الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ قُوَّةُ الصِّدْقِ فِي لِسَانِ الْمَفْضُولِ أَقْوَى مِنْهَا فِي قَلْبِ الْمَفْضُولِ وَالْقَلْبُ أَكْمَلُ مِنْ اللِّسَانِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَتَرَجَّحَ الْمَفْضُولُ بِالْقُوَّةِ اللِّسَانِيَّةِ وَلِلْفَاضِلِ مُرَجِّحَاتٌ أُخَرُ لَمْ يَلْزَمْ إشْكَالٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ اللِّسَانِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ خَاصَّةً فَبَانَ لِلْفَاضِلِ صِفَاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ مُرَجِّحَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا قُلْنَا لِبَيَانِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ، أَمَّا الصِّدْقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ الْمُطَابِقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُعْلَمُ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا لَا يَكْذِبَانِ وَأَنَّهُمَا يَتَحَرَّيَانِ الصِّدْقَ، وَكُلٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي غَايَةِ التَّحَرِّي فِي الصِّدْقِ رضي الله عنهم. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ حَدِيث طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ]
مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَتْنُهُ
«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ» هَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَمْ لَا؟ فَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَآخَرُ: إنَّهُ فِي مُسْلِمٍ وَآخَرُ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (الْجَوَابُ) أَلْهَمَك اللَّهُ الصَّوَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ حَفْصِ ابْنِ سَلْمَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ» وَكَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَرَدَ مِنْ طَرَابُلُسَ مِنْ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الْمَأْمُونِ فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرِ سَنَةَ 739 وَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ آدَمَ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَبْعَثَ بَعْثَ النَّارِ فَيَقُولُ آدَم: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ شَقَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ وَاحِدًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَاقِي الْأَلْفِ.» فَهَذِهِ الْمُخَاطَبَةُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مِنْ غَيْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ الْكَافِرِينَ مَقْطُوعٌ لَهُمْ بِالنَّارِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِيَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ وَلِمَ فُصِلَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ؟ .
(الْجَوَابُ) اللَّفْظُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ» وَفِيهِ فِي جَوَابِهِمْ «فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ» . وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ «فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِك فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ.» وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ مِنْكُمْ وَاحِدًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَاقِي الْأَلْفِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْوَاحِدَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي الْجَنَّةِ وَالْوَاحِدَ الْآخَرَ فِي النَّارِ مِنَّا وَبَقِيَّةَ الْأَلْفِ فِي النَّارِ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَأَيْنَ الْكُفَّارُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ.
وَنَحْنُ لَا نُنْزِلُ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ بَلْ نَقُولُ: بَعْثُ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وَالْوَاحِدُ الَّذِي يَبْقَى قَدْ يَكُونُ مِنَّا وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِنَا وَلَمَّا اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَثْرَةِ الْخَلَائِقِ بِأَنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْهُمْ وَاحِدًا أَيْ إذَا عُدَّتْ الْخَلَائِقُ وُجِدُوا كَذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ إشَارَةً إلَى تِلْكَ الْأَلْفِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا بَعْثُ النَّارِ وَلَا الْوَاحِدِ الَّذِي يَبْقَى مِنْهَا بَلْ هُوَ قِسْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِبَيَانِ كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَحِينَئِذٍ لَا تَتَرَتَّبُ الْمُقَدِّمَاتُ الثَّلَاثُ الَّتِي نَشَأَ مِنْهَا الْإِشْكَالُ، وَالْمَقْصُودُ تَبْقِيَةُ رَجَائِهِمْ وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فَلَهُ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ وَكَثْرَةِ الْآلَافِ الَّتِي يَبْقَى مِنْ كُلِّ أَلْفٍ مِنْهَا وَاحِدٌ فَقَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَالْبَعْثُ الَّذِي يُبْعَثُ إلَى النَّارِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خُصُوصِيَّتَهُ بِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَعَدَدِ الْآلَافِ لِيَقْرُبَ رَجَاؤُهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُسْلِمُونَ يَبْقَى مِنْهُمْ آحَادٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهَذَا كُلُّهُ