الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ بِمَعْنَى الِاخْتِيَارِ أَيَّ وَقْتَ شَاءَ كَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَلَمْ أَرَهُ إلَّا لِلْإِمَامِ وَالرَّافِعِيُّ تَبِعَهُ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَكِنَّ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّينِ بْنَ الرِّفْعَةِ ذَكَرَ عَلَى حَاشِيَةِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْفِ فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَكَذَا الرَّدُّ، فَلْيُطْلَبْ مِنْهُ، وَهَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ الْغَلَّةَ لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِالْقَبُولِ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَا يَبْطُلُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ حُصُولُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ الْمَطْلَبِ، وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ أَمَّا الْجِهَةُ الْعَامَّةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا.
، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْحَاكِمَ نَائِبًا فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَارَ إلَيْهِ صَائِرٌ لَكَانَ قَرِيبًا، وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ أَيْضًا فِي الْوَصِيَّةِ وَهِيَ أَوْلَى بِالْقَوْلِ بِهِ فِيهَا، وَإِذَا كَانُوا قَالُوا بِهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ لَكَانَ عَدَمُ قَوْلِهِمْ بِهِ فِي الْوَقْفِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ.
[فَرْعٌ الْوَقْفُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ]
(فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي نَفْسِ الْقَبُولِ أَمَّا الرَّدُّ فَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبُولَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبِ الْكَافِي خِلَافُهُ وَأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَهَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ سَوَاءٌ أَشَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا لَوْ رَدَّ بَطَلَ حَقُّهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَكَمَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تُرَدُّ بِالرَّدِّ، هَذَا فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْبَطْنُ الثَّانِي إذَا قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي حَقِّهِمْ فَهَلْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لَمْ يُصَحِّحُوا مِنْهُمَا شَيْئًا وَتَحْقِيقُهُ يَلْتَفِتُ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ هَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لِلْوَقْفِ، أَوْ مُبْطِلٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْغَلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَلَمَّا شَبَّهَ الْإِمَامُ هَذَا الرَّدَّ بِهِ وَالْوَكَالَةَ قَالَ: وَتَصْوِيرُ الرَّدِّ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الْغَرَضِ الَّذِي يُرِيدُهُ عُسْرٌ مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ بَعْدَ قَبُولِهِ الْوَكَالَةَ لَوْ رَدَّ الْوَكَالَةَ لَكَانَ رَدُّهُ لَهَا نَسْخًا وَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فُرِضَتْ.
قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ فِيهَا لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُبْطِلًا لَهَا مِنْ أَصْلِهَا، بَلْ نَاسِخًا لَهَا مِنْ حِينِهِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ رَدُّ الْوَقْفِ لِذَلِكَ إذَا قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ؛ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ غَلَّةٌ قَبْلَ الرَّدِّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي رَدَّ كَمَا قَالُوا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا قُلْنَا: لَا تُفْتَقَرُ إلَى الْقَبُولِ وَأَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ فَحَصَلَ مِنْهَا فَوَائِدُ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ رُدَّتْ أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْأَصَحِّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَهَذَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ، بَلْ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ مِنْ
شَرْطِ الْوَقْفِ عَدَمَ الرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ، فَإِذَا رَدَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا وَقْفَ فَهَذَانِ احْتِمَالَانِ فِي أَنَّ الرَّدَّ هَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لِلْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؛ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَهَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لَهُ فِي حَقِّ الرَّادِّ خَاصَّةً، أَوْ مُطْلَقًا، وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ خَلَا الْبَغَوِيَّ وَالْخُوَارِزْمِيّ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَهُ فِي حَقِّ الرَّادِّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتَرَدَّدُ هَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لِأَصْلِ الْوَقْفِ، أَوْ لَا.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ بَطَلَ حَقُّهُ عِبَارَةٌ مُجَوَّزَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنَّهُ الْمُحَقِّقُ.
وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ صُوَرِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا رَدَّ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَرَدَّ الرَّجُلُ بَطَلَ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ قَوْلَانِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُنْقَطِعَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ، وَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ أَنْوَاعَ الِانْقِطَاعِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ ذَكَرُوهَا مِنْ صُوَرِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ رضي الله عنه فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ، وَيَكُونُ مَصْرِفُهُ الْآنَ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رحمه الله هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله لَمَّا ذَكَرَ الْمُنْقَطِعَ الْأَوَّلَ وَالْخِلَافَ فِيهِ ذَكَرَ بَعْدَهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ رَتَّبُوهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الظَّاهِرِ وُجِدَ مُسْتَعْقَبًا وَاسْتَضْعَفَ هُوَ هَذَا التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْمَوْتِ الِانْقِطَاعُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى صَغِيرٍ ثُمَّ بَعْدَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمُعَيَّنُ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّ قَبُولَهُ شَرْطٌ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ رَتَّبُوهَا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ عَلَّقَ الْوَقْفَ بِحَاضِرٍ ثُمَّ كَانَ الِانْقِطَاعُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَهَذَا نَقْلٌ مِنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَكِنَّهُ هُوَ اسْتَضْعَفَ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَوْ قُلْنَا: الْقَبُولُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ بَعْدَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَلَوْ رَدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ فَيَنْقَدِحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَرْتِيبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ مُتَّصِلًا مُسْتَعْقَبًا بِثُبُوتِ تَصَرُّفٍ ثُمَّ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَتِّبَ هَذَا عَلَى مَا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْوَقْفِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا قَالَ: وَمِمَّا يَجْرِي فِي هَذَا الْمَوْقُوفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ بَعْدَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ أَوْ رَدَّ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيُتَّجَهُ هَاهُنَا الصَّرْفُ إلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَصْرِفَ صَائِرًا إلَيْهِمْ إذَا انْقَطَعَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسَمَّى أَوَّلًا، فَإِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهِ فَيُتَّجَهُ تَنْزِيلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ انْقَرَضَ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ ثُبُوتِ
الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ انْتَهَى كَلَامُهُ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَخِيرًا أَنَّهُ يُتَّجَهُ فَبَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسَاكِينَ بَعْدَهُ لَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ فَتَقْدِيرُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ إذَا صَحَّحْنَاهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مَنْ ذَكَرَهُ أَخِيرًا، وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مُحْتَمَلٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ انْقِدَاحِ التَّرْتِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ مُخَالِفُ إطْلَاقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ إلَّا مَا قِيلَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ حَقٌّ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَإِنَّ الْمُنْقَطِعَ الْأَوَّلَ وَالْمُنْقَطِعَ الْوَسَطَ كِلَاهُمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، أَوْ وَسَطًا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ الْبُطْلَانِ فِيهِ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ الَّتِي هِيَ أَوْقَافُ الْجَاهِلِيَّةِ.
فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ مَصْرِفًا، أَوْ ذَكَرَ مَصْرِفًا لَا يَجُوزُ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَةَ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَمَّا إذَا ذَكَرَ مَصْرِفًا صَحِيحًا، فَيُعْذَرُ لِعَدَمِ قَبُولِهِ، أَوْ لِرَدِّهِ فَلَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ فِي مَعْنَى الْمُسَبَّبِ، بَلْ قَصَدَ صَدَقَةً صَحِيحَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَخَرَجَ عَنْهَا لِجِهَةٍ صَحِيحَةٍ لَا عَطَّلَ مَنَافِعَهَا، وَلَا اسْتَثْنَى فِيهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَصَحَّ الْوَقْفُ، فَإِنْ قَبِلَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرُدَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ شَيْئًا أَصْلًا وَاشْتَرَطْنَا قَبُولَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ:
يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَى مَصْرِفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا صِحَّتُهُ فَلِصِحَّةِ إيجَابِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا صَرْفُهُ مَصَارِفَ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْأَوَّلِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ وَقُلْنَا: الرَّدُّ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ الْوَقْفِ فِي حَقِّهِ فَكَذَلِكَ، وَاَلَّذِي بَطَلَ كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَا كَوْنُهُ مَوْقُوفًا مُطْلَقًا، وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْنَا: الرَّدُّ يَقْطَعُ الْوَقْفَ بِالْفَسْخِ فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، ثُمَّ إنْ قُلْنَا: الْغَلَّةُ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَمِثْلُهُ قَدْ قُبِلَ بِهِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ اتَّجَهَ صَرْفُهُ فِي مَصَارِفِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ تَصَرُّفٌ.
وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْغَلَّةُ لَهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، وَالْمَصْرِفُ لَا يَخْتَلِفُ فَقَدْ صَحَّ كَلَامُ النَّوَوِيِّ، وَفِي التَّصْحِيحِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ، وَاعْتُضِدَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
وَظَهَرَ أَنَّهُ يُتَّجَهُ سَوَاءٌ اشْتَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا، وَلَا يُنَافِي تَصْحِيحُهُ فِي الْمِنْهَاجِ اشْتِرَاطَ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّا نَحْنُ نَقُولُ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَخَرَجَ لَنَا مِنْ هَذَا صُوَرٌ يَتَضَمَّنُهَا انْقِطَاعُ الْمَصْرِفِ الْأَوَّلِ: (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَذْكُرَ لَهُ الْآنَ مَصْرِفًا كَقَوْلِهِ: عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي. وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ فِيهِ كَوْنُهُ وَقَفَهُ الْآنَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْآنَ سَبِيلًا، وَهُوَ أَشَدُّ فَسَادًا مِمَّا إذَا سَكَتَ عَنْ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لَا يُنَافِي الْمَصْرِفَ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْبِرِّ، وَهُنَا مُقْتَضَى شَرْطُهُ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا لِمَنْ سَيُولَدُ، فَهُوَ الْآنَ مُعَطَّلٌ يُشَبَّهُ بِالسَّائِبَةِ.
(الثَّانِيَةُ) أَنْ يَذْكُرَ مَصْرُوفًا مَجْهُولًا، أَوْ مُعَيَّنًا لَا نَفْسَ الْمِلْكِ، وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ أَنَّ الْمَصْرِفَ الْمَذْكُورَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى شَرْطِهِ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَّا إلَيْهِ فَقَدْ تَعَطَّلَ الْمَصْرِفُ الصَّحِيحُ فِيهِ بِشَرْطِهِ فَأَشْبَهَ السَّائِبَةَ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَالثَّانِيَةُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْبُطْلَانُ.
(الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقِفَ عَلَى وَلَدَيْهِ فِي زَمَنِ مَوْتِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ، فَهِيَ كَالصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: صَحِيحَةٌ وَرَدَتْ، وَقُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ فَقِيلَ كَالصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَقِيلَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فَيَجِيءُ فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ وَالْأَصَحُّ مِنْهَا أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ.
(الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقِفَ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَشْتَرِطَ الْقَبُولَ فَلَا يَقْبَلُ، أَوْ يَرُدَّ فَقَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِيمَنْ بَعْدَهُ وِفَاقًا لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَخِلَافًا لِمَا ارْتَضَاهُ هُوَ.
(الْخَامِسَةُ) كَذَلِكَ، وَلَا يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ وَقُلْنَا: الرَّدُّ يُبْطِلُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَكَذَلِكَ.
(السَّادِسَةُ) الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَقُلْنَا: الرَّدُّ فَسْخٌ، وَقُلْنَا: بِالصِّحَّةِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُوَيْطِيُّ فِي بَابِ الْأَحْبَاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِذَا قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ مَرْجِعُهَا إلَيَّ إذَا انْقَرَضُوا فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: الْحَبْسُ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْمُحْبِسِ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ حَدِيثُ الْعُمْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهَا لِمَنْ أَعْمَرَهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَزَالَ مِلْكُ الْمُعَمِّرِ وَأَبْطَلَ شَرْطَهُ فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ شَرْطُهُ فِي الْحَبْسِ وَيَجْعَلُهَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ حَبْسًا كَمَا جَعَلَ أَصْلَهَا كَمَا كَانَتْ الْعُمْرَى عَلَى مَا جُعِلَ عَلَيْهِ أَصْلُهَا.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعُمْرَى لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ الْحَبْسُ لِوَرَثَةِ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ؟ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى مِلْكُ أَصْلِهَا فَوَرَثَتُهَا وَرَثَتُهُ، وَهَذَا إنَّمَا مَلَكَ سَكَنَهَا، وَلَمْ يَمْلِكْ أَصْلَهَا انْتَهَى.
وَهَذَا إذَا أُخْرِجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ كَذَلِكَ