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ آخَرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَيَكُونُ الْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ أَمَانَةً حَتَّى يُطْلَبَ مِنْهُ أَوْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيمَا يَفْعَلُ بِهِ، وَإِذَا وَقَفَ مَا يُشْتَرَى بِالْمَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَوْصُوفِينَ بِصِفَةٍ تِلْكَ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بِإِذْنِ النَّاظِرِ، وَالنَّاظِرُ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ الدَّافِعُ عَيَّنَهُ فِي أَصْلِ كَلَامِهِ فَيُشْتَرَطُ حَالَ الْوَقْفِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ كَانَ لَهُ النَّظَرُ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْمُوصِي عَقَارًا وَيُوقِفَهُ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا تَنْقَطِعُ فَاشْتَرَى الْوَصِيُّ عَقَارًا وَاسْتَغَلَّهُ سِنِينَ وَلَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لِوَارِثِ الْمُوصِي الرَّشِيدِ رَفْعُ الْوَصِيِّ إلَى الْحَاكِمِ وَإِلْزَامُهُ بِوَقْفِ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا وَهَلْ يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَيَرْجِعُ
بِهَا عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَيَصِيرُ الْكُلُّ وَقْفًا أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَإِلْزَامُهُ بِوَقْفِ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ وَيَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ غَلَّةَ الْعَقَارِ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَقْفِ إلَّا مِنْ حِينِ الْوَقْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) وَقَفَ عَلَى الطُّنُبَا ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَتَتَارٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَنْسَالِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَادِ الطُّنُبَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ نَسْلِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ وَانْتَهَى الْوَقْفُ إلَى أَحْمَدَ بْنِ تَتَارَ الْمَذْكُورَةِ وَانْفَرَدَ بِهِ فَوُلِدَ لَهُ مُحَمَّدٌ وَاَلَّتِي وَسَفْرَى ثُمَّ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ سُتَيْتَةُ وَعَائِشَةُ وَأَمَةُ الرَّحِيمِ وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ عَنْ بَنَاتِهِ الثَّلَاثِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ عَنْ بِنْتَيْهِ وَبَنَاتِ ابْنِهِ فَهَلْ نَصِيبُهُ لَبِنْتَيْهِ فَقَطْ أَوْ لَهُمَا وَلِبَنَاتِ ابْنِهِ؟ .
(أَجَابَ) هُنَا مُقَدِّمَاتٌ إحْدَاهَا هَلْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَادِ وَلَكِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصِيرُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ آبَائِهِمْ؟ هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ لِشُمُولِ اللَّفْظِ وَعُمُومِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي الْمَوْجُودِينَ حِينَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِي فَإِذَا دَلَّ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَخْصِيصُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِأَنْ يَخْرُجَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَادِ عَنْ شُمُولِ لَفْظِ الْأَوْلَادِ لَهُ، وَالثَّانِي تَقْيِيدُ الْوَقْفِ بِأَنْ لَا يَصِيرَ وَلَدُ الْوَلَدِ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَلَدِ مُنْدَرِجًا فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ وَفَاةِ الْوَلَدِ وَهُمَا اعْتِبَارَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى هَذَا التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَدْفَعَهُمَا وَيَذْهَبَ إلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَادِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَقْفَ شَامِلٌ لَهُمْ وَمُقْتَضٍ لِلصَّرْفِ إلَيْهِمْ وَلَهُ شَرْطٌ إذَا وُجِدَ عَمِلَ الْمُقْتَضَى عَمَلَهُ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ انْطَوَتْ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ إحْدَاهَا أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَادِهِ أَوْ لَا؟
(وَالثَّانِيَةُ) هَلْ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ مَوْقُوفٌ عَلَى انْقِرَاضِ آبَائِهِمْ أَوْ لَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ
فَهَلْ يُقَالُ إنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ آبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْهُ الْقَوِيُّ فِيهِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ) التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ لَفْظَةِ " ثُمَّ " ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُصْرَفَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ؛ وَهُوَ مَوْضُوعُ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى تَأَخُّرَ مُسَمَّى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَنْ مُسَمَّى الْأَوْلَادِ وَمَجْمُوعِهِمْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَلَيْسَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهِمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَا يَتَأَتَّيَانِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهِمْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ وَالْفَرْقُ أَنَّ مُسَمَّى الْوَلَدِ بَاقٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ وَالْجِهَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ فَلِذَلِكَ لَا نَقُولُ بِالِانْقِطَاعِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَيُحْمَلُ التَّرْتِيبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الَّذِي عِنْدَنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ نَعَمْ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كَتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هُنَا قَدْ قَوِيَ جَانِبُ الْأَعْيَانِ وَضَعُفَ جَانِبُ الْجِهَةِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَذَا الْفَصْلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَثَلَاثَةِ أَوْقَافٍ فَهُنَا يَضْعُفُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّ نَصِيبَهُ يُنْقَلُ إلَى الْفُقَرَاءِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ) تَرْتِيبُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْعٍ مُتَرَتِّبًا عَلَى أَصْلِهِ، فَهُنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَفْرَادُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْجُمْلَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِثَالُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبُ أَصْلِهِ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ وَاسِطَةٌ مِثَالُهُ أَنْ يُرَادَ تَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنُصُّ الْوَاقِفُ عَلَيْهَا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ نَصِيبٌ قَدْ اسْتَحَقَّهُ وَمَاتَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ
وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ تَرْتِيبُ كُلِّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ لَدَخَلَ وَإِذَا دَارَ لَفْظٌ حُمِلَ بَيْنَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ فَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَوْلَى.
(الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ) لَفْظُ النَّصِيبِ ظَاهِرٌ فِي الْمُسْتَحَقِّ الْمُتَنَاوَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَقْفِ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ الْحَاجِبُ لَتَنَاوَلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْنِي الْوَلَدَ لَوْ زَالَ الْحَاجِبُ لَاسْتَحَقَّ قِسْطًا فَذَلِكَ نَصِيبٌ إمَّا بِالْقُوَّةِ فَقَطْ وَإِمَّا بِالْفِعْلِ، وَتَنَاوُلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ) قَدْ يَقُولُ وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَقَدْ يَقُولُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَفِي الصِّيغَةِ الْأُولَى الضَّمِيرُ فِي أَوْلَادِهِمْ لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَهَلْ يَنْدَرِجُ أَوْلَادُهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَوْدًا عَلَى لَفْظِ الْأَوْلَادِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُرَادِ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ انْدَرَجَ أَوْلَادُهُمْ فِي الضَّمِيرِ وَأَمَّا الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا يَأْتِي فِيهَا الِاحْتِمَالُ بَلْ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ أُدْخِلَ آبَاؤُهُمْ فِي الْوَقْفِ أَوْ لَا لِصِدْقِ اسْمِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا بَعْدَ زَوَالِ مَنْ يَحْجُبُهُمْ بِلَا إشْكَالٍ، وَقَدْ يُقَالُ بِحَجْبِ الْأَعْمَامِ لَهُمْ فَيَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ آبَائِهِمْ.
(الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ " يَعُودُ عَلَى مَنْ قُلْنَا إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وِفَاقًا وَاحْتِمَالًا فَمَنْ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَاكَ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَا وَمَنْ تَرَدَّدْنَا بِدُخُولِهِ هُنَاكَ تَرَدَّدْنَا فِي دُخُولِهِ هُنَا.
(الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ) أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَى آخِرِهِ هُوَ كَالْوَقْفِ الْكَامِلِ يَجِبُ النَّظَرُ فِي صِيَغِهِ وَدَلَالَتِهِ كَمَا سَبَقَ.
(الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ) أَنَّهُ كُلُّ مَا أَدَّى إلَى قِلَّةِ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ كَانَ أَوْلَى مِمَّا أَدَّى إلَى كَثْرَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الْعَشْرَ فَنَقُولُ: أَحْمَدُ بْنُ تَتَارَ الْمُتَوَفَّى هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الطُّنُبَا دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ بِلَا إشْكَالٍ يَشْمَلُهُمْ قَوْلُ الْوَاقِفِ: ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَيْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَحْمَدْ وَمُحَمَّدِ وَتَتَارَ وَهَاتَانِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ تَتَارَ وَأَمَّا أَخُوهُمَا أَحْمَدُ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ وَالِدِهِ فَفِي دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ وَشُمُولِ الْوَقْفِ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَلَمْ نَجِدْ نَقْلًا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُيُوخُنَا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَقَدَّمْنَا مَا بَلَغَنَا عَنْ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَنْ لَا يَصْدُقَ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَنْسَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَنْسَالِ أَوْلَادِ
أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَتَتَارَ؛ لِأَنَّهُنَّ نَسْلُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ تَتَارَ فَهُنَّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَنْسَالِ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ انْدَرَجَ أَصْلُهُنَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا عَمَّاتُهُنَّ وَالنَّظَرُ فِي أَنَّهُنَّ حَاجِبَاتٌ لَهُنَّ أَوْ لَا وَالْمُحَقَّقُ مِنْ ثُمَّ حَجْبُ أُمِّهِنَّ وَأَمَّا حَجْبُ عَمَّاتِهِنَّ فَمُحْتَمَلٌ.
وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ الْحَجْبُ وَعَدَمُ الْحَجْبِ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَيُعَضِّدُهُ هُنَا أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَلْفَاظِ فِي قَوْلِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُنَّ وَيَدْخُلُ مِلْكُهُ مِنْ الْحَقِّ التَّقْدِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ نَصِيبُهُ فَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ فَهَذَانِ احْتِمَالَانِ فِي اسْتِحْقَاقِهِمَا وَيُعَضِّدُهُمَا احْتِمَالٌ ثَالِثٌ فِي قَوْلِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ عَامًّا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَفْقُودِ بِأَنْ يُقَدِّرَهُ مَوْجُودًا انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِبَنَاتِهِ.
وَإِنْ خَصَصْنَاهُ بِالْمَوْجُودِ اقْتَضَى أَنَّهُ بَعْدَهُ يَنْتَقِلُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَحْمَدَ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ بَنَاتُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ لِلَّتِي وَسَفْرَى أَوْلَادٌ فَيُمْنَعْنَ فَيَحْصُلُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، وَالْخَلَاصُ عَنْ ذَلِكَ بِالْجَمْعِ بِأَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا لِوَالِدِهِ فَهَذَا احْتِمَالٌ ثَالِثٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِنَّ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فِي نَصِيبِ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدٌ ضَائِعًا (؟) لَا يَكْفِي عَنْهُ قَوْلُهُ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يُرَادَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَلِوَلَدِ وَلَدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُمَا إنْ كَانَا لَهُ وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ إلَيْهِ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَقَطْ لَا شَكَّ أَنْ نَصِيبَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَذَلِكَ فَقَطْ وَمَنْ مَاتَ وَهُمَا لَهُ فَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ بِأَنْ يُقَدِّرَ لِلنَّقْلِ نَصِيبَهُ إلَى وَلَدِهِ وَإِلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَيَكُونُ لَهُمَا سِرٌّ لَكِنَّهُ حَسَنٌ (؟) مِنْ اشْتِرَاكِ الْوَلَدِ بَيْنَ أَبِيهِ فَأَتَى بِهِمْ وَلَمْ يُخْلِصْ الْكَاتِبُ الْعِبَارَةَ فَتُحْمَلُ لِوَلَدِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَيُرَادُ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ بِهِ يَصِحُّ مَا قُلْنَاهُ فَصَارَ لِاسْتِحْقَاقِهِنَّ وُجُوهٌ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ.
وَحَجْبُهُنَّ بِعَمَّاتِهِنَّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إذَا مَاتَ سَفْرَى وَاَلَّتِي عَنْ وَلَدٍ وَتَخْصِيصُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إذَا قُلْنَا أَبُوهُنَّ رَجُلٌ (؟) فِي اللَّفْظِ فَقَدْ ضَعُفَ جَانِبُ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ عَلَى حَجْبِ الْعَمَّاتِ لَهُنَّ قَلِيلًا وَبِذَلِكَ تَكَادُ تَسْتَوِي دَلَالَةُ التَّرْتِيبِ وَيَبْقَى التَّرَدُّدُ فِيهِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ لِأُصَلِّهِ فَقَطْ أَوْ حَجْبُ الْجُمْلَةِ لِلْجُمْلَةِ وَيَخْرُجُ عَقِبَهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ، وَإِذَا كَانَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ لِسَفَرِي وَقَدْ قُلْنَا إنَّ كَوْنَ وَلَدِ الْوَلَدِ مَوْقُوفًا لَكِنَّهُ عِلَّةٌ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ أَرْجَحُ فَنَقُولُ الِاسْتِحْقَاقُ مُحَقَّقٌ وَالْحَجْبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَنَتْرُكُ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَنَعْمَلُ بِالْمُحَقَّقِ فَيُقْضَى لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ قَبْلَ
الْوَقْفِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِلشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) لَمَّا تَجَاذَبَتْ عِنْدِي الِاحْتِمَالَاتُ وَلَمْ أَسْتَطِعْ الْجَزْمَ بِالْقَوْلِ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَإِقَامَتِهِنَّ مَقَامَ آبَائِهِنَّ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَ لِي سَلَفًا تَطَلَّبْتُ أَحْكَامَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ سَلَفُوا وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ لَعَلَّ يَكُونُ فِيهَا مُسْتَنَدًا مَا إمَّا لِهَذَا وَإِمَّا لِضِدِّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الْأَوْقَافِ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَقَدْ رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ وَمِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَفْتَوْا بِاخْتِصَاصِ الْعَمَّتَيْنِ عَنْ بَنَاتِ أَخِيهِمَا وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَاسْتَنْكَرُوا الْفَتْوَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِالشَّامِ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ وَيَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ ذَلِكَ كَوْنُ وَالِدِهِنَّ كَانَ مَحْجُوبًا.
كَتَبَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَنْبَلِيُّ؛ وَتَحْتَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ عِبَادَةُ وَقَالَ الْآخَرُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِآبَائِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَكِنَّ وُجُودَ أَبِيهِ مَنَعَهُ مِنْ التَّنَاوُلِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى، وَهَذَا الْمَانِعُ لَمْ يُوجَدْ فِي بَنَاتِهِ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ عَنْ الْوَقْفِ وَوُجُودُ الْأَعْلَى مَانِعٌ مِنْ تَنَاوُلِ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ تَنَاوُلُهُ شَرْطًا فِي تَنَاوُلِ مَنْ بَعْدَهُ إذَا قَامَ بِهِ شَرْطُ التَّنَاوُلِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَقْصِدُ حِرْمَانَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْأَيْتَامِ وَإِبْقَائِهِنَّ بِوَصْفِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَتَوْفِيرِ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ نَظِيرُهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْوَاقِفِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعُقَلَاءِ.
كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَنْبَلِيُّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِنْهُمْ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ تَخْصِيصَ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْسَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَكَّدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَيَقُمْنَ بَنَاتُ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَهُوَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَيَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ دُونَ غَيْرِهِنَّ وَوُجُودُ الَّتِي وَسَفْرَى لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّنَاوُلِ لِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنَجَّا الْحَنْبَلِيُّ.
هَذِهِ فَتَاوَى الْحَنَابِلَةِ، وَحَكَمَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الزَّرْعِيُّ بِمُقْتَضَاهَا فِي الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ مُسْتَنِيبُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءُ الدِّينِ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَنَفَّذَهُ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَنَفَّذَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ ثَالِثِ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَذِنَ جَلَالُ الدِّينِ قَاضِي
الْقُضَاةِ فِي تَارِيخِهِ جَلَالُ الدِّينِ نَاظِرِ الْأَيْتَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ الْأَخَوَاتِ إلَى أَنْ يَتَعَيَّنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَأَشْهَدَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَاسْتَفْتَى فِي هَذَا الْحُكْمِ إذَا رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ هَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُهُ يَعْنِي حُكْمَ الزَّرْعِيِّ وَتَنْفِيذَهُ فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ وَمِنْهُمْ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ الْخِلَافُ يَرْتَفِعُ.
كَتَبَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَكَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ فَدَعْوَى، وَقَوْلُهُ إنَّهُنَّ يَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ أَيْضًا دَعْوَى لَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَصْرِيحٌ بِهَا وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ كَوْنُ وَالِدِهِنَّ كَانَ مَحْجُوبًا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ لَا يَمْنَعَ غَيْرُهُ، وَلَا مِنْ كَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ وُجُودُ الْمُقْتَضَى لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ فَهُوَ أَيْضًا دَعْوَى وَقَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ إلَى آخِرِهِ مُنَازَعٌ فِيهِ فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مَنْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يُطْلِقُ أَهْلُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمِلًا فَأَخْذُهُ هَذَا مُسْلِمًا لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْنُوعًا بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ إلَى آخِرِهِ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إلَى تَصْوِيرٍ فَإِنَّهُ مَتَى وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَكَانَ وَلَدُهُ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا لَا يَسْتَحِقُّ وَلَدُ الْوَلَدِ شَيْئًا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَفِيهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ الصُّورَةَ الَّتِي أَرَادَهَا وَحُكْمَهَا نَقْلًا وَدَلِيلًا وَقَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا إلَى آخِرِهِ هَذَا هُوَ عُمْدَةُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ مَقْصُودٌ فِي مُرَاعَاةِ الْقُرْبِ، وَقَوْلُهُ وَالْقُرْبُ مِنْ الْوَاقِفِ ذُهُولٌ عَنْ صُورَةِ الِاسْتِفْتَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِفِ، وَأَمَّا مَا قَالَ الْآخَرُ فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ فَتَاوَى الْحَنَابِلَةِ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى حُجَّةٍ وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِعَدَمِ النَّقْضِ فَكُلُّهَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْمُسْتَنَدُ إلَّا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ نَجِدْهَا مَسْطُورَةً وَإِنَّمَا يُطْلَقُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ خِلَافٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَنَا فَتَتَجَاذَبُ الْآرَاءُ فِيهَا فَلَا يُقَالُ إنَّهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهَا فَإِنْ اتَّضَحَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِيهَا بِحُكْمٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَنْبَغِي جَوَازُ نَقْضِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ