الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْهِبَة]
{مَسْأَلَةٌ} فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ اسْتَنْبَطْتهَا مِنْ هِبَةِ سَوْدَةَ لَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ وَإِجَازَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فَقُلْت: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فَتَرَكَهُ لِشَخْصٍ مُعِينٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَحَقَّ بِهِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ تُعَيِّنْهَا الْوَاهِبَةُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَهُ شَائِعًا بَيْنَ بَقِيَّةِ النِّسَاءِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَخُصَّ بِهِ الْمَوْهُوبَ لَهَا وَإِمَّا أَنْ يَمْنَعَ الْهِبَةَ وَتَبْقَى نَوْبَةُ الْوَاهِبَةِ عَلَى حَالِهَا كَذَلِكَ الْفَقِيهُ الطَّالِبُ فِي مَدْرَسَةٍ أَوْ الْخَطِيبُ أَوْ إمَامُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمُدَرِّسُ أَوْ الْمُعِيدُ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ إذَا نَزَلَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَنْزِلَ أَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ لَحَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يُوَلِّيَ غَيْرَهُمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُنْزِلَ الْمَنْزُولَ لَهُ إنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَإِمَّا أَنْ لَا يَمْضِيَ هَذَا النُّزُولُ وَيَبْقَى النَّازِلُ عَلَى مَكَانِهِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ النَّازِلِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ النُّزُولُ بِتَوْلِيَةِ الْمَنْزُولِ لَهُ فَحِينَئِذٍ يَنْقَطِعُ حَقُّ النَّازِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ النَّازِلُ: نَزَلْت عَنْ حَقِّي مُطْلَقًا فَيَسْقُطُ كَمَا لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ: تَرَكْت حَقِّي مِنْ الْقِسْمِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلْيُنْظَرْ فِي مَوَادِّ ذَلِكَ وَنَظَائِرِهِ مِنْ حَقِّ الْحَجْرِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا فِي مُجَرَّدِ النُّزُولِ، وَأَمَّا أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِإِحْيَائِهِ وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ وَنَحْوِهِ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، لَكِنْ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ النُّزُولِ نَظَرٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ رَأْيِي قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَمَّا دَخَلْت فِي الْقَضَاءِ رَأَيْت الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ تَقْتَضِي عَدَمَ إمْضَاءِ ذَلِكَ انْتَهَى. ثُمَّ صَنَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله بَعْدَ جَوَابِهِ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفَيْنِ مُطَوَّلَيْنِ فَلِيُنْظَرْ. انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]
{كِتَابُ الْفَرَائِضِ} {الْغَيْثُ الْمُغْدِقُ فِي مِيرَاثِ ابْنِ الْمُعْتِقِ}
سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله عَنْ خَادِمٍ مَاتَ وَلَهُ أَوْلَادُ مُعْتِقٍ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ هَلْ يَخْتَصُّ بِمِيرَاثِهِ الذُّكُورُ أَوْ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ الْإِنَاثُ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟
فَأَجَابَ جَوَابًا سَمَّاهُ (الْغَيْثُ الْمُغْدِقُ فِي مِيرَاثِ ابْنِ الْمُعْتِقِ) وَهَذِهِ
نُسْخَتُهُ وَمِنْ خَطِّ مَنْ نَقَلَ مِنْ خَطِّهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الذُّكُورُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ رَوَاهَا أَبُو طَالِبٍ أَنَّ بِنْتَ الْمُعْتِقِ تَرِثُ فَفَهِمَ أَصْحَابُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا فِي بِنْتِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً لَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَرِثُ مِنْ الْوَلَاءِ وَكَانَ يُوَرِّثُ الْبِنْتَ مِنْ وَلَاءِ مَوَالِي الْأَبِ وَطَاوُسٌ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ طَاوُسٌ فِي هَذَا النَّقْلِ هَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي النِّسَاءِ أَوْ خَاصٌّ بِالْبِنْتِ أَوْ كَيْفَ حَالُهُ أَمَّا الْبِنْتُ فَلَا شَكَّ عَنْهُ فِي تَوْرِيثِهَا كَالرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا هَلْ هُوَ عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ خَاصَّةً أَوْ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ: إذَا خَلَّفَ ابْنَ مَوْلَى وَابْنَةَ مَوْلَى فَالْمَالُ لِابْنِ الْمَوْلَى دُونَ ابْنَتِهِ وَهَكَذَا إذَا خَلَّفَ أَخَا الْمَوْلَى وَأُخْتَ الْمَوْلَى هَذَا قَوْلُنَا.
وَذَهَبَ شُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ إلَى أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي النَّسَبِ، هَذَا النَّقْلُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَقْتَضِي أَنَّ شُرَيْحًا وَطَاوُسًا يَقُولَانِ بِذَلِكَ وَالْأُخْتُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَحَالَةَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الذُّكُورِ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْوَلَاءَ مَوْرُوثًا كَالْمَالِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مِيرَاثِ بِنْتِ الْمُعْتِقِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ بِالْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ جَرَّ الْوَلَاءَ إلَيْهِنَّ مَنْ أَعْتَقْنَ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ غَيْرِ شُرَيْحٍ فَيَقْتَضِي هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ شُرَيْحًا يَقُولُ بِمِيرَاثِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا حَيْثُ يَرِثْنَ الْمَالَ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ.
وَأَنَا أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَنَّ الْمَالَ يَخْتَصُّ بِأَوْلَادِ الْمُعْتِقِ الذُّكُورِ لَا يُشَارِكُهُمْ الْإِنَاثُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَرِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِفُصُولٍ:
(الْأَوَّلُ) فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا الْحَدِيثُ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي تَوْرِيثِ الْبِنْتِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَخْبَرْنَا بِهِ
شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الدِّمْيَاطِيُّ رحمه الله سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ: أَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَاصِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الوبرح الْقَطَّانُ أَنَا أَبُو الْفَتْحِ إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ بْنُ الْإِخْشِيدِ السَّرَّاجُ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمُقْرِي ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَهُ حَمْزَةَ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ حَمْزَةَ النِّصْفَ» ، هَذَا إسْنَادٌ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ شَيْخَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَبَا سَهْلٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ مُحَدِّثٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ لَهُ: هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَشَيْخُ بْنِ زِيَادٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ تَمْتَامٍ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمُنْقِرِيُّ هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ حَافِظٌ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ نَحْوِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَفْطَسِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَكْذِبُ.
وَقَالَ عَبْدَانُ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُتَّهَمَ الشَّاذَكُونِيَّ وَإِنَّمَا كَتَبَهُ ذَهَبْت فَكَانَ يُحَدِّثُ حِفْظًا فَيَغْلَطُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لِلشَّاذَكُونِيِّ حَدِيثٌ كَثِيرٌ مُسْتَقِيمٌ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمَعْدُودِينَ حُفَّاظِ الْبَصْرَةِ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ يُضَمُّ إلَى يَحْيَى وَأَحْمَدَ وَعَلِيٍّ. وَأَنْكَرَ مَا رَأَيْت لَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْتهَا بَعْضُهَا مَنَاكِيرُ وَبَعْضُهَا سَرِقَةٌ وَمَا أَشْبَهَ صُورَةَ أَمْرِهِ بِمَا قَالَ عَبْدَانُ وَإِنَّمَا أَتَى مِنْ هُنَاكَ فَلِجُرْأَتِهِ وَاقْتِدَارِهِ عَلَى الْحِفْظِ يَمُرُّ عَلَى الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَتِهِ: حَافِظٌ مَا هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ. وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَسَعِيدٌ وَهُوَ الْجُرَيْرِيُّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا، وَعِبَارَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الشَّاذَكُونِيِّ فِيهِ نَظَرٌ. فَالْحَدِيثُ بِسَبَبِ الشَّاذَكُونِيِّ وَحْدَهُ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الشَّاذَكُونِيِّ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ وَهُوَ إمَام الْمُحَدِّثِينَ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً فِي تَوْرِيثِ بِنْتِ الْمُعْتِقِ وَنَصٌّ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَهَا
عَصَبَةٌ أَبْعَدُ مِنْهَا فَإِنَّ حَمْزَةَ كَانَ ابْنَا أَخِيهِ مَوْجُودَيْنِ وَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ أَخُوهُ كَانَ مَوْجُودًا فَإِذَا كَانَتْ الْقَضِيَّةُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَظُهُورِ إسْلَامِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ عَلَى أَنَّ حَمْزَةَ رضي الله عنه كَانَ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ يَعْلَى وَأَعْقَبَ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يُمْكِنُ انْفِرَادُ أُخْتِهِ بِالْمِيرَاثِ إنْ كَانَ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِمَا، وَقَدْ رُوِيَ خَبَرُ بِنْتِ حَمْزَةَ عَلَى أَوْجُهٍ تَقْتَضِي أَنَّ مَوْلَاهَا مَاتَ.
رَوَاهُ كَذَلِكَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنَيْهِ وَهِيَ أُخْتُ شَدَّادٍ لِأُمِّهِ قَالَتْ: «مَاتَ مَوْلًى لِي وَتَرَكَ ابْنَةً فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ لِي النِّصْفُ وَلَهَا النِّصْفُ» . وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فِيهِ ضَعْفٌ
، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا أَضَافَتْ مَوْلَى أَبِيهَا إلَيْهَا إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَلَاءَ يُوَرِّثُ وَإِمَّا تَجَوُّزًا.
لَكِنْ فِي النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ «أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا لَهَا» . الْحَدِيثَ قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْخَطَأِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ، وَمَقْصُودُ النَّسَائِيّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا الْمُعْتِقَةُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى.
وَقَدْ يَكُونُ مَوْلًى لِأَبِيهَا وَمَوْلًى آخَرَ لَهَا وَمَاتَا وَوَرِثَتْهُمَا إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ جَعَلُوا هَذَا اخْتِلَافًا وَأَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَحَكَوْا بِأَنَّ كَوْنَهُ عَتِيقًا لَهَا أَصَحُّ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ وَقَدْ سَأَلَهُ: هَلْ كَانَ الْمَوْلَى لِحَمْزَةَ أَوْ لِابْنَتِهِ قَالَ لِابْنَتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ فَهَذَا يَقِفُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ بِنْتِ حَمْزَةَ عَلَى أَنَّ بِنْتَ الْمُعْتِقِ تَرِثُ، وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ حَدِيثَ بِنْتِ حَمْزَةَ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُعْتِقَةُ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ وَشُعْبَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِحَمْزَةَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ هَذِهِ: إنْ لَمْ تَكُنْ أُمَامَةَ فَلَا أَدْرِي مَنْ هِيَ. قُلْت: وَهِيَ أُمَامَةُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ: ثنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَهُوَ أَخُو أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ لِأُمِّهَا عَنْ أُخْتِهِ أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ «أَنَّ مَوْلًى لَهَا تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنَتِهِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ حَمْزَةَ النِّصْفُ» وَلَا نَعْلَمُ لِحَمْزَةَ بِنْتًا غَيْرَ أُمَامَةَ وَهِيَ الَّتِي اخْتَصَمَ فِيهَا زَيْدٌ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ فَأَعْطَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا زَوْجَتُهُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ كَانَتْ زَوْجَةَ حَمْزَةَ وَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَاءُ لِأَبِيهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِمِيرَاثِهِ قَطْعًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَخَوَيْهَا يَعْلَى وَعَمَّارَ ابْنَيْ حَمْزَةَ كَانَا مَوْجُودَيْنِ أَوْ يَعْلَى وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ بِنْتَ الْمُعْتِقِ تَرِثُ وَتَتْرُك ابْنَهُ، وَبِهَذَا بَانَ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَوْلَاهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُوَرِّثُ بِالرَّدِّ وَيُقَدِّمَهُ عَلَى الْوَلَاءِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي أَكَانَ هَذَا قَبْلَ الْفَرَائِضِ أَمْ بَعْدَهَا. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ بَعْدَ أُحُدٍ وَبِنْتُ حَمْزَةَ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ مِنْ مَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَقِيلَ: إنَّهَا خَرَجَتْ وَهِيَ غَيْرُ مُدْرِكٍ وَجَازَ أَنْ تَكُونَ أَدْرَكَتْ ثُمَّ أَعْتَقَتْ ثُمَّ مَاتَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ إلَى حِينِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(الْحَدِيثُ الثَّانِي) رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ ثنا هَمَّامٌ ثنا قَتَادَةُ عَنْ سَلْمَى ابْنَةَ حَمْزَةَ «أَنَّ مَوْلَاهَا مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَوَرَّثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ النِّصْفَ وَوَرَّثَ يَعْلَى النِّصْفَ» وَكَانَ ابْنُ سَلْمَى هَكَذَا فِي الْمُسْنَدِ وَتُرْجِمَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلْمَى بِنْتِ حَمْزَةَ وَلَكِنِّي لَا أَعْرِفُ لِحَمْزَةَ بِنْتًا اسْمُهَا سَلْمَى وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْغَلَطُ فِي التَّسْمِيَةِ مِنْ أُمَامَةَ إلَى سَلْمَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي اسْمَ سَلْمَى قَدْ تَكَرَّرَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي التَّرْجَمَةِ وَفِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ وَأَيْضًا لَا نَعْلَمُ لِأُمَامَةَ وَلَدًا اسْمُهُ يَعْلَى، وَاَلَّذِي ظَهَرَ فِي هَذَا أَنَّ الْغَلَطَ وَقَعَ فِي قَوْلِهِ: ابْنَةُ حَمْزَةَ.
وَصَوَابُهُ امْرَأَةُ حَمْزَةَ وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ وَيَعْلَى بْنُ حَمْزَةَ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّ أُمَّهُ بِنْتَ اللُّدِّ بْنَ مَالِكِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ حُجْرٍ، كَذَا قَالَ
ابْنُ سَعْدٍ.
وَاَلَّذِي فِي الْمُسْنَدِ أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ وَهُوَ أَنَّهُ ابْنُ سَلْمَى وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَعْلَى آخَرُ ابْنُ سَلْمَى وَلَمْ تُعْرَفُ فِي بَنَاتِ حَمْزَةَ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَمْزَةَ وَهُوَ ابْنُ سَلْمَى وَأَنَّ أُمَّهُ سَلْمَى الْمُعْتِقَةُ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَاصِ إرْثِ الْوَلَاءِ بِالرِّجَالِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ يَعْلَى مِنْ مَوْلَى أُمِّهِ وَلَمْ يُوَرِّثْ أُخْتَهُ أُمَامَةَ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً ذَلِكَ الْوَقْتَ فَهَذَا لَوْ سَلِمَ انْشَرَحَتْ نَفْسِي لَهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ بِالْوَلَاءِ بَعْدَ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ وَبَعْدَ اعْتِقَادِ أَنَّ سَلْمَى كَانَتْ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ غَيْرَ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْمُعْتِقَةَ تَرِثُ فِي حَيَاتِهَا وَإِمْكَانُ إرْثِهَا وَبَعْدَ تَقْرِيرِ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ قَتَادَةَ عَنْ سَلْمَى لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ سَلْمَى رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ قِصَّتِهَا وَكَثِيرًا مَا تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَتَادَةُ رَوَى تَوْرِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مُرْسَلٌ.
وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ مِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِهِ إذَا اعْتَضَدَ وَهُوَ هُنَا اعْتَضَدَ بِأُمُورٍ: قَوْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَالْقِيَاسِ، وَفَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهَذَا لَوْ سَلِمَ أَحْسَنُ دَلِيلٍ رَأَيْته فِي اخْتِصَاصِ الْوَلَاءِ بِالرِّجَالِ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ؛ لِأَنَّ سَلْمَى هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِكَ لَا يَسْلَمُ الِاسْتِدْلَال كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ سَلْمَى إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُعْتِقَةُ فَمِيرَاثُ مَوْلَاهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ يَعْلَى بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِحَمْزَةَ وَأَضَافَهُ إلَى امْرَأَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَوْرِيثُ يَعْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ حَمْزَةَ وَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَيْضًا عَلَى حِرْمَانِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَلَمْ يُوَرِّثْهَا شَيْئًا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَكَانَ الْمَوْلَى لِحَمْزَةَ عَلَى حِرْمَانِ الْبِنْتِ وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ سَلْمَى مَيِّتَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى لِسَلْمَى فَيُشْكِلُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِاخْتِصَاصِ يَعْلَى دُونَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ.
وَإِنْ كَانَتْ سَلْمَى بِنْتُ حَمْزَةَ وَيَعْلَى ابْنُهَا سُمِّيَ بِاسْمِ خَالِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ سَلْمَى مَيِّتَةً ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِيهِ دَلِيلٌ إلَّا عَلَى أَنَّ
ابْنَ الْمُعْتِقَةِ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ إلَّا مَا شَذَّ عَلَى مَا سَنَحْكِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ رحمه الله فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَبَابَ بْنَ حُذَيْفَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثَلَاثَ غِلْمَةٍ فَمَاتَتْ أُمُّهُمْ فَوَرِثُوهَا رُبَاعُهَا وَلَاءَ مَوَالِيهَا وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَصَبَةَ بَنِيهَا فَأَخْرَجَهُمْ إلَى الشَّامِ فَمَاتُوا فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَاتَ مَوْلًى لَهَا وَتَرَكَ مَالًا فَخَاصَمَهُ إخْوَتُهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ عُمَرُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْرَزَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ. قَالَ: فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ شَهَادَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٍ آخَرَ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عَبْدُ الْمَلِكِ اخْتَصَمُوا إلَى هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ أَوْ إسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامٍ فَرَفَعَهُمْ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: هَذَا مِنْ الْقَضَاءِ الَّذِي مَا كُنْت أَرَاهُ قَالَ: فَقَضَى لَنَا بِكِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَحْنُ فِيهِ إلَى السَّاعَةِ» . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي مِمَّا قِيلَ مِنْ غَلَطِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِيهِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ النَّسَائِيّ فِيهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ مُرْسَلٌ.
وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: «تَزَوَّجَ رَبَابُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ أُمَّ وَائِلِ بِنْتِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيَّةِ، وَفِيهِ فَمَاتُوا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ فَوِرْثَهُمْ عُمَرُ وَكَانَ عَصَبَتَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَاءَ بَنُو عَمْرٍو يُخَاصِمُونَهُ وَلَاءَ أَخِيهِمْ إلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَتْهُ يَقُولُ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ حَتَّى إذَا اُسْتُخْلِفَ عَبْدُ الْمَلِكِ تُوُفِّيَ مَوْلًى لَهُمَا وَتَرَكَ أَلْفَيْ دِينَارٍ فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَضَاءَ قَدْ غُيِّرَ فَخَاصَمُوا إلَى هِشَامٍ فَدَفَعَنَا إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَتَيْنَاهُ بِكِتَابِ عُمَرَ فَقَالَ: إنْ كُنْت لَأَرَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْقَضَاءِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَمَا أَرَى أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بَلَغَ أَنَّ هَذَا أَنْ يَسْأَلُوا فِي هَذَا الْقَضَاءِ» قُلْت: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ وَأَوْلَادُهَا الْمَذْكُورُونَ هُمْ أَوْلَادُ رَبَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ فَحُذَيْفَةُ جَدُّهُمْ وَهَاشِمٌ جَدُّ الْعَاصِ أَخَوَانِ فَعَمْرٌو ابْنُ ابْنِ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِمْ فَكَذَلِكَ هُوَ عَصَبَتُهُمْ فَإِنْ شِئْت تَقُولُ: هُمْ بَنُو ابْنِ عَمِّ جَدِّهِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى مَتْنِ هَذَا الْأَثَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَضَاءُ عُمَرَ بِمَالِ مَوْلَاهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلِعَصَبَةِ
أَوْلَادِهَا دُونَ إخْوَتِهَا الَّذِينَ هُمْ عَصَبَتُهَا.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَهِيَ إذَا مَاتَتْ الْمُعْتِقَةُ وَخَلَّفَتْ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ عَصَبَتْهُ كَأَعْمَامِهِ وَبَنِي عَمِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ وَتَرَكَ أَخَا مَوْلَاتِهِ وَعَصَبَتُهُ ابْنُهَا فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ مِيرَاثَهُ لِأَخِي مَوْلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ فَإِنْ انْقَرَضَ عَصَبَتُهَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ عَصَبَةِ ابْنِهَا وَبِهِ قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقُبَيْصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لِعَصَبَةِ الِابْنِ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ.
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ الْمَالُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ هَذَا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ وَإِنَّمَا يُوَرَّثُ بِهِ وَهُوَ بَاقٍ لِلْمُعْتِقِ يَرِثُ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَصَبَاتِهِ لَمْ يَرِثْ شَيْئًا وَعَصَبَاتُ الِابْنِ غَيْرُ عَصَبَاتِ أُمِّهِ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَلَطٌ قَالَ حُمَيْدٌ: النَّاسُ يُغَلِّطُونَ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْت: وَالصَّحِيحُ الِاحْتِجَاجُ بِنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَكِنْ هُنَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى الْغَلَطِ فِيهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَتْنِ قَوْلُهُ: مَا أَحْرَزَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْ كَانُوا " وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَكْبَرُ وَهَذَا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِهِ النِّسَاءُ وَلَا الرِّجَالُ دُونَ الْفُرُوضِ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مَدْلُولِ الْعَصَبَةِ فِي اللُّغَةِ، فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَصَبَةُ الرَّجُلِ بَنُوهُ وَقَرَابَتُهُ لِأَبِيهِ سُمُّوا عَصَبَةً لِأَنَّهُمْ عَصَبُوا بِهِ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْعَصَبَةُ الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ يَعْصِبُونَهُ وَيَعْتَصِبُ بِهِمْ أَيْ يُحِيطُونَ بِهِ وَيَشْتَدُّ بِهِمْ انْتَهَى.
وَهَذَا مَأْخَذٌ جَيِّدٌ فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ عَنْ اسْمِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِدَادَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالرِّجَالِ وَتَسْمِيَةُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَنْ الْبِنْتِ وَهَذَا الْمُرَادُ بِتَسْمِيَتِهَا فِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ عَصَبَةٌ وَلِذَا تُعَصِّبُ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةُ لِأَخَوَاتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى اخْتِصَاصِ
الْوَلَاءِ بِالرِّجَالِ لَكِنْ عِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ فِي صِحَّتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مِثْلَهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَالِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا أَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثُهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي أَنَا مَوْلَاهُ» .
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ وِرَاثَةَ الْمَالِ تَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَلَعَلَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْوَلَاءِ مِثْلِهِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ فِي إرْثِ الْمَالِ دَلَّ الْإِجْمَاعُ وَغَيْرُهُ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى إرْثِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَنِسَاءِ الْأَقَارِبِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ أَطْلَقَ الْعَصَبَةَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مَجَازًا، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَدِيثِ الْوَلَاءِ إلَى الْمَجَازِ.
وَهَذَا الْجَوَابُ لَا أَجِدُ نَفْسِي تَنْقَادُ إلَيْهِ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَا أَحْرَزَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ» لَفْظٌ عَامٌّ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْوَلَاءِ وَإِنْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ بِالْعُمُومِ وَإِذَا كَانَ وَارِدًا فِي الْعُمُومِ فَهُوَ كَحَدِيثِ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَا يُوَرَّثُ فَكَيْفَ يُقَالُ: أَحْرَزَهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ شَخْصٌ دُونَ شَخْصٍ كَالْمَالِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ مَنْ كَانُوا قَرِينَةً تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَصَبَةِ عُمُومُهُمْ لَا الِاحْتِرَازُ عَنْ غَيْرِهِمْ وَاللَّفْظُ إذَا قُصِدَ بِهِ مَعْنًى يَضْعُفُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اللَّفْظِ حَتَّى اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصَاتِ الْعُمُومِ أَوَّلًا وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْحُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ مِقْدَارِ بَيَانِ الْوَاجِبِ فَهَلْ يُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ أَوْ لَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
وَرَأَى الشَّافِعِيُّ الْمَنْعَ فَهَذَا مِثْلُهُ فَيَقِفُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اخْتِصَاصِ إرْثِ الْوَلَاءِ بِالْعَصَبَاتِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْبِنْتَ تَصِيرُ عَصَبَةً بِأُخْتِهَا وَالْأُخْتُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ ثُمَّ يُخْرِجُونَهُمَا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ لَا سِيَّمَا الْبِنْتُ فَيَنْبَغِي إذَا كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنٌ وَبِنْتٌ يَصْرِفُونَ الْمَالَ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَصَبَةٌ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَنْدَرِجَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَمَا قِيلَ مِنْ غَلَطِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِيهِ.
(الْحَدِيثُ الرَّابِعُ)«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَكِتَابُ ابْنِ حِبَّانَ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: قُرِئَ عَلَى بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ رحمه الله: لَمْ يَرْوِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما وَأَبُو يُوسُفَ وَصَلَهُ وَأَسْنَدَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَسْقَطَ مِنْهُ رَجُلًا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَأَبُو يُوسُفَ مَا لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَقَالَا: ثنا الْأَصَمُّ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْبَأَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُرْسَلًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مُتَّصِلًا وَلَيْسَ مَحْفُوظًا.
وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى مَتْنِ الْحَدِيثِ فَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
اللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ بِضَمٍّ وَبِفَتْحٍ وَلُحْمَةُ الْبَازِي مَا يُطْعَمُ مِمَّا يَصِيدُهُ بِضَمٍّ وَبِفَتْحٍ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اُخْتُلِفَ فِي ضَمِّ اللُّحْمَةِ وَفَتْحِهَا فَقِيلَ هِيَ فِي النَّسَبِ بِالضَّمِّ وَفِي الثَّوْبِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَقِيلَ الثَّوْبُ بِالْفَتْحِ وَحْدَهُ وَقِيلَ النَّسَبُ وَالثَّوْبُ فَالْفَتْحِ فَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ مَا يُصَادُ بِهِ الصَّيْدُ.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُخَالَطَةُ فِي الْوَلَاءِ وَأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا تُخَالِطُ اللُّحْمَةُ سُدَاءَ الثَّوْبِ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُدَاخَلَةِ الشَّدِيدَةِ.
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ لُحْمَةَ النَّسَبِ مُشَبَّهَةٌ بِلُحْمَةِ الثَّوْبِ تَشْبِيهًا لِلِاخْتِلَاطِ الْمَعْنَوِيِّ بِالِاخْتِلَاطِ الْحِسِّيِّ وَالْوَلَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّسَبِ شَبَهُ الِاخْتِلَاطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَالْمُعْتِقِ وَعَصَبَاتُهُ بِالِاخْتِلَاطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ شَرْعًا وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: تَنْزِيلُ الْعَتِيقِ مَنْزِلَةَ وَلَدِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ مِنْ قَهْرِ الْعُبُودِيَّةِ إلَى سَعَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالنُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ صَيَّرَهُ بِحَيْثُ يَلِي وَيَشْهَدُ وَيَرِثُ وَيَنْكِحُ أَرْبَعًا وَيُطَلِّقُ ثَلَاثًا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُتَفَرِّغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْصِيلِ مَصَالِحِ نَفْسِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَشْبَهَ الْأَبَ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الِابْنِ وَلَا شَيْءَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْإِعْتَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] يَعْنِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رضي الله عنه أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ، وَيُنَاسِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ قَوْلَ مَنْ يُوَرِّثُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتِ وَلَا يَطَّرِدُ فِي أُخْتِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَّةِ وَالْعَمَّةُ لَا تَرِثُ وَلَا فِي بِنْتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأَخِ تَرِثُ.
الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَتِيقُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ لِلْمُعْتِقِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا «الْمُولَى أَخٌ فِي الدِّينِ وَنِعْمَةٌ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمُعْتِقِ» وَيُنَاسِبُ هَذَا التَّنْزِيلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: الْبِنْتُ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ.
الْمَعْنَى الثَّالِثَ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَى خُصُوصِ بُنُوَّةٍ وَلَا أُخُوَّةٍ وَلَكِنْ يُنْظَرُ
إلَى الْمُعْتِقِ وَجَمِيعِ عَصَبَاتِهِ فَنَجْعَلُ الْعَتِيقَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، كَأَنَّهُ أُلْصِقَ بِهِمْ وَاخْتَلَطَ وَصَارَ مَعَهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ عَلَى عَصَبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِنِعْمَتِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلَّى النِّعْمَةَ وَأَعْطَى الثَّمَنَ فَنَاسَبَ تَقْدِيمُهُ ثُمَّ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَلِيُّ يُرَادُ لِلِانْتِصَارِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّعَاضُدِ اخْتَصَّ بِالرِّجَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِنَاثِ فِيهِ حَظٌّ إلَّا إذَا أَعْتَقْنَ.
وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَجَاءَ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِيِّ النِّعْمَةِ» تَنْزِيلُ الْوَلَاءِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ وَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ أَنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ أَنْ يَكُونَ وَهَبْته مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَانْظُرْ كَيْفَ قَرَنَ النَّسَبَ مَعَ الْوَلَاءِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَعِيدِ التَّبَرُّؤِ مِنْهُمَا وَلِأَجْلِ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ بِهِ إلَّا بَعْدَ النَّسَبِ الَّذِي يُوَرَّثُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمَحْمُولُ عَلَى الشَّيْءِ دُونَهُ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مُطْلَقًا: إنَّ النِّسَاءَ لَا حَظَّ لَهُنَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا تَبَاعَدَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ لِمَا قُلْنَاهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِهِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَالْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْ النَّسَبِ الْبَعِيدِ وَأَبْعَدُ عَنْهُ وَأَوْلَى أَنْ لَا يَرِثَ النِّسَاءُ بِهِ وَاسْتِنْبَاطُ هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: دَلِيلُنَا نُكْتَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهُوَ إذَا قَالَ: النِّسَاءُ إنَّمَا يَرِثْنَ بِالنَّسَبِ الْمُتَدَانِي وَلَا يَرِثْنَ بِالنَّسَبِ الْمُتَبَاعِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَالْأُمَّ وَالْجَدَّةَ وَالْأُخْتَ لَمَّا تَدَانَتْ أَنْسَابُهُنَّ وَرِثْنَ وَبِنْتُ الْأَخِ وَالْعَمَّةُ لَمَّا تَبَاعَدَتْ أَنْسَابُهُنَّ لَمْ يَرِثْنَ وَبِنْتُ، الْمَوْلَى أَبْعَدُ مِمَّنْ تَبَاعَدَ نَسَبُهُ مِنْ نِسَاءِ الْمُنَاسِبِينَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ وَالْإِرْثُ بِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْمَوْلَى شَيْئًا.
قَالَ أَصْحَابُنَا: أَخَذُوا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَصَاغُوا لَهُ عِبَارَةً أُخْرَى فَقَالُوا: لَوْ وَرَّثْنَا