الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والعشرون
278 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب ربا، إلَّا هاء وهاء، والفضة بالفضة رباً، إلَّا هاء وهاء، والبرّ بالبرّ رباً، إلَّا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلَّا هاء وهاء. (1)
قوله: (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه) ولهما عن مالك بن أوس ، أنه التمس صرفاً بمائة دينار ، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني ، فأخذ الذهب يقلبها في يده. ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة ، وعمر يسمع ذلك ، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالورق .. فذكره.
قوله: (الذهب بالذهب) وللبخاري عن عبد الله بن يوسف أخبرنا مالكٌ عن ابن شهابٍ بلفظ " الذهب بالورق ". (2)
(1) أخرجه البخاري (2027) ومسلم (1586) من طريق سفيان ، والبخاري (2062) ومسلم (1586) من طريق الليث ، والبخاري (2065) من طريق مالك كلهم عن الزهري عن مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه.
(2)
وقع في طبعة البغا في رواية مالك (الذهب بالذهب) وهي خطأ كما قال ابن عبد البر هنا ، ووافقه ابن حجر.
أمّا رواية ابن عيينة. فذكرها البخاريُّ ، ولم يذكرها مسلم. ففي طبعة البغا (الذهب بالذهب) أمّا في الفتح (الذهب بالورق).
قال ابن حجر: هكذا رواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه ، وهي رواية أكثر أصحاب الزهري، وقال بعضهم فيه: الذهب بالذهب. انتهى
أمَّا رواية الليث فساقها مسلم بلفظ (الذهب بالورق) ولم يذكرها البخاري أصلاً.
قال ابن عبد البرّ: لَم يختلف على مالك فيه ، وحمله عنه الحفّاظ حتّى رواه يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعيّ عن مالك، وتابعه معمر والليث وغيرهما، وكذلك رواه الحفّاظ عن ابن عيينة. وشذّ أبو نعيم عنه فقال " الذّهب بالذّهب " كذلك رواه ابن إسحاق عن الزّهريّ. انتهى.
ويجوز في قوله " الذّهب بالورق " الرّفع. أي: بيع الذّهب بالورق. فحذف المضاف للعلم به، أو المعنى الذّهب يباع بالذّهب.
ويجوز النّصب. أي: بيعوا الذّهب.
والذّهب يطلق على جميع أنواعه المضروبة وغيرها، والذّهب يذكّر ويؤنّث. فيقال ذهبٌ وذهبةٌ.
والوَرِق: الفضّة. وهو بفتح الواو وكسر الرّاء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحهما، وقيل: بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال، والمراد هنا جميع أنواع الفضّة مضروبةً وغير مضروبةٍ.
قوله: (إلَّا هاء وهاء) بالمدّ فيهما وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وقيل: بالسّكون، وحكي: القصر بغير همز. وخطّأها الخطّابيّ.
وردّ عليه النّوويّ ، وقال: هي صحيحةٌ ، لكن قليلة. والمعنى خذ وهات، وحكي " هاك " بزيادة كاف مكسورة ، ويقال " هاء " بكسر الهمزة بمعنى هات ، وبفتحها بمعنى خذ بغير تنوين.
وقال ابن الأثير: هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيّعين: هاء فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر " إلَّا يداً بيد " يعني مقابضةً في المجلس.
وقيل: معناه خذ وأعط، قال: وغير الخطّابيّ يجيز فيها السّكون على حذف العوض ، ويتنزّل منزلة " ها " التي للتّنبيه.
وقال ابن مالك: ها اسم فعلٍ بمعنى خذ، وإن وقعت بعد إلَّا فيجب تقدير قولٍ قبله يكون به محكيّاً ، فكأنّه قيل: ولا الذّهب بالذّهب إلَّا مقولاً عنده من المتبايعين هاء وهاء.
وقال الخليل: كلمةٌ تستعمل عند المناولة، والمقصود من قوله " هاء وهاء " أن يقول كل واحدٍ من المتعاقدين لصاحبه: هاء فيتقابضان في المجلس.
قال ابن مالك: حقّها أن لا تقع بعد إلَّا كما لا يقع بعدها خذ.
قال: فالتّقدير لا تبيعوا الذّهب بالورق إلَّا مقولاً بين المتعاقدين هاء وهاء.
واستدل به على اشتراط التّقابض في الصّرف في المجلس. وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ.
وعن مالكٍ: لا يجوز الصّرف إلَّا عند الإيجاب بالكلام، ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى آخر لَم يصحّ تقابضهما، ومذهبه أنّه لا يجوز عنده تراخي القبض في الصّرف سواء كانا في المجلس أو تفرّقا.
وحمَلَ قولَ عمر " لا يفارقه " على الفور حتّى لو أخّر الصّيرفيّ
القبض حتّى يقوم إلى قعر دكّانه ثمّ يفتح صندوقه لَمَا جاز.
قوله: (والبرّ بالبرّ ربا
…
إلخ) بضمّ الموحّدة ثمّ راء من أسماء الحنطة. والشّعير بفتح أوّله معروف ، وحكي: جواز كسره.
واستدل به على أنّ البرّ والشّعير صنفان. وهو قول الجمهور.
وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعيّ ، فقالوا: هما صنف واحد.
قال ابن عبد البرّ: فيه أنّ النّسيئة لا تجوز في بيع الذّهب بالورق، وإذا لَم يجز فيهما مع تفاضلهما بالنّسيئة ، فأحرى أن لا يجوز في الذّهب بالذّهب وهو جنسٌ واحدٌ، وكذا الورق بالورق، يعني إذا لَم تكن رواية ابن إسحاق ومن تابعه محفوظةً فيؤخذ الحكم من دليل الخطاب.
وقد نقل ابن عبد البرّ وغيره الإجماع على هذا الحكم، أي: التّسوية في المنع بين الذّهب بالذّهب وبين الذّهب بالورق فيستغنى حينئذٍ بذلك عن القياس.