الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والثلاثون
291 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر، على شطر ما يخرج منها، من ثمرٍ أو زرعٍ. (1)
قوله: (عامل أهل خيبر) وللبخاري " أعطى خيبرَ اليهودَ، على أن يعملوها ويزرعوها ".
في الحديث.
وهو القول الأول: مشاركة الذمي في المزارعة ، وأُلحق المشرك به ، لأنّه إذا استأمن صار في معنى الذّمّيّ.
القول الثاني: خالف في الجواز الثّوريّ والليث وأحمد وإسحاق، وبه قال مالك ، إلَّا أنّه أجازه إذا كان يتصرّف بحضرة المسلم.
وحجّتهم: خشية أن يدخل في مال المسلم ما لا يحل كالرّبا وثمن الخمر والخنزير.
واحتجّ الجمهور: بمعاملة النّبيّ صلى الله عليه وسلم يهود خيبر، وإذا جاز في المزارعة جاز في غيرها، وبمشروعيّة أخذ الجزية منهم مع أنّ في أموالهم ما فيها.
قوله: (على شطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرعٍ) هذا الحديث هو
(1) أخرجه البخاري (2165 ، 2203، 2204، 2206، 2366، 2571، 4002) ومسلم (1551) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النّبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك ، واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر كما في البخاري.
وروى عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري قال: أخبرنا قيس بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر: ما بالمدينة أهل بيتِ هجرةٍ إلَّا يزرعون على الثلث والربع.
وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق أخرى إلى أبي جعفر الباقر ، أنه سئل عن المزارعة بالثلث والربع. فقال: إني إن نظرتُ في آل أبي بكر وآل عمر وآل علي وجدتهم يفعلون ذلك.
وروى ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن صليع عن عليٍّ ، أنه لم ير بأساً بالمزارعة على النصف.
وروى ابن أبي شيبة أيضاً من طريق موسى بن طلحة قال: كان سعد بن مالك وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع.
ورواه سعيد بن منصور من هذا الوجه بلفظ ، أنَّ عثمان بن عفان أقطع خمسةً من الصحابة الزبير وسعداً وابن مسعود وخباباً وأسامة بن زيد، قال: فرأيت جاريَّ ابن مسعود وسعداً يعطيان أرضيهما بالثلث.
وروى ابن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء ، أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة. أن يزارع بالثلث والربع.
وروّينا في " الخراج ليحيى بن آدم " بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز ، أنه كتب إلى عامله: انظر ما قبلكم من أرض فأعطوها بالمزارعة على
النصف وإلَّا فعلى الثلث حتى تبلغ العشر. فإن لم يزرعها أحدٌ فامنحها، وإلَّا فأنفق عليها من مال المسلمين، ولا تبيرن قبلك أرضاً.
وروى عبد الرزاق عن القاسم بن محمد ، والنسائي عن ابن سيرين ، وابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير. جواز المزارعة.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد ، أنّ عمر أجلى أهل نجران واليهود والنّصارى. واشترى بياض أرضهم وكرومهم، فعامل عمر النّاس ، إن هم جاءوا بالبقر والحديد من عندهم فلهم الثّلثان ولعمر الثّلث، وإن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشّطر، وعاملهم في النّخل على أنّ لهم الخمس وله الباقي، وعاملهم في الكرم على أنّ لهم الثّلث وله الثّلثان. وهذا مرسل.
وأخرجه البيهقيّ من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز قال: لَمَّا استخلف عمر أجلى أهل نجران وأهل فدك وتيماء وأهل خيبر، واشترى عقارهم وأموالهم، واستعمل يعلى بن منية فأعطى البياض - يعني بياض الأرض - على إن كان البذر .. نحوه.
وقد استشكل هذا الصّنيع: بأنّه يقتضي جواز بيعتين في بيعة، لأنّ ظاهره وقوع العقد على إحدى الصّورتين من غير تعيين.
ويحتمل: أن يراد بذلك التّنويع والتّخيير قبل العقد ثمّ يقع العقد على أحد الأمرين، أو أنّه كان يرى ذلك جعالة فلا يضرّه.
نعم. في إيراد البخاري (1) هذا الأثر وغيره في " باب المزارعة بالشطر ونحوه " ما يقتضي أنّه يرى أنّ المزارعة والمخابرة بمعنىً واحد، وهو وجه للشّافعيّة.
والوجه الآخر. أنّهما مختلفا المعنى: فالمزارعة العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من المالك، والمخابرة مثلها ، لكن البذر من العامل.
وقد أجازهما أحمد في رواية، ومن الشّافعيّة ابن خزيمة وابن المنذر والخطّابيّ.
وقال ابن سريج بجواز المزارعة ، وسكت عن المخابرة.
وعكسه الجوريّ من الشّافعيّة، وهو المشهور عن أحمد.
وقال الباقون: لا يجوز واحدٌ منهما، وحملوا الآثار الواردة في ذلك على المساقاة.
واستدُلّ بالحديث على جواز المساقاة في النّخل والكرم وجميع الشّجر الذي من شأنه أن يثمر بجزءٍ معلوم يجعل للعامل من الثّمرة، وبه قال الجمهور.
(1) أورد البخاري جميع الآثار التي تقدّمت معلّقةً في الباب المذكور. ثم أورد حديث ابن عمر حديث الباب.
قال ابن حجر في " الفتح "(5/ 11): أراد بسياق هذه الآثار الإشارة إلى أنَّ الصحابة لم يُنقل عنهم خلافٌ في الجواز خصوصاً أهل المدينة، فيلزم مَن يقدم عملهم على الأخبار المرفوعة أن يقولوا بالجواز على قاعدتهم. انتهى
وخصّه الشّافعيّ في الجديد بالنّخل والكرم، وألحق المقل بالنّخل لشبهه به. وخصّه داود بالنّخل.
وقال أبو حنيفة وزفر: لا يجوز بحالٍ لأنّها إجارة بثمرةٍ معدومة أو مجهولة.
وأجاب من جوّزه: بأنّه عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة؛ لأنّ المضارب يعمل في المال بجزءٍ من نمائه وهو معدوم ومجهول، وقد صحّ عقد الإجارة مع أنّ المنافع معدومة فكذلك هنا. وأيضاً فالقياس في إبطال نصّ أو إجماع مردود.
وأجاب بعضهم عن قصّة خيبر: بأنّها فتحت صلحاً، وأقرّوا على أنّ الأرض ملكهم بشرط أن يعطوا نصف الثّمرة، فكان ذلك يؤخذ بحقّ الجزية فلا يدلّ على جواز المساقاة.
وتعقّب: بأنّ معظم خيبر فتح عنوة (1) وبأنّ كثيراً منها قسم بين الغانمين، وبأنّ عمر أجلاهم منها. فلو كانت الأرض ملكهم ما أجلاهم عنها.
واستدل من أجازه في جميع الثّمر: بأنّ في بعض طرق حديث الباب " بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر " وفي رواية حمّاد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر في حديث الباب " على أنّ لهم الشّطر من كلّ زرع ونخل وشجر " وهو عند البيهقيّ من هذا الوجه.
(1) تقدّم الكلام عليه في حديث ابن عمر رضي الله عنه في وقف أبيه عمر رضي الله عنه. رقم (278)
واستدل بقوله " على شطر ما يخرج منها " ، لجواز المساقاة بجزءٍ معلوم لا مجهول.
واستدل به على جواز إخراج البذر من العامل أو المالك لعدم تقييده في الحديث بشيءٍ من ذلك.
واحتجّ من منع: بأنّ العامل حينئذٍ كأنّه باع البذر من صاحب الأرض بمجهولٍ من الطّعام نسيئة. وهو لا يجوز.
وأجاب من أجازه: بأنّه مستثنىً من النّهي عن بيع الطّعام بالطّعام نسيئة جمعاً بين الحديثين. وهو أولى من إلغاء أحدهما.
وأشار البخاري: إلى أنّه لَم يقع في شيء من طرق هذا الحديث مقيّداً بسنين معلومة. وقد ترجم له " إذا قال ربّ الأرض: أُقرّك ما أَقرّك الله ، ولَم يذكر أجلاً معلوماً فهما على تراضيهما " وساق الحديث. وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: نقرّكم ما شئنا. (1) هو ظاهر فيما ترجم له.
وفيه دليل.
وهو القول الأول: على جواز دفع النّخل مساقاة والأرض مزارعة من غير ذكر سنين معلومة ، فيكون للمالك أن يخرج العامل متى شاء،
(1) أخرجه البخاري (2213) ومسلم (1551) من حديث ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، وأراد إخراج اليهود منها، فسألتِ اليهودُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليقرّهم بها، أن يكفوا عملها، ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُقرّكم بها على ذلك ما شئنا، فقرُّوا بها. حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء.
وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة.
القول الثاني: قال أبو ثور: إذا أطلقا حمل على سنة واحدة.
القول الثالث: عن مالك: إذا قال: ساقيتك كلّ سنة بكذا جاز ، ولو لَم يذكر أمداً ، وحمل قصّة خيبر على ذلك.
واتّفقوا على أنّ الكري لا يجوز إلَّا بأجلٍ معلوم ، وهو من العقود اللازمة.