الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ) لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا فَادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي قَالَ الْقَفَّالُ وَتِلْمِيذُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أُلْزِمُ بِدَفْعِ الْحَقِّ وَكَانَ دَعْوَاهُ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءُ دَعْوَى أُخْرَى وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْحَقِّ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ إنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ سُمِعَتْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ لِإِحْضَارِ بَيِّنَةٍ لَمْ يُمْهَلْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا مُعَارَضَةَ فِيهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَدْ أَقَرَّ فَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ.
[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ]
(مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ) ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ: أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمَرْنَاهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ لَا وَجْهَ لَهُ مَعَ إقْرَارِهِ بِلَا مُعَارَضَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
[مَسْأَلَةٌ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ]
(مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ) ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ: إنْ أَتْلَفَ لِي مَالًا بِنَظِيرِ ذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ بَلْ عَلَيْهِ مُصَادَمَةُ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقَيِّمُ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَّفَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُ خَلِيفَةَ الْوَكِيلِ وَسَبَبُهُ إقْرَارُهُ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِمَا.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّحْلِيفِ لِإِمْكَانِهِ وَفِيهِمَا عَدَمُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَعَدَمِ فَائِدَتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ]
(مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ) لَوْ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ عَلَى حَاضِرٍ فَأَقَرَّ وَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْ وَالِدِ الصَّبِيِّ الْمَيِّتِ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيَتَّجِهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ لِيَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يُؤَخَّرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ لِيَحْلِفَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالِاحْتِمَالِ؛ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْحَلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ وَهُوَ كَالْحَاصِلِ.
(مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ) لَوْ كَانَ الْحَقُّ لِصَبِيٍّ عَلَى صَبِيٍّ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: احْتِمَالَيْنِ فِي التَّأَخُّرِ إلَى الْبُلُوغِ فَيَحْلِفُ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ وَاقْتَضَى هَذَا الْبِنَاءُ وُجُوبَ الْآخَرِ مِنْ عَدَمِ الْحُكْمِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ،
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي الْحُكْمُ وَعَدَمُ التَّأْخِيرِ لِمَا ذَكَرْته فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِي الْغَائِبِ.
وَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِصَبِيٍّ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ لِصَبِيٍّ عَلَى بَالِغٍ غَائِبٍ لَكِنْ احْتَاطَ الْقَاضِي فِيهِمَا بِأَخْذِ كَفِيلٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا وَجْهَ إلَّا لِقَضَاءِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَتَأَخُّرُهُ مَعَ الظُّهُورِ؛ بِالْوَهْمِ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا وَهُوَ يَبْقَى مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا فِي مَالِ الْأَيْتَامِ.
وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيهِمَا وَصَارَ يَتَوَقَّفُ عَنْ الْحُكْمِ. وَعِنْدِي لَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ 19 شَوَّالٍ سَنَةَ 749.
(فَرْعٌ) لَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَأَذْكُرُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى فِيهِ بِالْقَاهِرَةِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً: يَقَعُ كَثِيرًا فِي مَكَاتِيبَ: أَقَرَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ مَثَلًا لِفُلَانٍ بِكَذَا وَبِذَيْلِهِ شَهَادَةُ شُهُودٍ بِذَلِكَ وَهُمْ ذَاكِرُونَ الشَّهَادَةَ وَأَدَّوْهَا وَثَبَتَ ذَلِكَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ.
وَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي نَسَبِ زَيْدٍ وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنَّهُ شَرِيفٌ حُسَيْنِيٌّ أَوْ حَسَنِيٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ إثْبَاتُهُ وَيُقَالُ: إنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ ثَابِتٌ عَلَى الْقَاضِي الْفُلَانِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
(وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُسْتَنَدًا صَحِيحًا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ بِكَذَا لِلْمُقِرِّ لَهُ.
وَهُوَ عَلَى حَالَيْنِ تَارَةً لَا يَكُونُ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهُ فَيَشْهَدُونَ عَلَى حِلْيَتِهِ وَشَخْصِهِ وَالْأَخْلَصُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ أَقَرَّ مَنْ ذُكِرَ أَنَّ اسْمَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ لَا يَشْهَدُونَ إلَّا عَلَى شَخْصِهِ فَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ بِالنِّسْبَةِ، وَتَارَةً لَا يَكْتُبُ الشُّهُودُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ وَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْهُمْ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ ذَلِكَ وَعُرِفَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَقُولُوا وَهُوَ مَعْرُوفٌ فَيُغْتَفَرُ لِلشُّهُودِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَهُوَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُهُمْ الشَّخْصُ مَعْرِفَةً جَيِّدَةً وَيُعَاشِرُهُمْ مُعَاشَرَةً طَوِيلَةً وَلَا يَعْرِفُ أَبَاهُ وَلَا نَسَبَهُ فَإِذَا أَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَوْ يَسْأَلُ غَيْرَهُ عَنْ نَسَبِهِ وَيَكْتُبُهُ اعْتِمَادًا عَلَى إخْبَارِهِ أَوْ إخْبَارِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ قَوِيٌّ يَسُوغُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ النَّسَبِ هَكَذَا الْوَاقِعُ بَلْ فِي الْمَشْهُورِينَ الَّذِينَ نَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالنَّسَبِ لِتَكَرُّرِ ذِكْرِ الشَّخْصِ أَبَاهُ
وَجَدَّهُ أَوْ ذَكَرَ غَيْرَهُ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءٍ إلَى تَوَاتُرٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ أَوْ رُكُونٍ بِحَيْثُ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ مُسَوِّغٌ لِلشَّهَادَةِ فَكَثِيرٌ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالشَّرَفِ لَوْ سُئِلْنَا أَنْ نَشْهَدَ لَهُ بِالشَّرَفِ لَمْ يُخَلِّصْنَا ذَلِكَ مَعَ أَنَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي مُخَاطَبَتِنَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِالشَّرَفِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَنْسَابِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُرْفِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءٍ إلَى الرُّتْبَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلشَّهَادَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ ظَنَّا ضَعِيفًا وَذَلِكَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ يَكْفِي فِي إطْلَاقِ التَّخَاطُبِ وَلَا يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ وَكَأَنَّا إذَا قُلْنَا: يَا شَرِيفُ أَوْ جَاءَ الشَّرِيفُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُوَافِقًا الشَّرِيفَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا رَأَيْنَا مَكْتُوبًا لَيْسَ مَقْصُودُهُ إثْبَاتَ النَّسَبِ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهِ فِي إثْبَاتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَقَدْ عَرَضَ لِي فِي ذَلِكَ بَحْثٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ احْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11] وَقَوْلُهُ {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَتَمَسُّكُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ هَذَا الْكَلَامِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَقَوْلُنَا: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو كَذَلِكَ فَيَكُونُ إخْبَارًا بِأَنَّهُ ابْنُ عَمْرٍو فَتَحْصُلُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ فَيَقْتَضِي ثُبُوتُهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] يَقْتَضِي أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَدَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ الْتِزَامٍ وَدَلَالَةٌ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهَا بِالْقَوْلِ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يَعْلَمُ كَوْنَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمُخْبَرِ عَنْهَا بِالْقَوْلِ هَلْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَمْ لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ فَلَمَّا قَالَ {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] اقْتَضَى أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لَمْ يَصِحَّ نِسْبَةُ الْقَوْلِ إلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَقَدْ نُسِبَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي أَصْدَقِ الْكَلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قَطْعًا الْتِزَامًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَيْسُوا عَالِمِينَ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الشَّخْصِ أَوْ بِالْحِلْيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلنَّسَبِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قَالُوا: نَشْهَدُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو خَالِدٍ الْحَسَنِيِّ وَصَرَّحُوا بِالشَّهَادَةِ بِنَسَبِهِ وَنِسْبَتِهِ رَجَعْنَا إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يُعْلَمْ مِنْ جَهْلِهِمْ بِحَقَائِقِ الْحَالِ وَالنَّسَبِ وَغَالِبًا وَأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى أَدْنَى ظَنٍّ فَكَانَتْ
الدَّلَالَةُ الِالْتِزَامِيَّةُ فِي كَلَامِهِمْ ضَعِيفَةً وَلَوْ كَانَتْ قَوِيَّةً لَمْ يُعْتَمَدْ عَلَيْهَا فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الَّذِي يَقْصِدُ إثْبَاتَهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مُطَابَقَةً، وَأَمَّا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَجُّ بِهِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً كَانَ أَوْ الْتِزَامًا فَافْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعَ عَشَرَ شَهْرَ صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ. انْتَهَى.
ثُمَّ كَتَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَقِيبَهُ مَا نَصُّهُ:
(فَرْعٌ) شَبِيهٌ بِهَذَا وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ نَجِدُ كِتَابُ مُبَايَعَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِعَقَارٍ أَوْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى حُدُودِ وَيَقَعُ اخْتِلَافٌ فِي تِلْكَ الْحُدُودِ وَيُطْلَبُ مِنَّا إثْبَاتُ أَنَّ الْحُدُودَ كَمَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَمَا فَعَلْته قَطُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ نَحْوِهِمَا هُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ عَلَى الْمَحْدُودِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَارِفًا بِتِلْكَ الْحُدُودِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا سَمِعَ لَفْظَ الْعَاقِدِ فَهُوَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ وَالْحُدُودُ مَحْكِيَّةٌ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدِ، وَهَكَذَا إذَا كَانَ كِتَابُ إقْرَارٍ فَالْمَشْهُودُ بِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ وَالْحُدُودُ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَظُهُورُهُ فِي الْأَقَارِيرِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَفِي الْعُقُودِ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعَقْدِ مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَحِكَايَتِهِ عَنْ حُضُورِهِ الْعَقْدَ وَسَمَاعِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ بِالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ لَا بِالْإِقْرَارِ بِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الْبَيْعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ.
لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ الْمَبِيعِ وَالْمَوْقُوفِ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك الْبَلَدَ أَوْ الدَّارَ الَّتِي حَدُّهَا كَذَا وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّاهِدِ عِلْمٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُسَوَّغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ عَلَى الْحُدُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَا حُدُودَهُ بَقِيَ عَلَيْنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَدْ يُشْكِلُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَكَثِيرًا مَا يَقَعُ هَذَا فِي كُتُبِ الْمُبَايَعَاتِ وَالْأَوْقَافِ مُسْتَقِلًّا تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا مَالِكٌ حَائِزٌ لِلْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ الَّذِي حُدُودُهُ كَذَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي حُدُودِهِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَالشُّهُودُ قَدْ مَاتُوا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَقَصَدَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَكْتُوبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فِي الْحُدُودِ وَيَنْتَزِعَ مِنْ صَاحِبِ