الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والأربعون
302 -
عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسولَ الله، أتنزل غداً في دارك بمكة؟ قال: وهل ترك لنا عقيلٌ من رباعٍ، أو دورٍ، ثم قال: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. (1)
قوله: (أتنزل غداً في دارك بمكة؟) وللشيخين من طريق محمّد بن أبي حفصة عن الزّهريّ " أين تنزل غداً؟ " فكأنّه استفهمه أوّلاً عن مكان نزوله ، ثمّ ظنّ أنّه ينزل في داره فاستفهمه عن ذلك.
وظاهر هذه القصّة أنّ ذلك كان حين أراد دخول مكّة.
ويزيده وضوحاً رواية زمعة بن صالح (2) عن الزّهريّ بلفظ: لَمَّا كان يوم الفتح قبل أن يدخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة. قيل: أين تنزل. أفي بيوتكم؟ الحديث.
وروى عليّ بن المدينيّ عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمّد بن عليّ بن حسين. قال: قيل للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حين قدم مكّة: أين
(1) أخرجه البخاري (1511 ، 2893 ، 4032) ومسلم (1351) من طرق عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة رضي الله عنه.
(2)
رواية زمعة لَم أر الشارح عزاها، وقد أخرجها الدارقطني في " السنن "(3028) من طريق مهران بن أبي عمر عن زمعة به.
وأخرج مسلم في " صحيحه "(1351) طريق زمعةَ مقروناً بمحمد بن أبي حفصة كلاهما عن الزهري به بلفظ " أين تنزل غداً إن شاء الله؟ وذلك زمن الفتح، قال: وهل ترك. الحديث.
تنزل؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من طلّ.
قوله: (وهل ترك لنا عقيل؟) في رواية يونس عن الزهري عند البخاري " هل ترك عقيل؟ "
قوله: (من رباع أو دور) الرّباع جمع ربع - بفتح الرّاء وسكون الموحّدة - وهو المنزل المشتمل على أبيات.
وقيل: هو الدّار. فعلى هذا فقوله " أو دور " إمّا للتّأكيد أو من شكّ الرّاوي. وفي رواية محمّد بن أبي حفصة " من منزل "
وأخرج هذا الحديث الفاكهيّ من طريق محمّد بن أبي حفصة. وقال في آخره: ويقال إنّ الدّار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثمّ صارت لعبد المطّلب ابنه فقسمها بين ولده حين عُمّر، فمِن ثَمّ صار للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حقّ أبيه عبد الله وفيها ولد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية يونس " وكان عقيلٌ ورث أبا طالبٍ هو وطالبٌ، ولَم يرثه جعفرٌ ولا عليٌّ رضي الله عنهما شيئاً ، لأنّهما كانا مسلمين، وكان عقيلٌ وطالبٌ كافرين.
محصّل هذا. أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هاجر استولى عقيل وطالب على الدّار كلّها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لَم يسلما، وباعتبار ترك النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحقّه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدرٍ فباع عقيل الدّار كلّها.
وحكى الفاكهيّ: أنّ الدّار لَم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمّد بن يوسف أخي الحجّاج بمائة ألف دينار ، وزاد في روايته من طريق محمّد بن أبي حفصة " فكان عليّ بن الحسين يقول من أجل ذلك:
تركنا نصيبنا من الشّعب " أي حصّة جدّهم عليّ من أبيه أبي طالب.
وقال الدّاوديّ وغيره: كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره، وأمضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تصرّفات الجاهليّة تأليفاً لقلوب من أسلم منهم.
وقال الخطّابيّ: وعندي أنّ تلك الدّار إن كانت قائمة على ملك عقيل فإنّما لَم ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنّها دور هجروها في الله تعالى. فلم يرجعوا فيما تركوه.
وتعقّب: بأنّ سياق الحديث يقتضي أنّ عقيلاً باعها، ومفهومه أنّه لو تركها لنزلها.
والأظهر أنّ الذي يختصّ بالتّرك إنّما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها. لا مجرّد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدّة المأذون له فيها وهي أيّام.
ويمكن أن يقال: لَمَّا أقرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقيلاً على تصرّفه فيما كان لأخويه عليّ وجعفر وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم من الدّور والرّباع بالبيع وغيره ، ولَم يغيّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك ، ولا انتزعها ممّن هي في يده لَمَّا ظفر ،كان في ذلك دلالة على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى.
وقال القرطبيّ: يحتمل أن يكون مراد البخاريّ ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم منّ على أهل مكّة بأموالهم ودورهم من قبل أن يسلموا، فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى.
تكميل: قال البخاري " باب إذا أسلم قوم في دار الحرب. ولهم مال وأرضون فهي لهم " انتهى
أشار بذلك إلى الرّدّ على مَن قال من الحنفيّة: إنّ الحربيّ إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتّى غلب المسلمون عليها فهو أحقّ بجميع ماله إلَّا أرضه وعقاره فإنّها تكون فيئاً للمسلمين.
وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور.
ويوافق التّرجمة حديثٌ أخرجه أحمد عن صخر بن العيلة البجليّ ، قال: فرّ قوم من بني سُليم عن أرضهم فأخذتها، فأسلموا ، وخاصموني إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فردّها عليهم قال: إذا أسلم الرّجل فهو أحقّ بأرضه وماله.
مسألة: أخرج ابن ماجه من حديث علقمة بن نضلة قال: توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تُدعى رباع مكّة إلَّا السّوائب، من احتاج سكن. وفي إسناده انقطاع وإرسال.
وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء، قال عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، فأخبرني أنّ عمر نهى أن تبوّب دور مكّة ، لأنّها ينزل الحاجّ في عرصاتها، فكان أوّل من بوّب داره سهيل بن عمرو ، واعتذر عن ذلك لعمر.
وروى الطّحاويّ من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد ، أنّه قال: مكّة مباح، لا يحلّ بيع رباعها ولا إجارة بيوتها.
وروى عبد الرّزّاق من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن
عمر: لا يحلّ بيع بيوت مكّة ولا إجارتها. وبه قال الثّوريّ وأبو حنيفة، وخالفه صاحبه أبو يوسف، واختلف عن محمّد.
وبالجواز قال الجمهور. واختاره الطّحاويّ.
ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحّته ، بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك.
واحتجّ الشّافعيّ بحديث أسامة في هذا الباب.
قال الشّافعيّ: فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه ، وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ". فأضاف الدّار إليه.
واحتجّ ابن خزيمة بقوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) فنسب الله الدّيار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الدّيار ليست بملكٍ لهم لَمَّا كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملكٍ لهم، قال: ولو كانت الدّور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر وعليّ أولى بها إذ كانا مسلمين دونه.
وروى عبد الرزاق والبيهقي ، أنَّ عمر أنّه اشترى داراً للسّجن بمكّة.
ولا يعارض ما جاء عن نافع عن ابن عمر عن عمر ، أنّه كان ينهى أن تُغلق دور مكّة في زمن الحاجّ. أخرجه عبد بن حميدٍ.
وقال عبد الرّزّاق عن معمر عن منصور عن مجاهد إنّ عمر قال: يا أهل مكّة لا تتّخذوا لدوركم أبواباً، لينزل البادي حيث شاء، وقد جاء من وجه آخر عن عمر.
فيجمع بينهما: بكراهة الكراء رفقاً بالوفود، ولا يلزم من ذلك منع البيع والشّراء، وإلى هذا جنح الإمام أحمد وآخرون. واختلف عن مالك في ذلك.
قال القاضي إسماعيل: ظاهر القرآن يدلّ على أنّ المراد به المسجد الذي يكون فيه النّسك والصّلاة لا سائر دور مكّة.
وقال الأبهريّ: لَم يختلف قول مالك وأصحابه في أنّ مكّة فتحت عنوة، واختلفوا هل منّ بها على أهلها لعظم حرمتها أو أقرّت للمسلمين؟ ومن ثَمَّ جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء.
والرّاجح عند مَن قال: إنّها فتحت عنوة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم منّ بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك. ذكره السّهيليّ وغيره.
وليس الاختلاف في ذلك ناشئاً عن هذه المسألة.
فقد اختلف أهل التّأويل في المراد بقوله هنا " المسجد الحرام ". هل هو الحرم كلّه أو مكان الصّلاة فقط؟.
واختلفوا أيضاً هل المراد بقوله " سواء " في الأمن والاحترام ، أو فيما هو أعمّ من ذلك؟.
وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضاً.
قال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) جميع الحرم ، وأنّ اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم. لَمَا جاز حفر بئر ، ولا قبر ، ولا التّغوّط ، ولا البول ، ولا إلقاء الجيف والنّتن.
قال: ولا نعلم عالماً منع من ذلك ، ولا كره لحائضٍ ولا لجنبٍ دخول الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكّة وحوانيتها ، ولا يقول بذلك أحد. والله أعلم.
قلت: والقول بأنّ المراد بالمسجد الحرام الحرم كلّه ورد عن ابن عبّاس وعطاء ومجاهد، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم، والأسانيد بذلك كلّها إليهم ضعيفة.
قوله: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) في رواية محمد بن أبي حفصة عند البخاري بلفظ " المؤمن " في الموضعين.
وأخرجه النّسائيّ من رواية هشيم عن الزّهريّ بلفظ " لا يتوارث أهل ملتين " وجاءت رواية شاذّة عن ابن عيينة عن الزّهريّ مثلها.
وله شاهد عند التّرمذيّ من حديث جابر ، وآخر من حديث عائشة عند أبي يعلى ، وثالث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه في السّنن الأربعة. وسند أبي داود فيه إلى عمرو صحيحٌ
قال ابن المنذر: ذهب الجمهور إلى الأخذ بما دلَّ عليه عموم حديث أسامة يعني المذكور في هذا الباب إلَّا ما جاء عن معاذ ، قال: يرث المسلم من الكافر من غير عكس.
واحتجّ: بأنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإسلام يزيد ولا ينقص. وهو حديث أخرجه أبو داود وصحَّحه الحاكم من طريق يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدّؤليّ عنه.
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وتعقّب: بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ ، ولكنّ سماعه منه ممكنٌ، وقد زعم الجوزقانيّ: أنّه باطل. وهي مجازفة.
وقال القرطبيّ في " المفهم ": هو كلام محكيٌّ ولا يروى.
كذا قال، وقد رواه من قدّمت ذكره ، فكأنّه ما وقف على ذلك.
وأخرج أحمد بن منيع بسندٍ قويٍّ عن معاذ ، أنّه كان يورّث المسلم من الكافر بغير عكس.
وأخرج مسدّد عنه ، أنّ أخوين اختصما إليه: مسلم ويهوديّ مات أبوهما يهوديّاً فحاز ابنه اليهوديّ ماله ، فنازعه المسلم. فورّث معاذٌ المسلمَ.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن معقل ، قال: ما رأيت قضاء أحسن من قضاءٍ قضى به معاوية: نرث أهل الكتاب ولا يرثونا، كما يحلّ النّكاح فيهم ولا يحلّ لهم " وبه قال مسروق وسعيد بن المسيّب وإبراهيم النّخعيّ وإسحاق.
وحجّة الجمهور: أنّه قياس في معارضة النّصّ ، وهو صريح في المراد ، ولا قياس مع وجوده.
وأمّا الحديث فليس نصّاً في المراد ، بل هو محمول على أنّه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث.
وقد عارضه قياسٌ آخر ، وهو أنّ التّوارث يتعلق بالولاية ولا ولاية بين المسلم والكافر لقوله تعالى (لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض) وبأنّ الذّمّيّ يتزوّج الحربيّة ولا يرثها،
وأيضاً فإنّ الدّليل ينقلب فيما لو قال الذّمّيّ: أرِثُ المسلمَ لأنّه يتزوّج إلينا.
وفيه قول ثالث: وهو الاعتبار بقسمة الميراث.
جاء ذلك عن عمر وعثمان وعن عكرمة والحسن وجابر بن زيد. وهو رواية عن أحمد.
قلت: ثبت عن عمر خلافه كما روى البخاري ، فإنّ فيه بعد ذِكْر حديث الباب مطوّلاً في ذكر عقيل بن أبي طالب ، فكان عمر يقول: فذكر المتن المذكور هنا سواء.
وتمسّك بها (1) مَن قال: لا يرث أهل ملة كافرة من أهل ملة أخرى كافرة، وحملها الجمهور على أنّ المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر ، فيكون مساوياً للرّواية التي بلفظ حديث الباب، وهو أولى من حملها على ظاهر عمومها حتّى يمتنع على اليهوديّ مثلاً أن يرث من النّصرانيّ.
والأصحّ عند الشّافعيّة ، أنّ الكافر يرث الكافر. وهو قول الحنفيّة والأكثر.
ومقابله عن مالكٍ وأحمد، وعنه ، التّفرقة بين الذّمّيّ والحربيّ. وكذا عند الشّافعيّة.
(1) أي: برواية ابن عيينة ، وحديث عمرو بن شعيب المتقدّمة في الشرح " لايتوارث أهل ملتين شتى ".
وعن أبي حنيفة: لا يتوارث حربيّ من ذمّيّ فإن كانا حربيّين شرط أن يكونا من دار واحدة.
وعند الشّافعيّة لا فرق، وعندهم وجه كالحنفيّة.
وعن الثّوريّ وربيعة وطائفة: الكفر ثلاث ملل يهوديّة ونصرانيّة وغيرهم فلا ترث ملة من هذه من ملة من الملتين.
وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة: كلّ فريق من الكفّار ملة. فلم يورّثوا مجوسيّاً من وثنيٍّ ولا يهوديّاً من نصرانيّ.
وهو قول الأوزاعيّ، وبالغ فقال: ولا يرث أهل نحلةٍ من دينٍ واحدٍ أهل نحلةٍ أخرى منه كاليعقوبيّة والملكيّة من النّصارى.
واختلف في المرتدّ.
القول الأول: قال الشّافعيّ وأحمد: يصير ماله إذا مات فيئاً للمسلمين.
القول الثاني: قال مالك: يكون فيئاً إلَّا إن قصد بردّته أن يحرم ورثته المسلمين فيكون لهم، وكذا قال في الزّنديق.
القول الثالث: عن أبي يوسف ومحمّد لورثته المسلمين.
القول الرابع: عن أبي حنيفة ما كَسَبَه قبل الرّدّة لورثته المسلمين ، وبعد الرّدّة لبيت المال.
القول الخامس: عن بعض التّابعين كعلقمة يستحقّه أهل الدّين الذي انتقل إليه.
القول السادس: عن داود يختصّ بورثته من أهل الدّين الذي انتقل
إليه ، ولَم يفصّل.
فالحاصل من ذلك ستّة مذاهب حرّرها الماورديّ.
واحتجّ القرطبيّ في " المفهم " لمذهبه بقوله تعالى (لكلٍّ جعلنا شرعة ومنهاجاً) فهي ملل متعدّدة وشرائع مختلفة.
قال: وأمّا ما احتجّوا به في قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملتهم) فوحّد الملة ، فلا حجّة فيه ، لأنّ الوحدة في اللفظ وفي المعنى الكثرة ، لأنّه أضافه إلى مفيد الكثرة كقول القائل: أخذ عن علماء الدّين علمهم ، يريد: علم كلٍّ منهم.
قال: واحتجّوا بقوله (قل يا أيّها الكافرون) إلى آخرها.
والجواب: أنّ الخطاب بذلك وقع لكفّار قريش وهم أهل وثنٍ.
وأمّا ما أجابوا به عن حديث " لا يتوارث أهل ملتين ": بأنّ المراد ملة الكفر وملة الإسلام.
فالجواب عنه: بأنّه إذا صحّ في حديث أسامة فمردود في حديث غيره.
واستدل بقوله " لا يرث الكافر المسلم " على جواز تخصيص عموم الكتاب بالآحاد ، لأنّ قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) عامّ في الأولاد ، فخصّ منه الولد الكافر فلا يرث من المسلم بالحديث المذكور.
وأجيب: بأنّ المنع حصل بالإجماع، وخبر الواحد إذا حصل الإجماع على وفقه كان التّخصيص بالإجماع لا بالخبر فقط.
قلت: لكن يحتاج من احتجّ في الشّقّ الثّاني به إلى جواب.
وقد قال بعض الحذّاق: طريق العامّ هنا قطعيّ ودلالته على كلّ فردٍ ظنّيّةٌ ، وطريق الخاصّ هنا ظنّيّةٌ ، ودلالته عليه قطعيّةٌ فيتعادلان، ثمّ يترجّح الخاصّ بأنّ العمل به يستلزم الجمع بين الدّليلين المذكورين بخلاف عكسه.