الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
309 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها. (1)
قوله: (لا يُجمعُ) ولمسلم من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة " لا تنكحُ .. " كلّه في الرّوايات بالرّفع على الخبر عن المشروعيّة وهو يتضمّن النّهي. قاله القرطبيّ.
وللبخاري من طريق عاصم الأحول عن الشّعبيّ، سمع جابراً رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمّتها أو خالتها ".
ثم قال البخاري: وقال داود وابن عونٍ عن الشّعبيّ، عن أبي هريرة. انتهى
أمّا رواية داود - وهو ابن أبي هند - فوصلها أبو داود والتّرمذيّ والدّارميّ من طريقه قال: حدّثنا عامر هو الشّعبيّ أنبأنا أبو هريرة ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمّتها. أو المرأة على خالتها، أو العمّة على بنت أخيها، أو الخالة على بنت أختها لا الصّغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصّغرى " لفظ الدّارميّ. والتّرمذيّ نحوه،
(1) أخرجه البخاري (4820) عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم (1804) عن القعنبي كلاهما عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري (4821) ومسلم (1804) من رواية الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
ولفظ أبي داود " لا تُنكح المرأة على عمّتها ، ولا على خالتها ".
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال: عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة. فكأنّ لداود فيه شيخين، وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه.
وأمّا رواية ابن عون - وهو عبد الله - فوصلها النّسائيّ من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ " لا تزوّج المرأة على عمّتها ولا على خالتها " ووقع لنا في " فوائد أبي محمّد بن أبي شُريح " من وجه آخر عن ابن عون بلفظ " نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها ، أو ابنة أختها ".
والذي يظهر أنّ الطّريقين محفوظان، وقد رواه حمّاد بن سلمة عن عاصم عن الشّعبيّ عن جابر أو أبي هريرة ، لكن نقل البيهقيّ عن الشّافعيّ: أنّ هذا الحديث لَم يرو من وجهٍ يثبته أهل الحديث إلَّا عن أبي هريرة، وروي من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث.
قال البيهقيّ: هو كما قال، قد جاء من حديث عليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبّاس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة، وليس فيها شيء على شرط الصّحيح، وإنّما اتّفقا على إثبات حديث أبي هريرة. وأخرج البخاريّ روايةَ عاصم عن الشّعبيّ عن جابر ، وبيّن الاختلاف على الشّعبيّ فيه، قال: والحفّاظ يرون رواية عاصم خطأ، والصّواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند. انتهى.
وهذا الاختلاف لَم يقدح عند البخاريّ، لأنّ الشّعبيّ أشهر بجابر
منه بأبي هريرة، وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصّحيح. أخرجها النّسائيّ من طريق ابن جريجٍ عن أبي الزّبير عن جابر، والحديث محفوظ أيضاً من أوجهٍ عن أبي هريرة، فلكلٍّ من الطّريقين ما يعضّده.
وقول من نقل البيهقيّ عنهم تضعيف حديث جابر ، معارَض بتصحيح التّرمذيّ وابن حبّان وغيرهما له، وكفى بتخريج البخاريّ له موصولاً قوّة.
قال ابن عبد البرّ: كان بعض أهل الحديث يزعم أنّه لَم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة - يعني من وجه يصحّ - وكأنّه لَم يصحّح حديث الشّعبيّ عن جابر ، وصحَّحه عن أبي هريرة، والحديثان جميعاً صحيحان.
وأمّا من نقل البيهقيّ ، أنّهم رووه من الصّحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك التّرمذيّ بقوله ، " وفي الباب " ، لكن لَم يذكر ابن مسعود ، ولا ابن عبّاس ، ولا أنساً، وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أُمامة وسمرة.
ووقع لي أيضاً من حديث أبي الدّرداء ، ومن حديث عتّاب بن أسيد ، ومن حديث سعد بن أبي وقّاص ، ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود.
فصار عدّة مَن رواه غير الأوّلين ثلاثة عشر نفساً، وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنّسائيّ وابن ماجه وأبي يعلى والبزّار والطّبرانيّ وابن حبّان وغيرهم.
ولولا خشية التّطويل لأوردتها مفصّلة.
لكن في لفظ حديث ابن عبّاس عند ابن أبي داود ، أنّه كره أن يجمع بين العمّة والخالة وبين العمّتين والخالتين، وفي روايته عند ابن حبّان " نهى أن تزوّج المرأة على العمّة والخالة، وقال: إنّكنّ إذا فعلتنّ ذلك قطعتنّ أرحامكنّ ".
قال الشّافعيّ: تحريم الجمع بين من ذكر. هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك.
وقال التّرمذيّ بعد تخريجه: العمل على هذا عند عامّة أهل العلم. لا نعلم بينهم اختلافاً ، أنّه لا يحلّ للرّجل أن يجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها ، ولا أن تنكح المرأة على عمّتها أو خالتها.
وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافاً اليوم، وإنّما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسّنّة واتّفق أهل العلم على القول به لَم يضرّه خلاف من خالفه.
وكذا نقل الإجماع ابن عبد البرّ وابن حزم والقرطبيّ والنّوويّ.
لكن استثنى ابن حزم عثمان البتّيّ. وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل البصرة - وهو بفتح الموحّدة وتشديد المثنّاة - واستثنى النّوويّ طائفة من الخوارج والشّيعة.
واستثنى القرطبيّ الخوارج ولفظه: اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمّتها وخالتها، ولا يعتدّ بخلافهم لأنّهم مرقوا من الدّين. انتهى.
وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بيّنٌ، فإنّ عمدتهم التّمسّك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتّة ، وإنّما يردّون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثّقة بنقلتها، وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن.
ونقل ابن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها عن جمهور العلماء ولَم يعيّن المخالف.
وقال النّوويّ: احتجّ الجمهور بهذه الأحاديث ، وخصّوا بها عموم القرآن في قوله تعالى:(وأحل لكم ما وراء ذلكم) ، وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، وانفصل صاحب الهداية من الحنفيّة عن ذلك بأنّ هذا من الأحاديث المشهورة التي تجوز الزّيادة على الكتاب بمثلها، والله أعلم
قوله: (على عمّتها) ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوّج إحداهما على الأخرى، ويؤخذ منه منع تزويجهما معاً، فإن جمع بينهما بعقدٍ بطلا أو مرتّباً بطل الثّاني.
فائدة: أخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة.
وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان ، أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافةَ الضغائن.
وقد نُقل العمل بذلك عن ابن أبي ليلى وعن زفر أيضا.
ولكن انعقد الإجماع على خلافه. وقاله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما.