الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يُنهي عنه من البيوع
الحديث الثالث
259 -
عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة - وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يَقْلِبه، أو ينظر إليه - ونهى عن الْملامسة، والْملامسة - لمس الرجل الثوب لا ينظر إليه -. (1)
قوله: (نهى عن المنابذة) وعند الشيخين من طريق يونس عن الزّهريّ بلفظ " والملامسة لمس الرّجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنّهار ولا يقلبه إلَّا بذلك ، والمنابذة أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل ثوبه ، وينبذ الآخر بثوبه ، ويكون بيعهما عن غير نظر ولا تراضٍ ".
ولأبي عوانة من طريقٍ أخرى عن يونس " وذلك أن يتبايع القوم السّلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها ، أو يتنابذ القوم السّلع كذلك " فهذا من أبواب القمار.
وفي رواية ابن ماجه من طريق سفيان عن الزّهريّ " والمنابذة أن يقول: ألق إليّ ما معك وأُلقي إليك ما معي.
(1) أخرجه البخاري (2037 ، 5482) ومسلم (1512) من طرق عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (2040) من طريق معمر. و (5927) من طريق سفيان كلاهما عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. مختصراً دون تفسير.
وللنّسائيّ حديث أبي هريرة " الملامسة أن يقول الرّجل للرّجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحدٌ منهما إلى ثوب الآخر ، ولكن يلمسه لمساً، والمنابذة أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك، يشتري كل واحد منهما من الآخر ، ولا يدري كل واحدٍ منهما كم مع الآخر ونحو ذلك.
وقد وقع التّفسير أيضاً عند أحمد من طريق معمر (1) عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد. أخرجه عن عبد الرّزّاق عنه. وفي آخره " والمنابذة أن يقول: إذا نبذت هذا الثّوب فقد وجب البيع. والملامسة أن يلمسَ بيده ، ولا ينشره ، ولا يقلبه إذا مسّه وجب البيع ".
ولمسلمٍ من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة " أمّا الملامسة فأن يلمس كل واحدٍ منهما ثوب صاحبه بغير تأمّلٍ، والمنابذة أن ينبذ كل واحدٍ منهما ثوبه إلى الآخر لَم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه ".
وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه. وليس فيه التّفسير.
وهذا التّفسير الذي في حديث أبي هريرة ، أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة ، لأنّها مفاعلةٌ فتستدعي وجود الفعل من الجانبين.
واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صورٍ. وهي أوجهٌ للشّافعيّة.
(1) طريق معمر. أخرجها البخاري كما تقدم ، لكن ليس فيها تفسيرٌ.
أصحّها: أن يأتي بثوبٍ مطويٍّ أو في ظلمةٍ فيلمسه المستام ، فيقول له صاحب الثّوب: بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسُك مقام نظرك ولا خِيَار لك إذا رأيته، وهذا هو موافقٌ للتّفسيرين اللذين في الحديث.
الثّاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعاً بغير صيغةٍ زائدةٍ.
الثّالث: أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع خِيَار المجلس وغيره.
والبيع على التّأويلات كلها باطل.
ومأخذ الأوّل: عدم شرط رؤية المبيع ، واشتراط نفي الخِيَار.
ومأخذ الثّاني: اشتراط نفي الصّيغة في عقد البيع. فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقاً، لكن من أجاز المعاطاة قيّدها بالمحقّرات أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة، وأمّا الملامسة والمنابذة عند من يستعملهما فلا يخصّهما بذلك.
فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة في بعض صور المعاطاة، فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخصّ النّهي في بعض صور الملامسة والمنابذة عمّا جرت العادة فيه بالمعاطاة.
وعلى هذا يحمل قول الرّافعيّ: إنّ الأئمّة أجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة. والله أعلم.
ومأخذ الثّالث: شرط نفي خِيَار المجلس، وهذه الأقوال هي التي اقتصر عليها الفقهاء، ونُخرج ممّا ذكرناه من طرق الحديث زيادةً على ذلك.
وأمّا المنابذة. فاختلفوا فيها أيضاً على ثلاثة أقوال ، وهي أوجهٌ
للشّافعيّة. أصحّها: أن يجعلا نفس النّبذ بيعاً كما تقدّم في الملامسة ، وهو الموافق للتّفسير في الحديث المذكور.
والثّاني: أن يجعلا النّبذ بيعاً بغير صيغة.
والثّالث: أن يجعلا النّبذ قاطعاً للخِيَار.
واختلفوا في تفسير النّبذ.
فقيل: هو طرح الثّوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور.
وقيل: هو نبذ الحصاة، والصّحيح أنّه غيره. وقد روى مسلم " النّهي عن بيع الحصاة " من حديث أبي هريرة.
واختلف في تفسير بيع الحصاة.
فقيل: هو أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي حصاةً، أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرّمي.
وقيل: هو أن يشترط الخِيَار إلى أن يرمي الحصاة.
والثّالث: أن يجعلا نفس الرّمي بيعاً.
وقوله في الحديث " لمس الثّوب لا ينظر إليه " استُدل به.
وهو القول الأول. على بطلان بيع الغائب. وهو قول الشّافعيّ في الجديد.
القول الثاني: عن أبي حنيفة. يصحّ مطلقاً ويثبت الخِيَار إذا رآه ، وحكي عن مالك والشّافعيّ أيضاً.
القول الثالث: عن مالكٍ. يصحّ إن وصفه وإلَّا فلا، وهو قول الشّافعيّ في القديم وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأهل الظّاهر، واختاره
البغويّ والرّويانيّ من الشّافعيّة ، وإن اختلفوا في تفاصيله.
ويؤيّده قوله في رواية أبي عوانة التي قدّمتها " لا ينظرون إليها ، ولا يخبرون عنها " وفي الاستدلال لذلك وفاقاً وخلافاً طول.
واستُدل به.
وهو القول الأول: على بطلان بيع الأعمى مطلقاً ، وهو قول معظم الشّافعيّة حتّى من أجاز منهم بيع الغائب ، لكون الأعمى لا يراه بعد ذلك ، فيكون كبيع الغائب مع اشتراط نفي الخِيَار.
القول الثاني: يصحّ إذا وصفه له غيره ، وبه قال مالك وأحمد.
القول الثالث: عن أبي حنيفة. يصحّ مطلقاً على تفاصيل عندهم أيضاً.
تنبيهان:
الأوّل: وقع عند ابن ماجه. أنّ التّفسير من قول سفيان بن عيينة ، وهو خطأٌ من قائله ، بل الظّاهر أنّه قول الصّحابيّ كما سأبيّنه بعد.
الثّاني: حديث أبي هريرة " نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة " أخرجه البخاريّ عنه من طرق ، ثالثها طريق حفص بن عاصم عنه ، وهو في مواقيت الصّلاة ، ولَم يذكر في شيءٍ من طرقه عنه تفسير المنابذة والملامسة.
وقد وقع تفسيرهما في رواية مسلم والنّسائيّ كما تقدّم.
وظاهر الطّرق كلها أنّ التّفسير من الحديث المرفوع، لكن وقع في رواية النّسائيّ ما يشعر بأنّه من كلام من دون النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولفظه "
وزعم: أنّ الملامسة أن يقول .. إلخ ".
فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصّحابيّ لبُعد أن يعبّر الصّحابيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظ زعم، ولوقوع التّفسير في حديث أبي سعيد الخدريّ من قوله أيضاً كما تقدّم