الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعَارَضٌ بِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ وَتَوَقُّفِي عَنْهُ لَيْسَ حُكْمًا بِشَيْءٍ فَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى حُكْمٍ بِمَا لَا أَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِنَبِيِّهِ {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] هَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي ثَالِثَ عَشْرَيْ الْقَعْدَةِ سَنَة 52 وَسَبْعِمِائَةِ. .
[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا]
(مَسْأَلَةٌ) إذَا أُكْرِهْت عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ فَطَلَّقَهَا عَلَى الْعِوَضِ مُخْتَارًا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ هَلْ يَقَعُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَوْ لَا وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِالْخُلْعِ، ثُمَّ ادَّعَتْ الْإِكْرَاهَ وَلَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً لَكِنْ ظَهَرَتْ مَخَائِلُ تَقْتَضِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَحْضَرَ إلَيْهَا جَنَادِرَةَ الْوَالِي وَقَالَ الشُّهُودُ إنَّهُمْ مَعَهَا عَلَى الْإِكْرَاهِ وَقَبِلْت قَوْلَهَا وَجَعَلْت الطَّلَاقَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُكَذِّبٌ لَهَا فِي الْإِكْرَاهِ وَلَمْ أُكَذِّبْهَا بِحَالٍ لِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي الْإِكْرَاهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَنْقُولٌ، ثُمَّ إنَّهُ أَرَادَ رَجْعَتَهَا فَأَشَرْت عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ احْتِيَاطًا، يُرَاجِعُ وَيُجَدِّدُ الْعَقْدَ فَتَحِلُّ لَهُ بِيَقِينٍ إمَّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَارْتَجَعَهَا وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَائِنًا وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا.
[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ]
(مَسْأَلَةٌ) الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا، نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَنَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ فَسْخٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صَرَاحَتِهِ لَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُمْ تَكَرَّرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الشَّرْعِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ هَلْ هُوَ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ لِإِشْعَارِهِ بِهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْخُلْعِ بَلْ قَالَ «خُذْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» انْتَهَى.
قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْخَطِيبُ تَاجُ الدِّينِ سَلَّمَهُ اللَّهُ: مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَذْهَبٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا شَاذًّا فَلَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ مَنْ يُرِيدُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحُ الْمِنْهَاجِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ عَنْهُ انْتَهَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[كِتَابُ الطَّلَاقِ]
(كِتَابُ الطَّلَاقِ)(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه: إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ. إنْ طَلَّقْتُك
فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَطَلْقَتَانِ قَبْلَهَا مِنْ الْمُعَلَّقِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ صَادِرٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ إعْمَالُهُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحِيلِ وَهُوَ وُقُوعُ ثَلَاثٍ قَبْلَ طَلْقَةٍ أُخْرَى فَيَبْطُلُ مِنْهُ مَا اقْتَضَى الْمُحَالَ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ شَرْعًا وَيَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى لِلصِّحَّةِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ نَقُولُ: إنَّ الطَّلْقَتَيْنِ مِنْ الْمُعَلَّقِ يَقَعَانِ قَبْلَ الْمُنْجَزِ بِأَدْنَى زَمَانٍ أَوْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُمَا عَقِيبَ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي، لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهَانِ نَنْظُرُ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِي وَفِي الْآخَرِ إلَى الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمُسْتَعْقَبُ بِالتَّنْجِيزِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُصْرَفُ بِلَفْظِ الْقَبْلِيَّةِ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ.
وَإِذَا قِيلَ: بِالْإِسْنَادِ إلَى عَقِيبِ التَّعْلِيقِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِدَّةُ انْقَضَتْ بَيْنَهُمَا فَيُؤَدِّي الْقَوْلُ بِإِيقَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ فَيَعْدِلُ إلَى زَمَانٍ بَعْدَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ الدَّوْرِ. وَإِنَّمَا يُسْنَدُ بَابُ الطَّلَاقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ إذَا قِيلَ: بِإِسْنَادِ الْوُقُوعِ إلَى عَقِبِ التَّعْلِيقِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ بَلْ قَبْلَهُ بِأَدْنَى زَمَانٍ قَدْ يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ وَيَكُونُ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي هَذَا الْمُصَنَّفِ أَوْ فِي غَيْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحُذَّاقِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَدَّادِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْوُقُوعُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ الْمُحَالَ فَلَا يَقَعُ وَجَوَابُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ جَمِيعِهِ، سَنَدُ هَذَا الْمَنْعِ أَنَّ صِحَّةَ جَمِيعِهِ تَقْتَضِي لُزُومَ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ لِطَلْقَةٍ بَعْدَهَا وَأَنَّهُ مُحَالٌ.
أَمَّا اقْتِضَاؤُهُ لُزُومَ ذَلِكَ فَهُوَ مَدْلُولُ الشَّرْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي لُزُومَ تَالِيهَا لِمُقَدَّمِهَا، وَالشَّرْطِيَّاتُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا اتِّفَاقِيًّا فَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الصَّحِيحَ شَرْعًا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي شَرْطُهُ جَزَاءَهُ وَلِجَعْلِ الْجَزَاءَ فِيهِ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ وَهَذَا مَعْنَى صِحَّةِ التَّعْلِيقِ. وَيَتَوَقَّفُ أَيْضًا الْجَزَاءُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جَعَلَهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ بِشَرْطٍ آخَرَ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّ اللُّزُومَ حَاصِلٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ
وَأَمَّا الِاسْتِحَالَةُ فَلِعَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ أَرْبَعَ طَلْقَاتٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ وَيَقَعَ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا إنْ وُجِدَتْ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ تُوجَدْ الثَّلَاثُ قَبْلَهَا وَإِلَّا كُنَّ أَرْبَعًا وَإِنْ وُجِدَ فِي نِكَاحٍ آخَرَ بِأَنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبِينُ، وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانُ النِّكَاحِ الثَّانِي وَبُطْلَانُ الطَّلَاقِ فِيهِ فَيَبْطُلُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأَوَّلِ إلَى نَفْيِهِ، وَكُلَّمَا أَدَّى إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ بَطَلَ مِنْ أَصْلِهِ.
فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَهُ بَيْنُونَةٌ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؟ قُلْت لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَشَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْعِلْمُ بِالْبَيْنُونَةِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا غَيْرُهُ وَنُوَكِّلُهُ فِي طَلَاقِهَا فَيُطَلِّقُهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؟ قُلْت كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ نِكَاحِ غَيْرِهِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ وَالطَّلَاقَ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ لُزُومَ طَلْقَاتِ ثَلَاثٍ لِطَلْقَةٍ بَعْدَهَا مُحَالٌ فَالتَّعْلِيقُ الْمُقْتَضِي لَهُ بَاطِلٌ فِيهِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِبُطْلَانِهِ فِي غَيْرِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِينَ الْمُصَحِّحِ وَالْمُبْطِلِ بِقَدْرٍ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْمُنْجَزِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَلَهُ مَأْخَذَانِ: إحْدَاهُمَا إبْطَالُ التَّعْلِيقِ جُمْلَةً وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَلَا مُعَارِضَ يَقْتَضِي الْإِبْطَالَ فِي الْجَمِيعِ.
الثَّانِي قَطْعُ الدَّوْرِ مِنْ وَسَطِهِ فَيَصِحُّ الْمُنْجَزُ وَيَبْطُلُ الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْضِي بُطْلَانَ مَجْمُوعِ الْمُعَلَّقِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، أَمَّا بُطْلَانُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ كُلِّ جُزْءٍ فَلِمَ لَا يَقَعُ مَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعُ اسْتِحَالَتَهُ.
فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيقُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ اقْتَضَى تَأَخُّرَ الشَّرْطِ عَنْ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ بَاطِلًا. قُلْت: الشَّرْطُ فِي اللَّفْظِ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] وَأَلْفُ مِثَالٍ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَعُمُّ وَهُوَ هُنَا الزَّمَانُ الَّذِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ قَامَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ. فَإِنْ
قُلْت: الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ وَالطَّلَاقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ وَالطَّلْقَةُ الْمُنْجَزَةُ وَالثَّلَاثُ إمَّا غَيْرُ مُتَغَايِرَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَرْبَعًا؟
قُلْت مَتَى تَصَوَّرْتَ تَصَوُّرًا صَحِيحًا عَلِمْت التَّغَايُرَ بَيْنَ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَالثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ إمَّا كَوْنُ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً فَكَالضَّرْبِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ.
وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً وَيُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ فَسَخَ نِكَاحَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعِتْقِ عَبْدِنَا فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا كَوْنُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مُغَايِرًا لِلْمَمْلُوكِ فَتَبْيِينُهُ أَنَّهُ يَقُولُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ وَقَدْ يَنْتَهِي إلَى الْأَلْفِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثًا، فَالطَّلَاقُ الْمَمْلُوكُ أَعَمُّ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ أَخَصُّ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَرْطِهِ فَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ يَكْفِي فِي التَّغَايُرِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ أَيْضًا فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ مُتَغَايِرَانِ لَا مَانِعَ مِنْ تَصْحِيحِهِمَا فِيمَا عَدَا مَحَلِّ الدَّوْرِ.
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنْجَزُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ شَارِكْ الْأَوَّلَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا قُلْت بِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إلْغَاءَ الِاسْتِحَالَةِ بِإِلْغَاءِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ إلْغَاءَهَا بِطَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ هِيَ الْمُتَصَرَّفُ فِيهَا الْقَابِلَةُ لِلتَّصْحِيحِ وَالْإِلْغَاءِ وَالْقَبْلِيَّةُ زَمَانُ ضِدَّيْنِ، الْمُرَادُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِيهِ فَهُوَ وَاقِعٌ ثَلَاثًا فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَعْقِبِ لِزَمَانِ التَّنْجِيزِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلْغَاءٌ لِمَا أَوْقَعَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَإِيقَاعُ طَلْقَتَيْنِ مَعَ الْمُنْجَزِ إيقَاعٌ لِمَا لَمْ يُوقِعْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا إرَادَةٍ فَهَذَا الْقَائِلُ تَوَقَّعَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُتَكَلِّمُ
وَيَمْنَعُ وُقُوعَ مَا قَصَدَهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ - اعْتِقَادُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الْقَبْلِيَّةِ بِهَذَا، وَبِهَذَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ مَا قُلْنَاهُ.
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّرَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقِ أَمْسِ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْسِ لَكِنْ هَلْ يَلْغُو وَيَقَعُ الْآنَ قَوْلَانِ فَعَلَى الْوُقُوعِ الْآنَ يَصِحُّ هَذَا الْوَجْهُ وَإِنَّهُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَ الْمُنْجَزِ لَوْ فُعِلَ.
وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ بِأَصْلِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ الْمُعَلَّقَ يُقَدَّرُ إنْشَاؤُهُ وَقْتَ الصِّفَةِ وَعِبَارَتُهُمْ أَنَّهُ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْوَقْتَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَنَا وَجْهٌ مِثْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ الْحَقُّ، وَقَدْ اسْتَنْظَرَ لَهُ دَلِيلًا مِنْ الْبَدِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْوَصِيِّ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَوْ قَدَّرَ الْعِتْقَ مَعَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَ إلْغَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بَعْدَ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي فِي حَالَةٍ فِي الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ بِعِتْقٍ مُضَافٍ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ جَوَّزَهُ الشَّارِعُ تَوْسِعَةً لِلْمَالِكِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَمَأْخَذٌ قَوِيٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِهِ: إنْ طَلَّقْتُكِ خَاصَّةً أَنَّهُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَحْدَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَمَأْخَذُهُ أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ تُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعِنْدِي فِي ضَعْفِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي لَمْ تُحَقَّقْ مِنْ الشَّرْعِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا بَلْ الْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنْقُولَةُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَهَا أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ وَبِدُونِ الْأَرْكَانِ يَظْهَرُ عَدَمُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهَا وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ فَإِنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالْفَسَادِ وَإِذَا سَلَّمْنَا الِاسْمَ عَنْهَا فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بِالْمَجَازِ.
وَيُمْكِنُ لِهَذَا الْوَجْهِ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ: أَنَّ الِاسْمَ وَإِنْ قَصُرَ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنَّ هُنَا قَرِينَةً تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّطْلِيقُ الَّذِي لَوْلَا الْمَانِعُ لَوَقَعَ وَالْمَانِعُ مَا جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ، هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَرِيعًا فِي بَعْضِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
(تَنْبِيهٌ) أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلْحَقِ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ
أَصْلًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَإِنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، قَبْلِيَّةٌ مُتَّسَعَةٌ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ، أَمَّا إذَا قَالَ بِأَدْنَى زَمَانٍ أَوْ إنْ طَلَّقْتُك فِي الزَّمَانِ الْفُلَانِيِّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصِّيَغِ لَنَا طَرِيقٌ إذَا طَلَّقَهَا يَقَعُ قَبْلَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا دَوْرَ وَلَا إشْكَالَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا طَلَّقْتُك فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ الَّذِي حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عَدَمُ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ لِأَجْلِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ عَدَمِ وُقُوعِ شَرْطِهِ الْمُقْتَضَى لِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ مِنْ اتِّحَادِ الزَّمَانِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ زَمَانِ التَّعْلِيقِ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ جَعَلْنَا الْقَبْلِيَّةَ مُتَّسِعَةً: إمَّا بِالتَّنْصِيصِ وَإِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي أَيِّ زَمَنٍ فُرِضَ مُتَرَاخِيًا وُقُوعَ طَلَاقٍ قَبْلَهُ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الْأُولَى، وَيَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ قَبْلَهُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَيَدُورُ وَهَكَذَا حَتَّى يَسْتَنِدَ إلَى الزَّمَانِ الَّذِي عُقِبَ بِزَمَانِ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ.
وَالْفَرْضُ أَنَّ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ الثَّانِي أَصْلًا وَلَا مَعَهُ، نَعَمْ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: إنْ طَلَّقْتُك فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ.
فَنَقُولُ: إنَّهُ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الْأُولَى مَعَ التَّعْلِيقِ الثَّانِي قَبْلَ انْعِقَادِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ وَإِنَّ الْيَمِينَ الدَّائِرَةَ الْمَانِعَةَ مِنْهُ إلَى الْآنَ مَا انْعَقَدَتْ، فَافْهَمْ ذَلِكَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَنَبَّهْ لَهُ وَإِنْ كَانَ تَنَبَّهَ لِبَعْضِهِ.
(تَنْبِيهٌ آخَرُ) قَدَّمْنَا أَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً وَالطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أَعْنِي عُمُومَ الْمَمْلُوكِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ خَالَعَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ قَالَ الْأَصْحَابُ يَتَخَلَّصُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ بِمَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاقُ لَوْ قِيلَ: بِوُقُوعِهِ هُوَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّيغَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالصِّفَةَ كِلَاهُمَا حَالُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَخَلَّلَتْ حَالَةٌ بَيْنَهُمَا فَلْيُنْظَرْ إلَى أَنَّهَا هَلْ تَمْنَعُ الْوُقُوعَ أَوْ لَا - وَاَللَّهُ