المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 308 - عن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان رضي - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٥

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يُنهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌باب السّلم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الحوالة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب الفلس

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الشفعة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الوقف

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌باب الهبة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌باب الحرث والمزارعة

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌باب العُمرى

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌باب المظالم

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌باب اللقطة

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصّداق

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 308 - عن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان رضي

‌الحديث الرابع

308 -

عن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما، أنها قالت: يا رسولَ الله. انكح أختي ابنة أبي سفيان، فقال: أَوَ تُحبِّين ذلك؟. فقلت: نعم، لست لك بِمُخْلِيةٍ، وأحبُّ من شاركني في خيرٍ أختي، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ ذلك لا يَحلُّ لي، قالت: فإنا نُحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أمّ سلمة؟! قلت: نعم، فقال: إنها لو لَم تكن ربيبتي في حجري، ما حلَّت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثُويبةُ، فلا تعرضنَّ عليّ بناتكنّ ولا أخواتكنّ.

قال عروة: وثويبة مولاةٌ لأبي لهبٍ، كان أبو لهبٍ أعتقها، فأرضعت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهبٍ أُرِيَه بعض أهله بشرّ حيبةٍ، قال له: ماذا لقيت؟. قال أبو لهبٍ: لَم ألق بعدكم خيراً، غير أني سُقيت في هذه. بعتاقتي ثويبة. (1)

قال المصنف: الْحِيبة: بكسر الحاء المهملة: الحال.

قوله: (عن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان) رملة بنت أبي سفيان الأموية. هاجرت في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك، ويقال: إنه قد تنصر، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده. (2)

(1) أخرجه البخاري (4813 ، 4817 ، 4818 ، 5057) ومسلم (1449) من طريق الزهري وهشام عن عروة عن زينب عن أم حبيبة رضي الله عنها.

وللبخاري (4831) من طريق عراك بن مالك عن زينب بنت أبي سلمة. مختصراً.

(2)

وُلدت قبل البعثة بسبعة عشر عاماً. وأخرج ابن سعد من طريق عوف بن الحارث عن عائشة ، قالت: دعتني أم حبيبة عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فتحللينني من ذلك. فحللتها واستغفرت لها ، فقالت لي: سررتني سرَّك الله وأرسلتْ إلى أم سلمة بمثل ذلك. وماتت بالمدينة سنة 44 جزم بذلك ابن سعد وأبو عبيد ، وقال ابن حبان وابن قانع: سنة اثنتين ، وقال ابن أبي خيثمة: سنة 59. وهو بعيد. والله أعلم. قاله في الإصابة.

ص: 507

قوله: (انكح أختي) أي: تزوّج.

قوله: (بنت أبي سفيان) في رواية يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن عروة عند مسلم والنّسائيّ في هذا الحديث " انكح أختي عزّة بنت أبي سفيان " ولابن ماجه من هذا الوجه " انكح أختي عزّة ".

وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث عند الطّبرانيّ " أنّها قالت: يا رسولَ الله هل لك في حمنة بنت أبي سفيان؟ قال: أصنع ماذا؟ قالت: تنكحها. وقد أخرجه البخاري من رواية هشام ، لكن لَم يسمّ بنت أبي سفيان، ولفظه " فقال: فأفعل ماذا؟ ".

وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل على " ما " الاستفهاميَّة خلافاً لمن أنكره من النّحاة.

وعند أبي موسى في " الذّيل " درّة بنت أبي سفيان، وهذا وقع في رواية الحميديّ في " مسنده " عن سفيان عن هشام، وأخرجه أبو نعيم والبيهقيّ من طريق الحميديّ ، وقالا: أخرجه البخاريّ عن الحميديّ.

ص: 508

وهو كما قالا. قد أخرجه عنه ، لكن حذف هذا الاسم وكأنّه عمداً، وكذا وقع في هذه الرّواية زينب بنت أمّ سلمة ، وحذفه البخاريّ أيضاً منها ، ثمّ نبّه على أنّ الصّواب درّة، وجزم المنذريّ بأنّ اسمها حمنة كما في الطّبرانيّ.

وقال عياض: لا نعلم لعزّة ذكراً في بنات أبي سفيان إلَّا في رواية يزيد بن أبي حبيب، وقال أبو موسى: الأشهر فيها عزّة.

قوله: (أو تُحبّين ذلك؟) هو استفهام تعجّب من كونها تطلب أن يتزوّج غيرها مع ما طبع عليه النّساء من الغيرة.

قوله: (لست لك بِمُخْلِيةٍ) بضمّ الميم وسكون المعجمة وكسر اللام اسم فاعل من أخلى يخلي، أي: لست بمنفردةٍ بك ، ولا خالية من ضرّة.

وقال بعضهم: هو بوزن فاعل الإخلاء متعدّياً ولازماً، من أخليت بمعنى خلوت من الضّرّة، أي: لست بمتفرّغةٍ ولا خالية من ضرّة، وفي بعض الرّوايات بفتح اللام بلفظ المفعول حكاها الكرمانيّ.

وقال عياض: مخلية. أي: منفردة. يقال أخل أمرك وأخل به. أي: انفرد به، وقال صاحب النّهاية: معناه لَم أجدك خالياً من الزّوجات، وليس هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الأزواج.

قوله: (وأحبّ من شاركني) مرفوع بالابتداء. أي: إليَّ، وفي رواية هشام عند البخاري " من شركني " بغير ألفٍ، وكذا عند

ص: 509

مسلم.

قوله: (في خير) كذا للأكثر بالتّنكير. أيْ: أيّ خير كان، وفي رواية هشام " في الخير ".

قيل: المراد به صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمّنة لسعادة الدّارين السّاترة لِمَا لعلَّه يعرض من الغيرة التي جرت بها العادة بين الزّوجات.

لكن في رواية هشام المذكورة " وأحبّ من شركني فيك أختي " فعرف أنّ المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فإنّا نحدّث) بضمّ أوّله وفتح الحاء على البناء للمجهول، وفي رواية هشام المذكورة " قلت: بلغني " ، وفي رواية عقيل عن ابن شهاب عن عروة عند البخاري " قلت: يا رسولَ الله. فوالله إنّا لنتحدّث " ، وفي رواية زهير (1) عن هشام عند أبي داود " فوالله لقد أخبرت ".

قوله: (أنّك تريد أن تنكح) في رواية هشام " بلغني أنّك تخطب " ولَم أقف على اسم من أخبر بذلك، ولعله كان من المنافقين ، فإنّه قد ظهر أنّ الخبر لا أصل له.

وهذا ممّا يُستدلّ به على ضعف المراسيل.

قوله: (بنت أبي سلمة) في رواية عقيل ، وكذا أخرجه الطّبرانيّ من طريق ابن أخي الزّهريّ عن الزّهريّ ، ومن طريق معمر عن هشام بن

(1) وقع في نسخ الفتح " وهب " والتصويب من سنن أبي داود (2056)

ص: 510

عروة عن أبيه ، ومن طريق عراك عن زينب بنت أمّ سلمة " درّة بنت أبي سلمة " وهي بضمّ المهملة وتشديد الرّاء، وفي رواية حكاها عياض ، وخطّأها بفتح المعجمة.

وعند أبي داود من طريق هشام عن أبيه عن زينب عن أمّ سلمة درّة أو " ذرّة " على الشّكّ، شكّ زهير راوية عن هشام.

ووقع عند البيهقيّ من رواية الحميديّ عن سفيان عن هشام " بلغني أنّك تخطب زينب بنت أبي سلمة " وقد تقدّم التّنبيه على خطئه.

ووقع عند أبي موسى في " ذيل المعرفة " حمنة بنت أبي سلمة ، وهو خطأ.

وقوله " بنت أمّ سلمة؟ " هو استفهام استثبات لرفع الإشكال، أو استفهام إنكار، والمعنى أنّها إن كانت بنت أبي سلمة من أمّ سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه، وإن كانت من غيرها فمن وجه واحد.

وكأنّ أمّ حبيبة لَم تطّلع على تحريم ذلك.

إمّا لأنّ ذلك كان قبل نزول آية التّحريم.

وإمّا بعد ذلك وظنّت أنّه من خصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال الكرمانيّ.

والاحتمال الثّاني هو المعتمد، والأوّل يدفعه سياق الحديث، وكأنّ أمّ حبيبة استدلت على جواز الجمع بين الأختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الأولى، لأنّ الرّبيبة حرمت على التّأبيد والأخت

ص: 511

حرمت في صورة الجمع فقط، فأجابها صلى الله عليه وسلم بأنّ ذلك لا يحلّ، وأنّ الذي بلغها من ذلك ليس بحقٍّ، وأنّها تحرم عليه من جهتين.

قوله: (قال: بنت أمّ سلمة؟) إنّما استثبتها في ذلك ليترتّب عليه الحكم، لأنّ بنت أبي سلمة من غير أمّ سلمة تحلّ له لو لَم يكن أبو سلمة رضيعه، لأنّها ليست ربيبة، بخلاف بنت أبي سلمة من أمّ سلمة.

قوله: (لو أنّها لَم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي) قال القرطبيّ: فيه تعليل الحكم بعلتين، فإنّه علَّل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من الرّضاعة.

كذا قال، والذي يظهر أنّه نبّه على أنّها لو كان بها مانع واحد لكفى في التّحريم. فكيف وبها مانعان؟.

فليس من التّعليل بعلتين في شيء، لأنّ كلّ وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كلّ منهما لو انفرد. فإمّا أن يتعاقبا فيضاف الحكم إلى الأوّل منهما كما في السّببين إذا اجتمعا.

ومثاله لو أحدث ثمّ أحدث بغير تخلل طهارة. فالحدث الثّاني لَم يعمل شيئاً ، أو يضاف الحكم إلى الثّاني كما في اجتماع السّبب والمباشرة، وقد يضاف إلى أشبههما وأنسبهما سواء كان الأوّل أم الثّاني.

فعلى كلّ تقدير لا يضاف إليهما جميعاً، وإن قدّر أنّه يوجد فالإضافة إلى المجموع ، ويكون كلّ منهما جزء عِلَّة لا عِلَّة مستقلة فلا تجتمع علتان على معلول واحد، هذا الذي يظهر.

ص: 512

والمسألة مشهورة في الأصول وفيها خلاف.

قال القرطبيّ: والصّحيح جوازه لهذا الحديث وغيره. وفي الحديث إشارة إلى أنّ التّحريم بالرّبيبة أشدّ من التّحريم بالرّضاعة.

قوله: (ربيبتي) أي: بنت زوجتي، مشتقّة من الرّبّ وهو الإصلاح ، لأنّه يقوم بأمرها.

وقيل: من التّربية. وهو غلط من جهة الاشتقاق.

وقوله: (في حجري) راعى فيه لفظ الآية. وإلَّا فلا مفهوم له، كذا عند الجمهور. وأنّه خرج مخرج الغالب.

وفيه خلاف قديم. أخرجه عبد الرّزّاق وابن المنذر وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال: كانت عندي امرأة قد ولدت لي، فماتت فوجدت عليها، فلقيت عليّ بن أبي طالب فقال لي: ما لَكَ؟ فأخبرته، فقال: ألها ابنة؟ يعني من غيرك، قلت: نعم ، قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي في الطّائف، قال: فانكحها، قلت: فأين قوله تعالى (وربائبكم) قال: إنّها لَم تكن في حجرك.

وقد دفع بعض المتأخّرين هذا الأثر ، وادّعى نفي ثبوته بأنّ إبراهيم بن عبيد لا يُعرف.

وهو عجيب، فإنّ الأثر المذكور عند ابن أبي حاتم في " تفسيره " من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، وإبراهيم ثقة تابعيّ معروف، وأبوه وجدّه صحابيّان، والأثر صحيح عن عليّ.

وكذا صحّ عن عمر ، أنّه أفتى من سأله إذ تزوّج بنت رجل كانت

ص: 513

تحته جدّتها ولَم تكن البنت في حجره. أخرجه أبو عبيد.

وهذا - وإن كان الجمهور على خلافه - فقد احتجّ أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: فلا تعرضن عليّ بناتكنّ. قال: ولَم يقيّد بالحجر.

وهذا فيه نظرٌ ، لأنّ المطلق محمول على المقيّد، ولولا الإجماع الحادث في المسألة وندرة المخالف لكان الأخذ به أولى. لأنّ التّحريم جاء مشروطاً بأمرين:

الأمر الأول: أن تكون في الحجر.

الأمر الثاني: أن يكون الذي يريد التّزويج قد دخل بالأمّ. (1) فلا تحرم بوجود أحد الشّرطين.

واحتجّوا أيضاً: برواية عراك عن زينب بنت أمّ سلمة. عند الطّبرانيّ (2): لو أنّي لَم أنكح أمّ سلمة ما حلَّت لي، إنّ أباها أخي من الرّضاعة.

(1) قال الحافظ في موضع آخر: الدخول ففيه قولان.

أحدهما: أن المراد به الجماع. وهو أصح قولي الشافعي.

والقول الآخر: وهو قول الأئمة الثلاثة. المراد به الخلوة. روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. في قوله تعالى (اللاتي دخلتم بهن) قال: الدخول النكاح ، وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: قال ابن عباس: الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع ، إلاّ أنَّ الله حيي كريم يُكني بما شاء عما شاء. وسنده صحيح. انتهى بتجوز.

(2)

كذا عزاه الشارح للطبراني. وهي عند البخاري أيضاً في " صحيحه "(باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير) رقم (4831) من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك به.

ص: 514

ووقع في رواية ابن عيينة عن هشام عند البخاري " والله لو لَم تكن ربيبتي ما حلَّت لي " فذكر ابن حزم: أنّ منهم من احتجّ به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا.

وهو ضعيف لأنّ القصّة واحدة ، والذين زادوا فيها لفظ " في حجري " حفّاظ أثبات ، وفي أكثر طرقه " لو لَم تكن ربيبتي في حجري " فقيّد بالحجر كما قيّد به القرآن فقوي اعتباره، والله أعلم.

قوله: (أرضعتني وأبا سلمة) أي: أرضعت أبا سلمة، وهو من تقديم المفعول على الفاعل.

وأبو سلمة. هو ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبي سلمة عبد الله. زوجُ أمِّ سلمة أم المؤمنين قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (ثويبةُ) بمثلثةٍ وموحّدة ومصغّر، كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطّلب عمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث.

وثويبة بالرفع. والمعنى أرضعتني ثويبة وأرضعت والد درّة بنت أبي سلمة، وقد وقع التّصريح بذلك فقال " أرضعتني وأبا سلمة ".

وإنّما نبّهت على ذلك ، لأنّ صاحب " المشارق " نقل أنّ بعض الرّواة عن أبي ذرّ رواها بكسر الهمزة وتشديد التّحتانيّة. فصحّف.

ويكفي في الرّدّ عليه قوله " إنّها ابنة أخي من الرّضاعة " ووقع في روايةٍ لمسلمٍ " أرضعتني وأباها أبا سلمة ".

ص: 515

ووجه إيراد الحديث في أبواب النفقات (1) الإشارة إلى أنَّ إرضاع الأم ليس متحتماً ، بل لها أن ترضع ولها أن تمتنع. فإذا امتنعت فإنَّ للأب أو الولي إرضاع الولد بالأجنبية حرةً كانت أو أمةً متبرعةً كانت أو بأجرةٍ ، والاجرة تدخل في النفقة.

قال ابن بطّالٍ: كانت العرب تكره رضاع الإماء ، وترغب في رضاع العربيّة لنجابة الولد، فأعلمهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قد رضع من غير العرب وأنجب ، وأنّ رضاع الإماء لا يهجّن. انتهى.

وهو معنى حسن إلَّا أنه لا يفيد الجواب عن السؤال الذي أوردتُه ، وكذا قول بن المنير: أشار البخاري إلى أنَّ حرمة الرضاع تنتشر سواء كانت المرضعة حرة أم أمة. والله أعلم

قوله: (فلا تعرضنَّ) بفتح أوّله وسكون العين وكسر الرّاء بعدها معجمة ساكنة ثمّ نون على الخطاب لجماعة النّساء. وبكسر المعجمة وتشديد النّون خطاب لأمّ حبيبة وحدها، والأوّل أوجه.

وقال ابن التّين: ضبط بضمّ الضّاد في بعض الأمّهات، ولا أعلم له وجهاً لأنّه إنْ كان الخطاب لجماعة النّساء - وهو الأبين - فهو بسكون الضّاد ، لأنّه فعل مستقبل مبنيّ على أصله، ولو أدخلت عليه التّأكيد فشدّدت النّون لكان تعرضنانّ لأنّه يجتمع ثلاث نونات فيفرّق

(1) أي: في صحيح البخاري حيث أورده في كتاب النفقات (باب المراضع من المواليات وغيرهن)

ص: 516

بينهنّ بألفٍ، وإن كان الخطاب لأمّ حبيبة خاصّة فتكون الضّاد مكسورة والنّون مشدّدة.

وقال القرطبيّ: جاء بلفظ الجمع - وإن كانت القصّة لاثنين وهما أمّ حبيبة وأمّ سلمة - ردعاً وزجراً أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك، وهذا كما لو رأى رجلٌ امرأة تكلم رجلاً ، فقال لها: أتكلمين الرّجال. فإنّه مستعمل شائع.

وكان لأمّ سلمة من الأخوات قريبة زوج زمعة بن الأسود، وقريبة الصّغرى زوج عمر ثمّ معاوية، وعزّة بنت أبي أُميَّة زوج منبّه بن الحجّاج، ولها من البنات زينب راوية الخبر، ودرّة التي قيل إنّها مخطوبة.

وكان لأمّ حبيبة من الأخوات هند زوج الحارث بن نوفل، وجويريّة زوج السّائب بن أبي حبيش، وأميمة زوج صفوان بن أُميَّة، وأمّ الحكم زوج عبد الله بن عثمان، وصخرة زوج سعيد بن الأخنس، وميمونة زوج عروة بن مسعود.

ولها من البنات حبيبة. وقد روت عنها الحديث ولها صحبة ، وكان لغيرهما من أمّهات المؤمنين من الأخوات أمّ كلثوم وأمّ حبيبة ابنتا زمعة أختا سودة، وأسماء أخت عائشة، وزينب بنت عمر أخت حفصة وغيرهنّ، والله أعلم.

قوله: (ولا أخواتكنّ) الجمع بين الأختين في التّزويج حرام بالإجماع، سواء كانتا شقيقتين أم من أب أم من أمّ، وسواء النّسب

ص: 517

والرّضاع.

واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين.

القول الأول: أجازه بعض السّلف ، وهو رواية عن أحمد

القول الثاني: الجمهور، وفقهاء الأمصار على المنع.

ونظيره الجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها، وحكاه الثّوريّ عن الشّيعة.

قوله: (قال عروة) هو بالإسناد المذكور، وقد علَّق البخاري طرفاً منه في آخر النّفقات فقال: قال شعيب عن الزّهريّ. قال عروة. فذكره. وأخرجه الإسماعيليّ من طريق الذّهليّ عن أبي اليمان بإسناده.

قوله: (وثويبة مولاة لأبي لهب) ذكرها ابن منده في " الصّحابة " وقال: اختلف في إسلامها. وقال أبو نعيم: لا نعلم أحداً ذكر إسلامها غيره، والذي في السّير ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكرمها، وكانت تدخل عليه بعدما تزوّج خديجة، وكان يرسل إليها الصّلة من المدينة، إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ، ومات ابنها مسروح.

قوله: (وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنّ عتقه لها كان قبل إرضاعها، والذي في السّير يخالفه، وهو أنّ أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهرٍ طويل.

وحكى السّهيليّ أيضاً أنّ عتقها كان قبل الإرضاع، وسأذكر كلامه.

قوله: (أُرِيَه) بضمّ الهمزة وكسر الرّاء وفتح التّحتانيّة على البناء

ص: 518

للمجهول.

قوله: (بعضُ أهله) بالرّفع على أنّه النّائب عن الفاعل.

وذكر السّهيليّ ، أنّ العبّاس قال: لَمَّا مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شرّ حال فقال: ما لقيتُ بعدكم راحة، إلَّا أنّ العذاب يخفّف عنّي كلّ يوم اثنين، قال: وذلك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشّرت أبا لهب بمولده فأعتقها.

قوله: (بشرّ حِيبة) بكسر المهملة وسكون التّحتانيّة بعدها موحّدة. أي سوء حال، وقال ابن فارس: أصلها الحوبة وهي المسكنة والحاجة، فالياء في حيبة منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها.

ووقع في " شرح السّنّة للبغويّ " بفتح الحاء.

ووقع عند المستملي بفتح الخاء المعجمة. أي: في حالة خائبة من كلّ خير. وقال ابن الجوزيّ: هو تصحيف.

وقال القرطبيّ: يروى بالمعجمة، ووجدته في نسخة معتمدة بكسر المهملة وهو المعروف، وحكى في " المشارق " عن رواية المستملي بالجيم ، ولا أظنّه إلَّا تصحيفاً، وهو تصحيف كما قال.

قوله: (ماذا لقيت؟) أي: بعد الموت.

قوله: (لَم ألق بعدكم، غير أنّي) كذا في الأصول بحذف المفعول، وفي رواية الإسماعيليّ " لَم ألق بعدكم رخاء " وعند عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهريّ " لَم ألق بعدكم راحة ".

قال ابن بطّال: سقط المفعول من رواية البخاريّ، ولا يستقيم

ص: 519

الكلام إلَّا به.

قوله: (غير أنّي سُقيت في هذه) كذا في الأصول بالحذف أيضاً، ووقع في رواية عبد الرّزّاق المذكورة " وأشار إلى النّقرة التي تحت إبهامه " وفي رواية الإسماعيليّ المذكورة " وأشار إلى النّقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.

وللبيهقيّ في " الدّلائل " مثله بلفظ " يعني النّقرة .. إلخ " وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء.

قوله: (بعتاقتي) بفتح العين، في رواية عبد الرّزّاق " بعتقي " وهو أوجه والوجه الأولى أن يقول بإعتاقي، لأنّ المراد التّخليص من الرّقّ.

وفي الحديث دلالة على أنّ الكافر قد ينفعه العمل الصّالح في الآخرة؛ لكنّه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً).

وأجيب:

أوّلاً: بأنّ الخبر مرسلٌ أرسله عروة ، ولَم يذكر من حدّثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجّة فيه، ولعل الذي رآها لَم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتجّ به.

ثانياً: على تقدير القبول. فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم مخصوصاً من ذلك، بدليل قصّة أبي طالب أنّه خفّف عنه فنقل من

ص: 520

الغمرات إلى الضّحضاح (1).

وقال البيهقيّ: ما ورد من بطلان الخير للكفّار فمعناه أنّهم لا يكون لهم التّخلص من النّار ولا دخول الجنّة، ويجوز أن يخفّف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات.

وأمّا عياض فقال: انعقد الإجماع على أنّ الكفّار لا تنفعهم أعمالهم ، ولا يثابون عليها بنعيمٍ ، ولا تخفيف عذاب؛ وإن كان بعضهم أشدّ عذاباً من بعض.

قلت: وهذا لا يردّ الاحتمال الذي ذكره البيهقيّ، فإنّ جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأمّا ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه؟.

وقال القرطبيّ: هذا التّخفيف خاصّ بهذا وبمن ورد النّصّ فيه.

وقال ابن المنيّر في الحاشية: هنا قضيّتان.

إحداهما: محال وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره، لأنّ شرط الطّاعة أن تقع بقصدٍ صحيح، وهذا مفقود من الكافر.

(1) أخرجه البخاري (3690) ومسلم (209) عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.

قال الشارح: ضحضاح بمعجمتين ومهملتين هو استعارة فإن الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب ، ويقال أيضاً لِمَا قرب من الماء. وهو ضد الغمرة. والمعنى أنه خفف عنه العذاب.

ص: 521

الثّانية: إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضّلاً من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرّر ذلك لَم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضّل الله عليه بما شاء كما تفضّل على أبي طالب، والمتّبع في ذلك التّوقيف نفياً وإثباتاً.

قلت: وتتمّة هذا أن يقع التّفضّل المذكور إكراماً لمن وقع من الكافر البرّ له ونحو ذلك، والله أعلم

وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لِمَا فيه من النّفع العائد على المعروضة عليه، وأنّه لا استحياء في ذلك.

وفيه أنّه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوّجاً.

ص: 522