الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
262 -
عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نَهى البائع والمُبتاع. (1)
قوله: (نهى عن بيع الثمرة) الثّمار بالمثلثة جمع ثمرةٍ بالتّحريك ، وهي أعمّ من الرّطب وغيره، ولَم يجزم البخاري بحكمٍ في المسألة لقوّة الخلاف فيها.
وقد اختلف في ذلك على أقوال:
القول الأول: يبطل مطلقاً. وهو قول ابن أبي ليلى والثّوريّ، ووهم من نقل الإجماع على البطلان.
القول الثاني: يجوز مطلقاً ولو شرط التّبقية. وهو قول يزيد بن أبي حبيب، ووهم من نقل الإجماع فيه أيضاً.
القول الثالث: إنّ شرط القطع لَم يبطل وإلا بطل ، وهو قول الشّافعيّ وأحمد والجمهور. ورواية عن مالك.
القول الرابع: يصحّ إن لَم يشترط التّبقية ، والنّهي فيه محمول على
(1) أخرجه البخاري (2082) ومسلم (1534) من طرق عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري (1415) ومسلم (1534) من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه. نحوه.
وللبخاري (2072) من طريق الزهري عن سالم عن أبيه نحوه. وذكره معلّقاً (2087).
بيع الثّمار قبل أن توجد أصلاً. وهو قول أكثر الحنفيّة.
القول الخامس: هو على ظاهره ، لكنّ النّهي فيه للتّنزيه
وحديث زيد بن ثابت في البخاري معلقاً (1): قال: كان النّاس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثّمار، فإذا جدّ النّاس وحضر تقاضيهم ، قال المبتاع: إنّه أصاب الثّمر الدّمان ، أصابه مراضٌ ، أصابه قشامٌ عاهاتٌ يحتجّون بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا كثرت عنده الخصومة في ذلك: فإمّا لا. فلا يتبايعوا حتّى يبدو صلاح الثّمر. كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم " يدل للأخير، وقد يحمل على الثّاني
قوله: (حتى يبدو صلاحها) مقتضاه جواز بيعها بعد بدوّ الصّلاح مطلقاً سواءٌ اشترط الإبقاء أم لَم يشترط، لأنّ ما بعد الغاية مخالفٌ لِمَا قبلها، وقد جعل النّهي ممتدّاً إلى غاية بدوّ الصّلاح، والمعنى فيه أن تؤمن فيها الغاية وتغلب السّلامة فيثق المشتري بحصولها، بخلاف ما قبل بدوّ الصّلاح فإنّه بصدد الغرر.
(1) قال البخاري (2193) وقال اللّيث: عن أبي الزّناد: كان عروة بن الزّبير يحدّث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة ، أنّه حدّثه عن زيد بن ثابتٍ .. فذكره. ثم قال: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ ، أنّ زيد بن ثابتٍ لَم يكن يبيع ثمار أرضه حتّى تطلع الثّريّا. فيتبيّن الأصفر من الأحمر.
قال الحافظ في " الفتح "(4/ 498): لَم أره موصولاً من طريق اللّيث، وقد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزّناد عن أبيه نحو حديث اللّيث ، ولكن بالإسناد الثّاني دون الأوّل، وأخرجه أبو داود والطّحاويّ من طريق يونس بن يزيد عن أبي الزّناد بالإسناد الأوّل دون الثّاني، وأخرجه البيهقيّ من طريق يونس بالإسنادين معاً. اهـ
وقد أخرج مسلمٌ الحديث من طريق أيّوب عن نافعٍ. فزاد في الحديث " حتّى يأمن العاهة ". وفي رواية يحيى بن سعيدٍ عن نافعٍ بلفظ " وتذهب عنه الآفة ببدوّ صلاحه حمرته وصفرته ". وهذا التّفسير من قول ابن عمر بيّنه مسلمٌ في روايته من طريق شعبة عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر. فقيل لابن عمر: ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته.
وروى أبو داود من طريق عطاءٍ عن أبي هريرة مرفوعاً قال: إذا طلع النّجم صباحاً رفعت العاهة عن كل بلدٍ.
وفي رواية أبى حنيفة عن عطاءٍ " رفعت العاهة عن الثّمار ".
والنّجم هو الثّريّا، وطلوعها صباحاً يقع في أوّل فصل الصّيف ، وذلك عند اشتداد الحرّ في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثّمار؛ فالمعتبر في الحقيقة النّضج وطلوع النّجم علامةٌ له، وقد بيّنه حديث زيد بن ثابت بقوله " ويتبيّن الأصفر من الأحمر ".
وروى أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة ، سألت ابن عمر عن بيع الثّمار ، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثّمار حتّى تذهب العاهة. قلت: ومتى ذلك؟ قال: حتّى تطلع الثّريّا.
وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصّلاح وبعده ، ذهب الجمهور.
وعن أبي حنيفة: إنّما يصحّ بيعها في هذه الحالة حيث لا يشترط الإبقاء، فإن شرطه لَم يصحّ البيع. وحكى النّوويّ في " شرح مسلمٍ " عنه. أنّه أوجب شرط القطع في هذه الصّورة.
وتعقّب: بأنّ الذي صرّح به أصحاب أبي حنيفة ، أنّه صحّح البيع حالة الإطلاق قبل بدوّ صلاحٍ وبعده، وأبطله بشرط الإبقاء قبله وبعده، وأهل مذهبه أعرف به من غيرهم.
واختلف السّلف في قوله " حتّى يبدو صلاحها ".
هل المراد به جنس الثّمار حتّى لو بدا الصّلاح في بستانٍ من البلد مثلاً جاز بيع ثمرة جميع البساتين. وإن لَم يبد الصّلاح فيها، أو لا بدّ من بدوّ الصّلاح في كل بستانٍ على حدةٍ، أو لا بدّ من بدوّ الصّلاح في كل جنسٍ على حدةٍ أو في كل شجرةٍ على حدةٍ؟ على أقوالٍ:
والأوّل: قول الليث، وهو عند المالكيّة بشرط أن يكون الصّلاح متلاحقاً.
والثّاني: قول أحمد، وعنه روايةٌ كالرّابع.
والثّالث: قول الشّافعيّة.
ويمكن أن يؤخذ ذلك من التّعبير ببدوّ الصّلاح ، لأنّه دالٌ على الاكتفاء بمسمّى الإزهار من غير اشتراط تكامله فيؤخذ منه الاكتفاء بزهو بعض الثّمرة وبزهو الشّجرة مع حصول المعنى وهو الأمن من العاهة، ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهيةً بإزهاء بعضها قد لا يكتفى به لكونه على خلاف الحقيقة.
وأيضاً فلو قيل بإزهاء الجميع لأدّى إلى فساد الحائط أو أكثره، وقد منّ الله تعالى بكون الثّمار لا تطيب دفعةً واحدةً ليطول زمن التّفكّه بها.
قوله: (نهى البائع والمبتاع) أمّا البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأمّا المشتري فلئلا يضيّع ماله ويساعد البائع على الباطل. وفيه أيضاً قطع النّزاع والتّخاصم.
تكميل: قال البخاري " باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه، وقد وجب فيه العشر أو الصّدقة فأدّى الزّكاة من غيره أو باع ثماره ولَم تجب فيه الصّدقة. وقول النّبىّ صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الثّمرة حتّى يبدو صلاحها " فلم يحظر البيع بعد الصّلاح على أحدٍ ولَم يخصّ من وجب عليه الزّكاة ممّن لَم تجب " انتهى
ظاهر سياق هذه التّرجمة ، أنّ البخاري يرى جواز بيع الثّمرة بعد بدوّ الصّلاح ولو وجبت فيها الزّكاة بالخرص مثلاً لعموم قوله " حتّى يبدو صلاحها " وهو أحد قولي العلماء.
القول الثّاني: لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلّق حقّ المساكين بها، وهو أحد قولي الشّافعيّ.
وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصّلاح وقبل الخرص جمعاً بين الحديثين.
وقوله " فأدّى الزّكاة من غيره " ، لأنّه إذا باع بعد وجوب الزّكاة فقد فعل أمراً جائزاً كما تقدّم. فتعلقت الزّكاة بذمّته فله أن يعطيها من غيره ، أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه. وهو اختيار البخاريّ كما سبق.
وأمّا قوله " ولَم يخصّ من وجبت عليه الزّكاة ممّن لَم تجب " فيتوقّف
على مقدّمةٍ أخرى ، وهي أنّ الحقّ يتعلق بالصّلاح، وظاهر القرآن يقتضي أنّ وجوب الإيتاء إنّما هو يوم الحصاد على رأي من جعلها في الزّكاة، إلَّا أن يقال: إنّما تعرّضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب.
والظّاهر. أنّ البخاريّ اعتمد في تصحيح هذه المقدّمة استعمال الخرص عند الصّلاح لتعلق حق المساكين، فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك ابن رشيد.
وقال ابن بطّال: أراد البخاريّ الرّدّ على أحد قولي الشّافعيّ بفساد البيع كما تقدّم، وقال أبو حنيفة: المشتري بالخِيَار. ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع، وعن مالك: العشر على البائع إلَّا أن يشترطه على المشتري وهو قول الليث، وعن أحمد الصّدقة على البائع مطلقاً. وهو قول الثّوريّ والأوزاعيّ. والله أعلم.