الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّعْوِيضِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ السِّرَايَةِ وَفِي إعْتَاقِ نَصِيبِهَا وَعِتْقُ نَصِيبِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْمُؤَاخَذَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ.
(الثَّانِيَةُ) أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ الْآنَ فَيَعْتِقُ نَصِيبُهَا بِإِقْرَارِهَا وَالثَّانِي بِالسِّرَايَةِ وَإِقْرَارُهَا مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِإِنْشَاءِ عِتْقِ نَصِيبِهَا وَمَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ قُبِلَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ.
(الثَّالِثَةُ) أَنْ يُطْلِقَ وَالْإِقْرَارُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَعَلَى أَدْنَى السَّبَبَيْنِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: إنَّهُ لَا يَسْرِي وَأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهَا مِنْ بَابِ الْمُؤَاخَذِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَالْحُكْمُ بِسُقُوطِ الصَّدَاقِ مُؤَاخَذَةٌ بِإِقْرَارِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الْكِتَابَةِ وَقَعَ فِيهَا الْتِبَاسٌ فَلَخَّصْتُهَا:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَسْرِي، وَفِي وَقْتِ السِّرَايَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْحَالِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ.
وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنُهُمَا، وَأَمَّا عَلَى الْأَظْهَرِ فَإِنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ عَتَقَ عَنْ الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَتْ السِّرَايَةُ حِينَئِذٍ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي انْفِسَاخِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْفَسِخُ كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ النُّجُومِ فَكَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ أَوْ النُّجُومَ كُلَّهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ قُلْنَا: يَعْتِقُ بَعْضُهُ فَالسِّرَايَةُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَإِنْ قَبَضَ جَمِيعَ النُّجُومِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا وَلَا سِرَايَةَ.
[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) كَاتَبَ عَبْدًا وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ فَهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ: الْمُحَرَّرُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا أُبْقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَإِنْ عَجَزَ عَادَ ذَلِكَ النَّصِيبُ قِنًّا وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ وَكَذَا وَلَاءُ نَصِيبِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ.
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَقُلْنَا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ السَّرَيَانَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ فَهَاهُنَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَسْرِي
لِأَنَّ إعْتَاقَهُ تَنْفِيذٌ لِعِتْقِ الْأَبِ وَتَعْجِيلٌ لِمَا أَخَّرَهُ وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَبِ وَالْمَيِّتُ لَا يَسْرِي عَلَيْهِ وَالثَّانِي يَسْرِي وَيَقُومُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْأَبِ فَإِنَّ وَلَاءَ هَذَا النِّصْفِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ: أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيَكُونُ الْعِتْقُ قَدْ وَقَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي السَّائِلِ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَالتَّقْوِيمُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ.
قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي الطَّبَرِيِّ، وَطَرَدَهُ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِشَرِيكِهِ: أَعْتِقْ نَصِيبَكَ عَنِّي فَأَعْتَقَهُ سَرَى إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلسَّائِلِ وَالْغُرْمُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ بِالسُّؤَالِ.
وَخَالَفَهُمْ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْهُ، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَهُ هُوَ وَالرَّافِعِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي السِّرَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا: أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَجَابَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ عَنْ الْمُسْتَدْعَى فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إذَا وَكَّلَ أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ فِي إعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَهُ أَنَّ وَلَاءَ نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشَرَةُ وَالسَّبَبُ جَمِيعًا مِنْ الْوَكِيلِ وَلِهَذَا تَلِفَ نَصِيبُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَوْ كَانَ هُوَ بِتَوْكِيلِهِ سَبَبًا لَضَمَنَ فَلَمَّا لَمْ يَضْمَنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِعِتْقِ نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ الْمُتَسَبِّبِ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ وَلَا يَنْتَسِبُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِسَبَبٍ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَنْتَسِبُ إلَيْهِ بِسَبَبٍ وَلَكِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُتَقَدِّمَةٌ فَلِذَلِكَ أَحَلْنَا الْإِتْلَافَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَضْمَنْ.
هَذَا إنْ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ عِتْقَ الْجَمِيعِ يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بَعْدَ تَثَبُّتِ أَحَدِهِمَا تَقَعُ السِّرَايَةُ عَنْ الْمُسْتَدْعَى وَالثَّانِي عَنْ الْمُعْتِقِ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ الْغُرْمِ عَلَى السَّائِلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَجْنَبِيًّا فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ فَفَعَلَ فَقِيَاسُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْغُرْمَ عَلَى الْوَكِيلِ، لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَهُ
فِي مَسْأَلَةٍ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَأَعْتَقَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا بِوَكَالَةٍ أَنَّ الْغُرْمَ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَيْضًا فِي عَبْدٍ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَالَ أَجْنَبِيٌّ مَعَهُ عَشَرَةٌ لِأَحَدِهِمَا: أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي بِهَا وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهَا لَا سِرَايَةَ، وَلَوْ كَانَ التَّقْوِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يُنْظَرْ إلَى حَالِ الْمُوَكِّلِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
فَلْتَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا مُشْكِلَةٌ فَإِنْ قُلْنَا: يَسْرِي فَفِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ الْعَجْزِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا: فِي الْحَالِ انْفَسَخَ قَطْعًا وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَوَلَاءُ النِّصْفِ الثَّانِي لِلْمُعْتَقِ وَفِي وَلَاءِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلْأَبِ وَيَنْتَقِلُ لَهُمَا بِالْعُصُوبَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ فَوَلَاءُ الْجَمِيعِ لِلْأَبِ وَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ عِنْدَ الْعَجْزِ فَإِنْ أَدَّى فَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ كُلُّهُ وَإِنْ عَجَزَ فَقِيلَ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَوَلَاءُ الْجَمِيعِ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَا سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَفِي وَلَاءِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ الْوَجْهَانِ، هَذَا حُكْمُ إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا وَإِبْرَاؤُهُ كَإِعْتَاقِهِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ، وَقَبْضُهُ نَصِيبَهُ مِنْ النُّجُومِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَاسِدٌ وَبِإِذْنٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّرِيكَيْنِ فَإِنْ صَحَّحْنَا مَا قَالَ الْإِمَامُ لَا سِرَايَةَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا حُرِّيَّةَ بِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ.
وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ كَإِعْتَاقِهِ وَإِبْرَائِهِ وَمَالَ الرَّافِعِيُّ إلَيْهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ أَبَاهُمَا كَاتَبَهُ فَإِنْ كَذَّبَاهُ حَلَفَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَإِنْ صَدَّقَاهُ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ مُكَاتَبٌ وَنَصِيبُ الْمُكَذِّبِ قِنٌّ إذَا حَلَفَ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُصَدِّقُ نَصِيبَ نَفْسِهِ عَتَقَ وَهَلْ يَسْرِي؟ حَكَى الرَّافِعِيُّ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالسِّرَايَةِ وَالثَّانِيَةُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْهُمْ عَدَمُ السِّرَايَةِ، لَكِنَّ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَالطَّرِيقَانِ اللَّتَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي النِّهَايَةِ بِزِيَادَةِ تَحْقِيقٍ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُكَاتَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَيْسَ إلَّا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَلَيْسَ إلَّا السِّرَايَةُ فَلَيْسَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْخِلَافِ كَغَيْرِهِ فِي الْمَسَائِلِ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ تَصْحِيحُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ لِلسِّرَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ نَصِيبَ الْمُصَدِّقِ مَحْكُومٌ فِي الظَّاهِرِ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَيْضًا وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ مُكَاتَبًا أَنْ لَا يَسْرِي فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْمُصَدِّقَ حُكْمُ
السِّرَايَةِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ بِمَا يُوجِبُهَا.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ يَزْعُمُ أَنَّ الْكُلَّ قِنٌّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ إعْتَاقَ شَرِيكِهِ نَافِذٌ سَارٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ: أَنْتَ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ فَإِنَّا نُؤَاخِذُهُ وَنَحْكُمُ بِالسِّرَايَةِ إلَى نَصِيبِهِ لَكِنَّ هُنَاكَ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ الْقِيمَةُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ إعْتَاقِهِ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ، وَهُنَا لَمَّا ثَبَتَتْ السِّرَايَةُ بِإِقْرَارِ الْمُكَذِّبِ وَهِيَ مِنْ أَثَرِ إعْتَاقِ الْمُصَدِّقِ وَإِعْتَاقُهُ ثَابِتٌ فَهُوَ بِإِعْتَاقِهِ مُتْلِفٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا أَتْلَفَهُ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا أَنَّا فِي الْمُكَاتَبِ كُلِّهِ إنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِالسِّرَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الشَّرِيكِ فِي كِتَابَتِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَفْقُودَةٌ هَا هُنَا وَلَا مَحْذُورَ فِي السِّرَايَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ الْقَوْلَ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ: يَسْرِي وَلَا يَغْرَمُ.
إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَإِذَا قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فَهِيَ هَا هُنَا فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِيءُ الْقَوْلُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ لَا كِتَابَةَ هَاهُنَا فِي الْبَاقِي فَلَا عَجْزَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فَوَلَاءُ النِّصْفِ الَّذِي سَرَى الْعِتْقُ إلَيْهِ لِلْمُعْتَقِ وَفِي وَلَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ فِي النِّصْفِ الَّذِي سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا سِرَايَةَ فَوَلَاءُ مَا عَتَقَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُصَدِّقُ فِي الْأَصَحِّ لِإِبْطَالِ الْمُنْكِرِ حَقَّهُ، هَذَا حُكْمُ الْإِعْتَاقِ.
وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُصَدِّقُ مِنْ نَصِيبِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْرِي كَنَظِيرِهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا تَجِيءُ الْمُؤَاخَذَةُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْمُكَذِّبَ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ بَاطِلٌ وَلَوْ أَقْبَضَ الْمُصَدِّقُ نَصِيبَهُ مِنْ النُّجُومِ فَلَا سِرَايَةَ، وَهَلْ يَكُونُ وَلَاءُ مَا عَتَقَ لَهُمَا أَوْ لِلْمُصَدِّقِ وَحْدَهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(سُؤَالٌ) وَرَدَ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة مِنْ جِهَةِ الْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَنُوبٍ الْقُرَشِيِّ الْمَغْرِبِيِّ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ وَجَدَهُمَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إحْدَاهُمَا مَنْ أُخِذَ لَهُ مَالٌ حَلَالٌ فَوَجَدَ عِنْدَ أَخْذِهِ لَهُ مَالًا حَرَامًا فَهَلْ إذَا أَخَذَهُ مِنْ
الظَّالِمِ لَهُ يَتَنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ قَالَ: يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ إشْكَالٌ قَالَ السَّائِلُ: وَلَمْ يَظْهَرْ مُوجِبُ تَوَقُّفِهِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الْتِبَاسٌ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ الْمُكْتَسَبِ لَهَا بِغَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَكَيْفَ لَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ يَحِلُّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ.
وَطَلَبُ هَذَا السَّائِلِ مُتَعَلِّقُ اسْتِشْكَالِ الْإِمَامِ عِزِّ الدِّينِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ، قَالَ: وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي مَذْهَبِنَا مَعْلُومٌ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهَا لِرَبِّهَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا.
الثَّانِيَةُ فِي تَقْدِيمِ الْفَاضِلِ عَلَى الْمَفْضُولِ فَذَكَرَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَرَادَ عِتْقَهُمَا هَلْ يُقَدَّمُ عِتْقُ الْأَجْنَبِيِّ الصَّالِحِ عَلَى عِتْقِ قَرِيبِهِ الْفَاسِقِ أَمْ لَا؟ قَالَ هُوَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ السَّائِلُ: فَأَقُولُ يُقَدِّمُ عِتْقَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْإِحْسَانُ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَالْأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة: 113] وَقَالَ فِي إبْرَاهِيمَ عليه السلام {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَغَيْرُ هَذَا فَمَا مُوجِبُ تَوَقُّفِهِ رضي الله عنه وَظَاهِرُ كَلَامِ مَوْلَانَا عِزِّ الدِّينِ فِي الْعَبْدِ الْقَرِيبِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا أَوْ كَانَ صَالِحًا وَالْعَبْدُ الْأَجْنَبِيُّ أَصْلَحُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ عِتْقَ الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا أَوْ كَانَ صَالِحًا، وَعِنْدِي أَنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَصْلَحِ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِفَاسِقٍ أَوْ الْقَرِيبُ الصَّالِحُ أَوْلَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ صَالِحًا قَدَّمْت الْأَجْنَبِيَّ الْأَصْلَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْأَصْلَحِيَّةِ زَادَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ فَإِنْ قِيلَ: وَصْفُ الْأَصْلَحِيَّةِ تَقَابَلَ بِهِ وَصْفُ الْقَرَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْقُرْبِ فَاعْتَدَلَا فَوَجَبَ الْوَقْفُ.
فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَقَدُّمَةَ الْأَصْلَحِيَّةِ تَقْدِيمٌ دِينِيٌّ وَتَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ دُنْيَوِيٌّ وَالدِّينِيُّ يُقَدَّمُ وَبَسْطُهُ يَطُولُ، الثَّانِي: أَنَّا إذَا قَدَّمْنَا الْأَجْنَبِيَّ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَعَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الشَّوَائِبِ الْقَادِحَةِ فِي الْقَرَابَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى الْقَرِيبَ رُبَّمَا خَطَرَ لَهُ وَصْفُ الْقَرَابَةِ فِي السَّبَبِيَّةِ وَهَذَا تَقْتَضِيه الْحِيلَةُ فَيَكُونُ بَاعِثًا عَلَى الْإِعْطَاءِ أَوْ مُشَارِكًا فِي النَّسَبِ مَعَ وَصْفِ
الصَّلَاحِ فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ اتِّصَافِ الْقَرِيبِ بِوَصْفِ الصَّلَاحِ فَمِنْ بَابٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا وَلَا فَاسِقًا.
انْتَهَى كَلَامُ السَّائِلِ وَكُتِبَ بِذَلِكَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي كِتَابِ رِسَالَةٍ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي الْقَاهِرَةِ فَالْتَمَسَ الْجَوَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ سَعِيدٌ وَالْتَمَسَ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيّ فَقَالَ مُعْتَصِمًا بِاَللَّهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْحَقُّ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مَتَى كَانَ مَعْلُومَ التَّحْرِيمِ بِاكْتِسَابِهِ مِنْ جِهَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِاعْتِقَادِهِمَا وَاحْتَرَزْنَا بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَمَّا إذَا قَالَ الْغَاصِبُ: إنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ حَرَامٌ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَحْرِيمِهِ أَوْ قَالَ الْغَاصِبُ: إنَّهُ حَلَالٌ وَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: هُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الْمَغْصُوبُ تَالِفًا فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ.
وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي اعْتِقَادِهِمَا عَمَّا إذَا رَأَى الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَأَرَادَ إعْطَاءَهُ فِيمَا عَلَيْهِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِبُطْلَانِ اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِالْحِلِّ ضَعِيفٌ، وَعَمَّا إذَا رَأَى مُسْلِمًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا فَاسِدًا فِي اعْتِقَادِهِ جَائِزًا فِي اعْتِقَادِ الْمُتَصَرِّفِ كَمَا فِي الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْقَوْلُ بِالْحِلِّ هُنَا أَقْوَى مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ فَلَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٍ حَلَّ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ اتَّصَلَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ صَحَّ حِلٌّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَنْشَؤُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْقِسْمِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْحِلِّ وَيُقِرُّ الْأَمْرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَعَدَمُ الْحِلِّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَوَّلُونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِغَيْرِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
أَمْ لَا فَإِنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا فِي التَّعْبِيرِ أَصْلًا وَهُوَ الْحَقُّ فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْغَاصِبِ فَيُعْطِيهِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَهُمَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهَذَا لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَلْبَتَّةَ مَا دَامَ حَالُهُ مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ صِفَتَانِ لِلْأَعْيَانِ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ حُصُولَ الْإِثْمِ بِهِ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَقِيهٌ وَلَا أُصُولِيٌّ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ الْمَجَازِيُّ ارْتَكَبَهُ كَثِيرُونَ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ حَرَامٌ قُلْت: وَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَأْخُوذُ فِيهَا مَوْصُوفٌ بِالْحِلِّ حَالٌّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ ظَاهِرًا حَتَّى يَعْلَمَ الْآخِذُ مِمَّا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَغُرْمُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالُ كَانَ حَرَامًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْقَابِضُ يَظُنُّهُ حَلَالًا فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَتَّجِهُ الِاسْتِشْكَالُ فِيهِ وَلَا الْقَوْلُ بِحِلِّهِ بَاطِنًا وَمِلْكِ الْقَابِضِ لَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ رَاجِعَانِ لِلْأَفْعَالِ أَوْ لِلْأَعْيَانِ.
وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذِكْرُهُ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ مُنْطَبِقًا عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ الْقَابِضُ تَحْرِيمَ الْمَقْبُوضِ مِنْ غَيْرِ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا إذَا رَأَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ الْمَيْتَةَ أَوْ الْخِنْزِيرَ وَقَبَضَ ثَمَنَ ذَلِكَ أَوْ نَهَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَبَضَ مَالًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِي تَحْرِيمِهِ وَأَحْضَرَ ذَلِكَ الْمَالَ بِعَيْنِهِ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي يَدِهِ فَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَخْذُهُ وَلَا قَبْضُهُ وَلَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا ظَالِمًا وَكَانَ الْمَالُ مُسْتَمِرَّ التَّحْرِيمِ فِي يَدِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ رَدُّهُ إلَى الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَا يُبْقِيه فِي يَدِهِ وَهَذَا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ غَيْرِ النُّقُودِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَإِنْ
قُلْنَا: إنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَلِكَ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَقُولُونَ بِتَعْيِينِهَا فِي الْغَصْبِ.
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّصِّ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يُجْبِرَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ مِثْلِ دَرَاهِمِهِ مَعَ بَقَائِهَا فَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُنْطَبِقًا عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ.
فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي أَخَذَهَا بَدَلَهَا حَلَالٌ وَتَصِيرُ هِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَلَالًا لَهُ وَلِمَنْ أَخَذَهُمَا مِنْهُ بِطَرِيقِهِ، هَذَا مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ فِي الْغَصْبِ وَخِلَافِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي الْإِجْمَاعِ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ - وَكَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَنَّهُ يَرُدُّ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقْبَلُ الْخِلَافُ أَمَّا فِي غَيْرِ النُّقُودِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ وَأَمَّا النُّقُودُ فَفِيهَا الشُّبْهَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ فَالْحَقُّ التَّعْيِينُ وَبَقَاءُ ذَلِكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ عَلَى التَّحْرِيمِ حَتَّى يَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَالْمَالُ الْمَغْصُوبُ كَائِنًا مَا كَانَ مَالُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَمَنْ أَكَلَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِالْبَاطِلِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَانَاتُ تَجِبُ تَأْدِيَتُهَا إلَى أَهْلِهَا فَالْمَضْمُونَاتُ الْمَأْخُوذَةُ عُدْوَانًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَكَانَ النَّصُّ دَالًا عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ إلَى صَاحِبِهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً.
وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] قَدَّمَ تَعَالَى عَلَى عَدَمِ أَدَاءِ الدِّينَارِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَرَادَ أَوْ مَثِيلَهُ أَوْ لَا وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ النُّقُودَ وَغَيْرَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْأَمْوَالِ وَيَتَعَلَّقُ الْمِلْكُ بِأَعْيَانِهَا وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَاتِ، فَحَكَمَ بِمِلْكِهِمْ لِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ مَتْرُوكِ الْمَيِّتِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ وقَوْله تَعَالَى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: 14] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَمْلُوكَةً لَمَا كَانَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وقَوْله تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] .
وَقَوْلُهُ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، وَقَوْلُهُ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} [النساء: 32] كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] دَلِيلٌ عَلَى تَعَيُّنِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَّا بِرَدِّهِ بِعَيْنِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَلَا شَكَّ أَنَّ النُّقُودَ دَاخِلَةٌ فِيهَا وَكَذَلِكَ وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّطْوِيلِ لِلِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ وَأَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَعْيَانُهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَاتِ.
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَيْسَ طَيِّبَ النَّفْسِ بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك» وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِعَرَقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَنْ وَصَلَ إلَى يَدِهِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهَذَا الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ الْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ يُبِيحُ الْعَيْنَ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى:«ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ جَعَلَ أَكْلَ ثَمَنِ الْحُرِّ دَاخِلًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَعِيدِ وَالْغَالِبُ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ نَقْدًا فَلَوْ كَانَتْ النُّقُودُ إذَا أَخَذَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهَا وَإِجْبَارُ صَاحِبِهَا عَلَى أَخْذِ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ أَكْلُهَا حَرَامًا بَلْ كَانَ الْمُحَرَّمُ عَدَمُ إيفَاءِ مِثْلِهَا وَذَلِكَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ وَصْفِ الْأَكْلِ.
وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّتَبُّعُ فِي الْوَعْدِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ بِعَيْنِهِ أَعْنِي التَّصَرُّفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الثَّمَنِ حَرَامًا وَهُوَ دَلِيلٌ لِتَعَيُّنِهِ بِالْغَصْبِ فَإِنَّ قَبْضَ ثَمَنِ الْحُرِّ قَبْضٌ فَاسِدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَصْبِ وَقَدْ أَطَلْنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا أَكْثَرَ مِنْ الْحَاجَةِ رَدًّا لِلْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ السَّائِلُ.
وَيَنْبَغِي تَأْوِيلُ
هَذَا النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ وَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ.
أَمَّا غَيْرُ النُّقُودِ فَلَا مَسَاغَ لِذَلِكَ فِيهَا فَنَعُودُ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ وَنَقُولُ: إنَّهُ مَتَى أَخَذَ الْمَالَ الْحَرَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ لَمْ يَحِلَّ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ إمْسَاكُهُ أَصْلًا، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ مِنْ مَيْلِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالْحِلِّ إذَا قُلْنَا: التَّحْرِيمُ رَاجِعٌ إلَى الْأَفْعَالِ قَدْ ظَهَرَ جَوَابُهُ وَأَنَّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَالِهِ جَازَ لَهُ ظَاهِرًا وَكِلَا الْحُكْمَيْنِ لَا إشْكَالَ فِيهِ،
أَمَّا اسْتِشْكَالُ عِزِّ الدِّينِ فِي ذَلِكَ فَأَنِّي بَنَيْت أَوَّلًا الْأَمْرَ عَلَى نَقْلِ السَّائِلِ وَفَكَّرْت فِيهِ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ وَجْهًا إلَّا خَيَالَاتٍ لَا أَرْضَى أَنْ تَمُرَّ بِخَاطِرِي وَأَجْلَلْت الشَّيْخَ عَنْهَا فَأَخَذْت الْقَوَاعِدَ؛ لِأَنْظُرَ كَلَامَهُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْهُ كَمَا نَقَلَهُ السَّائِلُ وَإِنَّمَا وَجَدْته قَالَ فِي ضِمْنِ قَاعِدَةٍ فِي الْجَوَائِزِ وَالزَّوَاجِرِ وَتَكَلَّمَ فِي أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ جُبِرَ الْمَالُ الْمَقْطُوعُ بِحِلِّهِ بِمِثْلِهِ مِنْ مَالٍ أَكْثَرُهُ حَرَامٌ فَقَدْ فَاتَ وَصْفُ مَقْصُودِ الشَّرْعِ وَعِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِهِ مَعَ التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ وَبَيْنَ مَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْحَرَامِ؟ قَالَ: قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ كَمَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِ مَالٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ حَرَامٌ وَفِي هَذَا بُعْدٌ وَإِشْكَالٌ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ إشْكَالِهِ بَيِّنٌ.
وَأَمَّا الَّذِي نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ نُقِلَ بِالْمَعْنَى فَقَدْ أَوْهَمَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُعَيِّنَهُ لَنَا حَتَّى نَنْظُرَ فِيهِ وَنَتَأَمَّلَهُ ثُمَّ نُجِيبُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلسَّائِلِ لَفْظٌ أَكْثَرُهُ مِنْ قَوْلِهِ مَالٌ أَكْثَرُهُ حَرَامٌ فَنَقَلَ أَنَّهُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُتَرَدَّدُ فِيهِ وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَلَالِ وَلَا يُزَالُ مَأْمُورًا بِرَدِّهِ عَلَى صَاحِبِهِ، لَمْ نَجِدْ شَيْئًا فِي الشَّرِيعَةِ يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَّا حَدِيثًا فِيهِ كَلَامٌ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ إذَا سُرِقَ لِلرَّجُلِ فَوُجِدَتْ سَرِقَتُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَيْثُ وَجَدَهَا قَالَ: فَكَتَبَ إلَيَّ بِذَلِكَ مَرْوَانُ وَأَنَا عَلَى الْيَمَامَةِ فَكَتَبْت إلَى مَرْوَانَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ غَيْرِ الْمُتَّهَمِ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهَا
أَخَذَهَا بِالْيَمِينِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ سَارِقَهُ، ثُمَّ قَضَى بِذَلِكَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ قَالَ: فَكَتَبَ مَرْوَانُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِكِتَابِهِ وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ إنَّكَ لَسْت أَنْتَ وَلَا أُسَيْدٌ تَقْضِيَانِ عَلَيَّ فِيمَا وُلِّيت وَلَكِنِّي أَقْضِي عَلَيْكُمَا فَانْقَدْ لِمَا أَمَرْتُك بِهِ. وَبَعَثَ مَرْوَانُ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ إلَيْهِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْضِي أَبَدًا.
قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قُلْت: وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ. قُلْت: وَهُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ تَعْلِيلُ الْحَدِيثِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ حَدِيثٌ مُشْكِلٌ إنْ صَحَّ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ شُرَحْبِيلَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ فَقَدْ شَرِكَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا» وَقَالَ الْحَاكِمُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قُلْت: وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا مَقَالٌ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ التَّقِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّقِيِّ وَالْقَرِيبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى غَايَةِ الصَّلَاحِ فَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى عِتْقِ الْقَرِيبِ الْفَاسِقِ نَظَرٌ وَوَجْهُ هَذَا النَّظَرِ الَّذِي أَبْدَاهُ الشَّيْخُ فِيهَا تَعَارَضَ الصَّلَاحُ وَالْقَرَابَةُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ رُجْحَانًا قَوِيًّا تَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَإِنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ الصَّالِحِ أَوْ الْفَاسِقِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأَجْنَبِيِّ الصَّالِحِ أَوْ الْأَصْلَحِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْأَجْنَبِيِّ وَصْفٌ آخَرُ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ كُلِّيٌّ أَوْ جُزْئِيٌّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ كَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلِنَفْرِضَ الْكَلَامَ فِي الْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فَرَضَهُ السَّائِلُ وَإِنَّمَا قُلْت بِأَنَّ وَصْفَ الْقَرَابَةِ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إحْسَانٌ وَبِرٌّ وَالْإِحْسَانُ وَالْبِرُّ مُقَدَّمٌ فِيهِ الْقَرِيبُ فَالْعِتْقُ يُقَدَّمُ فِيهِ الْقَرِيبُ.
أَمَّا الْمُقَدَّمَةُ الْأُولَى فَبَيِّنَةٌ بِنَفْيِهَا وَالْمُقَدَّمَةُ الثَّانِيَةُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَك مَالٌ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: مَنْ يَشْتَرِيه مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ بَيْنَ يَدَيْك وَعَنْ يَمِينِك وَشِمَالِك» . أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ وَرُوِيَ فِيهِ خَارِجَ الصَّحِيحِ زِيَادَاتٌ وَأَلْفَاظٌ، وَالْعَبْدُ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ عَامَّةَ دَهْرِهِ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ، قَالَ: ثُمَّ وَجَدْت فِي كِتَابِي دَبَرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً مِنْ كِتَابِي أَوْ خَطَأً مِنْ سُفْيَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ سُفْيَانَ فَابْنِ جُرَيْجٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ مِنْ سُفْيَانَ وَمَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدِيثُ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَجِدُ الْحَدِيثَ بِحَدِيدٍ انْجَبَرَ فِيهِ حَيَاةُ الَّذِي دَبَرَهُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ وَحْدَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ خُطَّائِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا وَجَدْته فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيه عَنْ عَمْرٍو كَمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقَى سُفْيَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ فِي حَدِيثِهِ مَاتَ وَعَجِبَ بَعْضُهُمْ حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي وَجَدْت فِي كِتَابِي مَاتَ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ أَوْ زَلَلٌ مِنْهُ حَفِظْته عَنْهُ. هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَكِنِّي نَقَلْته لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَغَيْرِهِ عَرَفَ تَمَكُّنَهُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ.
وَلِنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ: دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي النَّاسِ غَيْرَ أَقَارِبِ الْإِنْسَانِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُمْ غَالِبًا، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لَمَّا «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ أَدْنَاك ثُمَّ أَدْنَاك» وَالْأَدْنَى هُوَ الْقَرِيبُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمَّك» وَذَكَرَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ أَنَّهَا ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِزَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
«زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ» وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنْ وَلَدِهَا وَأَصْلَحُ «. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قَالَ لَهُ مَعِي دِينَارٌ؛ قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك» .
وَلَوْ اسْتَوْعَبْنَا الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ لَطَالَ وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَلَكِنِّي سَأَذْكُرُ فِي آخَرِ الْكَلَامِ مَا حَمَلَ السَّائِلَ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَابَهُ وَمَا حَمَلَ الشَّيْخَ عَلَى التَّوَقُّفِ أَيْضًا وَجَوَابَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الدَّلِيلُ الثَّانِي) عَلَى أَنَّ الْقَرِيبَ مُقَدَّمٌ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَقَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلِهِ لِلرَّحِمِ «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَك» ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» .
وَمِنْ الْمُسْتَفِيضِ الْمُشْتَهَرِ فِي صِفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ فَاسِقٌ وَقَدْ أَمَرَ بِصِلَتِهِ وَجُعِلَتْ هِيَ الصِّلَةُ «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قَالَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّك» .
فَهَذَا الْعَبْدُ الْقَرِيبُ الْفَاسِقُ صِلَتُهُ وَاجِبَةٌ وَالصِّلَةُ بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِتَوَدُّدٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ فَأَيُّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْإِحْسَانِ أَسَدَاهَا إلَيْهِ كَانَ بِهَا وَاصِلًا مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ مَنْ أَدَّى الْوَاجِبَ كَمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذَا أَعْتَقَ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا يُقَالُ: إنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْخِصَالِ وَكَمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا يَكُونُ أَدَّى فَرْضَ اللَّهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ شَاءَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ قَرِيبَهُ مُمْتَثِلًا أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ
وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ لَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ ذَلِكَ إلَّا نَفْلًا وَتَطَوُّعًا وَقُرْبَةً لَا وُجُوبَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَلَا شَكَّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ أَوْلَى وَهَذَا بُرْهَانٌ قَوِيٌّ.
(الدَّلِيلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَقَارِبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَرِيبُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِعِتْقِهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ؛ وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا كَلَامٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَرَعَ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَوُرُودِ الْأَحَادِيثِ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى مِنْ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ زِيَادَةُ إحْسَانٍ.
وَالدَّلِيلَانِ الْأَوَّلَانِ عَامَّانِ فِي كُلِّ قَرِيبٍ وَبِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ يُعْرَفُ ضَعْفُ جَمِيعِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ أَمَّا قَوْلُهُ الْأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَإِنَّ الشَّرِيعَةَ طَافِحَةٌ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا قَاعِدَةٌ إذَا تَحَقَّقَتْ ظَهَرَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْغَفْلَةُ بِالذُّهُولِ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي الْخَلْقُ فِيهَا خُلَفَاءُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَالْوِلَايَاتِ وَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَأُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّجُوعُ فِي التَّقْدِيمِ فِي ذَلِكَ إلَى صِفَاتِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْقِيَامِ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ كَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَحَقَّ لِئَلَّا يَفُوتَ بِتَأْخِيرِهِ مَصْلَحَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ عَلَى الْفَاضِلِ وَالْفَاضِلِ عَلَى الْمَفْضُولِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يُحِطْهُمْ بِنَصِيحَةٍ وَلَمْ يَخْفَ عَنَّا أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْفَاضِلِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُفَوَّضُ مِنْ الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ وَجَوْدَةِ التَّدْبِيرِ وَالسِّيَاسَةِ وَمَا يَسْتَوْجِبُ صِفَةَ الْكَمَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَوْ انْفَرَدَ شَخْصٌ بِالزِّيَادَةِ بِالتَّقْوَى وَالْكَرَامَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عَدَمِ اهْتِدَائِهِ إلَى غَوَائِلِ الْوِلَايَاتِ لَمْ نُقَدِّمْهُ إلَّا فِيمَا يَلِيقُ بِهِ كَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِيهَا فَعُرِفَ أَنَّ إطْلَاقَ السَّائِلِ لِتَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) فِي الْعَطَاءِ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهِ بِحَسْبِ الْفَضَائِلِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَلَهُ أَنْ يُسَوِّيَ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَالتَّقْدِيمُ هَاهُنَا
جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ حَالَةٌ خَاصَّةٌ تُوجِبُهُ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَصْرِفُهُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ فَأَمَّا النَّفَقَاتُ وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْإِيثَارِ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ بِالْقَرَابَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْدَ الْقَرَابَةِ لَا يَجِبُ التَّقْدِيمُ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ كَانَ أَحْوَجَ أَوْ أَفْضَلَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَيُقَدَّمُ بِالْقَرَابَةِ فِيهَا أَيْضًا وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَوَازُ وَالْقَرَابَةُ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا تَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ إذَا كَانُوا حَاضِرِينَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ النَّقْلُ لِأَجْلِهِمْ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى رِسَالَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيِّ ذَكَرَ فِيهَا الِاخْتِلَافَ فِي تَفْضِيلِ الْقَرَابَةِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَنَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرَى إيثَارَهُمْ بِمَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ.
وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ لَا يُعْطِي لِأَقَارِبِهِ مِنْ زَكَاتِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَأَلَ فِيمَنْ أَضَعُ زَكَاتِي قَالَ: فِي أَقَارِبِك فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَجِيرَانُك فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَصَدِيقُك الْمُحْتَاجُ قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ قَالَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَرَاهُ أَبَا يَحْيَى الْوَقَّادَ قَالَ: إنْ كَانَتْ لِي زَكَاةٌ فَأَعْطَيْتُهَا غَيْرَ قَرَابَتِي فَلَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنِّي قَالَ وَالْقَوْلُ مِنْ مَالِكٍ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِشْفَاقِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَسُفْيَانَ أَنَّ أَفْضَلَ لَك أَنْ تُعْطِيَ زَكَاتَك لِأَقَارِبِك الَّذِينَ لَا يَلْزَمُك نَفَقَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَفِي الْجَارِ وَالصَّاحِبِ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ يُؤْثِرُ قَرَابَتَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الْعَطَاءَ فِي النَّوَافِلِ لِلْقَرَابَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَفْضَلُ بِبَاطِنِ مَعْرِفَتِك بِبَاطِنِ فَقْرِهِمْ.
وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ تَعَلَّلَ تَفْضِيلَ الْقَرَابَةِ بِالضَّعْفِ فَيُجْعَلُ لِلْقَرَابَةِ مِنْ التَّفْضِيلِ خَطَأٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي التَّطَوُّعِ حَسَنٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَنْ يُفَضِّلَهُمْ فِي تَطَوُّعِهِ لَا فِي نَذْرِهِ كَصَدَقَتِهِ نَذَرَهَا أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَقَلَ خِلَافًا فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِهِمْ فِي الْفَرْضِ فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ لِلْقَرَابَةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ لِهَذَا وَلِهَذَا وَهُوَ الْأَوْلَى قُلْت: فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْأَقَارِبَ يُقَدَّمُونَ فِي النَّفْلِ بِلَا إشْكَالٍ وَفِي الْفَرْضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَمَسْأَلَتُنَا
كَانَتْ فِي الْعِتْقِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ غَيْرُ تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ نَعَمْ قَدْ يَعْرِضُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا وَكَانَ النَّاسُ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى التَّعَلُّمِ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ خِدْمَةِ السَّيِّدِ وَلَا يُمْكِنُ السَّيِّدُ أَنْ يَعْتِقَ الْقَرِيبَ وَيُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ الْعَالِمِ فَنُفَوِّتُ مَصْلَحَةً لِلسَّيِّدِ فَهَاهُنَا قَدْ يُقَالُ: إنَّ عِتْقَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْلَى مِنْ عِتْقِ الْقَرِيبِ الَّذِي مَصْلَحَتُهُ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ وَإِنَّ الَّذِي فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إذَا أَعْتَقَ عَمْرٌو جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِمْرَارُ حَسَنَاتٍ لِلسَّيِّدِ مَا دَامَ بَاقِيًا لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ رَاجِحٌ عَلَى الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ الْحَاصِلَةِ بِإِعْتَاقِ قَرِيبِهِ الْفَاسِقِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ النَّظَرِ الَّذِي أَبْدَاهُ الشَّيْخُ وَفِكْرُهُ رحمه الله أَدَقُّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُتَأَهِّلًا لِلِاشْتِغَالِ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ مَخَائِلُ الْعِلْمِ فَإِعْتَاقُهُ مُعِينٌ لَهُ عَلَى تَأَهُّلِهِ لِرُتْبَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْوَقْتُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ قَدْ يَتَرَجَّحُ عَلَى عِتْقِ الْقَرِيبِ.
فَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ كُلُّهَا أَنَا أُشَارِكُ الشَّيْخَ فِي التَّوَقُّفِ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ كَمَا فُرِضَتْ مِنْ مِثْلِي إلَى تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِالرَّأْيِ وَأَمَّا مَا اعْتَقَدَهُ السَّائِلُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَصْفِ الصَّلَاحِ عَلَى وَصْفِ الْقَرَابَةِ فَلَا، وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ فَذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلَيْسَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّقْدِيمَ بِالْأَصْلَحِيَّةِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَالدِّينِيُّ مُقَدَّمٌ ظَهَرَ جَوَابُهُ وَأَيْنَ يَجِبُ التَّقْدِيمُ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَبَسْطُهُ يَطُولُ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الَّذِي يَطُولُ بَسْطُ بُطْلَانِهِ.
وَقَوْلُهُ: إذَا قَدَّمْنَا الْأَجْنَبِيَّ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَعَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الشَّوَائِبِ إلَخْ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ أَيْضًا ارْتِبَاكَةٌ أُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَوَامِرَ مِنْهَا مَا لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَمِنْهَا مَا فِيهِ حَظٌّ وَقَدْ وَرَدَتْ أَوَامِرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ كَإِيجَابِ الْأَكْلِ عَلَى الْمُضْطَرِّ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَإِيجَابِ الْفِطْرِ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الْوِصَالِ وَالْأَمْرِ بِنَوْمِ بَعْضِ اللَّيْلِ وَإِعْطَاءِ الْعَيْنِ حَظَّهَا وَإِعْطَاءِ الْجَسَدِ حَظَّهُ وَإِعْطَاءِ الرُّوحِ حَظَّهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَتَرَتُّبِ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْحُكْمِ بِكَوْنِهِ صَدَقَةً
وَتَرَتُّبِ الْأَجْرِ عَلَى مُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَعَدَمِ إفْسَادِهَا وَتَرْكِ وَرَثَتِهِ أَغْنِيَاءَ وَاسْتِحْبَابِ الرِّفْقِ فِي الْأُمُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَذَلِكَ لِحِكَمٍ وَأَسْبَابٍ أَكْثَرُهَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ الْحَجِّ رَاكِبًا عَلَى الْمَاشِي وَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَنَا مَتَى فَعَلْتُ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَخْلُصُ لِي نِيَّةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ حَظِّ النَّفْسِ فَأَتْرُكُهَا وَأَعْمَلُ بِخِلَافِهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ وَرَاغِبًا عَنْ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْوَسْوَاسِ وَالتَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى إتْبَاعُ الشَّرِيعَةِ وَتَصْحِيحُ النِّيَّةِ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْإِخْلَاصِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ.
قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] الْآيَةَ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ وَعَدَمُ الْإِشْرَاكِ بِالْعِبَادَةِ إشَارَةٌ إلَى الْإِخْلَاصِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ أَتَى بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُوَافِقِ لِلسُّنَّةِ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَبِتَرْكِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ لَهُ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَإِلَّا يَكُونُ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا أَمْرٌ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ وَطَبْعُ الْجِبِلَّةِ الْمَيْلُ إلَى إيثَارِ النَّفْسِ وَالْقَرِيبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لِلَّهِ وَالرَّحِمِ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ هَذَا؟ قُلْت: يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُلَاحِظَ جَانِبَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَيَعْرِفَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ مَيْلُ الطَّبْعِ وَالْجِبِلَّةِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَضُرُّ أَنْ يَنْفَرِدَ قَصْدُ إيثَارِ مَا سِوَى اللَّهِ أَوْ يَكُونَ غَالِبًا عَلَى قَصْدِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْشَى عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ بَاعِثُ الْأَمْرِ رَاجِحًا فَإِنَّ الْأَجْرَ حَاصِلٌ وَإِنْ اسْتَوَى الْبَاعِثَانِ فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ حُصُولِ الْأَجْرِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ بَاعِثُ الْأَمْرِ، وَأَنْتَ تَجِدُ فِي الشَّاهِدِ السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْعَبْدِ فَيَفْعَلُهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ السَّيِّدِ مَعَ مَيْلِ طَبْعِهِ إلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ الْعَبْدُ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْأَجْرُ مَعَ حَظِّ النَّفْسِ الْمُحَقَّقِ عَلَى بَابِ النِّيَّةِ شَدِيدٌ وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاتَهُ لِغَيْرِهِ يُفَرِّقُهَا خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالْمَذَمَّةِ وَلِيَكُونَ أَسْلَمَ مِنْ الْخَوَاطِرِ وَالْوَسَاوِسِ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ أَنْ يَقُولَ: أَخْشَى أَنِّي إنَّمَا أَعْطَيْت فُلَانًا لِوَجْهِ كَذَا وَفُلَانًا لِكَذَا فَإِذَا تَرَكَهَا سَلِمَ مِنْ