الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس عشر
271 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من باع نخلاً قد أُبّرت فثمرتها للبائع، إلَّا أن يشترط المُبتاع. (1)
ولمسلم (2): من ابتاع عبداً فماله للذي باعه، إلَّا أن يشترط المبتاع. (3)
قوله: (من باع نخلاً) النّخل اسم جنسٍ يذكّر ويؤنّث. والجمع نخيلٌ
قوله: (قد أُبِّرت) في رواية الليث عن نافع عند الشيخين " أيّما امرئٍ أبّر نخلاً ثمّ باع أصلها ".
وقوله " أبرت " ضمّ الهمزة وكسر الموحّدة مخفّفاً على المشهور ، ومشدّداً والرّاء مفتوحةٌ ، يقال: أبرت النّخل آبره أبراً بوزن أكلت الشّيء آكله أكلاً.
ويقال: أبّرته بالتّشديد أؤبّره تأبيراً، بوزن علمته أعلمه تعليماً.
والتّأبير التّشقيق والتّلقيح ، ومعناه شقّ طلع النّخلة الأنثى ليذرّ فيه شيءٌ من طلع النّخلة الذّكر، والحكم مستمرٌّ بمجرّد التّشقيق ولو لَم
(1) أخرجه البخاري (2090 ، 2092 ، 2567) ومسلم (1543) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
كذا قال! وظاهر كلامه أنه من أفراد مسلم. وسيأتي تعقيب الشارح عليه.
(3)
أخرجه البخاري (2250) ومسلم (1543) من طرق عن الزهري عن سالم عن أبيه عن ابن عمر. فذكر حديث النخل ثم حديث العبد.
يضع فيه شيئاً.
وروى مسلمٌ من حديث طلحة قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقومٍ على رءوس النّخل ، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يلقّحونه يجعلون الذّكر في الأنثى فيلقح .. الحديث.
وقال القرطبيّ: إبار كل شيءٍ بحسب ما جرت العادة أنّه إذا فعل فيه نبتت الثّمرةُ ثمرتَه وانعقدت فيه، ثمّ قد يعبّر به عن ظهور الثّمرة وعن انعقادها. وإن لَم يفعل فيها شيءٌ.
القول الأول: استدل بمنطوقه: على أنّ من باع نخلاً وعليها ثمرةٌ مؤبّرةٌ لَم تدخل الثّمرة في البيع ، بل تستمرّ على ملك البائع.
وبمفهومه: على أنّها إذا كانت غير موبّرةٍ أنّها تدخل في البيع وتكون للمشتري. وبذلك قال جمهور العلماء.
القول الثاني: خالفهم الأوزاعيّ وأبو حنيفة ، فقالا: تكون للبائع قبل التّأبير وبعده.
القول الثالث: عكَسَ ابن أبي ليلى ، فقال: تكون للمشتري مطلقاً.
وهذا كله عند إطلاق بيع النّخل من غير تعرّضٍ للثّمرة، فإن شرطها المشتري بأن قال: اشتريت النّخل بثمرتها كانت للمشتري، وإن شرطها البائع لنفسه قبل التّأبير كانت له. وخالف مالكٌ ، فقال: لا يجوز شرطها للبائع.
فالحاصل أنّه يستفاد من منطوقه حكمان ، ومن مفهومه حكمان.
أحدهما: بمفهوم الشّرط. والآخر: بمفهوم الاستثناء.
قال القرطبيّ: القول بدليل الخطاب يعني بالمفهوم في هذا ظاهرٌ ، لأنّه لو كان حكم غير المؤبّرة حكم المؤبّرة لكان تقييده بالشّرط لغواً لا فائدة فيه.
تنبيهٌ: لا يشترط في التّأبير أن يؤبّره أحدٌ، بل لو تأبّر بنفسه لَم يختلف الحكم عند جميع القائلين به
قوله: (إلَّا أن يشترط المبتاع) المراد بالمبتاع المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله " من باع ".
وقد استدل بهذا الإطلاق على أنّه يصحّ اشتراط بعض الثّمرة كما يصحّ اشتراط جميعها ، وكأنّه قال: إلَّا أن يشترط المبتاع شيئاً من ذلك ، وهذه هي النّكتة في حذف المفعول.
وانفرد ابن القاسم ، فقال: لا يجوز له شرط بعضها.
واستدل به على أنّ المؤبّر يخالف في الحكم غير المؤبّر.
وقال الشّافعيّة: لو باع نخلةً بعضها مؤبّرٌ وبعضها غير مؤبّرٍ فالجميع للبائع، وإن باع نخلتين فكذلك يشترط اتّحاد الصّفقة، فإن أفرد فلكلٍّ حكمه. ويشترط كونهما في بستانٍ واحدٍ، فإن تعدّد فلكلٍّ حكمه.
ونصّ أحمد. على أنّ الذي يؤبّر للبائع والذي لا يؤبّر للمشتري.
وجعل المالكيّة الحكم للأغلب.
وفي الحديث: جواز التّأبير ، وأنّ الحكم المذكور مختصٌّ بإناث النّخل دون ذكوره ، وأمّا ذكوره فللبائع نظراً إلى المعنى، ومن
الشّافعيّة من أخذ بظاهر التّأبير فلم يفرّق بين أنثى وذكرٍ.
واختلفوا فيما لو باع نخلةً وبقيت ثمرتها له ، ثمّ خرج طلعٌ آخر من تلك النّخلة.
القول الأول: قال ابن أبي هريرة: هو للمشتري ، لأنّه ليس للبائع إلَّا ما وجد دون ما لَم يوجد.
القول الثاني: قال الجمهور: هو للبائع لكونه من ثمرة المؤبّرة دون غيرها.
ويستفاد من الحديث أنّ الشّرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع ، فلا يدخل في النّهي عن بيعٍ وشرطٍ.
واستدل الطّحاويّ. بحديث الباب على جواز بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها؛ واحتجّ به لمذهبه الذي حكيناه في ذلك.
وقد تعقّبه البيهقيّ وغيره: بأنّه يستدل بالشّيء في غير ما ورد فيه حتّى إذا جاء ما ورد فيه استدل بغيره عليه كذلك، فيستدل لجواز بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها بحديث التّأبير، ولا يعمل بحديث التّأبير، بل لا فرق عنده كما تقدّم في البيع قبل التّأبير وبعده. فإنّ الثّمرة في ذلك للمشتري سواءٌ شرطها البائع لنفسه أو لَم يشترطها.
والجمع بين حديث التّأبير وحديث النّهي عن بيع الثّمرة قبل بدوّ الصّلاح سهلٌ ، بأنّ الثّمرة في بيع النّخل تابعةٌ للنّخل ، وفي حديث النّهي مستقلةٌ، وهذا واضحٌ جدّاً، والله أعلم بالصّواب.
تكميل: قال ابن بطّالٍ: ذهب الجمهور إلى منع من اشترى النّخل
وحده أن يشتري ثمره قبل بدوّ صلاحه في صفقةٍ أخرى، بخلاف ما لو اشتراه تبعاً للنّخل فيجوز. وروى ابن القاسم عن مالكٍ الجواز مطلقاً.
قال: والأوّل أولى لعموم النّهي عن ذلك.
مسألة: من باع أرضاً محروثةً وفيها زرعٌ فالزّرع للبائع، والخلاف في هذه كالخلاف في النّخل، ويؤخذ منه أنّ من أجر أرضاً وله فيها زرع ، أنّ الزّرع للمؤجر لا للمستأجر إن تصوّرت صورة الإجارة.
قوله: (ولمسلم) ثبتت قصّة العبد في هذا الحديث في جميع نسخ البخاريّ، وصنيع صاحب العمدة يقتضي أنّها من أفراد مسلمٍ ، وكأنّه لَمَّا نَظَرَ كتاب البيوع من البخاريّ فلم يجده فيه توهّم أنّها من إفراد مسلم.
واعتذر الشّارح ابن العطّار عن صاحب العمدة ، فقال: هذه الزّيادة أخرجها الشّيخان من رواية سالمٍ عن أبيه عن عمر، قال: فالمصنّف لَمَّا نسب الحديث لابن عمر احتاج أن ينسب الزّيادة لمسلمٍ وحده. انتهى ملخّصاً.
وبالغ شيخنا ابن الملقّن في الرّدّ عليه ، لأنّ الشّيخين لَم يذكرا في طريقِ سالمٍ عمرَ بل هو عندهما جميعاً عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بغير واسطة عمر، لكن مسلم والبخاريّ ذكراه في البيوع والشّرب ، فتعيّن أنّ سبب وهْم المقدسيّ ما ذكرتُه.
وقال النّوويّ في شرح مسلم: لَم تقع هذه الزّيادة في حديث نافعٍ عن ابن عمر ، وذلك لا يضرّ. فإنّ سالماً ثقة ، بل هو أجلّ من نافع فزيادته مقبولة. وقد أشار النّسائيّ والدّارقطنيّ إلى ترجيح رواية نافعٍ. وهي إشارةٌ مردودةٌ. انتهى.
قلت: أمّا نفي تخريجها فمردود ، فإنّها ثابتة عند البخاريّ من رواية ابن جريج عن ابن أبي مُلَيكة عن نافعٍ ، لكن باختصار (1).
وأمّا الاختلاف بين سالم ونافع. فإنّما هو في رفعها ووقفها لا في إثباتها ونفيها ، فسالم رفع الحديثين جميعاً ، ونافع رفع حديث النّخل عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ووقف حديثَ العبدِ على ابن عمر عن عمر، وقد رجّح مسلم ما رجّحه النّسائيّ.
وقال أبو داود وتبعه ابن عبد البرّ: وهذا أحد الأحاديث الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع.
قال أبو عمر: اتّفقا على رفع حديث النّخل ، وأمّا قصّة العبد فرفعها سالم ووقفها نافع على عمر، ورجّح البخاريّ رواية سالمٍ في رفع الحديثين.
ونقل ابن التّين عن الدّاوديّ: هو وهْمٌ من نافع ، والصّحيح ما رواه سالم مرفوعاً في العبد والثّمرة.
(1) ولفظه عند (2203)" عن ابن أبى مُلَيكة عن نافع مولى ابن عمر ، أنَّ أيُّما نخلٍ بيعت قد أبرت لَم يذكر الثمر، فالثمر للذي أبرها، وكذلك العبد والحرث. سمَّى له نافع هؤلاء الثلاث "
قال ابن التّين: لا أدري من أين أدخل الوهم على نافعٍ مع إمكان أن يكون عمر قال ذلك - يعني على جهة الفتوى - مستنداً إلى ما قاله النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتصحّ الرّوايتان.
قلت: قد نقل التّرمذيّ في " الجامع " عن البخاريّ تصحيح الرّوايتين، ونقل عنه في " العلل " ترجيح قول سالمٍ.
قوله: (من ابتاع عبداً فماله للذي باعه، إلَّا أن يشترط المبتاع) قال ابن دقيق العيد: استدل به لمالكٍ على أنّ العبد يملك لإضافة الملك إليه باللام، وهي ظاهرةٌ في الملك.
قال غيره: يؤخذ منه أنّ العبد إذا ملّكه سيّده مالاً فإنّه يملكه، وبه قال مالك وكذا الشّافعيّ في القديم ، لكنّه إذا باعه بعد ذلك رجع المال لسيّده إلَّا أن يشترطه المبتاع.
وقال أبو حنيفة وكذا الشّافعيّ في الجديد: لا يملك العبد شيئاً أصلاً ، والإضافة للاختصاص والانتفاع كما يقال: السّرج للفرس.
ويؤخذ من مفهومه: أنّ من باع عبداً ومعه مال وشرطه المبتاع أنّ البيع يصحّ، لكن بشرط أن لا يكون المال ربويّاً فلا يجوز بيع العبد ومعه دراهم بدراهم قاله الشّافعيّ.
وعن مالكٍ لا يمنع لإطلاق الحديث، وكأنّ العقد إنّما وقع على العبد خاصّة، والمال الذي معه لا مدخل له في العقد.
واختلف فيما إذا كان المال ثياباً.
والأصحّ. أنّ لها حكم المال، وقيل: تدخل عملاً بالعرف، وقيل:
يدخل ساتر العورة فقط.
وقال الباجيّ: إنْ شرطه المشتري للعبد صحّ مطلقاً، وإن شرط بعضه أو لنفسه فروايتان.
وقال المازريّ.: إن زال ملك السّيّد عن عبده ببيعٍ أو معاوضةٍ فالمال للسّيّد ، إلَّا أن يشترطه المبتاع، وعن بعض التّابعين كالحسن يتبع العبد، والحديث حجّة على قائل هذا.
وإن زال بالعتق ونحوه فالمال للعبد إلَّا أن يشترطه السّيّد، وإن زال بالهبة ونحوها فروايتان.
قال القرطبيّ: أرجحهما إلحاقها بالبيع. وكذا إن سلمه في الجناية.
وفي الحديث: جواز الشّرط الذي لا ينافي مقتضى العقد،
قال الكرمانيّ: قوله: " وله مال " إضافة المال إلى العبد مجاز كإضافة الثّمرة إلى النّخلة.