المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الخامس والأربعون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٥

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يُنهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌باب السّلم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الحوالة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب الفلس

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌باب الشفعة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الوقف

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌باب الهبة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌باب الحرث والمزارعة

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌باب العُمرى

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌باب المظالم

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌باب اللقطة

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌كتاب الوصايا

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصّداق

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

الفصل: ‌الحديث الخامس والأربعون

‌الحديث الخامس والأربعون

301 -

عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ. (1)

وفي رواية: اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض، فلأولى رجلٍ ذكرٍ. (2)

قوله: (ألحقوا الفرائض بأهلها) المراد بالفرائض هنا الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى ، وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما ، والمراد بأهلها من يستحقها بنص القرآن.

ووقع في رواية روح بن القاسم (3) عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس " اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله " أي: على وفق ما أنزل في كتابه.

قوله: (فما بقي) في رواية روح بن القاسم " فما تركت " أي أبقت.

(1) أخرجه البخاري (6351 ، 6354 ، 6356 ، 6365) ومسلم (1615) من طرق عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم (1615) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس به.

(3)

كذا قال الشارح رحمه الله ، والصواب أن هذه الرواية من رواية معمر عن عبد الله بن طاوس كما في صحيح مسلم (4228) ، أما رواية رَوح. فقد أخرجها الشيخان بلفظ " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما تركت الفرائض فلأولى رجلٍ ذكرٍ.

ص: 413

قوله: (فهو لأولى) في رواية لهما " فلأولى " بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولْي بسكون اللام وهو القرب، أي: لمن يكون أقرب في النسب إلى المورث.

وليس المراد هنا الأحق.

وقد حكى عياض: أنَّ في رواية ابن الحذاء عن ابن ماهان في مسلم " فهو لأدنى " بدال ونون ، وهي بمعنى الأقرب.

قال الخطابي: المعنى أقرب رجل من العصبة.

وقال ابن بطال: المراد بأولى رجل أنَّ الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد. فإن استووا اشتركوا.

قال: ولَم يقصد في هذا الحديث من يدلي بالآباء والأمهات مثلا لأنه ليس فيهم من هو أولى من غيره إذا استووا في المنزلة، كذا قال ابن المنير.

وقال ابن التين: إنما المراد به العمة مع العم وبنت الأخ مع ابن الأخ وبنت العم مع ابن العم ، وخرج من ذلك الأخ والأخت لأبوين أو لأب ، فإنهم يرثون بنص قوله تعالى:{وإن كانوا إخوةً رجالاً ونساءً فللذّكر مثل حظّ الأنثيين} ، ويستثنى من ذلك من يحجب كالأخ للأب مع البنت والأخت الشقيقة ، وكذا يخرج الأخ والأخت لأم لقوله تعالى:{فلكل واحدٍ منهما السّدس} . وقد نقل الإجماع على أنَّ المراد بها الأخوة من الأم.

ص: 414

قوله: (رجلٍ ذكرٍ) هكذا في جميع الروايات، ووقع في كتب الفقهاء كصاحب النهاية وتلميذه الغزالي " فلأولى عصبة ذكر ".

قال ابن الجوزي والمنذري: هذه اللفظة ليست محفوظة.

وقال ابن الصلاح: فيها بُعدٌ عن الصحة من حيث اللغة ، فضلا عن الرواية ، فإن العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد.

كذا قال. والذي يظهر أنه اسم جنس، ويدل عليه ما وقع في بعض طرق حديث أبي هريرة في صحيح البخاري " فليرثه عصبته من كانوا "(1).

قال ابن دقيق العيد: قد استشكل بأن الأخوات عصبات البنات. والحديث يقتضي اشتراط الذكورة في العصبة المستحق للباقي بعد الفروض.

والجواب: أنه من طريق المفهوم، وقد اختلف هل له عموم؟ وعلى التنزل فيخص بالخبر الدال على أنَّ الأخوات عصبات البنات.

وقد استشكل التعبير بذكر بعد التعبير برجل.

فقال الخطابي: إنما كرر للبيان في نعته بالذكورة ، ليعلم أنَّ العصبة إذا كان عما أو ابن عم مثلا ، وكان معه أخت له ، أنَّ الأخت لا ترث ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.

(1) وتمامه: ما من مؤمن إلَّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة. اقرؤوا إن شئتم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} . فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته مَن كانوا ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه.

ص: 415

وتعقب: بأن هذا ظاهر من التعبير بقوله: " رجل " والإشكال باق إلَّا أنَّ كلامه ينحل إلى أنه للتأكيد، وبه جزم غيره كابن التين قال: ومثله ابن لبون ذكر.

وزيفه القرطبي فقال: قيل: إنه للتأكيد اللفظي، ورُدَّ بأن العرب إنما تؤكد حيث يفيد فائدة إما تعين المعنى في النفس. وإما رفع توهم المجاز ، وليس ذلك موجوداً هنا.

وقال غيره: هذا التوكيد لمتعلق الحكم وهو الذكورة، لأنَّ الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمر، فقد حكى سيبويه مررت برجلٍ رجلٌ أبوه. فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة التوكيد بذكر حتى لا يظن أنَّ المراد به خصوص البالغ.

وقيل: خشية أن يظن بلفظ " رجل " الشخص. وهو أعم من الذكر والأنثى.

وقال ابن العربي: في قوله " ذَكَر " الإحاطة بالميراث إنما تكون للذكر دون الأنثى، ولا يرد قول مَن قال: إنَّ البنت تأخذ جميع المال ، لأنها إنما تأخذه بسببين متغايرين ، والإحاطة مختصة بالسبب الواحد وليس إلَّا الذكر. فلهذا نبه عليه بذكر الذكورية.

قال: وهذا لا يتفطن له كل مدع.

وقيل: إنه احتراز عن الخنثى في الموضعين فلا تؤخذ الخنثى في الزكاة ولا يحرز الخنثى المال إذا انفرد.

وقيل: للاعتناء بالجنس.

ص: 416

وقيل: للإشارة إلى الكمال في ذلك كما يقال امرأة أنثى.

وقيل: لنفي توهم اشتراك الأنثى معه ، لئلا يحمل على التغليب.

وقيل: ذُكر تنبيهاً على سبب الاستحقاق بالعصوبة ، وسبب الترجيح في الإرث ، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين.

وحكمته أنَّ الرجال تلحقهم المؤن كالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين وتحمّل الغرامات وغير ذلك، هكذا قال النووي.

وسبقه القاضي عياض. فقال: قيل هو على معنى اختصاص الرجال بالتعصيب بالذكورية التي بها القيام على الإناث.

وأصله للمازري. فإنه قال بعد أن ذكر استشكال ما ورد في هذا: وهو " رجل ذكر " وفي الزكاة " ابن لبون ذكر ".

قال: والذي يظهر لي أنَّ قاعدة الشرع في الزكاة الانتقال من سن إلى أعلى منها ، ومن عدد إلى أكثر منه ، وقد جعل في خمسة وعشرين بنت مخاض وسناً أعلى منها وهو ابن لبون ، فقد يتخيل أنه على خلاف القاعدة ، وأن السنين كالسن الواحد ، لأنَّ ابن اللبون أعلى سناً لكنه أدنى قدراً ، فنبَّه بقوله " ذكر " على أنَّ الذكورية تبخسه حتى يصير مساوياً لبنت مخاض مع كونها أصغر سناً منه.

وأما في الفرائض فلِمَا عُلم أنَّ الرجال هم القائمون بالأمور ، وفيهم معنى التعصيب ، وترى لهم العرب ما لا ترى للنساء فعبر بلفظ " ذكر " إشارة إلى العلة التي لأجلها اختص بذلك، فهما وإن اشتركا

ص: 417

في أنَّ السبب في وصف كل منهما بذكر التنبيه على ذلك ، لكن متعلق التنبيه فيهما مختلف، فإنه في ابن اللبون إشارة إلى النقص ، وفي الرجل إشارة إلى الفضل، وهذا قد لخصه القرطبي وارتضاه.

وقيل: إنه وصف لأولى لا لرجل. قاله السهيلي. وأطال في تقريره ، وتبجح به.

فقال: هذا الحديث أصل في الفرائض ، وفيه إشكال ، وقد تلقَّاه الناس أو أكثرهم على وجه لا تصح إضافته إلى من أوتى جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً. فقالوا: هو نعت لرجل، وهذا لا يصح لعدم الفائدة ، لأنه لا يتصور أن يكون الرجل إلَّا ذكراً ، وكلامه أجلُّ من أن يشتمل على حشو لا فائدة فيه ، ولا يتعلق به حكم، ولو كان كما زعموا لنقص فقه الحديث ، لأنه لا يكون فيه بيان حكم الطفل الذي لَم يبلغ سن الرجولية، وقد اتفقوا على أنَّ الميراث يجب له - ولو كان ابن ساعة - فلا فائدة في تخصيصه بالبالغ دون الصغير.

قال: والحديث إنما سبق لبيان من يستحق الميراث من القرابة بعد أصحاب السهام، ولو كان كما زعموا لَم يكن فيه تفرقة بين قرابة الأب وقرابة الأم.

قال: فإذا ثبت هذا فقوله " أولى رجل ذكر " يريد القريب في النسب الذي قرابته من قِبَل رجلٍ وصلبٍ لا من قِبَل بطنٍ ورحمٍ، فالأولى هنا هو ولي الميت فهو مضاف إليه في المعنى دون اللفظ ، وهو

ص: 418

في اللفظ مضاف إلى النسب - وهو الصلب - فعبر عن الصلب بقوله: أولى رجل. لأنَّ الصلب لا يكون إلَّا رجلاً فأفاد بقوله " لأولى رجل " نفي الميراث عن الأولى الذي هو من قِبَل الأم كالخال، وأفاد بقوله " ذكر " نفي الميراث عن النساء ، وإن كنَّ من المدلين إلى الميت من قِبل صلب لأنهن إناث.

قال: وسبب الإشكال من وجهين:

أحدهما: أنه لَمَّا كان مخفوضا ظن نعتاً لرجل ، ولو كان مرفوعاً لَم يشكل كأن يقال فوارثه أولى رجل ذكر.

والثاني: أنه جاء بلفظ أفعل ، وهذا الوزن إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف إليه كفلان أعلم إنسان ، فمعناه أعلم الناس فتوهم أنَّ المراد بقوله " أولى رجل " أولى الرجال ، وليس كذلك. وإنما هو أولى الميت بإضافته النسب وأولى صلب بإضافته كما تقول: هو أخوك أخو الرخاء لا أخو البلاء، قال: فالأولى في الحديث كالولي.

فإن قيل: كيف يضاف للواحد وليس بجزء منه؟.

فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته - وإن لَم يكن جزءاً منه - كقوله صلى الله عليه وسلم في البر: بر أمك ثم أباك ثم أدناك (1).

قال: وعلى هذا فيكون في هذا الكلام الموجز من المتانة وكثرة المعاني ما ليس في غيره، فالحمد لله الذي وفق وأعان انتهى كلامه.

(1) أخرجه مسلم (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 419

ولا يخلو من استغلاق.

وقد لخصه الكرماني ، فقال: ذكر صفة لأولى لا لرجل، والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال: فهو لقريب الميت ذكر من جهة رجل وصلب لا من جهة بطن ورحم، فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت، وأشير بذكر الرجل إلى الأولوية ، فأفاد بذلك نفي الميراث عن الأولى الذي من جهة الأم كالخال، وبقوله " ذكر " نفيه عن النساء بالعصوبة ، وإن كنّ من المُدلين للميت من جهة الصلب. انتهى

وقد أوردته كما وجدته ولَم أحذف منه إلَّا أمثلة أطال بها وكلمات طويلة تبجح بها بسبب ما ظهر له من ذلك، والعلم عند الله تعالى.

قال النووي: أجمعوا على أنَّ الذي يبقى بعد الفروض للعصبة يقدم الأقرب فالأقرب ، فلا يرث عاصب بعيد مع عاصب قريب، والعصبة كلُّ ذكر يُدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميت أنثى، فمتى انفرد أخذ جميع المال، وإن كان مع ذوي فروض غير مستغرقين أخذ ما بقي ، وإن كان مع مستغرقين فلا شيء له.

قال القرطبي: وأما تسمية الفقهاء الأخت مع البنت عصبة فعلى سبيل التجوز ، لأنها لَمَّا كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب.

ص: 420

قلت: وقد ترجم البخاري بذلك (1)

قال الطحاوي: استدل قوم - يعني ابن عباس ومن تبعه - بحديث ابن عباس ، على أنَّ من خلف بنتا وأخا شقيقا وأختا شقيقة كان لابنته النصف وما بقي لأخيه ولا شيء لأخته ولو كانت شقيقة، وطردوا ذلك فيما لو كان مع الأخت الشقيقة عصبة ، فقالوا: لا شيء لها مع البنت ، بل الذي يبقى بعد البنت للعصبة ولو بعدوا.

واحتجوا أيضاً بقوله تعالى: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصف ما ترك} قالوا: فمن أعطى الأخت مع البنت خالف ظاهر القرآن.

قال: واستُدل عليهم بالاتفاق على أنَّ من ترك بنتاً وابن ابن وبنت ابن متساويين أنَّ للبنت النصف وما بقي بين ابن الابن وبنت الابن ، ولَم يخصوا ابن الابن بما بقي لكونه ذكراً ، بل ورثوا معه شقيقته وهي أنثى.

قال: فعُلم بذلك أنَّ حديث ابن عباس ليس على عمومه ، بل هو في شيء خاص ، وهو ما إذا ترك بنتاً وعمّاً وعمةً فإن للبنت النصف وما بقي للعم دون العمة إجماعاً.

قال: فاقتضى النظر ترجيح إلحاق الأخت مع الأخ بالابن والبنت

(1) فقال " باب ميراث الأخوات مع البنات عصبةٌ " ثم أورد قضاء معاذ رضي الله عنه أنَّ النصف للابنة والنصف للأخت. وكذا قول ابن مسعود: لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وما بقي فللأخت "

ص: 421

لا بالعم والعمة، لأَنَّ الميت لو لَم يترك إلَّا أخاً وأختاً شقيقتين فالمال بينهما، فكذلك لو ترك ابن ابن وبنت ابن، بخلاف ما لو ترك عما وعمة فإن المال كله للعم دون العمة باتفاقهم.

قال: وأما الجواب عما احتجوا به من الآية ، فهو أنهم أجمعوا على أنَّ الميت لو ترك بنتاً وأخاً لأب كان للبنت النصف وما بقي للأخ، وأن معنى قوله تعالى:{ليس له ولدٌ} إنما هو ولد يحوز المال كله لا الولد الذي لا يحوز، وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد والأخ إذا انفرد واحد منهما، فإن اجتمعا فسيأتي حكمه (1)، ثم بنو الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا.

ومن أدلى بأبوين يُقدَّم على من أدلى بأب ، لكن يُقدَّم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأبوين ، ويُقدَّم ابن أخ لأب على عم لأبوين ، ويُقدَّم عم لأب على ابن عم لأبوين.

واستدل به البخاري على:

المسألة الأولى: أنَّ ابن الابن يحوز المال إذا لَم يكن دونه ابن.

وروى سعيد بن منصور عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه قال: ولد الأبناء بمنزلة الولد، إذا لَم يكن دونهم ولدٌ ذكرهم كذكرهم، وأنثاهم كأنثاهم، يرثون كما يرثون،

(1) في المسألة الثانية.

ص: 422

ويحجبون كما يحجبون، ولا يرث ولد الابن مع الابن.

قال ابن بطّال: قال أكثر الفقهاء فيمن خلفت زوجاً وأباً وبنتاً وابن ابن وبنت ابن: تقدّم الفروض فللزّوج الرّبع، وللأب السّدس، وللبنت النّصف، وما بقي بين ولدي الابن للذّكر مثل حظّ الأنثيين، فإن كانت البنت أسفل من الابن فالباقي له دونها.

وقيل: الباقي له مطلقاً لقوله " فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ ".

وتمسّك زيد بن ثابت والجمهور بقوله تعالى (في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين) ، وقد أجمعوا أنّ بني البنين ذكوراً وإناثاً كالبنين عند فقد البنين إذا استووا في التّعدّد، فعلى هذا تخصّ هذه الصّورة من عموم " فلأولى رجلٍ ذكرٍ ".

المسألة الثانية: على أنَّ الجد يرث جميع المال. إذا لَم يكن دونه أب.

وهو القول الأول: ووجه تعلّقه بالمسألة ، أنّه دلَّ على أنّ الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب النّاس للميّت فكان الجدّ أقرب فيقدّم.

وأخرج الدّارميّ بسندٍ على شرط مسلمٍ عن أبي سعيد الخدريّ ، أنّ أبا بكر الصّدّيق جعل الجدّ أباً.

وبسندٍ صحيحٍ إلى أبي سعيد وأبي موسى وعثمان بن عفّان ، أنّ أبا بكر كان يجعل الجدّ أباً. وفي لفظٍ له " أنّه جعل الجدّ أباً إذا لَم يكن دونه أبٌ ".

وأخرج محمّد بن نصر المروزيّ في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبّاس قال: الجدّ أبٌ.

ص: 423

وأخرج يزيد بن هارون من طريق ليث عن طاوسٍ ، أنّ عثمان وابن عبّاس كانا يجعلان الجدّ أباً.

وأخرج البخاري في " صحيحه " من طريق ابن أبي مُلَيكة قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزّبير في الجدّ ، فقال: إنّ أبا بكر أنزله أباً.

وفيه دلالة على أنّه أفتاهم بمثل قول أبي بكر.

واحتج ابن عبّاس بقوله تعالى (يا بني آدم) فأخرج محمّد بن نصر من طريق عبد الرّحمن بن معقل قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاس فقال له: كيف تقول في الجدّ؟ قال: أيّ أبٍ لك أكبر؟ فسكت، وكأنّه عيي عن جوابه، فقلت أنا: آدم، فقال: أفلا تسمع إلى قوله تعالى (يا بني آدم). أخرجه الدّارميّ من هذا الوجه.

واحتج أيضاً بقوله تعالى (واتّبعت ملة آبائي) فأخرج سعيد بن منصور من طريق عطاء عن ابن عبّاس قال: الجدّ أبٌ وقرأ (واتّبعت ملة آبائي) الآية.

واحتجّ بعض مَن قال بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " أنا ابن عبد المطّلب " وإنّما هو ابن ابنه.

قال البخاري: ولَم يُذكر أنّ أحداً خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم متوافرون. انتهى

كأنّه يريد بذلك تقوية حجّة القول المذكور ، فإنّ الإجماع السّكوتيّ حجّة، وهو حاصل في هذا، وممّن جاء عنه التّصريح بأنّ الجدّ يرث ما كان يرث الأب عند عدم الأب ، معاذ وأبو الدّرداء وأبو موسى وأبيّ

ص: 424

بن كعب وعائشة وأبو هريرة، ونقل ذلك أيضاً عن عمر وعثمان وعليّ وابن مسعود على اختلاف عنهم، ومن التّابعين عطاء وطاوسٌ وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو الشّعثاء وشريح والشّعبيّ، ومن فقهاء الأنصار عثمان التّيميّ وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وأبو ثور والمزنيّ وابن سريج.

القول الثاني: ذهب عمر وعليّ وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الإخوة مع الجدّ ، لكن اختلفوا في كيفيّة ذلك.

وأخرج سعيد بن منصور من طريق عطاء عن ابن عبّاس قال: يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني.

قال ابن عبد البرّ: وجه قياس ابن عبّاس. أنّ ابن الابن لَمَّا كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب، وقد ذكر من وافق ابن عبّاس في هذا توجيه قياسه المذكور ، من جهة أنّهم أجمعوا على أنّه كالأب في الشّهادة له ، وفي العتق عليه ، وأنّه لا يقتصّ منه ، وأنّه ذو فرض أو عاصب ، وعلى أنّ من ترك ابناً وأباً أنّ للأب السّدس والباقي للابن ، وكذا لو ترك جدّة لأبيه وابناً، وعلى أنّ الجدّ يضرب مع أصحاب الفروض بالسّدس كما يضرب الأب سواء ، قيل: بالعول أم لا.

واتّفقوا على أنّ ابن الابن بمنزلة الابن في حجب الزّوج عن النّصف والمرأة عن الرّبع والأمّ عن الثّلث كالابن سواء، فلو أنّ رجلاً ترك أبويه وابن ابنه كان لكلٍّ من أبويه السّدس وأنّ من ترك

ص: 425

أبا جدّه وعمّه أنّ المال لأبي جدّه دون عمّه ، فينبغي أن يكون لوالد أبيه دون إخوته فيكون الجدّ أولى من أولاد أبيه. كما أنّ أباه أولى من أولاد أبيه.

وعلى أنّ الإخوة من الأمّ لا يرثون مع الجدّ كما لا يرثون مع الأب فحجبهم الجدّ كما حجبهم الأب فينبغي أن يكون الجدّ كالأب في حجب الإخوة، وكذا القول في بني الإخوة، ولو كانوا أشقّاء.

وقال السّهيليّ: لَم ير زيد بن ثابت لاحتجاج ابن عبّاس بقوله تعالى (يا بني آدم) ونحوها ممّا ذكر عنه حجّة ، لأنّ ذلك ذكر في مقام النّسبة والتّعريف فعبّر بالبنوّة ، ولو عبّر بالولادة لكان فيه متعلق، ولكن بين التّعبير بالولد والابن فرقٌ، ولذلك قال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) ولَم يقل في أبنائكم، ولفظ الولد يقع على الذّكر والأنثى والواحد والجمع بخلاف الابن.

وأيضاً فلفظ الولد يليق بالميراث بخلاف الابن تقول ابن فلان من الرّضاعة ولا تقول ولده، وكذا كان من يتبنّى ولد غيره قال له ابني وتبنّاه ولا يقول: ولدي ولا ولده ، ومن ثَمَّ قال في آية التّحريم (وحلائل أبنائكم) إذ لو قال وحلائل أولادكم لَم يحتج إلى أن يقول من أصلابكم ، لأنّ الولد لا يكون إلَّا من صلبٍ أو بطنٍ.

وقد أخذ بقول زيدٍ جمهور العلماء: وتمسّكوا بحديث " أفرضكم زيدٌ " وهو حديثٌ حسنٌ أخرجه أحمد وأصحاب السّنن وصحَّحه التّرمذيّ وابن حبّان والحاكم من رواية أبي قلابة عن أنس.

ص: 426

وأعله بالإرسال، ورجّحه الدّارقطنيّ والخطيب وغيرهما، وله متابعاتٌ وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرّافعيّ.

وأخرج الدّارميّ بسندٍ صحيحٍ عن الشّعبيّ قال: أوّل جدّ ورث في الإسلام عمر فأخذ ماله، فأتاه عليّ وزيد - يعني ابن ثابت - فقالا: ليس لك ذلك إنّما أنت كأحد الأخوين ". وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الرّحمن بن غنمٍ مثله دون قوله " فأتاه إلخ " لكن قال " فأراد عمر أن يحتاز المال فقلت له: يا أمير المؤمنين إنّهم شجرة دونك، يعني بني أبيه ".

وأخرج الدّارقطنيّ بسندٍ قويٍّ عن زيد بن ثابت ، أنّ عمر أتاه فذكر قصّة فيها ، أنّ مثل الجدّ كمثل شجرة نبتت على ساقٍ واحدٍ فخرج منها غصن ثمّ خرج من الغصن غصن فإن قطعت الغصن رجع الماء إلى السّاق ، وإن قطعت الثّاني رجع الماء إلى الأوّل، فخطب عمر النّاس فقال: إنّ زيداً قال في الجدّ قولاً وقد أمضيته.

قال ابن بطّال: وقد احتجّ بحديث ابن عباس: من شرك بين الجدّ والأخ فإنّه أقرب إلى الميّت بدليل أنّه ينفرد بالولاء، ولأنّه يقوم مقام الولد في حجب الأمّ من الثّلث إلى السّدس، ولأنّ الجدّ إنّما يدلي بالميّت وهو ولد ابنه والأخ يدلي بالميّت وهو ولد أبيه والابن أقوى من الأب؛ لأنّ الابن ينفرد بالمال ويردّ الأب إلى السّدس ولا كذلك الأب فتعصيب الأخ تعصيب بنوّةٍ وتعصيب الجدّ تعصيب أبوّة، والبنوّة أقوى من الأبوّة في الإرث، ولأنّ الأخت فرضها النّصف إذا

ص: 427

انفردت فلم يسقطها الجدّ كالبنت، ولأنّ الأخ يعصّب أخته بخلاف الجدّ فامتنع من قوّة تعصيبه عليه أن يسقط به.

وقال السّهيليّ: الجدّ أصل ، ولكنّ الأخ في الميراث أقوى سبباً منه؛ لأنّه يدلي بولاية الأب فالولادة أقوى الأسباب في الميراث، فإن قال الجدّ وأنا أيضاً ولدت الميّت. قيل له إنّما ولدت والده، وأبوه ولد الإخوة فصار سببهم قويّاً وولد الولد ليس ولداً إلَّا بواسطةٍ وإن شاركه في مطلق الولديّة.

المسألة الثالثة: على أنَّ الأخ من الأم إذا كان ابن عم يرث بالفرض والتعصيب.

فروى سعيد بن منصور من طريق حكيم بن غفّال قال: أتي شُريح في امرأةٍ تركت ابني عمّها أحدهما زوجها، والآخر أخوها لأمّها (1) فجعل للزّوج النّصف والباقي للأخ من الأمّ، فأتوا عليّاً فذكروا له ذلك فأرسل إلى شُريح فقال: ما قضيت أبكتاب الله أو بسنّةٍ من رسول الله؟ فقال: بكتاب الله قال: أين؟ قال: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله) قال: فهل قال للزّوج النّصف وللأخ ما بقي؟ ثمّ أعطى الزّوج النّصف وللأخ من الأمّ السّدس ثمّ

(1) قال الحافظ في " الفتح "(12/ 34): صورتها أنّ رجلاً تزوج امرأة فأتت منه بابن ، ثم تزوج أخرى فأتت منه بآخر ، ثم فارق الثانية. فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت الثاني لأمه وابنة عمه، فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمها ، ثم ماتت عن ابني عمها.

ص: 428

قسم ما بقي بينهما.

وأخرج يزيد بن هارون والدّارميّ من طريق الحارث قال: أُتي عليٌّ في ابني عمٍّ أحدهما أخٌ لأمٍّ فقيل له: إنّ عبد الله كان يعطي الأخ للأمّ المال كله، فقال: يرحمه الله إن كان لفقيهاً، ولو كنت أنا لأعطيت الأخ من الأمّ السّدس ، ثمّ قسمت ما بقي بينهما.

قال ابن بطّال: وافق عليّاً زيد بن ثابتٍ والجمهور.

وقال عمر وابن مسعود: جميع المال - يعني الذي يبقى بعد نصيب الزّوج - للذي جمع القرابتين فله السّدس بالفرض، والثّلث الباقي بالتّعصيب، وهو قول الحسن وأبي ثور وأهل الظّاهر.

واحتجّوا بالإجماع في أخوين أحدهما شقيق والآخر لأبٍ أنّ الشّقيق يستوعب المال لكونه أقرب بأمٍّ.

وحجّة الجمهور: ما أشار إليه البخاريّ في حديث أبي هريرة الذي أورده في الباب بلفظ " فمن مات وترك مالاً فماله لموالي العصبة " والمراد بموالي العصبة بنو العمّ، فسوّى بينهم ولَم يفضّل أحداً على أحدٍ.

وكذا قال أهل التّفسير في قوله: (وإنّي خفت الموالي من ورائي) أي بني العمّ.

فإن احتجّوا بحديث ابن عبّاس " فما تركت الفرائض فلأولى رجلٍ ذكرٍ ".

فالجواب: أنّهما من جهة التّعصيب سواء، والتّقدير ألحقوا

ص: 429

الفرائض بأهلها. أي: أعطوا أصحاب الفروض حقّهم فإن بقي شيء فهو للأقرب، فلمّا أخذ الزّوج فرضه والأخ من الأمّ فرضه صار ما بقي موروثاً بالتّعصيب، وهما في ذلك سواء.

وقد أجمعوا في ثلاثة إخوة للأمّ أحدهم ابن عمّ أنّ للثّلاثة الثّلث والباقي لابن العمّ.

ص: 430