الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى يَدَّعِيَ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ، وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ بِعَيْنِهَا الَّتِي حَكَى فِيهَا خِلَافَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَإِنَّمَا حَكَى الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ غَيْرِ الْإِقْرَارِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حُجَّةِ الْإِقْرَارِ سَمَاعَ دَعْوَاهُ مُطْلَقًا.
وَهَا هُنَا مَسْأَلَةٌ قَدْ تُشْكِلُ وَهِيَ أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْعَيْنِ لِلْخَارِجِ وَتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ قَالُوا: إنْ لَمْ يُسْنَدْ الْمِلْكُ إلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ وَهَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي إذَا اُنْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُطْلَقَةَ إنْ لَمْ تَقْتَضِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ أَشْكَلَ الرُّجُوعُ وَإِنْ اقْتَضَتْ أَشْكَلَ جَعْلُ هَذَا مُدَّعِيًا خَارِجًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيِّنَةً تَقْتَضِي إسْنَادَ الْمِلْكِ فَتَصِيرُ كَمَا لَوْ اُسْتُنِدَتْ وَقَالُوا: إذَا اُسْتُنِدَتْ إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ الْيَدِ الصَّحِيحُ سَمَاعُهَا وَيَنْقَضِ الْقَضَاءُ، وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ تِلْكَ الْيَدِ تَقْضِي بِهِ إلَى إبْطَالِ حُكْمِهَا أَمَّا إذَا أَقَامَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ، وَأُشْكِلَتْ عَلَى الْقَاضِي يُسْرٍ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَمِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا: دَارٌ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَقَدْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِمِلْكِيَّتِهَا فَادَّعَى خَارِجٌ انْتِقَالَ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَيْهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَى انْتِقَالِهِ إلَيْهِ بِسَبَبٍ صَرِيحٍ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ أَفْتَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفُقَهَاءُ هَمَذَانَ لِسَمَاعِهَا وَالْحُكْمُ بِهَا لِلْخَارِجِ، وَمَالَ أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ حَتَّى يُثْبِتُوهُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِانْتِقَالِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّ فُلَانًا وَارِثٌ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يُثْبِتُوا جِهَةَ الْإِرْثِ.
قُلْت: إنْ كَانَ السَّبَبُ هَذَا مُقَدَّمَ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَمْ يُقَسْ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتُشْكَلُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِرْثِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ الْحُكْمِ فِي الدَّعْوَى]
(مَسْأَلَةٌ) تَوَلَّدَتْ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْطِ حُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا ذِكْرُهَا رحمه الله عَقِبِ مَسْأَلَةٍ مِنْ بَابِ الْأَقْضِيَةِ قَالَ رحمه الله: وَشُرُوطُ الْحُكْمِ كَثِيرَةٌ وَنَقْتَصِرُ مِنْهَا عَلَى مَا نَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ
مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى لِمَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ تَحْتَ نَظَرِ الْحَاكِمِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَالْقَاضِي الشَّافِعِيِّ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ مَنْ يَدَّعِي وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ، وَتَكُونُ الدَّعْوَى عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ الْمَحْجُورِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ بِإِقَامَةِ الْقَاضِي النَّاظِرِ فِي أَيْدِيهِمْ عَنْهُ أَمَّا فِي الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ وَبَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْمَحْجُورُ فَتَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَيَدِّعِي لَهُ وَلَا يُقَالُ عَنْهُ.
وَلَوْ قِيلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّسَمُّحِ فِي الْعِبَارَةِ كَانَ جَائِزًا وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَالْقَاضِي الشَّافِعِيُّ يُقِيمُ مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى الْمُتَوَجِّهَةَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَنْصُوبُ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَا جَوَّزْنَاهُ مِنْ الْعِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَيَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّبَهُمَا وَلَيْسَا وَكِيلَيْنِ عَنْهُ بَلْ مَنْصُوبَيْنِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِنَصْبِهِ إيَّاهُمَا وَهُوَ نَائِبُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَنُوَّابُ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ مِثْلُهُ فَاَلَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَطْ مَعَ بَقِيَّةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ، أَمَّا الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ أَوْ الْحَنَفِيُّ أَوْ الْحَنْبَلِيُّ وَنُوَّابُهُمْ فَيَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ مَنْ يَدَّعِي وَمَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَكُونُ نَصْبُهُ لِذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلَوْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُضَاةِ أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى مُبَاشَرَةٍ وَقَفَ تَحْتَ يَدِ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَوْ قَيِّمِ يَتِيمٍ أَوْ بَيْتِ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُبَاشِرَ الْوَقْفِ أَوْ قَيِّمَ الْيَتِيمِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ نَائِبُ الْقَاضِي وَالْقَاضِي نَائِبُ الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ لَا تَتَوَجَّهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَالْقَاضِي كَذَلِكَ فَنَائِبُهُ كَذَلِكَ.
وَلَقَدْ وَقَعَتْ قَضِيَّةٌ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِنْ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً حَضَرَ شَخْصٌ يَدَّعِي نَظَرَ وَقْفٍ تَحْتَ نَظْرِ الْحَاكِمِ وَأَرَادَ الدَّعْوَى بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ عَلَى مُبَاشِرِ الْوَقْفِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ وَتَجَلْجَلَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَطَالَمَا حَصَلَ لِلْمُدَّعِي مُسَاعِدُونَ، وَكُنْت أَسْمَعُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ إذْ ذَاكَ يَتَعَجَّبُ وَيَقُولُ: كَيْف يَكُونُ نَائِبُ الْقَاضِي يُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَتَعَجَّبُ بَعْضُ مَنْ يُسْمَعُ مِنْهُ هَذَا الْكَلَامَ، وَانْفَصَلَتْ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ وَلَمْ يَحْصُلْ