المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس عشر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٥

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يُنهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌باب السّلم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الحوالة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب الفلس

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الشفعة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الوقف

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌باب الهبة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌باب الحرث والمزارعة

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌باب العُمرى

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌باب المظالم

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌باب اللقطة

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصّداق

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

الفصل: ‌الحديث السادس عشر

‌الحديث السادس عشر

320 -

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوفٍ وعليه ردع زعفرانٍ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: مهيم؟ فقال: يا رسولَ الله، تزوجت امرأةً، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواةٍ من ذهبٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك، أولم ولو بشاةٍ. (1)

قوله: (رأى عبد الرحمن بن عوفٍ وعليه ردع زعفرانٍ) في رواية زهير عن حميد عن أنس عند البخاري " فمكثنا ما شاء الله، ثمّ جاء وعليه وضر صفرة " ، ونحوه لابن عليّة عند أحمد.

وفي رواية الثّوريّ عند البخاري ، والأنصاريّ عند ابن سعد عن حميد " فلقيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم " زاد ابن سعد " في سكّة من سكك المدينة وعليه وضرٌ من صفرة ".

وفي رواية حمّاد بن زيد عن ثابت في الصحيحين ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرّحمن بن عوف أثر صفرة. وفي رواية معمر عن ثابت عن أنس عند أحمد " وعليه وضر من خلوق ".

(1) أخرجه البخاري (1944 ، 2171، 3570، 3722، 4785، 4853، 4858، 4860، 4872، 5732، 6023) ومسلم (1427) من طرق عن حميد وثابت وعبد العزيز بن صهيب كلهم عن أنس. مطوّلاً ومختصراً.

ولمسلم (1427) من طريق قتادة وأبي حمزة عبد الرحمن بن أبي عبد الله كلاهما عن أنس مختصراً.

ص: 652

وأوّل حديث مالك عن حميد عند البخاري ، أنّ عبد الرّحمن بن عوف جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة. ونحوه في رواية عبد الرّحمن نفسه. عند البخاري. وفي رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس في الصحيحين: فرأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشاشة العرس.

والوضر: بفتح الواو والضّاد المعجمة وآخره راء. هو في الأصل الأثر.

والرّدع بمهملاتٍ - مفتوح الأوّل ساكن الثّاني - هو أثر الزّعفران، والمراد بالصّفرة صفرة الخلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره.

قوله: (فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: مهيم؟) معناه ما شأنك أو ما هذا؟ وهي كلمة استفهام مبنيّة على السّكون، وهل هي بسيطة أو مركبة؟ قولان لأهل اللغة. وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى أخبر.

ووقع في رواية للطّبرانيّ في " الأوسط "(فقال له: مهيم؟ وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشّيء) ووقع في رواية ابن السّكن " مهين " بنونٍ آخره بدل الميم والأوّل هو المعروف.

ووقع في رواية حمّاد بن زيد عن ثابت عند البخاري ، وكذا في رواية عبد العزيز بن صهيب عند أبي عوانة " قال: ما هذا؟. وقال في جوابه: تزوّجت امرأة من الأنصار ".

وللطّبرانيّ في " الأوسط " من حديث أبي هريرة بسندٍ فيه ضعف ، أنّ عبد الرّحمن بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصّفرة ،

ص: 653

فقال: ما هذا الخضاب، أعرست؟ قال: نعم. الحديث.

قوله: (يا رسولَ الله، تزوجت امرأةً) في رواية لهما " تزوّجت امرأةً من الأنصار ".

هذه المرأة جزم الزّبير بن بكّارٍ في " كتاب النّسب " ، أنّها بنت أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.

وفي ترجمة عبد الرّحمن بن عوف من طبقات ابن سعد " أنّها بنت أبي الحشّاش " وساق نسبه.

وأظنّهما ثنتين، فإنّ في رواية الزّبير قال " ولَدَتْ لعبد الرّحمن القاسمَ وعبد الله " وفي رواية ابن سعد " ولَدَتْ له إسماعيل وعبد الله ".

وذكر ابن القدّاح في " نسب الأوس " أنّها أمّ إياس بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانيّة ساكنة وآخره راء. واسمه أنس بن رافع الأوسيّ.

قوله: (فقال: ما أصدقتها؟) في رواية لهما عن حميد عن أنس " كم أصدقتها؟ " كذا في رواية حمّاد بن سلمة ومعمر عن ثابت. وفي رواية الطّبرانيّ " على كم ".

وفي رواية الثّوريّ وزهير في البخاري " ما سُقتَ إليها؟ ". وكذا في رواية عبد الرّحمن نفسه في البخاري، وفي رواية مالك عن حميد عند البخاري " كم سقت إليها؟ ".

قوله: (وزن نواة) بنصب النّون على تقدير فعل. أي: أصدقتها،

ص: 654

ويجوز الرّفع على تقدير مبتدأ. أي: الذي أصدقتها هو.

قوله: (من ذهبٍ) كذا وقع الجزم به في رواية ابن عيينة والثّوريّ، وكذا في رواية حمّاد بن سلمة عن ثابت وحميدٍ عند أحمد، وفي رواية زهير وابن عليّة " نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب ". وكذا في رواية عبد الرّحمن نفسه في البخاري بالشّكّ.

وفي رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب " على وزن نواة " وعن قتادة " على وزن نواة من ذهب " ومثل الأخير في رواية حمّاد بن زيد عن ثابت، وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة.

ولمسلمٍ من رواية شعبة عن أبي حمزة عن أنس " على وزن نواة. قال فقال رجلٌ من ولد عبد الرّحمن: من ذهب ".

ورجّح الدّاوديّ رواية مَن قال " على نواة من ذهب " واستنكر رواية من روى " وزن نواة " واستنكاره هو المنكر ، لأنّ الذين جزموا بذلك أئمّة حفّاظ.

قال عياض: لا وهْمَ في الرّواية ، لأنّها إن كانت نواة تمر أو غيره ، أو كان للنّواة قدر معلوم. صلح أن يقال في كلّ ذلك وزن نواة.

واختلف في المراد بقوله " نواة "

فقيل: المراد واحدة نوى التّمر كما يوزن بنوى الخرّوب ، وأنّ القيمة عنها يومئذٍ كانت خمسة دراهم.

وقيل: كان قدرها يومئذٍ ربع دينار، ورُدّ: بأنّ نوى التّمر يختلف في الوزن. فكيف يجعل معياراً لِما يوزن به؟.

ص: 655

وقيل: لفظ النّواة من ذهب عبارة عمّا قيمته خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطّابيّ. واختاره الأزهريّ ، ونقله عياض عن أكثر العلماء.

ويؤيّده أنّ في روايةٍ للبيهقيّ من طريق سعيد بن بشر عن قتادة " وزن نواة من ذهب. قوّمت خمسة دراهم ".

وقيل: وزنها من الذّهب خمسة دراهم. حكاه ابن قتيبة ، وجزم به ابن فارس، وجعله البيضاويّ الظّاهر، واستُبعد ، لأنّه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفاً.

ووقع في رواية حجّاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقيّ " قوّمت ثلاثة دراهم وثلثاً " وإسناده ضعيف، ولكن جزم به أحمد.

وقيل: ثلاثة ونصف، وقيل: ثلاثة وربع.

وعن بعض المالكيّة: النّواة عند أهل المدينة ربع دينار.

ويؤيّد هذا ما وقع عند الطّبرانيّ في " الأوسط " في آخر حديث قال أنس: جاء وزنها ربع دينار.

وقد قال الشّافعيّ: النّواة ربع النّشّ. والنّشّ نصف أوقيّة ، والأوقيّة أربعون درهماً فيكون خمسة دراهم.

وكذا قال أبو عبيد: إنّ عبد الرّحمن بن عوف دفع خمسة دراهم، وهي تسمّى نواة كما تسمّى الأربعون أوقيّة، وبه جزم أبو عوانة وآخرون.

قوله: (بارك الله لك) في رواية حمّاد بن سلمة عن ثابت وحميدٍ عند

ص: 656

أحمد ، وزاد في آخر الحديث " قال عبد الرّحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضّة ".

فكأنّه قال ذلك ، إشارة إلى إجابة الدّعوة النّبويّة بأن يبارك الله له.

قال ابن بطّال: إنّما أراد البخاري بهذا الباب (كيف يدعى للمتزوّج؟) والله أعلم ردّ قول العامّة عند العرس بالرّفاء والبنين. فكأنّه أشار إلى تضعيفه، ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل ، أنّه شهد إملاك رجل من الأنصار. فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاريّ ، وقال: على الألفة والخير والبركة والطّير الميمون والسّعة في الرّزق. الحديث. أخرجه الطّبرانيّ في " الكبير " بسندٍ ضعيف، وأخرجه في " الأوسط " بسندٍ أضعف منه.

وأخرجه أبو عمرو البرقانيّ في كتاب " معاشرة الأهلين " من حديث أنس. وزاد فيه " والرّفاء والبنين " وفي سنده أبان العبديّ وهو ضعيف.

وأقوى من ذلك. ما أخرجه أصحاب السّنن وصحَّحه التّرمذيّ وابن حبّان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفّأ إنساناً قال: بارك الله لك وبارك عليك. وجمع بينكما في خير.

وقوله " رفّأ " بفتح الرّاء وتشديد الفاء مهموز. معناه: دعا له في موضع قولهم بالرّفاء والبنين، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهليّة فورد النّهي عنها. كما روى بقيّ بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن

ص: 657

رجلٍ من بني تميم قال: كنّا نقول في الجاهليّة بالرّفاء والبنين ، فلمّا جاء الإسلام علَّمنا نبيّنا ، قال: قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم.

وأخرج النّسائيّ والطّبرانيّ من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب ، أنّه قدم البصرة فتزوّج امرأة ، فقالوا له: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا ، وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ بارك لهم وبارك عليهم.

ورجاله ثقات إلَّا أنّ الحسن لَم يسمع من عقيل فيما يُقال.

ودلَّ حديث أبي هريرة على أنّ اللفظ كان مشهوراً عندهم غالباً حتّى سمّي كلّ دعاء للمتزوّج ترفئة.

واختلف في عِلَّة النّهي عن ذلك.

فقيل: لأنّه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكرٌ لله.

وقيل: لِمَا فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذّكر.

وأمّا الرّفاء فمعناه الالتئام. من رفأت الثّوب ورفوته رفواً ورفاء ، وهو دعاء للزّوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه.

وقال ابن المنيّر: الذي يظهر أنّه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لِمَا فيه من موافقة الجاهليّة ، لأنّهم كانوا يقولونه تفاؤلاً لا دعاء، فيظهر أنّه لو قيل للمتزوّج بصورة الدّعاء لَم يكره كأن يقول: اللهمّ ألِّف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلاً، أو ألَّف الله بينكما ورزقكما ولداً ذكراً. ونحو

ص: 658

ذلك.

وأمّا ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال: شهدت شُريحاً وأتاه رجلٌ من أهل الشّام ، فقال: إنّي تزوّجت امرأة، فقال: بالرّفاء والبنين " الحديث،

وأخرجه عبد الرّزّاق من طريق عديّ بن أرطاة قال: حدّثت شريحاً أنّي تزوّجت امرأة ، فقال: بالرّفاء والبنين ". فهو محمول على أنّ شريحاً لَم يبلغه النّهي عن ذلك.

ودلَّ صنيع البخاري على أنّ الدّعاء للمتزوّج بالبركة هو المشروع، ولا شكّ أنّها لفظة جامعة يدخل فيها كلّ مقصود من ولد وغيره.

ويؤيّد ذلك ما أخرجه البخاري من حديث جابر ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قال له: تزوّجتَ بكراً أو ثيّباً؟ قال له بارك الله لك " (1).

والأحاديث في ذلك معروفة.

قوله: (فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاةٍ) ليست " لو " هذه الامتناعيّة وإنّما هي التي للتّقليل، ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله أعرست " قال: نعم. قال: أولمت؟ قال: لا. فرمى إليه رسول

(1) وفي رواية للبخاري (6024)" بارك الله عليك ".

قال ابن حجر في الفتح: ومناسبة قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن " بارك الله لك " ولجابر " بارك الله عليك " أن المراد بالأول اختصاصه بالبركة في زوجته ، وبالثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدم مصلحة أخواته على حظ نفسه. فعدلَ لأجلهنّ عن تُزوج البكر مع كونها أرفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالباً. انتهى

ص: 659

الله صلى الله عليه وسلم بنواةٍ من ذهب ، فقال: أولم ولو بشاةٍ.

وهذا لو صحّ كان فيه أنّ الشّاة من إعانة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان يعكّر على من استدل به على أنّ الشّاة أقلّ ما يشرع للموسر، ولكنّ الإسناد ضعيف كما تقدّم

وفي رواية معمر عن ثابت عند أحمد " قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف.

قلت: مات عن أربع نسوة. فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف، وهذا بالنّسبة لتركة الزّبير قليل جدّاً.

فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم ، لأنّ كثرة مال عبد الرّحمن مشهورة جدّاً.

واستدل به على توكيد أمر الوليمة. فأخرج الطّبرانيّ من حديث وحشيّ بن حربٍ رفعه: الوليمة حقٌّ والثّانية معروفٌ والثّالثة فخرٌ.

ولمسلمٍ من طريق الزّهريّ عن الأعرج وعن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة قال: شرّ الطّعام طعام الوليمة. يُدعى الغنيّ ويترك المسكين وهي حقٌّ. الحديث.

ولأبي الشّيخ والطّبرانيّ في " الأوسط " من طريق مجاهدٍ عن أبي هريرة رفعه: الوليمة حقٌّ وسنّةٌ ، فمن دعي فلم يجب ، فقد عصى .. الحديث.

وأخرج أبو داود والنّسائيّ من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثّقفيّ عن رجلٍ من ثقيفٍ ، كان يثنى عليه - إن لَم يكن اسمه زهير

ص: 660

بن عثمان فلا أدري ما اسمه - يقوله قتادة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوليمة أوّل يومٍ حقٌّ ، والثّاني معروفٌ ، والثّالث رياءٌ وسمعةٌ.

قال البخاريّ: لا يصحّ إسناده ، ولا يصحّ له صحبةٌ يعني لزهير. انتهى

وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد ، وإن كان كلٌّ منها لا يخلو عن مقالٍ ، فمجموعها يدلُّ على أنّ للحديث أصلاً.

وروى أحمد من حديث بريدة ، قال: لَمَّا خطب عليٌّ فاطمةَ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّه لا بدّ للعروس من وليمةٍ. وسنده لا بأس به.

قال ابن بطّالٍ: قوله " الوليمة حقٌّ " أي: ليست بباطلٍ ، بل يندب إليها وهي سنّةٌ فضيلةٌ ، وليس المراد بالحقّ الوجوب ثمّ قال: ولا أعلم أحداً أوجبها.

كذا قال ، وغفل عن روايةٍ في مذهبه بوجوبها نقلها القرطبيّ ، وقال: إنّ مشهور المذهب أنّها مندوبة ، وابن التّين عن أحمد ، لكن الذي في المُغني أنّها سنة ، بل وافق ابن بطّالٍ في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك.

قال: وقال بعض الشّافعيّة: هي واجبةٌ ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرّحمن بن عوفٍ ، ولأنّ الإجابة إليها واجبةٌ فكانت واجبةً.

وأجاب: بأنّه طعامٌ لسرورٍ حادثٍ فأشبه سائر الأطعمة ، والأمر محمولٌ على الاستحباب بدليل ما ذكرناه ، ولكونه أمره بشاةٍ وهي غير واجبةٍ اتّفاقاً ، وأمّا البناء فلا أصل له.

ص: 661

والبعض الذي أشار إليه من الشّافعيّة هو وجهٌ معروفٌ عندهم ، وقد جزم به سليمٌ الرّازيّ ، وقال: إنّه ظاهر نصّ الأمّ ، ونقله عن النّصّ أيضاً الشّيخ أبو إسحاق في المهذّب ، وهو قول أهل الظّاهر كما صرح به ابن حزمٍ.

واستدل به على أنّها تكون بعد الدّخول، ولا دلالة فيه ، وإنّما فيه أنّها تستدرك إذا فاتت بعد الدّخول.

وقد اختلف السّلف في وقتها. هل هو عند العقد أو عقبه أو عند الدّخول أو عقبه أو موسّعٌ من ابتداء العقد إلى انتهاء الدّخول؟.

على أقوالٍ.

قال النّوويّ: اختلفوا. فحكى عياضٌ أنّ الأصحّ عند المالكيّة استحبابه بعد الدّخول ، وعن جماعةٍ منهم. أنّه عند العقد ، وعند ابن حبيب: عند العقد وبعد الدّخول ، وقال في موضعٌ آخر: يجوز قبل الدّخول وبعده.

وذكر ابن السّبكيّ. أنّ أباه قال: لَم أر في كلام الأصحاب تعيّن وقتها. وأنّه استنبط من قول البغويّ: ضرب الدّفّ في النّكاح جائزٌ في العقد والزّفاف قبلُ وبعدُ قريباً منه. أنّ وقتها موسّعٌ من حين العقد.

قال: والمنقول من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها بعد الدّخول ، كأنّه يشير إلى قصّة زينب بنت جحشٍ ، وقد ترجم عليه البيهقيّ في وقت الوليمة. انتهى

وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقّبٌ بأنّ الماورديّ صرّح بأنّها

ص: 662

عند الدّخول ، وحديث أنسٍ في البخاري صريحٌ في أنّها بعد الدّخول لقوله فيه: أصبح عروساً بزينب فدعا القوم.

واستحبّ بعض المالكيّة أن تكون عند البناء ويقع الدّخول عقبها ، وعليه عمل النّاس اليوم.

ويؤيّد كونها للدّخول لا للإملاك ، أنّ الصّحابة بعد الوليمة تردّدوا هل هي زوجةٌ أو سرّيّةٌ؟ (1). فلو كانت الوليمة عند الإملاك لعرفوا أنّها زوجةٌ ، لأنّ السّرّيّة لا وليمة لها. فدلَّ على أنّها عند الدّخول أو بعده.

واستدل به على أنّ الشّاة أقلّ ما تجزئ عن الموسر، ولولا ثبوت أنّه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بأقلّ من الشّاة (2).

(1) يُشير إلى قصة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي رضي الله عنها.

فأخرج البخاري (5085) ومسلم (3571) عن أنس رضي الله عنه قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثاً يبني عليه بصفية بنت حيي ، فدعوتُ المسلمين إلى وليمته. فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع فألقي فيها من التمر والأقط والسمن. فكانت وليمته، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟، فقالوا: إنْ حجبَها فهي من أُمّهات المؤمنين، وإن لَم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلمَّا ارتحل وطَّى لها خلفه ، ومدَّ الحجاب بينها وبين الناس.

(2)

أخرج البخاري في " صحيحه "(5172) عن صفية بنت شيبة، قالت: أَولَم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير. وللبخاري أيضاً (5169) عن أنس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وأَولَمَ عليها بحيس.

قال الشارح في " الفتح "(624): والحيس - بفتح أوله - خليط السمن والتمر والأقط. قال الشاعر. التمر والسمن جميعاً والأقط

الحيس إلَّا أنه لم يختلط.

وقد يختلط مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق. انتهى

ص: 663

لكان يمكن أن يستدلّ به على أنّ الشّاة أقلّ ما تجزئ في الوليمة، ومع ذلك فلا بدّ من تقييده بالقادر عليها.

وأيضاً. فيعكّر على الاستدلال أنّه خطاب واحد، وفيه اختلاف هل يستلزم العموم أو لا؟.

وقد أشار إلى ذلك الشّافعيّ. فيما نقله البيهقيّ عنه قال: لا أعلمه أمر بذلك غير عبد الرّحمن، ولا أعلمه أنّه صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة ، فجعل ذلك مستنداً في كون الوليمة ليست بحتم.

ويستفاد من السّياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر.

قال عياض: وأجمعوا على أن لا حدّ لأكثرها، وأمّا أقلّها فكذلك، ومهما تيسّر أجزأ، والمستحبّ أنّها على قدر حال الزّوج، وقد تيسّر على الموسر الشّاة فما فوقها.

وفيه استحباب الدّعاء للمتزوّج، وسؤال الإمام والكبير أصحابه وأتباعه عن أحوالهم، ولا سيّما إذا رأى منهم ما لَم يعهد.

وجواز خروج العروس وعليه أثر العرس من خلوق وغيره.

واستدل به على جواز التّزعفر للعروس، وخصّ به عموم النّهي عن التّزعفر للرّجال كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه.

وتعقّب: باحتمال أن تكون تلك الصّفرة كانت في ثيابه دون جسده، وهذا الجواب للمالكيّة على طريقتهم في جوازه في الثّوب دون البدن، وقد نقل ذلك مالك عن علماء المدينة، وفيه حديث أبي موسى رفعه: لا يقبل الله صلاةَ رجلٍ في جسده شيء من خلوق. أخرجه أبو داود

ص: 664

، فإنّ مفهومه أنّ ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد.

ومنع من ذلك أبو حنيفة والشّافعيّ ومن تبعهما في الثّوب أيضاً، وتمسّكوا بالأحاديث في ذلك وهي صحيحة، وفيها ما هو صريح في المدّعى كما سيأتي بيانه.

وعلى هذا فأجيب عن قصّة عبد الرّحمن بأجوبة:

أحدها: أنّ ذلك كان قبل النّهي.

وهذا يحتاج إلى تاريخ، ويؤيّده أنّ سياق قصّة عبد الرّحمن يشعر بأنّها كانت في أوائل الهجرة، وأكثر من روى النّهي ممّن تأخّرت هجرته.

ثانيها: أنّ أثر الصّفرة التي كانت على عبد الرّحمن تعلّقت به من جهة زوجته. فكان ذلك غير مقصود له، ورجّحه النّوويّ وعزاه للمحقّقين.

وجعله البيضاويّ أصلاً ردّ إليه أحد الاحتمالين أبداهما في قوله " مهيم " فقال: معناه ما السّبب في الذي أراه عليك؟ فلذلك أجاب بأنّه تزوّج.

قال: ويحتمل أن يكون استفهام إنكار لِمَا تقدّم من النّهي عن التّضمّخ بالخلوق، فأجاب بقوله تزوّجت، أي: فتعلق بي منها. ولَم أقصد إليه.

ثالثها: أنّه كان قد احتاج إلى التّطيّب للدّخول على أهله فلم يجد من طيب الرّجال حينئذٍ شيئاً فتطيّب من طيب المرأة، وصادف أنّه

ص: 665

كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعاً بين الدّليلين، وقد ورد الأمر في التّطيّب للجمعة. ولو من طيب المرأة (1) فبقي أثر ذلك عليه.

رابعها: كان يسيراً ولَم يبق إلَّا أثره. فلذلك لَم ينكر.

خامسها: وبه جزم الباجيّ. أنّ الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطّيب، وأمّا ما كان ليس بطيبٍ فهو جائز.

سادسها: أنّ النّهي عن التّزعفر للرّجال ليس على التّحريم ، بدلالة تقريره لعبد الرّحمن بن عوف في هذا الحديث.

سابعها: أنّ العروس يستثنى من ذلك ولا سيّما إذا كان شابّاً، ذكر ذلك أبو عبيد قال: وكانوا يرخّصون للشّابّ في ذلك أيّام عرسه، قال: وقيل: كان في أوّل الإسلام من تزوّج لبس ثوباً مصبوغاً علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه، قال: وهذا غير معروف.

قلت: وفي استفهام النّبيّ صلى الله عليه وسلم له عن ذلك. دلالة على أنّه لا يختصّ بالتّزويج، لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميدٍ بلفظ " فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرأى عليّ بشاشة العرس فقال: أتزوّجت؟ قلت: تزوّجت امرأة من الأنصار " فقد يتمسّك بهذا السّياق للمُدّعى.

(1) أخرجه مسلم في " الصحيح "(846) من حديث أبي سعيد مرفوعاً " غُسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه ، ولو من طيب المرأة "

ص: 666

ولكنّ القصّة واحدة، وفي أكثر الرّوايات أنّه قال له " مهيم أو ما هذا؟ " فهو المعتمد.

وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره، يقال: بشّ فلان بفلانٍ. أي: أقبل عليه فرحاً به ملطّفاً به.

واختلف في النّهي عن التّزعفر. هل هو لرائحته لكونه من طيب النّساء؟ ولهذا جاء الزّجر عن الخلوق. أو للونه فيلتحق به كلّ صفرة؟.

وقد نقل البيهقيّ عن الشّافعيّ أنّه قال: أنهى الرّجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، وآمره إذا تزعفر أن يغسله.

قال: وأرخّص في المعصفر ، لأنّني لَم أجد أحداً يحكي عنه إلَّا ما قال عليٌّ: نهاني ، ولا أقول أنهاكم. (1).

قال البيهقيّ: قد ورد ذلك عن غير عليّ، وساق حديث عبد الله بن عمرو قال: رأى عليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال: إنّ هذه من ثياب الكفّار فلا تلبسهما. أخرجه مسلم، وفي لفظ له " فقلت أغسلهما؟ قال: لا. بل احرقهما.

قال البيهقيّ: فلو بلغ ذلك الشّافعيّ لقال به اتّباعاً للسّنّة كعادته. وقد كره المعصفرَ جماعةٌ من السّلف ورخّص فيه جماعة، وممَن قال

(1) أخرجه مسلم في " صحيحه "(2078) عنه قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة وأنا راكع، وعن لبس الذهب والمعصفر " وفي رواية له " ولا أقول نهاكم "

ص: 667

بكراهته من أصحابنا الحليميّ، واتّباع السّنّة هو الأولى. انتهى.

وقال النّوويّ في " شرح مسلم ": أتقن البيهقيّ المسألة. والله أعلم.

ورخّص مالك في المعصفر والمزعفر في البيوت، وكرهه في المحافل.

وقد أخرج أبو داود والتّرمذيّ في " الشّمائل " والنّسائيّ في " الكبرى " من طريق سلْم العلويّ عن أنس: دخل رجلٌ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، فكرِه ذلك، وقلَّما كان يواجه أحداً بشيءٍ يكرهه، فلمّا قام ، قال: لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصّفرة.

وسلْم بفتح المهملة وسكون اللام. فيه لين.

ولأبي داود من حديث عمّار رفعه: لا تحضر الملائكة جنازة كافر ولا المتضمّخ بالزّعفران. وأخرج أيضاً من حديث عمّار قال: قدمتُ على أهلي ليلاً وقد تشقّقت يداي، فخلَّقوني بزعفرانٍ، فسلَّمت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يُرحِّب بي ، وقال: اذهب فاغسل عنك هذا.

واستدل به على أنّ النّكاح لا بدّ فيه من صداق لاستفهامه على الكميّة، ولَم يقل هل أصدقها أو لا؟.

ويشعر ظاهره بأنّه يحتاج إلى تقدير لإطلاق لفظ " كم " الموضوعة للتّقدير.

كذا قال بعض المالكيّة، وفيه نظرٌ. لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة أو القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله، فلمّا قال له القدر لَم ينكر عليه بل أقرّه.

ص: 668

واستدل به على استحباب تقليل الصّداق ، لأنّ عبد الرّحمن بن عوف كان من مياسير الصّحابة ، وقد أقرّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم على إصداقه وزن نواة من ذهبٍ.

وتعقّب: بأنّ ذلك كان في أوّل الأمر حين قدم المدينة ، وإنّما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التّجارة حتّى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر، وذلك ببركة دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم له كما تقدَّم.

ص: 669