الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْحَاجَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلِذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ غِبْطَةٍ وَالْبَائِعُ الْقَيِّمُ وَلَيْسَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ بَلْ فِي الْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ مَأْذُونِ الْحَاكِمِ.
[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا فِي الْوَفَاءِ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْيَتِيمِ لِلْحَاجَةِ عَائِدٌ هَاهُنَا، وَإِذَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ إذَا تَلِفَ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُ مِثْلِهِ إلَّا بِأَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ كُلًّا مِنْهُمَا مُرَجِّحُونَ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْوُجُوبَ، وَفِي تَصْحِيحِهِ نَظَرٌ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالضَّرَرُ فِيهِ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ هُنَا يَتَعَطَّلُ حَقُّهُ، قَالُوا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ: إنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْبَيْعُ هُنَا بِأَنْقَصَ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْمُسْلَمِ يُمْكِنُ الْفَسْخُ وَهُنَا لَا مَنْدُوحَةَ، وَقَالُوا فِيمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ وَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَا يَلْزَمُ بَيْعُهُ بَلْ يَبْقَى وَيُسْتَكْتَبُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالْبَيْعِ وَلَا صَدَرَ مِنْهُ مَا يُوجِبُهُ فَإِنَّ مُوجِبَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ إنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْعَبْدِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ وَيُزَالُ مِلْكُهُ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ: إنَّهُ لَا يُرْهَقُ إلَى بَيْعِهِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهَا فَإِنَّهُ بِشِرَاءِ الْمُسْلِمِ كَأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ فَيُشْبِهُ الْمُسْلِمَ فِيهِ. فَإِنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَعَلَّهُ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ تَحْصُلُ فَيَخِفُّ الضَّرَرُ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقْرُبُ عِنْدَنَا الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَشْتَرِي وَلَا يُتَوَقَّعَ فِي زَمَنٍ قَرِيبٍ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا فِي الرَّهْنِ وَفِي أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ وُجُودُ مَنْ يَشْتَرِي بِهِ فَإِنَّهُ ضَيِّقُ الْغَرَضِ وَلَمْ نَجِدْ مَنْدُوحَةً يَنْبَغِي جَوَازُ الْبَيْعِ. وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ الرَّهْنِ يُقَوَّمُ بِالدَّيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ بَيْعُهُ إلَّا كَامِلًا أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُوَفَّى مِنْهُ الدَّيْنُ وَيُحْفَظُ الْبَاقِي فَكَمَا أَزَلْنَا مِلْكَ الرَّاهِنِ عَنْ جَمِيعِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ الْوَفَاءُ بِبَعْضِهِ نَظَرًا إلَى مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ كَذَلِكَ يُزِيلُ اسْتِحْقَاقَهُ لِلزِّيَادَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ
الْأَصْحَابَ قَالُوا فِيمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَقَالَ: إنَّهَا لِغَائِبٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً لِتَنْصَرِفَ الْخُصُومَةُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّا نَنْزِعُهَا وَنَحْكُمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي وَيَبْقَى الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ حَتَّى يَجِيءَ وَيَدَّعِيَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتِهِ فَكَمَا رَاعَيْنَا حَقَّ الْمُدَّعِي وَحَكَمْنَا لَهُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهَا لِلْغَائِبِ كَذَلِكَ نُرَاعِي حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ هُنَا وَلَا نُؤَخِّرُهُ لِأَجْلِ الشَّكِّ الْحَاصِلِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَرَادَ الْحَاكِمَ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ فِي عَيْنٍ أَنَّهَا لِغَائِبٍ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَحْضُرْ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ بَلْ نَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيَبْقَى الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ، كَذَا حَكَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُسْتَشْهِدًا بِهَا لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا فَكَمَا حَكَمْنَا وَقَسَمْنَا الْعَيْنَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ رِعَايَةً لِحُقُوقِهِمْ النَّاجِزَةِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِلظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ أَخْبَارِ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ يُرَاعَى حَقُّ الْغَرِيمِ هُنَا وَلَا يُلْتَفَتُ لِلشَّكِّ الْحَاصِلِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَوَهُّمِ زِيَادَةٍ تَحْصُلُ لِلْمَدْيُونِ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يُقِيمُ الْقَاضِي عَنْ الْغَائِبِ مَنْ يَدَّعِي لَهُ لِيُثْبِتَ حَقَّهَا وَيَحْفَظَهَا لَهُ؟ قُلْت: وَهَبْ لَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَقُولُوهُ.
فَإِنْ قُلْت فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: إذَا سَمِعْنَا الْبَيِّنَةَ لِانْصِرَافِ الْخُصُومَةِ لِمَ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْغَائِبِ تَبَعًا وَقَدْ قَالُوا فِيمَا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَطَالَبَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّك أَحَلْت عَلَيَّ بِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْحَوَالَةِ سُمِعَتْ لِرَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَهَلْ يُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ حَقِّ الْغَائِبِ تَبَعًا حَتَّى لَا يَحْتَاجَ بَعْدَ حُضُورِهِ إلَى إقَامَتِهَا؟ وَجْهَانِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ شَيْئًا.
قُلْت الشَّهَادَةُ بِالْحَوَالَةِ سُمِعَتْ فِي مَوْضُوعِهَا وَمَقْصُودِهَا وَهُوَ انْدِفَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَحَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي سَمَاعِهَا فِيمَا يَسْتَتْبِعُهُ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَائِبِ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ لِانْصِرَافِ الْخُصُومَةِ فَسُمِعَتْ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ فِي غَيْرِ مَقْصُودِهَا وَمَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا شَهِدَتْ لِلْغَائِبِ فَسُمِعَتْ فِيمَا يَسْتَتْبِعُهُ وَهُوَ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ، وَالْبَائِعُ لَا يُسْتَتْبَعُ، وَحَقُّ الْغَائِبِ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ الْأَصْلُ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ دَعْوَاهُ أَوْ دَعْوَى وَكِيلِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مُتَعَاكِسَتَانِ فِي الصُّورَةِ.