الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
263 -
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل وما تزهي؟ قال: حتى تحمرّ، قال: أرأيتَ إذا منع الله الثمرة، بِمَ يستحلُّ أحدُكم مالَ أَخيه. (1)
قوله: (نهى عن بيع الثمار) وللبخاري من رواية ابن المبارك عن حميد الطّويل عن أنسٍ " نهى أن تباع ثمرة النّخل حتّى تزهو " كذا وقع التّقييد بالنّخل في هذه الطّريق، وأطلق في غيرها.
ولا فرق في الحكم بين النّخل وغيره ، وإنّما ذكر النّخل لكونه كان الغالب عندهم.
قوله: (حتى تزهي) في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد في الصحيحين " نهى عن بيع ثمر النّخل حتّى تزهو " يقال: زها النّخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وقوله " حتّى تزهي " وهو من أزهى يزهي إذا احمرّ أو اصفرّ.
قال الخطّابيّ: هذه الرّواية هي الصّواب. فلا يقال في النّخل تزهو. إنّما يقال تزهي لا غير. وأثبت غيره ما نفاه فقال: زها إذا طال واكتمل، وأزهى إذا احمرّ واصفرّ.
(1) أخرجه البخاري (1417 ، 2083 ، 2085 ، 2086 ، 2094) ومسلم (4061) من طرق عن حميد عن أنس رضي الله عنه. وهذا لفظ مالك.
قوله: (قيل: وما تزهي؟) لَم يسمّ السّائل في هذه الرّواية (1) ولا المسئول أيضاً، وقد رواه النّسائيّ من طريق عبد الرّحمن بن القاسم عن مالكٍ بلفظ " قيل: يا رسولَ الله: وما تزهي؟ قال: تحمرّ ". وهكذا أخرجه الطّحاويّ من طريق يحيى بن أيّوب وأبو عوانة من طريق سليمان بن بلالٍ كلاهما عن حميدٍ. وظاهره الرّفع ، ورواه إسماعيل بن جعفرٍ عن حميدٍ عند البخاري موقوفاً على أنسٍ. وفيه " قلنا لأنسٍ: ما زهوها؟ قال: تحمرّ وتصفر ، أرأيت إن منع .. "
وفي رواية مسلمٍ من هذا الوجه " فقلت لأنسٍ " وكذلك رواه أحمد عن يحيى القطّان عن حميدٍ ، لكن قال: قيل لأنسٍ: ما تزهو؟.
قوله: (قال: حتى تحمرّ) في رواية هشيم بن بشير عن حميد عند البخاري " قيل: وما يزهو؟ قال: يحمارّ أو يصفارّ "(2)
قوله: (أرأيت إذا منع الله الثمرة ..) هكذا صرّح مالكٌ برفع هذه الجملة، وتابعه محمّد بن عبّادٍ عن الدّراورديّ عن حميدٍ مقتصراً على هذه الجملة الأخيرة، وجزم الدّارقطنيّ وغير واحدٍ من الحفّاظ بأنّه أخطأ فيه، وبذلك جزم ابن أبي حاتمٍ في " العلل " عن أبيه وأبي زرعة.
والخطأ في رواية عبد العزيز من محمّد بن عبّاد، فقد رواه إبراهيم
(1) أخرجه البخاري (1417) عن قتيبة ، و (2198) عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم (4061) من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به. واختصره قتيبة.
(2)
سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في حديث جابر رضي الله عنه بعد حديثين رقم (266).
بن حمزة عن الدّراورديّ كرواية إسماعيل بن جعفرٍ الآتي ذكرها. ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضّل عن حميدٍ فقال فيه " قال: أفرأيت إلخ " قال: فلا أدري أنسٌ قال: بِمَ يستحل ، أو حدّث به عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم " أخرجه الخطيب في " المدرج " ورواه إسماعيل بن جعفرٍ عن حميدٍ فعطفه على كلام أنسٍ في تفسير قوله " تزهي " وظاهره الوقف.
وأخرجه الجوزقيّ من طريق يزيد بن هارون ، والخطيب من طريق أبي خالدٍ الأحمر كلاهما عن حميدٍ بلفظ " قال أنسٌ: أرأيت إن منع الله الثّمرة " الحديث.
ورواه ابن المبارك وهشيمٌ عند البخاري عن حميدٍ ، فلم يذكر هذا القدر المختلف فيه، وتابعهما جماعةٌ من أصحاب حميدٍ عنه على ذلك.
قلت: وليس في جميع ما تقدّم ما يمنع أن يكون التّفسير مرفوعاً، لأنّ مع الذي رفعه زيادةٌ على ما عند الذي وقفه، وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه.
وقد روى مسلمٌ من طريق أبي الزّبير عن جابرٍ ما يقوّي رواية الرّفع في حديث أنسٍ ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بعتَ من أخيك ثَمَراً فأصابته عاهةٌ فلا يحلُّ لك أن تأخذ منه شيئاً، بِمَ تأخذ مال أخيك بغير حقٍّ؟.
واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثّمر يشترى بعد بدوّ صلاحه ، ثمّ تصيبه جائحةٌ. فقال مالكٌ: يضع عنه الثّلث.
وقال أحمد وأبو عبيدٍ: يضع الجميع.
وقال الشّافعيّ والليث والكوفيّون: لا يرجع على البائع بشيءٍ ، وقالوا: إنّما ورد وضع الجائحة فيما إذا بيعت الثّمرة قبل بدوّ صلاحها بغير شرط القطع ، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابرٍ. على ما قيّد به في حديث أنسٍ. والله أعلم
واستدل الطّحاويّ بحديث أبي سعيدٍ: أصيب رجلٌ في ثمارٍ ابتاعها فكثر دينه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: تصدّقوا عليه. فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال: خذوا ما وجدتم. وليس لكم إلَّا ذلك. أخرجه مسلمٌ وأصحاب السّنن.
قال: فلمّا لَم يبطل دين الغرماء بذهاب الثّمار ، وفيهم باعتها ولَم يؤخذ الثّمن منهم ، دلَّ على أنّ الأمر بوضع الجوائح ليس على عمومه. والله أعلم.
قوله: (بِمَ يستحل أحدكم مال أخيه؟) أي: لو تلف الثّمر لانتفى في مقابلته العوض فكيف يأكله بغير عوضٍ؟.
وفيه إجراء الحكم على الغالب، لأنّ تطرّق التّلف إلى ما بدا صلاحه ممكنٌ، وعدم التّطرّق إلى ما لَم يبد صلاحه ممكنٌ، فأنيط الحكم بالغالب في الحالتين.