المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 306 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٥

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يُنهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌باب السّلم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الحوالة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب الفلس

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الشفعة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الوقف

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌باب الهبة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌باب الحرث والمزارعة

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌باب العُمرى

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌باب المظالم

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌باب اللقطة

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصّداق

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 306 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه

‌الحديث الثاني

306 -

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنّ نفراً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السرّ، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ. فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكني أُصلِّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (1).

قوله: (أنّ نفراً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم) وللبخاري من رواية حميد عن أنس " جاء ثلاثة رهط " ولا منافاة بينهما فالرّهط من ثلاثة إلى عشرة، والنّفر من ثلاثة إلى تسعة، وكلّ منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه.

ووقع في مرسل سعيد بن المسيّب عند عبد الرّزّاق ، أنّ الثّلاثة المذكورين هم عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن مظعون.

وعند ابن مردويه من طريق الحسن العدنيّ: كان عليّ في أناس ممّن أرادوا أن يحرّموا الشّهوات ، فنزلت الآية في المائدة.

(1) أخرجه مسلم (1401) من رواية حمّاد عن ثابت عن أنس.

وأخرجه البخاري (4776) من طريق محمد بن جعفر عن حميد أنس نحوه.

ص: 495

ووقع في " أسباب الواحديّ " بغير إسناد ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر النّاس وخوّفهم، فاجتمع عشرة من الصّحابة - وهم أبو بكر وعمر وعليّ وابن مسعود وأبو ذرّ وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرّن - في بيت عثمان بن مظعون، فاتّفقوا على أن يصوموا النّهار ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ، ولا يقربوا النّساء ويجبّوا مذاكيرهم ".

فإن كان هذا محفوظاً. احتمل أن يكون الرّهط الثّلاثة هم الذين باشروا السّؤال ، فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ، ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه.

ويؤيّد أنّهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ، ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام ، أنّه قدم المدينة، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله، ويجاهد الرّوم حتّى يموت، فلقي ناساً بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أنّ رهطاً ستّة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم، فلمّا حدّثوه ذلك راجع امرأته ، وكان قد طلَّقها. يعني بسبب ذلك.

لكن في عدّ عبد الله بن عمرو معهم نظرٌ، لأنّ عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب. (1)

(1) هاجر عبد الله بن عمرو بعد سنة سبع. كما قال الذهبي في السير. أمَّا عثمان فقد توفي سنة اثنين أو ثلاث من الهجرة. كما سيأتي في كلام الشارح. انظر ص 305.

ص: 496

قوله: (سألوا أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السرّ) وللبخاري " يسألون عن عبادة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أخبروهم كأنّهم تقالّوها ، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ".

وقوله " تقالوها " بتشديد اللام المضمومة. أي: استقلوها، وأصل تقالّوها تقاللوها ، أي: رأى كلّ منهم أنّها قليلة.

والمعنى أنّ منْ لَّم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل، بخلاف من حصل له، لكن قد بيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ ذلك ليس بلازمٍ، فأشار إلى هذا بأنّه أشدّهم خشية وذلك بالنّسبة لمقام العبوديّة في جانب الرّبوبيّة.

وأشار في حديث عائشة والمغيرة المتفق عليهما إلى معنىً آخر بقوله " أفلا أكون عبداً شكوراً ".

قوله: (فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ) وللبخاري " قال أحدهم: أمّا أنا فإنّي أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبداً " وهو قيد لليل لا لأُصلِّي.

وقوله " فلا أتزوّج أبداً " أكّد المُصلّي ومعتزل النّساء بالتّأبيد. ولَم يؤكّد الصّيام ، لأنّه لا بدّ له من فطر الليالي. وكذا أيّام العيد.

ص: 497

وهذا ممّا يؤكّد زيادة عدد القائلين. لأنّ ترك أكل اللحم أخصّ من مداومة الصّيام، واستغراق الليل بالصّلاة أخصّ من ترك النّوم على الفراش. ويمكن التّوفيق بضروبٍ من التّجوّز.

قوله: (فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال: ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا) وللبخاري " فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم .. ".

ويُجمع بأنّه منع من ذلك عموماً جهراً مع عدم تعيينهم وخصوصاً فيما بينه وبينهم رفقاً بهم وستراً لهم.

قوله: (لكنّي) استدراك من شيء محذوف دلَّ عليه السّياق ، أي: أنا وأنتم بالنّسبة إليّ العبوديّة سواء، لكن أنا أعمل كذا.

قوله: (أُصلِّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء) وللبخاري " أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له " قوله " أما " بتخفيف الميم حرف تنبيه ، بخلاف قوله في أوّل الخبر " أمّا أنا " فإنّها بتشديد الميم للتّقسيم.

وقوله " أخشاكم .. " فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم من أنّ المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنّه مع كونه يبالغ في التّشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدّدون ، وإنّما كان كذلك لأنّ المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد ، فأنّه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه.

وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر " المنبتّ لا أرضاً

ص: 498

قطع ، ولا ظهراً أبقى " (1).

قوله: (فمن رغب عن سنّتي فليس منّي) المراد بالسّنّة الطّريقة لا التي تقابل الفرض، والرّغبة عن الشّيء الإعراض عنه إلى غيره.

والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منّي، ولَمَح بذلك إلى طريق الرّهبانيّة فإنّهم الذين ابتدعوا التّشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنّهم ما وفّوه بما التزموه.

وطريقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحنيفيّة السّمحة ، فيفطر ليتقوّى على الصّوم ، وينام ليتقوّى على القيام ، ويتزوّج لكسر الشّهوة وإعفاف النّفس وتكثير النّسل.

(1) أخرجه البزار كما في " كشف الأستار "(1/ 74) والحاكم في " علوم الحديث "(95) والبيهقي في " الكبرى "(3/ 18) وابن الأعرابي في " معجمه "(1835) وغيرهم من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإنَّ المنبتَّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. قال الحاكم: هذا حديث غريبُ الإسناد والمتن.

قال الهيثمي في " المجمع "(1/ 62): فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب.

وقال الحافظ السخاوي في " المقاصد "(1/ 207): وهو مما اختلف فيه على ابن سوقة في إرساله ووصله وفي رفعه ووقفه، ثم في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر ، وقال الدارقطني: ليس فيها حديث ثابت، ورجَّح البخاري في " تاريخه " من حديث ابن المنكدر الارسال. ثم ذكر السخاوي شواهده. وكلّها ضعيفه فراجعه.

قال الحافظ في " الفتح "(11/ 297): المنبت ، بنون ثم موحدة ثم مثناة ثقيلة. أي: الذي عطب مركوبه من شدة السير. مأخوذ من البت وهو القطع ، أي: صار منقطعاً لَم يصل إلى مقصوده وفَقَدَ مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به ، وقوله:(أوغل) بكسر المعجمة من الوغول. وهو الدخول في الشيء.

ص: 499

وقوله " فليس منّي " إن كانت الرّغبة بضربٍ من التّأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى " فليس منّي " أي: على طريقتي ، ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضاً وتنطّعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحيّة عمله. فمعنى " فليس منّي " ليس على ملتي ، لأنّ اعتقاد ذلك نوع من الكفر.

وفي الحديث دلالة على فضل النّكاح والتّرغيب فيه، وقد اختلف فيه.

القول الأول: قال الشّافعيّة: ليس عبادة، ولهذا لو نذره لَم ينعقد.

القول الثاني: قال الحنفيّة: هو عبادة.

والتّحقيق أنّ الصّورة التي يستحبّ فيها النّكاح - كما تقدّم بيانه - تستلزم أن يكون حينئذٍ عبادة، فمن نفى نظر إليه في حدّ ذاته ، ومن أثبت نظرَ إلى الصّورة المخصوصة.

وفي الحديث تتبّع أحول الأكابر للتّأسّي بأفعالهم ، وأنّه إذا تعذّرت معرفته من الرّجال جاز استكشافه من النّساء، وأنّ من عزم على عمل برّ واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرّياء لَم يكن ذلك ممنوعاً.

وفيه تقديم الحمد والثّناء على الله عند إلقاء مسائل العلم ، وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشّبهة عن المجتهدين، وأنّ المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب.

وقال الطّبريّ: فيه الرّدّ على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثّياب وخشن المأكل.

ص: 500

قال عياض: هذا ممّا اختلف فيه السّلف.

فمنهم من نحا إلى ما قال الطّبريّ.

ومنهم من عكس ، واحتجّ بقوله تعالى (أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا) قال: والحقّ أنّ هذه الآية في الكفّار ، وقد أخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالأمرين.

قلت: لا يدلّ ذلك لأحد الفريقين إن كان المراد المداومة على إحدى الصّفتين، والحقّ أنّ ملازمة استعمال الطّيّبات تفضي إلى التّرفّه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشّبهات ، لأنّ من اعتاد ذلك قد لا يجده أحياناً فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور ، كما أنّ منع تناول ذلك أحياناً يفضي إلى التّنطّع المنهيّ عنه.

ويردّ عليه صريح قوله تعالى (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق) كما أنّ الأخذ بالتّشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً ، وترك التّنفّل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النّشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط.

وفي قوله " إنّي لأخشاكم لله " مع ما انضمّ إليه إشارة إلى ذلك.

وفيه أيضاً إشارة إلى أنّ العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقّه أعظم قدراً من مجرّد العبادة البدنيّة، والله أعلم.

ص: 501