الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس عشر
272 -
عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه (1). وفي لفظ: حتى يقبضه. (2)
وعن ابن عباس مثله. (3)
قوله: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) اتّفقوا على منع بيع الطّعام قبل قبضه ، ولمسلمٍ من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: وأحسب كل شيءٍ بمنزلة الطّعام. وهذا من تفقّه ابن عبّاس.
ومال ابن المنذر: إلى اختصاص ذلك بالطّعام.
واحتجّ باتّفاقهم على أنّ من اشترى عبداً فأعتقه قبل قبضه أنّ عتقه جائز، قال: فالبيع كذلك.
وتعقّب: بالفارق وهو تشوّف الشّارع إلى العتق. وللبخاري عن طاوس عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرّجل
(1)
أخرجه البخاري (2017 ، 2019 ، 2029 ، 2058 ، 2059) ومسلم (1526) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
وللبخاري (2024 ، 2030) ومسلم (1526) عن الزهري عن سالم عن أبيه نحوه
(2)
أخرجه البخاري (2026) ومسلم (1526) من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر مثله.
(3)
أخرجه البخاري (2025 ، 2028) ومسلم (1525) من طريق طاوس عن ابن عباس.
طعاماً حتّى يستوفيه ، قلت لابن عبّاسٍ: كيف ذاك؟ قال: ذاك دراهم بدراهم والطّعام مرجّأٌ.
معناه أنّه استفهم عن سبب هذا النّهي ، فأجابه ابن عبّاس بأنّه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخّر المبيع في يد البائع ، فكأنّه باعه دراهم بدراهم.
ويبيّن ذلك ما وقع في رواية سفيان عن ابن طاوس عند مسلم ، قال طاوس: قلت لابن عبّاس: لِمَ؟ قال: ألا تراهم يتبايعون بالذّهب والطّعام مرجأ ، أي: فإذا اشترى طعاماً بمائة دينار مثلاً ودفعها للبائع ولَم يقبض منه الطّعام ، ثمّ باع الطّعام لآخر بمائة وعشرين ديناراً وقبضها والطّعام في يد البائع. فكأنّه باع مائة دينارٍ بمائة وعشرين ديناراً.
وعلى هذا التّفسير. لا يختصّ النّهي بالطّعام، ولذلك قال ابن عبّاس: لا أحسب كل شيءٍ إلَّا مثله.
ويؤيّده حديث زيد بن ثابت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السّلع حيث تبتاع حتّى يحوزها التّجّار إلى رحالهم. أخرجه أبو داود وصحَّحه ابن حبّان.
قال القرطبيّ: هذه الأحاديث حجّة على عثمان البَتِّي (1) حيث أجاز
(1) وفي نقل الشارح الاتفاق على المنع ، دليل على أنه لَم يأبه بمخالفة عثمان البتي لمعارضته لصريح الحديث.
تنبيه: وقغ في المطبوع (الليثي). وهو تصحيف. والبتي هو عثمان بن مسلم أبو عمرو البصري. أحد فقهاء البصرة القدماء ، روى عن أنس والشعبي ، وعنه شعبة والثوري ، كان يبيع البتوت - جمع بت وهو كساء غليظ - فنُسب إليها. قال يحيى بن معين: مات سنة 143 هـ.
بيع كل شيءٍ قبل قبضه، وقد أخذ بظاهرها مالك ، فحمل الطّعام على عمومه وألحق بالشّراء جميع المعاوضات.
وأَلْحَقَ الشّافعيّ وابن حبيبٍ وسحنونٌ بالطّعام كل ما فيه حقّ توفيةٍ.
وزاد أبو حنيفة والشّافعيّ فعدّياه إلى كل مشترى، إلَّا أنّ أبا حنيفة استثنى العقار وما لا ينقل.
واحتجّ الشّافعيّ: بحديث عبد الله بن عمر وقال: نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لَم يضمن. أخرجه التّرمذيّ.
قلت: وفي معناه حديث حكيم بن حزام أخرجه أصحاب السّنن بلفظ " قلت: يا رسولَ الله. يأتيني الرّجل فيسألني البيع ليس عندي، أبيعه منه ثمّ أبتاعه له من السّوق؟ فقال: لا تبع ما ليس عندك " وأخرجه التّرمذيّ مختصراً. ولفظه " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي ".
قال ابن المنذر: وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يقول: أبيعك عبداً أو داراً معيّنةً وهي غائبة، فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها.
ثانيهما: أن يقول: هذه الدّار بكذا، على أن أشتريها لك من
صاحبها، أو على أن يسلمها لك صاحبها. انتهى
وقصّة حكيمٍ موافقةٌ للاحتمال الثّاني.
وفي صفة القبض عن الشّافعيّ تفصيل:
فما يتناول باليد كالدّراهم والدّنانير والثّوب فقبضه بالتّناول، وما لا ينقل كالعقار والثّمر على الشّجر فقبضه بالتّخلية.
وما ينقل في العادة كالأخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنّقل إلى مكانٍ لا اختصاص للبائع به.
وفيه قولٌ إنّه يكفي فيه التّخلية.
واختلفوا في الإعتاق. فالجمهور على أنّه يصحّ الإعتاق ويصير قبضاً سواءٌ كان للبائع حقّ الحبس بأن كان الثّمن حالاً ولَم يدفع أم لا ، والأصحّ في الوقف أيضاً صحّته.
وفي الهبة والرّهن خلافٌ.
والأصحّ عند الشّافعيّة فيهما أنّهما لا يصحّان، وحديث ابن عمر في قصّة البعير الصّعب (1) حجّةٌ لمقابله.
ويمكن الجواب عنه: بأنّه يحتمل أن يكون ابن عمر كان وكيلاً في
(1) أخرجه البخاري (2115) عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على بَكْرٍ صعبٍ لعمر، فكان يغلبني، فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم، فيزجره عمر ويرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: بعنيه، قال: هو لك يا رسولَ الله، قال: بعنيه فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت "
القبض قبل الهبة ، وهو اختيار البغويّ قال: إذا أذن المشتري للموهوب له في قبض المبيع كفى وتمّ البيع وحصلت الهبة بعده، لكن لا يلزم من هذا اتّحاد القابض والمقبض ، لأنّ ابن عمر كان راكب البعير حينئذٍ.
وقد احتجّ به للمالكيّة والحنفيّة في أنّ القبض في جميع الأشياء بالتّخلية.
وعند الشّافعيّة والحنابلة تكفي التّخلية في الدّور والأراضي وما أشبهها دون المنقولات.
وقال ابن قدامة: ليس في الحديث تصريحٌ بالبيع، فيحتمل أن يكون قول عمر " هو لك " أي: هبةً، وهو الظّاهر فإنّه لَم يذكر ثمناً.
قلت: وفيه غفلةٌ عن قوله في الحديث " فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث عند البخاريّ " فاشتراه " فعلى هذا فهو بيعٌ، وكون الثّمن لَم يُذكر لا يلزم أن يكون هبةً مع التّصريح بالشّراء، وكما لَم يذكر الثّمن يحتمل أن يكون القبض المشترط وقع وإن لَم ينقل.
قال المحبّ الطّبريّ: يحتمل أن يكون النّبيّ صلى الله عليه وسلم ساقه بعد العقد كما ساقه أوّلاً، وسوقه قبضٌ له ، لأنّ قبض كل شيءٍ بحسبه.
قوله: (حتى يقبضه) في قوله حتّى يقبضه زيادة في المعنى على قوله " حتّى يستوفيه " ، لأنّه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه للمشتري ، بل يحبسه عنده لينقده الثّمن مثلاً.
تكميل: أخرج الشيخان عن سالم بن عبد الله، أنّ أباه، قال: قد رأيت النّاس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطّعام جزافاً، يُضربون في أن يبيعوه في مكانهم، وذلك حتّى يؤووه إلى رحالهم.
وبه قال الجمهور، لكنّهم لَم يخصّوه بالجزاف ، ولا قيّدوه بالإيواء إلى الرّحال.
أمّا الأوّل: فلما ثبت من النّهي عن بيع الطّعام قبل قبضه فدخل فيه المكيل، وورد التّنصيص على المكيل من وجهٍ آخر عن ابن عمر مرفوعاً. أخرجه أبو داود
وأمّا الثّاني: فلأنّ الإيواء إلى الرّحال خرج مخرج الغالب.
وفي بعض طرق مسلمٍ عن ابن عمر: كنّا نبتاع الطّعام فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكانٍ سواه قبل أن نبيعه.
وفرَّق مالك في المشهور عنه بين الجزاف والمكيل: فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه. وبه قال الأوزاعيّ وإسحاق.
واحتجّ لهم: بأنّ الجزاف مرئيٌ فتكفي فيه التّخلية، والاستيفاء إنّما يكون في مكيلٍ أو موزون، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً: من اشترى طعاماً بكيلٍ أو وزنٍ فلا يبيعه حتّى يقبضه. ورواه أبو داود والنّسائيّ بلفظ: نهى أن يبيع أحد طعاماً اشتراه بكيلٍ حتّى يستوفيه.
والدّارقطنيّ من حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطّعام
حتّى يجري فيه الصّاعان ، صاع البائع والمشتري. ونحوه للبزّار من حديث أبي هريرة بإسنادٍ حسنٍ
وفي ذلك دلالة على اشتراط القبض في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن، فمن اشترى شيئاً مكايلة أو موازنة فقبضه جزافاً فقبضه فاسد، وكذا لو اشترى مكايلة فقبضه موازنة وبالعكس.
ومن اشترى مكايلة وقبضه ثمّ باعه لغيره لَم يجز تسليمه بالكيل الأوّل حتّى يكيله على من اشتراه ثانياً، وبذلك كله قال الجمهور.
وقال عطاء: يجوز بيعه بالكيل الأوّل مطلقاً.
وقيل: إن باعه بنقدٍ جاز بالكيل الأوّل ، وإن باعه بنسيئةٍ لَم يجز بالأوّل.
والأحاديث المذكورة تردّ عليه.
وقوله " جزافاً " مثلثة الجيم والكسر أفصح.