الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
267 -
عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ، وحلوان الكاهن. (1)
الحديث الثاني عشر
268 -
عن رافع بن خديج رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب خبيثٌ، ومهر البغيّ خبيثٌ، وكسب الْحجّام خبيثٌ. (2)
قوله: (نهى عن ثمن الكلب).
القول الأول: ظاهر النّهي تحريم بيعه، وهو عامّ في كل كلب معلَّماً كان أو غيره ممّا يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومِن لازم ذلك أن لا قيمة على مُتلِفه، وبذلك قال الجمهور.
القول الثاني: قال مالك: لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه، وعنه كالجمهور.
القول الثالث: وعن مالك كقول أبي حنيفة يجوز ، وتجب القيمة.
القول الرابع: قال عطاء والنّخعيّ: يجوز بيع كلب الصّيد دون
(1) أخرجه البخاري (2122 ، 2162 ، 5031 ، 5428) ومسلم (1567) من طرق عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود رضي الله عنه.
(2)
حديث رافع لَم يروه البخاري. كما نبّه عليه الزركشيُّ وغيره. وإنما انفرد بإخراجه مسلم (1568) من طريق السائب بن يزيد عن رافع بن خديج رضي الله عنه.
غيره ، وروى أبو داود من حديث ابن عبّاس مرفوعاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ، وقال: إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفّه تراباً. وإسناده صحيح.
وروى أيضاً بإسنادٍ حسن عن أبي هريرة مرفوعاً: لا يحل ثمن الكلب ، ولا حلوان الكاهن ، ولا مهر البغيّ.
والعلة في تحريم بيعه عند الشّافعيّ نجاسته مطلقاً ، وهي قائمة في المعلم وغيره، وعلة المنع عند من لا يرى نجاسته النّهي عن اتّخاذه والأمر بقتله ، ولذلك خصّ منه ما أذن في اتّخاذه.
ويدل عليه حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلَّا كلب صيد. أخرجه النّسائيّ بإسنادٍ رجاله ثقات إلَّا أنّه طعن في صحّته.
وقد وقع في حديث ابن عمر عند ابن أبي حاتم بلفظ " نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً " يعني ممّا يصيد. وسنده ضعيف، قال أبو حاتم: هو منكر.
وفي رواية لأحمد " نهى عن ثمن الكلب ، وقال: طعمة جاهليّة " ونحوه للطّبرانيّ من حديث ميمونة بنت سعد.
وقال القرطبيّ: مشهور مذهب مالك جواز اتّخاذ الكلب وكراهية بيعه ولا يفسخ إن وقع، وكأنّه لَمَّا لَم يكن عنده نجساً وأذن في اتّخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع المبيعات، لكن الشّرع نهى عن بيعه تنزيهاً لأنّه ليس من مكارم الأخلاق.
قال: وأمّا تسويته في النّهي بينه وبين مهر البغيّ وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لَم يؤذن في اتّخاذه، وعلى تقدير العموم في كل كلب فالنّهي في هذه الثّلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعمّ من التّنزيه والتّحريم، إذ كان واحد منهما منهيّاً عنه ، ثمّ تؤخذ خصوصيّة كل واحد منهما من دليل آخر، فإنّا عرفنا تحريم مهر البغيّ وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرّد النّهي، ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الأمر على النّهي والإيجاب على النّفي
قوله: (ومهر البغيّ) وهو ما تأخذه الزّانية على الزّنا. سمّاه مهراً مجازاً.
والبغيّ: بفتح الموحّدة وكسر المعجمة وتشديد التّحتانيّة. وهو فعيل بمعنى فاعلة ، وجمع البغيّ بغايا، والبغاء بكسر أوّله الزّنا والفجور، وأصل البغاء الطّلب غير أنّه أكثر ما يستعمل في الفساد، يستوي في لفظه المذكّر والمؤنّث.
قال الكرمانيّ (1): وقيل وزنه فعول، لأنّ أصله بغوي أبدلت الواو ياء ثمّ كسرت الغين لأجل الياء التي بعدها.
واستُدل به على أنّ الأمة إذا أكرهت على الزّنا فلا مهر لها، وفي وجه للشّافعيّة يجب للسّيّد
(1) هو محمد بن يوسف ، سبق ترجمته (1/ 18)
قوله: (وحلوان) وهو حرام بالإجماع لِمَا فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التّنجيم والضّرب بالحصى وغير ذلك ممّا يتعاناه العرّافون من استطلاع الغيب.
والحلوان مصدر حلوته حلواناً إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة شبّه بالشّيء الحلو من حيث إنّه يأخذه سهلاً بلا كلفة ولا مشقّة ، يقال: حلوته إذا أطعمته الحلو، والحلوان أيضاً الرّشوة، والحلوان أيضاً أخذ الرّجل مهر ابنته لنفسه.
قوله: (الكاهن) الكهانة بفتح الكاف ويجوز كسرها ادّعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيها استراق السّمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أذن الكاهن.
والكاهن لفظ يطلق على العرّاف، والذي يضرب بالحصى، والمنجّم، ويطلق على من يقوم بأمرٍ آخر ويسعى في قضاء حوائجه.
وقال في " المحكم ": الكاهن القاضي بالغيب. وقال في " الجامع ": العرب تسمّي كل من أذن بشيءٍ قبل وقوعه كاهناً.
وقال الخطّابيّ: الكهنة قوم لهم أذهان حادّة ونفوس شرّيرة وطباع ناريّة، فألفتهم الشّياطين لِمَا بينهم من التّناسب في هذه الأمور، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه.
وكانت الكهانة في الجاهليّة فاشية خصوصاً في العرب لانقطاع النّبوّة فيهم. وهي على أصناف:
الأول: ما يتلقّونه من الجنّ، فإنّ الجنّ كانوا يصعدون إلى جهة
السّماء فيركب بعضهم بعضاً إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه، إلى أن يتلقّاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه، فلمّا جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السّماء من الشّياطين، وأرسلت عليهم الشّهب، فبقي من استراقهم ما يتخطّفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشّهاب، إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (إلَّا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب).
وكانت إصابة الكهّان قبل الإسلام كثيرة جدّاً كما جاء في أخبار شقّ وسطيح ونحوهما، وأمّا في الإسلام فقد ندر ذلك جدّاً حتّى كاد يضمحل ولله الحمد.
ثانيها: ما يخبر الجنّيّ به من يواليه بما غاب عن غيره ممّا لا يطّلع عليه الإنسان غالباً، أو يطّلع عليه من قرب منه لا من بعد.
ثالثها: ما يستند إلى ظنّ وتخمين وحدس، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض النّاس قوّة مع كثرة الكذب فيه.
رابعها: ما يستند إلى التّجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك، ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السّحر، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزّجر والطّرق والنّجوم، وكل ذلك مذموم شرعاً.
وورد في ذمّ الكهانة. ما أخرجه أصحاب السّنن وصحَّحه الحاكم من حديث أبي هريرة رفعه " من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمّد " ، وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصينٍ. أخرجهما البزّار بسندين جيّدين ولفظهما " من أتى كاهناً ".
وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن الرّواة من سمّاها حفصة - بلفظ: من أتى عرّافاً. وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسندٍ جيّد، لكن لَم يصرّح برفعه، ومثله لا يقال بالرّأي، ولفظه: من أتى عرّافاً أو ساحراً أو كاهناً.
واتّفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلَّا حديث مسلم فقال فيه: لَم يقبل لهما صلاة أربعين يوماً.
ووقع عند الطّبرانيّ من حديث أنس بسندٍ ليّن مرفوعاً بلفظ: من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول ، فقد برئ ممّا أنزل على محمّد، ومن أتاه غير مصدّق له لَم تقبل صلاته أربعين يوماً.
والأحاديث الأُوَل مع صحّتها وكثرتها أولى من هذا، والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصّلاة وتارة بالتّكفير، فيحمل على حالين من الآتي. أشار إلى ذلك القرطبيّ
والعرّاف: بفتح المهملة وتشديد الرّاء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضربٍ من فعل أو قول.
قوله في حديث رافع رضي الله عنه: (ثمن الكلب خبيثٌ، ومهر البغيّ خبيثٌ) تقدّم في الحديث الذي قبله
قوله: (وكسب الحجّام خبيثٌ)
اختلف العلماء في هذه المسألة.
القول الأول: ذهب الجمهور إلى أنّه حلال.
واحتجّوا بحديث ابن عبّاس في الصحيحين قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجّام أجره ، وللبخاري " ولو علم كراهية لَم يعطه " ، ولمسلم " ولو كان سحتاً لَم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقالوا: هو كسب فيه دناءة وليس بمحرّمٍ، فحملوا الزّجر عنه على التّنزيه.
ومنهم: من ادّعى النّسخ ، وأنّه كان حراماً ثمّ أبيح. وجنح إلى ذلك الطّحاويّ، والنّسخ لا يثبت بالاحتمال.
القول الثاني: ذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحرّ والعبد. فكرهوا للحرّ الاحتراف بالحجامة، ويحرم عليه الإنفاق على نفسه منها ، ويجوز له الإنفاق على الرّقيق والدّوابّ منها وأباحوها للعبد مطلقاً.
وعمدتهم حديث محيّصة ، أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجّام فنهاه، فذكر له الحاجة. فقال: اعلفه نواضحك. أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السّنن. ورجاله ثقات.
وذكر ابن الجوزيّ: أنّ أجر الحجّام إنّما كره لأنّه من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم إعانة له عند الاحتياج له، فما كان ينبغي له أن يأخذ على ذلك أجراً.
وجمع ابن العربيّ بين قوله صلى الله عليه وسلم " كسب الحجّام خبيث " وبين " إعطائه الحجّام أجرته " بأنّ محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم، ويحمل الزّجر على ما إذا كان على عمل مجهول.