الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
270 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رخّص في بيع العرايا في خمسة أوسقٍ، أو دون خمسة أوسقٍ (1).
قوله: (رخّص) كذا للأكثر بالتّشديد وللكشميهنيّ " أرخص ".
قوله: (في بيع العرايا) أي في بيع ثمر العرايا لأنّ العريّة هي النّخلة والعرايا جمع عريّة كما تقدّم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
قوله: (في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق) شكّ من الرّاوي، بيّن مسلم في روايته أنّ الشّكّ فيه من داود بن الحصين، وللبخاري من وجهٍ آخر عن مالك مثله.
وذكر ابن التّين تبعاً لغيره: أنّ داود تفرّد بهذا الإسناد ، قال: وما رواه عنه إلَّا مالك بن أنس.
والوسق ستّون صاعاً بالاتفاق. كما تقدّم في الزكاة (2) وقد اعتبر مَن قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه.
واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشّكّ المذكور.
(1) أخرجه البخاري (2078 ، 2253) عن عبد الله بن عبد الوهاب ويحيى بن قزعة ، ومسلم (1536) عن القعنبي ويحيى بن يحيى كلهم عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه
(2)
انظر حديث أبي سعيد رضي الله عنه في كتاب الزكاة برقم (177)
والخلاف عند المالكيّة والشّافعيّة، والرّاجح عند المالكيّة الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشّافعيّة الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظّاهر.
فمأخذ المنع: أنّ الأصل التّحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقّق منه الجواز ويلغي ما وقع فيه الشّكّ.
وسبب الخلاف: أنّ النّهي عن بيع المزابنة ، هل ورد متقدّماً ثمّ وقعت الرّخصة في العرايا، أو النّهي عن بيع المزابنة وقع مقروناً بالرّخصة في بيع العرايا؟
فعلى الأوّل: لا يجوز في الخمسة للشّكّ في رفع التّحريم.
وعلى الثّاني: يجوز للشّكّ في قدر التّحريم، ويرجّح الأوّل رواية سالمٍ المذكورة في الحديث قبله.
واحتجّ بعض المالكيّة: بأنّ لفظة " دون " صالحةٌ لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرّخصة.
وتعقّب: بأنّ العمل بها ممكنٌ بأن يحمل على أقل ما تصدّق عليه ، وهو المفتى به في مذهب الشّافعيّ.
وقد روى التّرمذيّ حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالكٍ عن داود عن أبي سفيان عن أبي هريرة بلفظ " أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق " ولَم يتردّد في ذلك.
وزعم المازريّ: أنّ ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شكٍّ فيه فتعيّن طرح الرّواية التي وقع
فيها الشّكّ والأخذ بالرّواية المتيقّنة، قال: وألزم المزنيُّ الشّافعيَّ القول به. انتهى
وفيما نقله نظرٌ.
أمّا ابن المنذر فليس في شيءٍ من كتبه ما نقله عنه ، وإنّما فيه ترجيح القول الصّائر إلى أنّ الخمسة لا تجوز ، وإنّما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزنيّ أن يقول به الشّافعيّ كما هو بيّنٌ من كلامه.
وقد حكى ابن عبد البرّ هذا القول عن قومٍ قال: واحتجّوا بحديث جابر، ثمّ قال: ولا خلاف بين الشّافعيّ ومالك ومن اتّبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق ممّا لَم يبلغ خمسة أوسق ، ولَم يثبت عندهم حديث جابر.
قلت: حديث جابر الذي أشار إليه. أخرجه الشّافعيّ وأحمد وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم أخرجوه كلهم من طريق ابن إسحاق حدّثني محمّد بن يحيى بن حبّان عن عمّه واسع بن حبّان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها ، يقول: الوسق والوسقين والثّلاثة والأربع. لفظ أحمد.
وترجم عليه ابن حبّان " الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق ".
وهل الذي قاله يتعيّن المصير إليه، وأمّا جعله حدّاً لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح.
واحتجّ بعضهم لمالكٍ بقول سهل بن أبي حثمة: إنّ العريّة تكون
ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة. أخرجه الطّبريّ من طريق الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن سهل ، ولا حجّة فيه لأنّه موقوف.
ومن فروع هذه المسألة:
ما لو زاد في صفقةٍ على خمسة أوسق فإنّ البيع يبطل في الجميع. وخرَّج بعض الشّافعيّة من جواز تفريق الصّفقة أنّه يجوز.
وهو بعيدٌ لوضوح الفرق.
ولو باع ما دون خمسة أوسق في صفقةٍ ، ثمّ باع مثلها البائع بعينه للمشتري بعينه في صفقةٍ أخرى. جاز عند الشّافعيّة على الأصحّ، ومنعه أحمد وأهل الظّاهر، والله أعلم.